ترامب وبوتين يعقدان مؤتمرًا صحفيًا قصيرًا دون الإجابة على أسئلة الصحفيين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    الاحتلال يُواصل الإبادة والتجويع فى غزة لليوم ال 680    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    أول تعليق من زوجة أحمد زيزو بعد حصوله على جائزة رجل مباراة الأهلي وفاركو    ليلة راب استثنائية فى مهرجان العلمين الجديدة بدورته الثالثة تحت شعار كامل العدد.. شهاب يفتتح الحفل ويتألق بأشهر أغانيه.. ليجى سى يقدم عرفة وبيتادين والوقت الضايع.. ومروان بابلو مسك الختام وسط تفاعل جماهيرى كبير    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    انكسار الموجة الحارة.. بيان هام من الأرصاد بشأن طقس السبت    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    شاهد| محمد صلاح يدخل في نوبة بكاء عقب نهاية لقاء بورنموث    محمد شريف: تعلمنا من أخطائنا.. والهدف المبكر ساعدنا ضد فاركو    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 16 أغسطس 2025    محافظ الوادي الجديد يعتمد المرحلة الثانية للقبول بمدارس التعليم الفني    صور..المصريون يحتفلون ب "عيد وفاء النيل" تقديرًا لعطاء النهر الخالد ودوره في بناء الحضارة المصرية    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    أول رد فعل من ريبيرو على فوز الأهلي أمام فاركو وخطأ مصطفى شوبير    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع فوز الأهلي على فاركو بالدوري؟ (كوميك)    صلاح يسجل..ليفربول يهزم بورنموث برباعية في افتتاحية الدوري الإنجليزي    نتائج مباريات الجمعة في الجولة الثانية من الدوري المصري الممتاز "دوري Nile"    النيابة العامة تُقرر إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    إخلاء سبيل مصمم فيديو المتحف المصري الكبير من ديوان قسم الهرم    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    قرار عاجل من النيابة بشأن صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    تكريم هاني شنودة ومشاركة فريق "وسط البلد".. 17 صورة من افتتاح "القلعة للموسيقى والغناء"    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    الكاتب عمر طاهر يروي كواليس لقائه مع الروائي الراحل صنع الله إبراهيم    جريئة ومُبهجة.. بالصور أجمل إطلالات النجمات في المصيف    أثناء لقاء ترامب وبوتين.. أوكرانيا تحذر من هجوم جوي روسي    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    ليفربول يدين الهتافات العنصرية ضد مهاجم بورنموث    بعد تصديق الرئيس.. القانون يمد خدمة المعلمين المتقاعدين لمدة 3 سنوات    القانون يحدد ضوابط العلاوة التشجيعية للموظفين.. إليك التفاصيل    تعرف على حالتين يحق فيهما إخلاء السكن القديم.. وفقًا للقانون    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    بعد ساعات.. غلق كلي ب كوبري الجلاء في الاتجاهين لمدة 3 ساعات    قرار هام من التريبة والتعليم حول تظلمات الدفعة الثانية ل 30 ألف معلم    بمشاركة محافظ المنيا ونائب وزير الصحة.. اجتماع موسع لبحث تطوير المنظومة الطبية    تأثير كوب القهوة يختلف من شخص لآخر.. اعرف السبب    أخبار 24 ساعة.