تحتفل دول العالم فى السادس والعشرين من يونيو كل عام باليوم العالمى لمكافحة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، ويأتى الاحتفال بهذا اليوم الوقت الذى أعلن فيه تقرير للأمم المتحدة أن ظاهرة تعاطى وإدمان المخدرات تمثل واحدة من أخطر التحديات المُعاصرة التى تهدد أمن واستقرار المجتمعات، وتقضى على كيانها الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والسياسى . وبهذه المناسبة يطلق مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة بالقاهرة اليوم 26/6 حملة عالمية لمكافحة المخدرات بمناسبة اليوم العالمى لمكافحة المخدرات، وذكر بيان صحفى صادر عن مكتب الأممالمتحدة بالقاهرة أن الحملة التى تنطلق تحت عنوان "هل تسيطر المخدرات على حياتك فى حياتك وفى مجتمعك .. لا مكان للمخدرات" تهدف إلى زيادة الوعى لما يُسببه الاتجار بالمخدرات من مشاكل رئيسية فى المجتمع تتمثل فى سيطرة المواد المخدرة على عقول وأجساد الأفراد ، وسيطرة عصابات المخدرات على المحاصيل الزراعية وانتشار الجريمة فى المجتمع، كما تهدف الحملة إلى محاولة حشد دعم المجتمع الدولى فى هذا المجال، ومن المُقرر أن يستمر العمل تحت هذا الشعار لمدة ثلاثة أعوام يتم خلالها التركيز على عدة جوانب مختلفة : - ففى العام الحالى 2007 سيتم التركيز على سُبل مكافحة تعاطى المخدرات . - وفى عام 2008 على إنتاج وزراعة المخدرات . - وفى عام 2009 سيتم التركيز على الاتجار غير المشروع بالمخدرات . ويعود الاحتفال بهذا اليوم إلى عام 1987 حين قررت الجمعية العامة الاحتفال بيوم 26 يونيو من كل عام باليوم الدولى لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، وذلك تعبيراً عن عزمها على تعزيز العمل والتعاون بهدف إقامة مجتمع دولى خال من استعمال المخدرات . ومشكلة التعاطى والإدمان ليست محلية انفردت بها دولة دون الأخرى، وإنما هى آفة عالمية فى أبعادها الوخيمة وهو ما تكشفه التقارير الدولية الصادرة عن الأممالمتحدة التى تُشير إلى أن هناك زيادة كبيرة فى الإنتاج والتصنيع للمواد المُخدرة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، فقد زادت نسبتها ستة أضعاف ما كان سائداً من قبل، ويؤكد الخبراء أن هذه الظاهرة تزداد عالمياً مع ما يشهده العالم من توسع كبير فى استخدام شبكة المعلومات ووسائل الإعلام الأكثر تطوراً، وذلك يزيد من قدرة عصابات الإنتاج والتهريب على تبادل المعلومات والخبرات التى تساعدهم على تطوير أنشطتهم الإجرامية . ووفقاً لتقارير الأممالمتحدة فإن تجارة المخدرات تمثل المركز الثالث ضمن الأنشطة التجارية والاقتصادية العالمية، ويتم سنوياً غسيل حوالى 120 بليون دولار من تلك التجارة فى أسواق المال العالمية ومن خلال المصارف والبنوك الكبيرة. وإذا كانت مشكلة التعاطى والإدمان فى حقيقتها مشكلة عالمية متعددة الجوانب، فإن مظاهر خطرها تختلف من دولة لأخرى، حيث تعانى بعض الدول من مشكلات زراعة النباتات غير المشروعة .. وتعانى دول أخرى من الاتجار غير المشروع فى المخدرات، بينما تعانى مجموعة ثالثة من مخاطر التعاطى وعبء معالجة المُدمنين . ويؤكد الخبراء أن إنتاج المخدرات، أى صناعة الهيروين والكوكايين