يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسى، الخميس في القمة الهندية الافريقية الثالثة التي بدأت فعالياتها الإثنين الماضي على مستوى كبار المسئولين بمشاركة الهند و54 دولة أفريقية من بينها مصر. وتعتبر قمة "الهند-أفريقيا" الحدث السياسى والاقتصادى الأكبر بالهند منذ العام 1983، وكانت أخر قمة عقدت بين الدول الأفريقية وبين العملاق الأسيوى المنافس للصين منذ سبع سنوات.. وهي ايضا هي الثالثة من نوعها.. كما تاتي هذه القمة بعد أقل من عام واحد على القمة الثانية الأوروبية الأفريقية التي عقدت في ديسمبر الماضي، وقبل شهر واحد من استضافة اليابان لمؤتمر التنمية الأفريقية الرابع لمناقشة القضايا المتعلقة بمساعدة أفريقيا. كانت القمة الأولى لمنتدى الهند – أفريقيا قد عقدت بنيودلهي في عام 2008 ، واستضافت أديس أبابا القمة الثانية في عام 2011 . وتهدف قمة منتدى الهند أفريقيا إلى تنمية الموارد البشرية، وبناء المؤسسات، والبنية التحتية، والطاقة النظيفة والزراعة والصحة والتعليم وتنمية المهارات في القارة الأفريقية. تاريخ العلاقات بين الهند وأفريقيا :- ارتكزت الهند في تواصلها مع الأفارقة على مجموعة من الأسس بعضها تاريخي خاص بدعم الهند لحركات التحرر الوطني في أفريقيا بمجرد استقلالها عام 1947 عن بريطانيا. وبعضها الآخر يتعلق بانتماء كلا الجانبين -وفق المنظور الغربي التقليدي- إلى مجموعة الجنوب في مواجهة الشمال من خلال مجموعة عدم الانحياز، وال77، فضلا عن وجود حالة من التقارب في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل رفض التبعية والاستغلال الغربي لموارد دول العالم الثالث. علاوة على وجود ميراث حضاري لكلا الجانبين، فضلا عن وجود حالة من التشابه فيما يتعلق بطبيعة المجتمعين الأفريقي والهندي من حيث التنوع الثقافي والعرقي إلى ما غير ذلك. ويرجع تاريخ العلاقات التجارية بين الهند وأفريقيا إلى قديم الزمان غير أن نفوذ الهند قد تلاشى إبان الحرب الباردة بعدما انسحبت وآثرت عدم الانحياز. وتريد نيودلهي من خلال هذه القمة التركيز على قوتها الناعمة وعلاقاتها التاريخية مع أفريقيا لمجابهة هيمنة الصين على القارة التي تتمتع بوفرة في الموارد طبيعية ويقطنها سكان هم الأسرع نموا في العالم ، على عكس تركيز الصين على استخراج الموارد واستثمار رؤوس الأموال . لماذا افريقيا :- التوجه الهندي الى القارة السمراء جاء لأسباب اقتصادية في المقام الاول حيث تريد الهند فتح اسواق جديدة لصادراتها من المنتجات البترولية والمنسوجات والمجوهرات والكيماويات والمنتجات الجلدية وزيادة التبادل التجاري.. وتعد السوق الافريقية التي يصل حجمها الى 800 مليون نسمة بيئة مثاليا لتحقيق الهدف. كما ترغب الهند في ترغب في البحث عن مصادر طاقة متجددة خاصة البترول. وسياسيا ترغب الهند في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، ومن ثم فهي بحاجة إلى زيادة ثقلها على الساحة الدولية، وأفريقيا يمكن أن يكون لها دور مهم في تقديم الدعم السياسي لها. إستراتيجية الهند الأفريقية :- تقوم إستراتيجية الهند الأفريقية على عدة محاور منها: تقديم المساعدات من أجل الحصول على البترول والإنفاق على برامج التنمية البشرية والتركيز على بعض المناطق الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي والقيام بعملية استصلاح الأراضي الزراعية الشاسعة في أفريقيا . وبدأت الهند بتقديم عرض بمليار