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا    تليفزيون اليوم السابع يستعرض أبرز ما يميز النسخة المطورة من تطبيق مصر قرآن كريم.. فيديو    ضحى عاصى: صنع الله إبراهيم قدم صورة لفكرة الروائى المشتبك مع قضايا الوطن    غدًا على "إكسترا نيوز".. سامح عاشور في حوار خاص في "ستوديو إكسترا" حول مخطط "إسرائيل الكبرى"    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    وكيل صحة المنوفية يوضح حقيقة سقوط أسانسير مستشفى بركة السبع    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 16 أغسطس 2025    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم السبت 16 أغسطس بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    موعد صرف مرتبات أغسطس 2025 بعد زيادة الحد الأدنى للأجور    خطوات التظلم على قرار منع السفر وفق قانون الإجراءات الجنائية    خطيب الأزهر يحذر من فرقة المسلمين: الشريعة أتت لتجعل المؤمنين أمة واحدة في مبادئها وعقيدتها وعباداتها    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميثاق الشرف المنسي
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 17 - 04 - 2010

إصدار وزير الإعلام «أنس الفقي» قراره الأخير بإحالة حلقة برنامج «مصر النهارده» التي استضافت «أحمد شوبير» و«مرتضي منصور» إلي لجنة تقييم الأداء الإعلامي لرصد ما بها من ملابسات وتجاوزات، يعيدنا إلي التساؤل عن ماهية الثوابت الأخلاقية التي تحكم العمل الإعلامي خاصة في تليفزيون الدولة، وهل هذه القيم مُدونة فعلياً؟.. أم أنها مُجرد حبر علي ورق؟.. وهل مثل هذه التجاوزات كانت تحدث في الماضي؟.. وهل لا يوجد فارق الآن في الأداء الإعلامي بين فضائية خاصة وتليفزيون دولة؟ هل انساق التليفزيون فعلياً لمجاراة الفضائيات فاكتسب سلبياتها؟.. هذه الأسئلة طرحناها بالفعل علي مجموعة من الإعلاميين وأساتذة الإعلام لتوصيف ما يحدث والتماس طرق الخروج منه. - القيم معروفة
الإعلامي «حمدي الكنيسي» رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية بمجلس الشوري يُحدثنا عن ماهية الثوابت الأخلاقية التي تحكم العمل الإعلامي بأنها مُحددة بميثاق الشرف الإعلامي سواء في الإذاعة أو التليفزيون، والذي يوضح مجموعة معايير أخلاقية لابد أن يتم الالتزام بها، خاصة أن التليفزيون الرسمي رسالته واضحة، وهو المصدر الحقيقي للثقافة، فالمعايير الأخلاقية معروفة مثل عدم انتهاك حُرمة الحياة الخاصة وعدم السخرية من فئات أو أشخاص بعينهم مثل المُعاقين وعدم التعرض أو المساس بالدين أو ما يمس الأمن القومي، وعدم استخدام ألفاظ تُسيء للأخلاق.. وهو ما أكده الإعلامي الكبير «فهمي عمر» بقوله: «ميثاق الشرف الإعلامي شيء معروف وتربيتُ عليه منذ أول يوم لي في الإذاعة، فالإعلامي لابد أن ينتقي ألفاظه، ويدرس موضوعاته ويتحدث بحيادية، ويبتعد عن الألفاظ التي تُسيء للآخرين، ويختار الموضوعات التي تعكس اهتمامات الناس، فيجب أن يكون للموضوع صدي لديهم، كما أن مناقشة الضيوف لا تعني مقاطعتهم».. ويضيف عضو مجلس الشوري وعضو المجلس الأعلي للصحافة «د. شوقي السيد» بأن هناك قيما عليا وتقاليد وأخلاقا مصرية معروفة، وهذه ليست عبارات مطاطة، بل لها معان راسخة، يعرفها الرأي العام المصري، وتعرفها الأسرة العريقة، وتنص عليها النواميس الأخلاقية التي تؤكد وترسخ الأخلاق والتقاليد التي نعرفها جميعاً.. إلا أنك تجد الإعلاميين الآن لا يعرفون أبسط قواعد الذوق والاحترام- والحديث هنا ل«د. جيهان رشتي» الأستاذة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة- فحتي الضيوف الذين تتم دعوتهم معروف عنهم الميل إلي الشغب في البرامج الحوارية- مثل المستشار «مرتضي منصور»- ولقاء شوبير ومرتضي في برنامج