والإمفيتامينات، يُشكل مصدر خطر على البيئة من خلال استخدام المواد الكيميائية السامة التى يتم التخلص منها بطريقة عشوائية على اليابسة وفى الأنهار .. وتُساهم كل من هذه النشاطات فى تقويض حقوق الإنسان وحُكم القانون والديمقراطية والنمو الاقتصادى بشكل تدريجى . وتؤكد إحصائيات الأممالمتحدة أن إنتاج المخدرات يتركز فى عدد من البلاد، ففى التسعينات تحولت أفغانستان إلى أكبر منتج للحشيش ولصناعة الهيرويين، وفى العام الماضى أنتجت أفغانستان 87% من إنتاج الأفيون فى العالم وازدادت المساحات المخصصة لزراعة الخشخاش ب 62% وفى المقابل قللت بورما ولاوس من زراعة الخشخاش بنسبة 43% ، وتعتبر أوروبا الغربية المستهلك الرئيسى للمخدرات الأفغانية وترتفع حصة استهلاك المخدرات الأفغانية فى الولاياتالمتحدةواليابان واستراليا، وبالمقابل احتفظت كولومبيا وبيرو وبوليفيا بمعظم إنتاج الكوكايين وكولومبيا وحدها مسئولة عن ثلثى انتاجه " حوالى 80% " . ويتسع نطاق الزراعة غير المشروعة للحشيش فى العديد من الدول، حيث أبلغت 120 دولة عن تلك الزراعة، وقد أدى نمو تجارة المخدرات على تزايد تكاليف مواجهتها طبياً واجتماعياً وبوليسياً .
وفى كوريا ذكر مكتب النيابة العامة فى تقرير له صدر الشهر الحالى خاص بالجرائم المتعلقة بالمخدرات عن عام 2006 – أن كوريا الجنوبية أصبحت الآن موقعاً معروفاً لنقل الكوكايين والمواد المخدرة إلى أى مكان فى العالم مع تزايد عدد الكوريين الجنوبيين الذين يعملون كمهربى مخدرات ضمن مجموعات أجنبية تعمل فى تهريب المخدرات . ويأتى الاحتفال باليوم العالمى لمكافحة المخدرات هذا العام فى الوقت الذى حذرت فيه الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات من أن من زيادة هائلة فى كميات الأدوية المُزيفة فى أسواق الدول النامية والمتقدمة على السواء، وأشارت إلى الدور الفعال الذى تقوم به الانترنت فى الترويج لمثل هذه الأدوية .. وقالت الهيئة فى تقريرها السنوى الذى صدر فى مارس الماضى عن المخدرات فى عام 2006 – " أن الكميات الهائلة من الأدوية المُزيفة المتوافرة حالياً فى بُلدان عديدة قد تلحق بالمستهلكين آثاراً مُهلكة " . والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات هيئة مستقلة شبه قضائية أنشئت عام 1968 تتولى رصد تنفيذ اتفاقيات الأممالمتحدة للمراقبة الدولية للمخدرات، وحذرت الهيئة من أن تعاطى المخدرات المُبيعة بوصفة طبية قد تجاوز بالفعل تعاطى المخدرات التقليدية غير المشروعة مثل الهيرويين والكوكايين فى بعض مناطق العالم، وأشار إلى أن عدد الأمريكيين الذين يتعاطون العقاقير الخاضعة للمراقبة والمبيعة بوصفة طبية ارتفع بنسبة تقارب الضعف، حيث انتقل من 7.8 ملايين فى عام 1992 إلى 15.1 مليون فى عام 2003 " ، وذكر التقرير أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تفيد بأن ما بين 25 و 50% من الأدوية المُستعملة فى البُلدان النامية أدوية يعتقد أنها – مزيفة – أما فى البُلدان المتقدمة النمو فإن هذه العقاقير تُباع عبر صيدليات الانترنت غير القانونية دون وصفات طبية إلزامية . كما طالب التقرير بوضع التشريعات اللازمة لضمان عدم صُنع العقاقير المخدرة والمُؤثرات العقلية أو تسريبها