الأولي كانت ساخنة، الثانية دموية، الثالثة باردة، أما الرابعة فستكون ناعمة! هكذا يمكن اختزال أبرز سمة ميزت كل حرب من الحروب العالمية التي شهدتها البشرية خلال أقل من مائة عام. ثلاث منها اندلعت في القرن العشرين، أما الرابعة فمن نصيب القرن ال12. تهتك الغلالة الرقيقة التي تفصل بين الافتراضي والواقعي دشن الحرب العالمية الرابعة، التي تبشر مقدماتها بانها ستكون رغم شراستها واثارها المدمرة، حربا ناعمة! للمرة الأولي يتجاوز اثر ڤيروس معلوماتي اصابة جهاز للكمبيوتر، أو احد الأنظمة، إلي استهداف التدمير الفعلي للمنشآت الصناعية -عسكرية أو مدنية- من قبيل مفاعل نووي، أو محطة للمياه، أو الكهرباء، أو الغاز، أو منصة نفطية، وكانت البداية من إيران. »ستوكس نت« دودة ڤيروسية شديدة الفتك، كانت النموذج الأول لأسلحة الحرب الرقمية السرية، القادرة علي تعقب أنظمة صناعية بقصد تدميرها، فلم تكتف كما كان الحال في السابق، بإلحاق اضرار بشبكة الحاسبات التي تتحكم بالعمل. الدودة الخبيثة جدا ضربت مفاعلي بوشهر وناتنز في إيران، ولم يتم اكتشاف ما حدث إلا بعد ان تسللت خلسة، ونجحت في تضليل العاملين طويلا، فقد كانت الأمور في الظاهر تجري علي ما يرام، بينما تنحرف دورة العمل بعيدا عن اهدافها. الهدف النهائي للڤيروس تدمير المنشأة بالكامل، وليس فقط الحاسبات المتصلة بها، فحتي وقوع الهجوم علي الهدف الإيراني، كانت الهجمات تستهدف التجسس أو اعطاب أجهزة الكمبيوتر. خطورة »ستوكس نت« -شديد التعقيد- انه يعمل تلقائيا عندما يعثر علي هدفه، ويستطيع الانتقال من نظام لآخر دون الحاجة إلي الانترنت، ويتكاثر أثناء انتقاله، وإذا وجد ضالته فإنه يسيطر عليها بتعليمات جديدة، عبر اعادة »منطق التحكم« الذي يقوم بتشغيل وايقاف المحركات ويراقب درجة الحرارة، وأجهزة التبريد و.. و.. والخطير انه قادر علي تعمية العاملين عما يدور لفترة طويلة. ثمة اجماع من الخبراء علي ان ما يحدث من فعل وتدبير دولة بإمكاناتها الواسعة، فلا يمكن لمجموعة من القراصنة مهما كانت درجة احترافيتهم تحقيق هذه النتائج. هي اذن ارهاصات حرب عالمية لا تشبه في سماتها ما سبق، يشنها العدو لشل مرفق حساس، باستخدام آليات مجهولة، ويكون علي الطرف الآخر ان يجهز رده الانتقامي، لتتسع الدائرة، لاسيما مع صعوبة تحديد الفاعل علي نحو قاطع، مما يفتح أبواب الجحيم مع توالي عمليات الهجوم، والهجوم المضاد. سيناريوهات كارثية بانتظار البشرية، قد تدفعها باتجاه حرب عالمية، ساحتها الواقع الافتراضي، لكن خسائرها تقع علي منشآت حيوية، مدنية وعسكرية، بقصد تخريبها وشل دول بالكامل. لم يعد الأمر مقصورا علي أعمال القرصنة أو التجسس داخل جهاز أو نظام الكتروني، لكنها الحرب بكل ما تعنيه الكلمة من استهداف دولة ما عبر ڤيروسات الكمبيوتر الفتاكة، باعتبارها سلاح دمار شامل، و»ستوكس نت« ليس الا مجرد نموذج قد يصبح بعد قليل من الوقت بدائيا أو متواضعا، قياسا علي تطوير ترسانة أسلحة الفضاء الالكتروني، مما يقود -بالضرورة- إلي سباق تسلح جديد من نوعه علي الصعيد الدولي. حرب ناعمة بلا دماء لكن نتائجها قد تتجاوز كل ما ينجم عن حرب تتحالف فيها أحدث الأسلحة التقليدية، مع ترسانات الدمار الشامل! »ستوكس نت« علي ما يبدو ليس الا السهم الأول. الذي يرسم ملامح مختلفة تماما لحروب القرن ال12، ويفتح الباب امام سيل من التساؤلات حول طبيعة الترسانات التي تشكلها الدول للانخراط في الحروب المقبلة هجوما أو دفاعا!