دولار لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية لبعض دول غرب أفريقيا مقابل الحصول على حق استكشاف البترول بهذه الدول. وفي عام 2005 أعلنت أكبر شركة صلب في العالم، وشركة هندية حكومية عن استثمارات بقيمة ستة مليارات دولار لإنشاء مصفاة ومحطة للطاقة وشبكة سكك حديدية في نيجيريا مقابل الحصول على البترول. كما قامت بالإنفاق على برامج التنمية البشرية خاصة في المجال التعليمي والأكاديمي، ومشروعات البنية التحتية على اعتبار أنها أساس أي عملية تبادل تجاري ناجح، خاصة في ظل ضعف شبكة الطرق والنقل والمواصلات مع أفريقيا. وكذلك تعتمد الهند على التركيز على دراسات الجدوى للمشاريع الاقتصادية العملاقة من خلال تبادل الخبراء في هذا الشأن، وقد امتد هذا التعاون مع العديد من دول القارة خاصة في الغرب (نيجيريا، السنغال، غانا، بوركينافاسو) يليها الجنوب (مالاوي، ناميبيا) ثم الشرق (إثيوبيا). وتقوم الاستراتيجية الهندية على تحقيق أقصى استفادة بأقل تكلفة، نظرا لمحدودية امكانيات الهند، عبر دراسة دقيقة لاحتياجات السوق الأفريقية، والمناطق التي يمكن النفاذ منها دون حدوث مواجهة مع المنافسين الدوليين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو الإقليميين الصينواليابان. وفي هذا الإطار تم توقيع مبادرة مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والهند تكلف نحو 135.6 مليون دولار لتحسين الاتصالات عبر الإنترنت بواسطة ربط 53 دولة أفريقية بعضها ببعض باستخدام الأقمار الصناعية وكابلات ألياف بصرية ثم ربطها بالهند. وتأمل الهند من خلال هذا المشروع التجريبي بيع مزيد من معدات الاتصالات والخدمات لأسواق تكنولوجيا المعلومات الوليدة في القارة قبل أن تدخل الصين هذا السوق. وتتجه الهند الى التركيز على بعض المناطق الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، وفي هذا الصدد تم تبني برنامج "التركيز على أفريقيا" في الفترة من 2002-2007، وكانت الدول المستهدفة هي إثيوبيا وكينيا وموريشيوس، ويبدو أن هذا الاختيار لم يكن عشوائيا، فقد اختارت دولا تتمتع بالقرب الجغرافي النوعي بالنسبة لها، فضلا عن أن هذه الدول ساحلية -على المحيط الهندي- باستثناء إثيوبيا باعتبارها دولة حبيسة. كما أن هذه الدول هي من الأعضاء في الكوميسا، ومن ثم يمكن أن تكون نقاط ارتكاز نحو الانطلاق لباقي دول الشرق والجنوب الأفريقي، ويتم ذلك بواسطة عدة آليات، لعل من أبرزها عمليات الائتمان التي تتم بواسطة بنك أكسيم الذي يقوم بتمويل عمليات التصدير إلى أفريقيا بتقديم تسهيلات في عملية الدفع الآجل للمصدرين الهنود. واتجهت الهند الى القيام بعملية استصلاح الأراضي الزراعية الشاسعة في أفريقيا، خاصة في دول شرق أفريقيا أيضا، عن طريق توقيع عقود مع حكومات هذه الدول لاستقدام المزارعين الهنود للقيام بعملية الاستصلاح، مع تأجير الأرض لهؤلاء لمدد طويلة تصل إلى 99 سنة، مقابل ضمان عملية الاستصلاح، ومن ثم فإن هؤلاء المزارعين لا يتم التعامل معهم كأجراء، وإنما كأصحاب أرض وقد تم تأجير هكتار الأرض في أوغندا ب3.75 دولارات فقط. وتشارك الهند كة في عمليات حفظ السلام الدولية في أفريقيا ، ومن ذلك المشاركة في سيراليون، مقابل مشاركة الصين في ليبيريا المجاورة، ثم السودان بعد ذلك، كما أن الهند شاركت في عمليات أخرى في الصومال والكونغو الديمقراطية. تحقيق الأهداف :- سلكت الهند مجموعة من المسارات