بصورة غير مشروعة للأسواق غير خاضعة للتنظيم الرقابى .. مُحذراً من أن الكميات الهائلة من الأدوية المُزيفة المتوافرة فى بلاد عديدة قد تلحق آثاراً مُهلكة، ونبه إلى أن أفريقيا تشهد تطورات كبيرة، خاصة فى الاتجار بالكوكايين على نطاق واسع، فقد تزايدت فيها بشكل كبير أعداد المهربين .. مُوضحاً أن شبكات الاتجار بالمخدرات تستخدم أفريقيا نقطة عبور لتهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية عبر غرب أفريقيا، وذكر أن تعاطى الهيرويين أصبح مشكلة فى شرق أفريقيا نتيجة لاستمرار الاتجار العابر فى هذه المنطقة، بالإضافة إلى أن الجماعات تقوم بتهريب الهيرويين من غرب القارة إلى شرقها مقابل الكوكايين المُهرب إلى جنوب آسيا . وأشار إلى أن القنب مازال يُشكل المخدر الرئيسى فى أفريقيا بسبب استمرار زراعته وإنتاجه رغم الانخفاض الملحوظ للإنتاج فى المغرب .. لافتاً إلى تعثر الجهود التى تبذلها الحكومات الأفريقية للتصدى للمخدرات بسبب نقص الآليات والموارد البشرية الماهرة، ويعتبر الشباب الضحية الأولى لتعاطى المخدرات، فقد حذر تقرير صادر عن الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات فى نوفمبر الماضى من تزايد أعداد الشباب المُتعاطين للمواد المخدرة بأشكالها الجديدة، والتى لم تكن معروفة إلى عهد قريب .. وأشار التقرير إلى أن هذه الأشكال الجديدة للمواد المخدرة تتمثل فى شم الغراء والمواد اللاصقة والبترول والهيدروكربونات الطيارة، ويؤكد الأطباء أن تعاطى هذه المواد يُسبب تسمماً سريعاً يعقبه شفاء سريع نسبياً، ويمكن الشعور بالنشوة لعدة ساعات بتكرار شم المادة وكثيراً ما تؤدى إلى غشاوة للعين وطنين بالأذنين وصعوبة فى النطق وآلام فى الظهر . ويؤكد الأطباء خطورة إدمان العقاقير المُخدرة، سواء القنب أو الحشيش والإمفيتامينات والأفيون، وكل مادة لها تأثيرها المختلف .. وقد أثبتت التجارب أن الحشيش يؤدى إلى حدوث أمراض خطيرة بجسم الإنسان، قد تؤدى إلى وفاته، حيث أن له آثاره الضارة على الجهاز العصبى ويُسبب الهلوسة والجرعات الصغيرة منه تحدث نوعاً من الهبوط وقد تدفع المُدمن إلى الانتحار وظهور الكثير من الكوابيس المفزعة . وتمتد آثار الإدمان ليس فقط إلى الحالة الصحية، بل وتشمل أيضاً الحالة الاقتصادية لأنها تقتطع جزءاً من دخل الفرد يوجهه للإنفاق على المخدرات بالإضافة إلى إصابة المُدمن بأمراض نفسية وحالة من عدم الاتزان تؤثر بشكل مباشر على وظائفه الحيوية، ويعتبر الكوكايين من أكثر عقاقير الإدمان خطراً، وهو يستخرج من ورقة شُجيرة الكوكا، وهى تُزرع فى أمريكا الجنوبية فى بيرو وبوليفيا وكولومبيا، وسواء استخدم الكوكاكيين بالاستنشاق أو الحقن أو التدخين، فإنه يتم امتصاصه فى مجرى الدم ويُحدث أثراً مُنبهاً كبيراً فى المخ بإفرازه كمية متراكمة من " عصارة المخ " القادرة على إثارة شعور كبير بالنشوة وحالات هياج، وهذا يرتبط بزيادة ضربات القلب وضغط الدم وفقدان الشهية. ويُعانى من إدمان المخدرات أكثر من 200 مليون شخص، ويتعاطى القات حوالى 50 مليوناً يتركز معظمهم فى اليمن والصومال وإريتريا وإثيوبيا وكينيا، ولا تقف أزمة المخدرات عند آثارها المباشرة على المُدمنين وأسرهم، وإنما تمتد