مصر النهارده لم يكن يستحق كل هذه الضجة التي أثارها صناع البرنامج قبل الحلقة، فالمسئولون يُلامون، وفي هذه اللحظة كان لابد من وقف البرنامج لتعديه الحد الأدني من اللياقة، وبالرغم من أن هذا الحد يختلف من إنسان لآخر، إلا أنه من المتعارف عليه بين الإعلاميين أنه من غير اللائق التفوه بألفاظ غير مقبولة في الحلقة، أو أن يلجأ شخص للتهديد وكشف الفضائح الشخصية، أو الاتجاه للحصول علي معلومات بأساليب غير أخلاقية كتسجيل مكالمة هاتفية - ولعل أشهرها واقعة التسجيل الشهيرة لشوبير- فالساحة الإعلامية مباحة لكل شخص ليقول أي شيء، وللأسف في التليفزيون المصري العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.. وتضيف الإعلامية الكبيرة «نجوي إبراهيم»: «التليفزيون المصري في الماضي كان بيتا، لكن الآن الإعلام مفتوح علي مصراعيه، فالسماوات المفتوحة تجعلك تصطدم بأشياء كثيرة ضد أخلاقك، فأنت لم يعد لديك جيل تليفزيون، بل ما لديك هو جيل الإنترنت والسماوات المفتوحة، فالتركيز علي الاختراعات جعلنا ننسي وجود بيت وأسرة، وبالتالي أخلاقيات، واستعنا فقط بالاختراعات دون الأخلاقيات».. وبالرغم من أن العملية الإعلامية الآن مُركبة ومُتشعبة- والحديث هنا للإعلامية الكبيرة «سلمي الشماع»- لكن هناك قواعد معينة يجب علي التليفزيون الرسمي للدولة ألا يحيد عنها لأنه يتعامل مع كل فئات المجتمع دون تمييز، فلا يُمكن مثلاً أن نُشاهد إعلامياً يُعلي من قيمة شخص أو موضوع لحساب موضوعات أخري أو توجه شخصي، فالإعلام نخلقه بمجموعة من المفاهيم التي نعرفها، فنخلقه بالثقافة وبالفن وبالحضارة، فلا يصح أن تظهر قنوات فضائية تقام علي العشوائية ولخدمة أصحاب الرأي، وليس الرأي نفسه، وللأسف لم تعد هناك معايير للشكل الإعلامي، فهناك قيم ومعايير ومهنية ووعي غائب، وحتي ميثاق الشرف الذي من المفروض أن يتم العمل به لا يتم العمل به في الوقت الحالي.
- غياب الضمير
وبالرغم من أن هذه القيم موثقة في مواثيق الشرف الأخلاقي، والدستور نص عليها، والأهم أن قيم المجتمع العُليا عبرت عنها- كما يقول «د. شوقي السيد»- إلا القوانين وميثاق الشرف الإعلامي في الأساس داخل الإعلامي دون توجيهات- كما تؤكد «نجوي إبراهيم»- ويضيف «حمدي الكنيسي»: «والجزء الأساسي من هذه القيم الأخلاقية المُدونة في ميثاق الشرف الإعلامي يدرسها ويستوعبها من يجتاز اختبارات الإذاعة والتليفزيون، فمن يدخل من الباب الشرعي، جزء من تدريبه معرفة القيم الأخلاقية التي لابد أن يلتزم بها».. وهو ما تؤكده «سلمي الشماع» بقولها: «حينما يظهر شخص ما علي التليفزيون لابد أن يكون ملماً في الأساس بالعمل الإعلامي، أي يكون دارساً للإعلام، وهو ما يخلق بالتالي ضميراً مهنياً يحكمه، فهذا هو ما تعلمناه وعلمناه، لكن الآن تجد مجموعة دخيلة علي الإعلام، ولديها أجندات خاصة، فهي ليست واعية أو مُدربة أو حتي دارسة للحقل الإعلامي نفسه، وبالتالي ميثاق الشرف موجود، لكن هناك ضميرا ووعيا أكثر لدي الدارس للإعلام».
وللأسف من يعملون حاليا لم يدرسوا أخلاقيات المهنة - كما تقول «د. جيهان رشتي» - وبالتالي هناك تدن في كيفية الحصول علي معلومة، وعدم تنظيم، وعدم فهم لطبيعة المصدر الذي سيأتي للحلقة، كما أن هناك عدم اختيار دقيق للمصدر الذي آتي به لخدمة الموضوع الذي أناقشه، وهو شيء لا حاجة لقوانين لكي ألتزم بها عند اتخاذ القرار، فمثلاً إذا نشرت واقعة عن فتاة اغتصبت فلا داعي لذكر اسمها، إلا أن هناك أصواتا تُطالب ب«حق الجمهور في المعرفة»! لكن هذه أخلاقيات.
