مازال السؤال المحير يجوب أرض الوطن ذهابا وإيابا مصر إلي أين؟! ما جال في الخاطر أبدا أن يكون حال مصر بعد ثورة 52 يناير بهذا الأمر الجلل والخطير والذي ينذر بكارثة حضارية وإنسانية قبل أن تكون اقتصادية. مصر طوال عصورها منذ أن سطرت بحروفها الهيروغلفية تاريخا لم تعرف الانقسام والتشرذم والكراهية بين أبنائها لدرجة ان يصبح قتل النفس وكأنه أمر عادي. ما علمت ان الإنسان المصري يمكن ان يتخلي عن خصاله الأصيلة سواء في التعامل مع أبناء وطنه أو يوجس الغريب منه مهما كانت المحن التي يمر بها لهذا أجد أن السؤال الأكثر دقة ليس مصر إلي أين؟! وإنما أين الإنسان المصري الذي خاض معارك الظلم والطغيان والاستعمار وانتصر فيها بعزة وكبرياء دون ان يسلبه ظلم أو احتلال أو فساد ما يتمتع به من قيم أخلاقية تركت بصماتها عليه عبر صفحات التاريخ؟! إنني أتساءل ما معني ان يشتد لهيب الصراعات أو الخلافات السياسية بين قوي المجتمع ليحرق وطناً بأكمله وأبنائه، فهل ستنجح الفرق السياسية المتصارعة في العودة للحياة بعد تدميره وإعلان الفائز منها بعد دفن المهزوم؟! لقد هان علينا وطننا وأنفسنا وتاهت الحكمة من بين أيدينا وتحجرت عقولنا وزاد العند بيننا واختفت لغة الثقة والتفاهم وسيطر علي الشارع لغة التنابز بالألقاب وقذف الحجارة والمولوتوف وإحراق كل شيء حتي المدارس وللأسف ذكرني هذا بالحادث المؤسف والمفجع عندما ضربت إسرائيل مدرسة بحر البقر وقتلت أطفالها الأبرياء في أواخر الستينيات من القرن الماضي. أخشي لو استمر الحال علي هذا المنوال الغبي أن نذكر إسرائيل بالخير في أيام النكسة وقبل حرب أكتوبر المجيدة بأنها لم تفعل بوطننا ما نفعله الآن بأنفسنا من الانقسام والدمار. لقد قدمنا بلدنا هدية لكل عدو علي طبق من ذهب يفكر أن يتلاعب بنا أو ينهبنا أو يضعفنا أو يجعلنا لقمة طرية يمضغها وقتما يشاء لأننا أصبحنا بفضل انقطاع الحبل السري الذي يربط أبناء الوطن لا قيمة لنا في أعين العالم. العجز ليس في الميزانية أو المياه أو في الأسباب التي تكفل الحياة الكريمة للمواطنين أو في عدم الحفاظ علي مؤسسات الدولة، وإنما العجز في الرؤية الوطنية التي تحجب الخاص والتحزب وتنظر لإنقاذ الوطن حتي وان شعر صاحبها بالمرارة النفسية حتي وإن كان علي حق ولنا في سيدنا »محمد« صلي الله عليه وسلم في صلح الحديبية المثل والقدوة عندما طلب من علي بن أبي طالب ان يشطب كلمة رسول الله من الوثيقة حتي يتم إبرام هذا الاتفاق. إن لم نفق من غيبوبتنا ونستعيد أمجادنا الأخلاقية والاصطفاف كجندي واحد أمام هذه المهزلة سنظل نتساءل إلي أين نحن ذاهبون وسيردد الصامتون للفرقاء عم يتساءلون.. عن كيف يضيع الوطن!