تداعياتها إلى المجتمعات والدول، فهى تكلف الحكومات أكثر من 150 مليار دولار، وترتبط بها جرائم كثيرة وجزء من حوادث المرور، كما تلحق أضرارا بالغة باقتصاديات العديد من الدول مثل تخفيض الإنتاج وإهدار أوقات العمل، وخسارة فى القوى العاملة سببها المُدمنون أنفسهم والمشتغلون بتجارة المخدرات وإنتاجها، وضحايا لا علاقة لهم مباشرة بالمخدرات، وانحسار الرقعة الزراعية المخصصة للغذاء وتراجع التنمية وتحقيق الاحتياجات الأساسية، ويُصنف بعض الخبراء الخسائر الاقتصادية الناشئة عن المخدرات إلى خسائر ظاهرة وأخرى مستترة وثالثة خسائر بشرية كالآتى : أولاً : الإنفاق الظاهر : ويأتى فى الإنفاق الظاهر مكافحة العرض وخفض الطلب، وذلك من خلال الجهود التى تُبذل بواسطة جهات ومصالح متعددة، مثل الإدارة العامة للمكافحة والمباحث العامة والجمارك والسجون والبوليس الجنائى الدولى وسلاح الحدود وخفر السواحل والقضاء والطب الشرعى وبرامج التوعية والتشخيص والعلاج وإعادة التأهيل والاستيعاب . ثانياً: الإنفاق المستتر : ويأتى فى الإنفاق المستتر " الاستنزاف " التهريب والاتجار والزراعة والتصنيع والعمل وتناقص الإنتاج واضطراب العمل وعلاقاته والحوادث. ثالثاً : الخسائر البشرية : كما يأتى فى الخسائر البشرية العاملون فى المخدرات والمدمنون والمتعاطون والضحايا الأبرياء، بالإضافة الأضرار الاجتماعية الناجمة كل هذه الأمثلة .. من تفكك أسرى وتشريد العناصر البشرية وجذب الشباب . وهذه كلها خسائر يصعب تقديرها أو حصرها بدقة، ولكن يمكن القول إنها متوالية من الخسائر والاستنزاف تعمل على استنزاف المجتمعات والدول وتدمر الأفراد والأسر، وتُقدر المضبوطات من المخدرات ب 20 - 30% من الكميات التى توزع فى الأسواق، وهذا مؤشر على مدى نجاح جهود مكافحة المخدرات، وتتداخل المخدرات مع جرائم أخرى كالعصابات المنظمة التى يمتد عملها إلى الدعارة والسرقة والسطو والخطف وغسل الأموال، والمُشاركة فى الأنشطة الاقتصادية المشروعة، فيتسلل تجار المخدرات إلى المؤسسات الاقتصادية والسياسية ومواقع السلطة والنفوذ والتأثير على الانتخابات، واستفادت تجارة المخدرات من الشبكة الدولية للاتصالات "الإنترنت". ما هى المخدرات.. وما هو الإدمان ؟ تستخدم منظمة الصحة تعبير " المواد النفسية " بدلاً من المخدرات لأن المخدرات تشمل مواد واستخدامات علمية أو أخرى عادية غير محظورة أو خطرة، وبعض المخدرات مواد طبيعية وبعضها مُصنعة، والمنشطات والمهلوسات أو المستخرجة من نباتات طبيعية كالحشيش والأفيون والهيروين والماريجوانا والكوكايين أو المواد التى تستنشق مثل الأسيتون والجازولين، والإدمان هو التعاطى المتكرر للمواد المؤثرة بحيث يؤدى إلى حالة نفسية وأحيانا عضوية، وتسيطر على المتعاطى رغبة قهرية ترغمه على محاولة الحصول على المادة النفسية المطلوبة بأى ثمن . مستوى التأثير والخطورة : وتتفاوت المخدرات فى مستوى تأثيرها وخطورتها وفى طريقة تعاطيها، وتُصنف حسب تأثيرها " مُسكرات ومُهدئات ومُنشطات ومُهلوسات ومُسببات للنشوة "، أوحسب طريقة انتاجها " طبيعية أو مصنعة "، فبعضها يسبب إدماناً نفسياً وعضوياً مثل الأفيون والمورفين والكوكايين والهيروين، وبعضها يسبب إدماناً نفسياً