- المهاترات التليفزيونية
وينفي «حمدي الكنيسي» حدوث مثل هذه المهاترات التليفزيونية قديماً، فيقول: «كان من المستحيل أن يوجد في الماضي مثل هذه الوقائع؛ لأني وغيري كنا ندرس ما نقدمه، فنعرف نوعية القضية المُثارة، وعلي علم تام بطبيعية الضيوف، وهل هُم ملتزمون أم لا؟.. وهل يُعبرون عن أفكارهم دون تخطي حدود اللياقة أم لا؟ وهل من الممكن السيطرة عليهم في حالة البرامج المسجلة، لكن المشكلة في برامج الهواء، فالبرامج المسجلة تسمح لك بالسيطرة وتنقية البرنامج من أي شوائب - وهو ما يقوم به المونتاج - وأعتقد أنه لو كان لمحمود سعد الفرصة في أن يسجل حلقة شوبير ومرتضي كان من الممكن أن يسيطر علي مقاليد الأمور».
ويُضيف «د.شوقي السيد»: «المهاترات والبطولات الزائفة للأسف تتصاعد علي الشاشة الصغيرة، والقيم مفقودة، والرسالة الإعلامية تُريد مقدم برامج يفهم ماذا يقدم وهو ما لا يحدث، فيجب أن تكون هناك رسالة إعلامية قيمة لتقدم سواء علي شاشة تليفزيون الدولة أو في فضائية خاصة، لكن لأول مرة تجد قضاء يحكم بوقف برامج- مثل الحكم القضائي بوقف برنامج شوبير علي قناة الحياة- وهو ما يعني خللاً كبيراً وخروجا عن المألوف».. وبالرغم من أن الذي يحدث علي الساحة الإعلامية الآن شيء زائد عن الحد- كما تري «نجوي إبراهيم»- إلا أن هذا شيء طبيعي في الوقت نفسه، فالدنيا انفتحت، ولا يمكن الحكم بما هو صحيح أو خاطئ، فأنت حينما تتحدث عن الجيل القديم ستجد أنك تتحدث عن محطتين فقط علي شاشة التليفزيون وعن مجتمع تعداده ليس بهذا الحجم الكبير الآن، وبالتالي لا يُمكن اعتبار التليفزيون المصري قد هبط مستواه، بل هو دخل في المنظومة الإعلامية المفتوحة، أو دخل في المولد، والمولد كل شيء فيه مُباح!..
لكن قديماً كانت هناك قواعد، فلم يكن من المسموح أصلاً أن يتم التطرق للموضوعات التي لها علاقة بقضايا تُنظر في المحاكم، وتضيف «سلمي الشماع»: «كان هناك أشياء تحترم، وقديماً كانت كل أشكال البرامج موجودة كبرامج الTalk show والمسابقات، لكن لم يكن هناك إثارة أو السعي وراء الإعلانات، فكثرة الإعلانات الآن مُرتبطة ارتباطًا أساسيًا برواج المُنتج، فالمنتج الرديء عليه إعلانات، لكن هل هناك برنامج محترم ثقافي أو حواري له قيمة عليه إعلانات؟».
