في صباح الأثنين 29 من أكتوبر2012 توافد الأقباط بمصر والخارج علي صناديق الأقتراع لأختيار البابا الجديد بساحة الكاتدرائية المرقسية الكبري بالعباسية بالقاهرة بعد فترة صوم وصلاة لمدة ثلاثة أيام طالبين من الله أن يقيم لهم راعياً صالحاً يقود سفينة الكنيسة بالبر والعدل والسلام والهدوء. وبصفتي أحد الناخبين الذين شاركوا في العملية الإنتخابية عن إيبارشية الإسكندرية، فأنه أود أن اسجل للقارئ أنطباعاتي التي شاهدتها في الإنتخابات البابوية والتي أرجو أن تقوم الحكومة والنقابات المهنية المختلفة والأندية الرياضية والجمعيات الأهلية بدراستها جيداً لتقف تماماً كيف تكون الشفافية والنزاهة في إجراء الإنتخابات، وكيف تم توفير كل سبل الراحة التي تمكن الناخب من أن يدلي صوته بحرية كاملة وفي محبة للجميع. بدأت الإنتخابات في التاسعة صباحاً، ومنذ عشية ذلك اليوم كانت الأستعدادات تتم علي قدم وساق، وفي باكر اليوم أخذ جميع المشرفون علي العملية الإنتخابية أماكنهم. بدأت إجراءات التصويت بأستلام بطاقة تعريف بها الاسم والرقم الإنتخابي ورقم اللجنة. من الأمور التي تُعد جديدة أن كل لجنة إنتخابية لها لون مميز، وبتتبع هذا اللون ذ بدون أية توجيهات أو صعوبات ذ تجد نفسك وكأنك تسير علي سير متحرك كهربي يقودك في لحظات لتجد نفسك أمام صندوق الأقتراع الزجاجي والذي يحمل نفس رقم اللجنة، وفي تلك الأثناء يقوم شباب وشابات الفرق الكشفية المختلفة بتقديم المشروبات الساخنة والمثلجة. البطاقة الإنتخابية تُعد تحفة فنية في الأخراج والطباعة وأيضاً تدل علي مدي أحترام لجنة الإنتخابات للناخب. لم توجد دعاية إنتخابية واحدة، لم يوجد أي مظهر من مظاهر التشويش أو الهجوم أو التجريح في الآخر، لم تجد مجموعات منعزلة تجلس سوياً للتخطيط في توزيع الأصوات، فالمنصب البطريركي منصباً روحياً بحتاً لا تشوبه إغراءات مالية أو رئاسية، بل أن هذا المنصب بالأخص ذ كما هي في بقية الرتب الكنسية ذ هي دعوة للتعب. حتي أن الآباء الأفاضل من المطارنة والأساقفة والرهبان الذين لم يستكملوا مسيرة الترشح كانت الكلمة الأولي التي قالوها بعد صدور قرار لجنة الترشيحات بقولهم: (الفخ أنكسر ونحن نجونا، عوننا من عند الرب)، من هنا يذكر لنا تاريخ الكنيسة أنهم كانوا يأتون بالمرشحين للبطريركية من الآباء الرهبان مقيدين بالسلاسل حتي لا يهربوا مرة أخري إلي الصحراء. أيضاً من التقاليد الراسخة التي أعتاد الأقباط إتباعها في أمورهم الخاصة ذ والتي شهد بها أخوتنا المسلمون الشركاء المحبوبون في الوطن الواحد ذ هو قيامهم بالصوم والصلاة لمدة ثلاثة أيام متوالية، تم هذا قبل أختيار المرشحون الخمسة من بين 17 مرشحاً، ثم قبل العملية الإنتخابية، والثالثة قبل القرعة الهيكلية التي ستتم يوم الأحد 4 نوفمبر. قبل أختيار المرشحون الخمسة كانت هناك العديد من وجهات النظر المختلفة لكن كلها كانت تصب في مصلحة الكنيسة، وعلي أثر تلك المناقشات العديدة تم تصحيح بعض الإجراءات لكن بدون غضب أو خصام فالكل يسعي نحو المصلحة العليا للكنيسة. أنتهت الإنتخابات في الساعة الخامسة عصراً بنسبة حضور تجاوزت 93٪ وهي نسبة عالية جداً، وبعدد أصوات باطلة بلغت صوتان فقط مما يدل علي زيادة الوعي الفكري والحرص الشديد علي أن يكون الصوت صحيحاً. شاهدت بنفسي العديد من المسنين والمرضي من الأساقفة والكهنة والرجال والسيدات وقد حضروا من أماكن مختلفة بقارات العالم علي كراسي متحركة يقودهم أبناء وبنات الكشافة فقدمنا لهم التحية الصادقة علي مشاركتهم معنا تلك اللحظات التاريخية، كما أن الإنتخابات كانت فرصة طيبة للقاء حار تم بين الأقباط المقيمين علي أرض مصر وأقباط الخارج بعد أن أنقطعت فرص اللقاء بينهم عشرات السنوات، إذ أجتمع الجميع علي هدف واحد هو أختيار الأب والراعي الصالح. وفي مناخ من المحبة الصادقة والشفافية الكاملة تمت عملية فرز الأصوات تحت المتابعة ذ لا أقول المراقبة ذ التليفزيونية للقنوات المسيحية، فكل فرد شاهد عملية فرز الأصوات وهو في منزله. وبعد بضعة ساعات تم أعلان النتيجة بالتفصيل وأستقبل الشعب نتيجة الإنتخاب بتهليل لأنه لابد أن يتم تصعيد ثلاثة اسماء من المرشحين لمرحلة القرعة الهيكلية والتي فيها يسكت كل فرد، ويتوقف كل قلم، وينبض كل قلب بشدة حتي يري أختيار الله للشخص المناسب للمرحلة القادمة. أنها تقاليد كنسية راسخة عبر عشرين قرناً، أدعو أخوتي المسلمين متابعتها بحرص ليروا مجد تلك الكنيسة العريقة في كل شئ، لا يوجد في الكنيسة أي أمر مخفي، ربما بعض الأمور غير مفهومة ولكنها ليست سراً. نذكر بالحب البابا شنوده الثالث البطريرك 117 علي تعبه معنا ما يزيد عن أربعين عاماً. كما أشكر البابا كيرلس السادس البطريرك 116 الذي قادنا بأبوة معهودة إلي حياة الصلاة والتسبيح. نطلب للبطريرك القادم كل التوفيق في قيادة سفينة الكنيسة إلي بر الأمان متمنياً له طول العمر متمتعاً بالأمن والسلام والحكمة التي من فوق وليست حكمة بشرية.