المتأمل لنهاية 2010 لابد انه سيلاحظ انه ينهي العقد الاول من القرن الواحد والعشرين ويجعله يستدعي احداث وعلامات هذا العقد ويتذكر انه بدأ بجدل واسع بين المؤرخين وبتساؤل ملح حول ما اذا كان هذا القرن سيكون قرن تقدم ام تراجع وهل سيشبه القرن الذي سبقه والذي شهد حربين عالميتين راح ضحيتها ملايين البشر وتلتهما حرب باردة كادت ان تتحول الي حرب ساخنة؟ وليس من قبيل التشاؤم توقع ان يكون القرن الجديد لن يكون بالضرورة قرن تقدم، الا ان احداث العقد الاول من هذا القرن لا تنبيء عن أنه سوف يتحرر من الازمات والتوترات بل والحروب والمواجهات، فقد بدأ القرن الجديد بالحدث الذي هز القوة الاولي الوحيدة في العالم وهي الولاياتالمتحدة والهجمات الارهابية التي تعرضت لها في11/9/1002 وهز ثقتها والامن الذي ظلت تتمتع به وهي تتحصن وراء محيطين، وثبت ان قوتها العسكرية الفائقة لم تحمها من هذه الهجمات التي قامت بها مجموعة لا يعرف لهم هوية الا التطرف والارهاب، وكان هذا الحدث الذي لم يهز امريكا وحدها بل هز العالم، هو الذي دفع الولاياتالمتحدة ان تشن حربين في افغانستان ثم في العراق انتهي العقد ومازالت متورطة فيهما دون نتائج حاسمة بل وتسعي الي خروج مشرف منهما وقد كان ما ثبت من فساد الافتراضات التي قامت عليها هذه الحروب وخاصة في العراق، وراء الثورة السياسية والاجتماعية التي حدثت في المجتمع الامريكي وأتت برئيس اسود ومن اصول افريقية واسلامية لكي يكون رئيسا لاقوي دولة في العالم . واذا كان القرن الجديد قد بدأ بهذا الحدث فانه قد انتهي بازمة مالية واقتصادية بدأت في امريكا ثم شملت اقتصاديات العالم اجمع وذكرت في الولاياتالمتحدة بركود الثلاثينيات، وجاءت هذه المرة لكي تهزالثقة في الزعامة المالية الامريكية للاقتصاد العالمي , واثارت الشكوك حول اسس النظام الراسمالي وآلياته واعاد الحديث عن دور الدولة في ادارة الاقتصاد ومؤسساته المالية , ورغم الاجراءات المالية والتحفيزية الضخمة وضخ ما يقرب من 700 بليون دولار لانقاذ الاقتصاد الامريكي، فإن المؤشرات ضعيفة علي قرب استعادته لعافيته . وعلي المستوي الامريكي كذلك ينتهي العقد بتراجع الحلم الذي ارتبط بمجئ اوباما وتتعرض شعبيته الي التناقص وتزايد قوي اليمين والمحافظين التي انعكست في نتائج الانتخابات التجديدية للكونجرس الامريكي , وفي اثناء هذا تتجدد دعوات الانحدار الامريكي American Decline. ويتوافق هذا مع التأكد من صعود قوة عظمي جديدة هي الصين وتؤهلها للمرتبة العالمية الثانية اقتصاديا بل وتوقع مؤسسات ومؤرخون انها سوف تحكم العالم مع منتصف هذا القرن . وفي منطقتنا من العالم شهد العقد الاول من القرن الجديد حربين شنتهما اسرائيل، كانت الاولي حربها ضد لبنان واساسا حزب الله عام 6002، ورغم التدمير الذي احدثته آلة الحرب الاسرائيلية في لبنان وبنيته التحتية، فإن اقوي نتائج هذه الحرب كان تصدع نظرية الردع الاسرائيلي الذي لم يستطع ان يحمي مدنه وبلدياته من صواريخ المقاومة اللبنانية والتي خرجت من الحرب اقوي علي الاقل سياسيا . اما الحرب الثانية التي شنتها اسرائيل فكانت حربها علي قطاع غزة عام 2008 والتي استخدمت بها أقوي الأسلحة وأكثرها تقدما وراح ضحيتها 1300 فلسطيني وآلاف الجرحي ودمرت المرافق وكل ادوات الحياة في القطاع الذي جعلت منه بشهادة تقارير دولية " سجن كبير " . واتصالا بالمسألة الفلسطينية انتهي عام 2010 وقد احبطت الجهود والرؤية التي بدأ بها الرئيس الامريكي اوباما عهده للتوصل الي تسوية اساسها دولة فلسطينية مستقلة ووقف المستوطنات الاسرائيلية، وهي الجهود التي اصطدمت بتعنت وتحدي الائتلاف اليميني الحاكم في اسرائيل بزعامة نتنياهووفضلا عن جمود عملية السلام فقد اشاع ضعف واستسلام الموقف الامريكي الاحباط في العالم الاسلامي وتصدع الآمال التي انعقدت علي اوباما . ونعود الي المستوي الدولي وأحداث العقد الماضي فنجد ان ما اصبح يعرف بالقضايا العالمية Global Issues والتي تمثل اخطارا وتهديدات عالمية جديدة , قد برز فيما شهده العقد من تفشي امراض مثل انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير والتي اشاعت الرعب في انحاء العالم وتوقع البعض ضحايا بالملايين . واتصالا بهذه القضايا تفاقم خلال العقد، التوتر بين الاسلام والغرب، والذي كان نتيجة متبادلة بين ما تعرضت له عواصم غربية مثل لندن 2005 ومدريد 7002، من هجمات ارهابية نسبت الي اسلاميين، وجاءت ردود الفعل في تزايدظاهرة العداء للاسلام اوالاسلامافوبيا في البلدان الغربية وخاصة المانيا، وفرنسا وهولندا، وسويسرا والتي شهدت اجراءات التضييق ضد الاقليات الاسلامية فيها والتعرض للرموز الاسلامية، ونتصور ان هذا التوتر هومن اخطر ظواهر العقد الماضي. ويختتم العقد سنواته بالضجة العالمية التي اثارتها تسريبات موقع ويكيليكس لوثائق دبلوماسية، وهو الحدث الذي اعتبره مفكر كبير مثل الاستاذ السيد ياسين " نهاية لعصر الاسرار المغلقة ". واعتبر مفكرون اخرون انه يقوض اسس النظام العالمي الذي اعتمد في اسسه وآلياته علي السرية في التعاملات الدبلوماسية . وهكذا ينتهي عام 2010 وينتهي العقد الاول من القرن 21 بهذه الاحداث والتي تفرض وتجدد التساؤل: هل سيكون قرنا تشهد البشرية فيه تقدما نحوالسلم والامن والاستقرار ام تراجعا الي الحروب والصراعات والازمات ؟