- الإعلان هو المشكلة
وتُرجع «د. جيهان رشتي» عدم حدوث المُهاترات التليفزيونية الحالية من قبل إلي أن هناك سعيا وراء الإعلانات والإثارة، وحتي برامج الحوار انساقت وراء هذا بدلاً من رفع المستوي الثقافي، فالجميع يرغب في صنع دراما علي الهواء لأن الناس تحب ذلك لكن لا أحد يستفيد.. وتضيف «د. جيهان رشتي»: «فهناك مثلاً المذيعان سيد علي وهناء السمري في برنامج 48 ساعة علي قناة المحور يفرضان آراءهما علي الناس، وهو ما ليس من المفترض علي الإعلامي أن يقوم به، فالمفترض في الإعلامي الحيادية أي عدم الانحياز لوجهة نظره الشخصية أو حتي لوجهة نظر ضيوفه، لهذا أجد أن مُني الشاذلي عظيمة في العاشرة مساء، وأيضاً لميس الحديدي في برنامج من قلب مصر علي شاشة النايل لايف، وكذلك رولا خرسا علي قناة الحياة، وحتي الوجوه الشابة كشريف عامر في الحياة اليوم، كما أجد في التليفزيون المصري برامج محترمة كالبرامج الإخبارية وبرنامج حالة حوار الذي يُقدمه د. عمرو عبدالسميع، إلا أنك تجد أمثلة سلبية في الوقت نفسه كتامر أمين في برنامج «مصر النهارده»، فهو لا يحترم ضيوفه في الاستديو ويفرض رأيه، وهذا أيضاً غير مسموح؛ لأن الإعلامي يمثل المشاهد في المنزل، والمشاهد لابد أن يحترم ضيفه».. لكن تبقي مشكلة سطوة الإعلان علي التليفزيون بشكل رهيب- كما يقول «حمدي الكنيسي»- وهو ما يؤدي إلي التنازل عن معايير وقيم كثيرة، ويضيف: «للأسف لا يمكن للجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشوري أو حتي مجلس الشعب أن تقوم بالسيطرة المباشرة علي المهاترات التي تحدث في التليفزيون، فما يمكن فعله هو أن يُقدم أي نائب طلب إحاطة أو استجوابا، وتدرس اللجنة هذا الطلب لينجم عنه قرار، لهذا أجد أن الآلية الوحيدة التي تسمح بتنقية التليفزيون مما يحدث هو وجود نقابة للإعلاميين، ويكون بها لجنة قيم تقوم بالمحاسبة المباشرة، فالمحاسبة من المجتمع المدني أو النقابة أفضل في رأيي من أن يطلب الوزير تشكيل لجنة لتقييم الآداء، فبهذا تجنب الوزير أي حرج، وتصبح الكرة في ملعب النقابة، لكن ما يحدث الآن هو أن الإعلان أصبح المتحكم بكل شيء، فهو من يمول البرامج ويختار مذيعيها، وهو ما أثر بشدة علي التليفزيون المصري لأنه يعتمد علي الإعلان للإتيان بموارده، بالرغم من أن للتليفزيون استحقاقات مالية ضخمة من الممكن أن تجعله في غني عن الإعلان مثل تلك الاستحقاقات التي لا يحصل عليها من مؤسسات الدولة، فبيانات وزارة الصحة التي تذاع علي التليفزيون دون مقابل، مثلاً لديك دمغة بقرش أو بجنيه واحد لو زادت قليلاً يعني تمويلاً هائلاً، فهناك طرق من الممكن أن تجنب التليفزيون ما يحدث لكنه لا يقوم بها»!