فقط مثل الحشيش. ويجرى تعاطيها بطرق مختلقة كالتدخين والحقن والشم أوالبلع للحبوب والمواد المصنعة، وتقترن بها عادات وتقاليد جماعية فى جلسات وحفلات أو فى المناسبات مما يجعلها أكثر رسوخاً وقبولاً، وتؤثر المخدرات على مُتعاطيها على نحو خطير فى بدنه ونفسه وعقله وسلوكه وعلاقته بالبيئة المحيطة به، وتختلف هذه الآثار من مادة إلى أخرى وتتفاوت فى درجات خطورتها، ولكن يمكن إجمالها فى الخمول والكسل وفقدان المسئولية والتهور واضطراب الإدراك، والتسبب فى حوادث مرورية وإصابات عمل، وتجعل المُدمن قابلاً للأمراض النفسية والبدنية والعقلية وقد يُصاب بفقدان المناعة "الإيدز" إذا استخدم حقناً ملوثة أو مستعملة والشعور بالقلق وانفصام الشخصية، إذ تؤدى بعض المخدرات إلى تغييرات حادة فى المخ، كما تؤدى المخدرات إلى كوارث عديدة على مستوى الفرد مثل تفكك الأسر وانهيار العلاقات الأسرية والاجتماعية والعجز عن توفير المتطلبات الأساسية للفرد والأسرة، ويقع المُدمن غالباً تحت تأثير الطلب على المخدرات فى جرائم السرقة والترويج والسطو والقتل والقمار والديون، فهى ظاهرة ذات أبعاد تربوية واجتماعية وثقافية ونفسية ومجتمعية ودولية. تاريخ المخدرات : ورد فى تراث الحضارات القديمة آثار كثيرة تدل على معرفة الإنسان بالمواد المخدرة منذ تلك الأزمنة البعيدة، وقد وجدت تلك الآثار على شكل نقوش على جدران المعابد أو كتابات على أوراق البردى المصرية القديمة أو كأساطير مروية تناقلتها الأجيال، فالهندوس على سبيل المثال كانوا يعتقدون أن الإله " شيفا " هو الذى يأتى بنبات القنب من المحيط، ثم تُستخرج منه باقى الآلهة ما وصفوه بالرحيق الإلهى ويقصدون به الحشيش، ونقش الإغريق صوراً لنبات الخشاش على جدران المقابر والمعابد، واختلف المدلول الرمزى لهذه النقوش حسب الآلهة التى تمسك بها، ففى يد الإله " هيرا " تعنى الأمومة، والإله " ديميتر" تعنى خصوبة الأرض، والإله " بلوتو " تعنى الموت أو النوم الأبدى، أما قبائل الإنديز فقد انتشرت بينهم أسطورة تقول بأن امرأة نزلت من السماء لتخفف آلام الناس، وتجلب لهم نوماً لذيذاً، وتحولت بفضل القوة الإلهية إلى شجرة الكوكا. وتعتبر الكحوليات من أقدم المواد المخدرة التى تعاطاها الإنسان، وكانت الصين أسبق المجتمعات إلى معرفة عمليات التخمير الطبيعية لأنواع مختلفة من الأطعمة، فقد صنع الصينيون الخمور من الأرز والبطاطا والقمح والشعير، وتعاطوا أنواعاً من المشروبات كانوا يطلقون عليها "جيو" أى النبيذ، ثم انتقل إليهم نبيذ العنب من العالم الغربى سنة 200 قبل الميلاد تقريباً بعد الاتصالات التى جرت بين الإمبراطوريتين الصينية والرومانية، واقترن تقديم المشروبات الكحولية فى الصين القديمة بعدد من المناسبات الاجتماعية مثل تقديم الأضاحى للآلهة أو الاحتفال بنصر عسكرى، وهذا نموذج ليس متفرداً فى قدم وتلقائية معرفة الإنسان للكحوليات، كما لهذا النموذج شبيه فى الحضارات المصرية والهندية والرومانية واليونانية، كما عرفت الكحوليات المجتمعات والقبائل البدائية فى أفريقيا وآسيا. (1) الحشيش " القنب " : القنب كلمة لاتينية معناها ضوضاء، وقد سُمى الحشيش بهذا الاسم لأن متعاطيه يُحدث ضوضاء بعد وصول المادة المخدرة