ربما كانت »بروڤة« علي حرب عالمية دون إعلان! وإلا فماذا يعني ضرب سلاح الكتروني خارق للعديد من الدول دفعة واحدة؟ صراع عبر الانترنت الذي تصر الولاياتالمتحدة علي استمرارها في السيطرة عليه، ورفض تحويل إدارته إلي آلية أممية، ولعل ذلك الإصرار يفسره جزئيا ان مصدر أخطر الڤيروسات والهجمات الالكترونية ليس إلا انطلاقا من واشنطن! لايحتاج البيت الأبيض إذنا مسبقا من الكونجرس، ولا يضطر إلي إعلان الحرب علي دولة معينة أو أكثر من دولة، فالأمر محاط بكل ضمانات السرية، مع فعالية مؤكدة، تتصاعد مع كل مرة يتم فيها التوصل إلي انتاج جيل جديد من الأسلحة الالكترونية - يتم من خلاله تطوير قدرات ماسبقه - بهدف الردع أو شل بعض القدرات التي يحوزها عدو محتمل، أو حتي دولة صديقة بغرض توصيل »رسالة ما« إلي قيادتها! »فليم« أو »اللهب«.. إنه النسخة الأخيرة في ترسانة الحرب الالكترونية الأمريكية، ساحة عمله الفضاء الافتراضي، لكن نجاعته تماثل، وقد تتفوق علي أكثر الأسلحة فوق التقليدية وحتي النووية فتكا! قبل أكثر من عام كان هناك الڤيروس »ستكسنت« الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني، واستطاع إحراز بعض الأهداف الموجعة في مرمي طهران، وأمس تم اكتشاف ڤيروس »دوكو« أما اليوم وغدا فثمة سلاح أخطر وأكثر تعقيدا يتمثل في ڤيروس فليم، الذي لا تقتصر أهدافه علي شن هجمات علي منشآت ذات حساسية خاصة، كالبرنامج النووي الإيراني مثلا، وإنما يتجاوز ذلك مستهدفا جميع القطاعات في أي دولة دون استثناء! وحتي الآن؛ فإن السلاح الالكتروني الأقوي وصل إلي العديد من الدول في المنطقة العربية، فضلا عن إيران وإسرائيل، رغم أن تلك الأخيرة تشير العديد من الدلائل انها شريك حقيقي لأمريكا في تطوير ترسانة الحرب الالكترونية، وشن الهجمات باستخدام أسلحتها، فهل انقلب السحر علي الساحر، أم أن الصديق الكبير لا يجد غضاضة في قرصة أذن لحليفه الأصغر؟! الأمر يغري - دون شك- بتوسيع الساحة واختراق العديد من الميادين، إذ أن تلك الأسلحة متعددة المستويات، وتتراوح ما بين أسلحة ذات مدي يغطي العالم كله، وأخري إقليمية التأثير، وثالثة يتم توجهيها إلي عدو بعينه أو دولة معينة ولو كانت صديقة! »فليم« ذاك اللهب الافتراضي يتيح للدولة التي تطلقه ان يكون بمثابة جاسوس غير عادي، إذ بمقدوره تجنيد أي جهاز كمبيوتر ليتحول بدوره إلي جاسوس مطيع لايملك ترف المعارضة لمن يشغله، عبر فتح الميكروفون أو مكبر الصوت الخاص بهذا الكمبيوتر أو ذاك، وتسجيل المحادثات التي تتم علي مقربة منه، وإلتقاط أي صورة تظهر علي شاشته، بل واقتحام ما يدور من دردشات، وصولا إلي تجميع ملفات البيانات وتغيير برمجيات الجهاز! لقد كانت الولاياتالمتحدة، وغيرها من الدول الغربية، واقعة في مرمي هجمات الكترونية شرسة مصدرها الصين ودول أخري لم يتم تحديدها علي وجه اليقين، ولعل وصول القراصنة المحسوبين علي دول وأجهزة مخابرات إلي البنتاجون الأمريكي ذاته، كان أحد الدوافع القوية وراء »اجتهاد« واشنطن في دعم ترسانة الحرب الالكترونية لديها، ربما بهدف ايصال رسالة مغزاها: أهلا بحرب عالمية صامتة، لكن من يضمن ألا تتحول حربا شاملة مدوية لا تستثني ولاتذر!