- الكيف لا الكم
هناك إحساس عام بالعشوائية - كما تقول «سلمي الشماع»- فكيف نجد مثلاً تليفزيون الدولة يستضيف فنانتين معتزلتين ك«سهير البابلي» و«سهير رمزي» للحديث عن الدين؟!.. وهو ما يجعلك تتساءل أين الضوابط؟.. وأين السياسة الإعلامية؟.. وكانت الحركة الإعلامية واضحة وصريحة في أطر، وأنا لستُ مع تقييد سقف الإبداع أو الحرية، لكن ما يحدث الآن غريب، ومن الممكن أن أشد المشاهد بشيء له قيمة، فمثلاً حينما تذيع فيلماً ك«دعاء الكروان» أو أفلاماً أخري لمخرجين مُهمين ستجد إقبالاً، فتستطيع أن تذيع شيئاً له قيمة فنية عالية وتجذب المشاهد، وهو ما يعود بنا إلي ضرورة الاهتمام بالكيف لا الكم.. وتضيف «د. جيهان رشتي»: «التليفزيون المصري ضعيف المستوي، والترفيه الهابط زائد، ومن النادر أن تجد أشياء تستحق أن تسعي وراءها إرضاءً للحد الأدني من المستويات الفكرية في المجتمع، وهو ما يعود بنا إلي العاملين أنفسهم في التليفزيون، ومعظمهم ضعاف المستوي، ويختارون التفاهة علي حساب المعلومات القيمة؛ لأن هذا أكثر أماناً لهم، لأن المعلومات الحقيقية ستظهر مدي ضآلة تفكيرهم أمام المشاهد».. وبالتالي هناك انفلاتات رهيبة تحدث يومياً علي شاشة التليفزيون المصري والفضائيات الخاصة- والحديث هنا ل«حمدي الكنيسي»- أبرزها في رأيي الانفلات الإعلامي الرهيب الذي حدث أثناء مبارة مصر والجزائر، فتجد ألفاظاً غريبة ظهرت لأول مرة علي شاشة التليفزيون، بل الأدهي أنها تقال هكذا علانية وعلي الهواء مباشرة، وهو ما شحن الناس ضد الجزائريين دون مبرر، وكذلك البرامج التي تتكلم عن التحكيم في المباريات، باختصار..ساحة الإعلام الرياضي هي الساحة الأكثر انفلاتاً الآن علي شاشة التليفزيون.. وقديماً- كما تذكر «نجوي إبراهيم»- لم يكن التليفزيون بهذا الانفلات، «كنت أعمل في التليفزيون وكأننا في الجيش، فالإرسال كان من التاسعة صباحاً، ونبدأ بالنشيد الوطني، وأنا صغيرة ماكنتش أقدر أقعد أمام إعلاميات في حجم همت مصطفي أو سلوي حجازي، فالجلوس أمامهن كأنك تجلس أمام رتب عسكرية كبيرة، فكان هناك احترام للأقدمية، لكن دلوقتي ليس هناك ضبط وربط ونظام لأن الدنيا أصبحت مفتوحة».
- مسئولية تليفزيون الدولة
يتفق الجميع علي أن الفارق كبير في الأداء بين تليفزيون الدولة والفضائيات الخاصة، لكن هذا يتوقف علي الهدف الذي يتبناه التليفزيون الآن، وتضيف «د. جيهان رشتي»: «فقنوات روتانا مثلاً تريد تقديم (الهلس) علي العكس من قنوات مثل العربية والجزيرة لأن هناك هدفا واضحا، والبرامج الحوارية مشاهدوها أكثر من مشاهدي المسلسلات، فتجد بالتالي المنتجين الذين يقومون بإنتاج هذه البرامج يسعون لتقليد الدراما داخل برامجهم، مما يخلق الإثارة والسخونة في الحلقة.
تليفزيون الدولة عليه مسئولية تجاه المجتمع - كما تقول «سلمي الشماع» - والفضائية الخاصة من المفترض أن عليها مسئولية أيضاً، لكن ليست بنفس حجم المسئولية الملقاة علي التليفزيون المصري فجهاز الدولة هو من يبني المجتمع ويشكل وجدانه بعيداً عن السعي وراء القيمة الرخيصة والإثارة.. لكن العبء الأكبر - كما يري «د. شوقي السيد» - علي تليفزيون الدولة لأنه لابد ألا يستهدف ربحا أو إعلانا لأنه يقود الرسالة الإعلامية، وبالتالي الضمير الإعلامي مطلوب، بجانب وجود رقابة ذاتية لأنه من الضروري احترام المواطن حتي علي شاشات الفضائيات الخاصة.. ويضيف «حمدي الكنيسي»: «تليفزيون الدولة عليه عبء ومهمة وطنية لا يجب أن يتخلي عنها، فهو مصدر للثقافة، ويعوض الأجيال الجديدة عن حالة الابتعاد عن الكتب، فالتليفزيون المصري يحافظ علي القيم والمبادئ التي تحمي المجتمع من أي سلوكيات، فما يقبل في فضائيات خاصة لا يقبل في تليفزيون الدولة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.