إلى ذروة مفعولها، ومن المادة الفعالة فى نبات القنب هذا يُصنع الحشيش، ومعناه فى اللغة العربية " العشب " أو النبات البرى، ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مُشتقة من الكلمة العبرية " شيش " التى تعنى الفرح، إنطلاقاً مما يشعر به المتعاطى من نشوة وفرح عند تعاطيه الحشيش، وقد عرفت الشعوب القديمة نبات القنب واستخدمته فى أغراض متعددة، فصنعت من أليافه الحبال وأنواعا من الأقمشة، واستعمل كذلك فى أغراض دينية وترويحية، ومن أوائل الشعوب التى عرفته واستخدمته الشعب الصينى، فقد عرفه الإمبراطور شن ننج عام 2737 ق.م وأطلق عليه حينها " واهب السعادة "، أما الهندوس فقد سموه مُخفف الأحزان، وفى القرن السابع قبل الميلاد استعمله الآشوريون فى حفلاتهم الدينية وسموه نبتة "كونوبو"، واشتق العالم النباتى ليناوس سنة 1753م من هذه التسمية كلمة "كنابيس "Cannabis، وكان الكهنة الهنود يعتبرون الكنابيس (القنب - الحشيش) من أصل إلهى لما له من تأثير كبير واستخدموه فى طقوسهم وحفلاتهم الدينية، وورد ذكره فى أساطيرهم القديمة ووصفوه بأنه أحب شراب إلى الإله " أندرا "، ولايزال يستخدم هذا النبات فى معابد الهندوس والسيخ فى الهند ونيبال ومعابد أتباع شيتا في الأعياد المقدسة حتى الآن، وقد عرف العالم العربى الحشيش فى القرن الحادى عشر الميلادى، حيث استعمله قائد القرامطة فى آسيا الوسطى حسن بن صباح، وكان يقدمه مكافأة لأفراد مجموعته البارزين، وقد عُرف منذ ذلك الوقت باسم الحشيش، وعُرفت هذه الفرقة بالحشاشين، أما أوروبا فعرفت الحشيش فى القرن السابع عشر عن طريق حركة الاستشراق التى ركزت فى كتاباتها على الهند وفارس والعالم العربى، ونقل نابليون بونابرت وجنوده بعد فشل حملتهم على مصر في القرن التاسع عشر هذا المُخدر إلى أوروبا، وكانت معرفة الولاياتالمتحدة الأميركية به فى بدايات القرن العشرين، حيث نقله إليها العمال المكسيكيون الذين وفدوا إلى العمل داخل الولاياتالمتحدة. (2) الأفيون : أول من اكتشف الخشاش " الأفيون " هم سُكان وسط آسيا فى الألف السابعة قبل الميلاد، ومنها انتشر إلى مناطق العالم المختلفة، وقد عرفه المصريون القدماء فى الألف الرابعة قبل الميلاد، وكانوا يستخدمونه علاجاً للأوجاع، وعرفه كذلك السومريون وأطلقوا عليه اسم " نبات السعادة "، وتحدثت لوحات سومرية يعود تاريخها إلى 3300 ق.م عن موسم حصاد الأفيون، وعرفه البابليون والفرس، كما استخدمه الصينيون والهنود، ثم انتقل إلى اليونان والرومان، ولكنهم أساءوا استعماله فأدمنوه، وأوصى حكماؤهم بمنع استعماله، وقد أكدت ذلك المخطوطات القديمة بين هوميروس وأبو قراط ومن أرسطو إلى فيرجيل، وعرف العرب الأفيون منذ القرن الثامن الميلادى، وقد وصفه ابن سينا لعلاج التهاب غشاء الرئة الذى كان يُسمى وقتذاك " داء ذات الجُنب " وبعض أنواع المغص، وذكره داود الأنطاكى فى تذكرته المعروفة باسم " تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب" تحت اسم الخشخاش، وفى الهند عُرف نبات الخشاش والأفيون منذ القرن السادس الميلادى، وظلت الهند تستخدمه فى تبادلاتها التجارية المحدودة مع الصين إلى أن احتكرت شركة الهند الشرقية التى تسيطر عليها إنجلترا فى أوائل القرن التاسع عشر تجارته فى أسواق الصين، وقد قاومت الصين إغراق أسواقها بهذا المُخدر، فاندلعت بينها وبين إنجلترا حرب عرفت باسم حرب الأفيون " 1839 – 1842" انتهت بهزيمة الصين وتوقيع معاهدة نانكين عام 1843 التى استولت فيها بريطانيا على هونج كونج، وفتحت الموانئ الصينية أمام البضائع الغربية بضرائب بلغ حدها الأقصى 5%، واستطاعت الولاياتالمتحدة الأميركية الدخول إلى الأسواق الصينية ومنافسة شركة الهند الشرقية فى تلك الحرب، فوقعت اتفاقية مماثلة عام 1844، وكان من نتائج تلك المعاهدات الانتشار الواسع للأفيون فى الصين، فوصل عدد المُدمنين بها عام 1906، على سبيل المثال خمسة عشر مليوناً، وفى عام 1920 قُدر عدد المدمنين ب 25% من مجموع الذكور فى المُدن الصينية، واستمرت معاناة الصين من ذلك النبات المُخدر حتى عام 1950 عندما أعلنت حكومة ماوتسى تونج بدء برنامج فعال للقضاء على تعاطيه وتنظيم تداوله. (3) المورفين : وهو أحد مُشتقات الأفيون، حيث استطاع العالم الألمانى " سير تبرز " عام 1806 من فصلها عن الأفيون، وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الإله " مورفيوس " إله الأحلام عند الإغريق، وقد ساعد الاستخدام الطبى للمورفين فى العمليات الجراحية خاصة إبان الحرب الأهلية التى اندلعت فى الولاياتالمتحدة الأميركية " 1861 – 1861 " ومنذ اختراع الإبرة الطبية أصبح استخدام المورفين بطريقة الحقن فى متناول اليد. (4) الهيروين : وهو أيضاً أحد مشتقات المورفين الأشد خطورة، اكتشف عام 1898 وأنتجته شركة باير للأدوية، ثم أسىء استخدامه وأدرج ضمن المواد المخدرة فائقة الخطورة. (5) الأمفيتامينات " المُنشطات " : تم تحضيرها لأول مرة عام 1887 لكنها لم تُستخدم طبياً إلا عام 1930، وقد سُوقت تجارياً تحت اسم البنزورين، وكثر بعد ذلك تصنيع العديد منها مثل الكيكيدرين والمستيدرين والريتالين، وكان الجنود والطيارون فى الحرب العالمية الثانية يستخدمونها ليواصلوا العمل دون شعور بالتعب، لكن استخدامها لم يتوقف بعد انتهاء الحرب، وكانت اليابان من أوائل البلاد التى انتشر تعاطى هذه العقاقير بين شبابها حيث قدرعدد اليابانيين الذين يتعاطونها بمليون ونصف المليون عام 1954، وقد حشدت الحكومة اليابانية كل إمكاناتها للقضاء على هذه المشكلة ونجحت بالفعل فى ذلك إلى حد كبير عام 1960. (6) الكوكايين : وهى من المنشطات التى تمنح الشعور بالانتعاش وضعف الشهية، ويمكن لمُتعاطى هذا المخدر ألا يبالوا بالألم والتعب، ويتلاشى مفعول الكوكايين بعد مرور ما بين 15 دقيقة ونصف ساعة على استنشاقه، لذلك فالمُدمنون مُضطرون لأخذه باستمرار كل عشرين دقيقة من أجل الإبقاء على مفعوله، ويعتقد العديد من المتعاطين لهذا المخدر أن أدائهم يكون أحسن تحت تأثير الكوكايين، لكن الأبحاث تظهر أن هذا الإحساس قد يكون وهمياً ولا علاقة له بالواقع وقد يؤدى الكوكايين إلى اضطراب وتيرة خفقان القلب وزيادة حرارة الجسد، ويحتمل أن يؤدى استخدام كميات عالية أو منتظمة من الكوكايين إلى تقليص الشهوة الجنسية وربما الإصابة بالاضطراب والبارانويا، كما يمكن أن يقود أخذ جرعات كبيرة إلى الوفاة بسبب السكتة القلبية أو تعطل الجهاز التنفسى، ومن بين التأثيرات الجانبية التي يُسفر عنها تعاطى الكوكايين الشعور بالضغط والإعياء، أما الإقلاع عنه فيؤدى إلى بروز أعراض من بينها الشعور بالقلق وبحالات عالية من التوتر العصبى، وهناك العديد من الأشخاص الذين يؤثر الكوكايين فيهم بسرعة، إذ يمكن أن يقودهم إلى الوفاة بعد أخذ أول كمية منه، ويُسفر الاستنشاق المنتظم للكوكايين عن إتلاف أغشية الأنف، كما أن استعماله عن طريق الحقن الملوث يؤدى للإصابة بالعدوى . (7) القات : والقات شُجيرة مُعمرة ، تُزرع فى أى تُربة وتقاوم الآفات وتقلبات المناخ، وهى ذات أورقاً دائمة الاخضرار يبلغ ارتفاعها من متر إلى مترين فى المناطق القاحلة وستة أمتار فى المنحدرات الرطبة لجبال إثيوبيا، وقد تصل إلى 25 متراً فى المناطق الاستوائية ومُحيط الساق قد يصل إلى 60 سم، وقشرته رقيقة ناعمة داكنة الملمس، وشُجيرة القات حمراء داكنة تميل إلى الإصفرار، والمتخضرعندما تنضج أوراقها عكسية بيضاوية الشكل مُسننة حادة ويابسة الملمس وعديمة المذاق تقريباً، ويختلف حجم الأوراق اختلافاً كبيراً ويبلغ من 5 - 7 سم عرضاً، وزهرة النبات بيضاء اللون وبعضها يميل إلى اللون الأخضر، وينمو القات برياً فى المناطق الجبلية والرطبة فى شرقى وجنوبى أفريقياً وفى جنوب شبه الجزيرة العربية وأريتريا وكينيا، ويُزرع النبات فى أثيوبيا واليمن، ولم يخضع نبات القات حتى الآن للرقابة الدولية ولكن عنصرين من عناصره هما " القاتين " و" القاتتينون " أخضعاً للرقابة الدولية بموجب اتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971م، وبالنسبة لتأثير المواد الفعالة فى القات فهو مُنشط يشبه تأثير الإمفيتامينات، ويؤدى إلى درجة متوسطة وملحوظة من درجات الإدمان النفسى، والتعاطى المُزمن للقات يؤدى إلى البلاهة أو الجنون والإصابة بأمراض سرطان اللثة والفم والمعدة . وهناك العديد من الجهود الدولية لمكافحة المخدرات ومنها التوقيع على اتفاقيات مكافحة المخدرات، وهى اتفاقية عام 1961 المُعدلة ببروتوكول عام 1972 واتفاقية المؤثرات العقلية عام 1971 والاتفاقية الخاصة بالأممالمتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات 1988 .. وعلى المستوى العربى الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع والقانون العربى النموذجى للمخدرات . وتُعد مصر من أوائل الدول التى تنبهت إلى خطورة مشكلة المخدرات، وكان لها السبق فى إصدار واحداً من التشريعات لمكافحة المخدرات فى العصر الحديث وهو الأمر العالى الصادر فى مارس عام 1879 والذى يقضى بمنع زراعة الحشيش وتجريم استيراده، وتواصل الحكومة المصرية تنفيذ استراتيجية شاملة لمكافحة المخدرات منذ عام 1988 وتتعاون الإدارة العامة لمكافحة المخدرات مع وزارة الداخلية وحرس الحدود فى فرق لضبط شحنات المخدرات، فضلاً عن حملات التوعية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وعمل ندوات للشباب تناقش فيها مشاكل الإدمان بشكل عام وكيفية التعامل مع المُتغيرات المُعاصرة فى الوقت الحالى التى تشهدها بُلدان العالم على كافة الأصعدة، سواء السياسية أو الاجتماعية والثقافية وغيرها، لشرح وتوضيح مدى خطورة هذه المتغيرات ومدى توافقها وتقاليد وقيم مجتمعنا .. 26/2/2007