لتحقيق أهدافها في أفريقيا منها: دعم ميزانية المساعدات الخاصة بأفريقيا وتخفيف قيود الاستيراد الهندي من الدول الأكثر فقرا وزيادة الفرص الممنوحة للطلاب الأفارقة من أجل استكمال دراساتهم العليا في الهند " كما قامت بزيادة عملية الائتمان المقدمة للمشروعات التجارية والصناعية من 2.15 مليار دولار (في الفترة من عام 2003-2004 إلى عام 2008-2009) إلى 5.4 مليارات دولار على مستوى التعاون الثنائي مع الدول أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا في السنوات الخمس القادمة ايضا شجعت زيادة دور القطاع الخاص في عملية الشراكة، فضلا عن الاستفادة القصوى من الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبالنسبة للطلاب الفارقة قامت بزيادة الفرص الممنوحة للطلاب الأفارقة من أجل استكمال دراساتهم العليا في الهند من 1100 إلى 1600 متدرب سنويا، على اعتبار أن هؤلاء سيشكلون جسر التواصل بين الجانبين بعد عودتهم إلى بلدانهم. وعلى الجانب الاخر تحتاج أفريقيا للتجربة الهندية في العديد من المجالات خاصة مجالات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وكذلك التعليم خاصة التعليم عن بعد، إلى جانب الاستفادة من التجربة الهندية الديمقراطية في قارة تموج بالكثير من أعمال العنف بسبب عدم تطبيق تلك الديمقراطية وأحداث كينيا وزيمبابوي الأخيرة دليل على ذلك، فضلا عن إمكانية التصدير للسوق الهندية التي يتجاوز عدد سكانها مليار دولار، خاصة وأن المنتجات الأفريقية يمكن أن تحظى أيضا بقبول في الأسواق الهندية بسبب رخص أسعارها -في حال إلغاء الجمارك- من ناحية، والتقارب في الأذواق من ناحية ثانية. المشاركة المصرية في قمة " الهند – أفريقيا " :- المشاركة المصرية فى منتدى قمة الهند- أفريقيا متميزة على كافة المستويات بما يعكس قوة العلاقة التاريخية بين مصر والهند وأفريقيا، حيث تقع على مصر مسئولية أنها تمثل القارة فى العديد من المحافل الدولية، وعلى سبيل المثال هذا العام فى مفاوضات تغير المناخ المتوقع عقدها بباريس نهاية هذا العام ومصر تشارك فيها بصفتين بصفة الرئيس عبد الفتاح السيسى هو رئيس لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية لتغير المناخ، كما أن وزير البيئة هو رئيس مجلس وزراء البيئة الأفارقة وبالتالى هذا يضع علينا مسئولية الدفاع عن المصالح الأفريقية فى العديد من المحافل الدولية. تم الإعداد للمشاركة فى منتدى قمة الهند- أفريقيا على عدة مستويات سواء فى الإعداد للمنتدى على جوانب مختلفة لاشك أن الجانب الاقتصادى له الأولوية فى هذه القمة". ومن المتوقع أن تصدر عن هذه القمة وثيقتان، الأولى هى إعلان نيودلهى، والثانية هى إطار عمل للتعاون المشترك بين الهند والدول الأفريقية، على أن يشمل إعلان نيودلهى القضايا الدولية التى تشغل الجانب الهندى والقارة الأفريقية كالمصالح والاهتمامات المشتركة، بالإضافة إلى العديد من القضايا التى تحتاج إلى تبادل الرأى حولها مثل الإرهاب الدولى والقرصنة وتغير المناخ والتنمية المستدامة والبيئة واصلاح مجلس الأمن الدولى. كما تناقش القمة ما تم إنجازه خلال القمتين السابقتين، حيث أن الشراكة الهندية- الأفريقية تعد شراكة وليدة بدأت فى عام 2008 مع القمة الأولى التى استضافتها نيودلهى، كما سيتم إقرار آلية للمتابعة بناء على رغبة الطرف الأفريقى والجانب الهندى يتفهم ذلك جيدا، وذلك لمتابعة تنفيذ ما تم إقراره فى القمتين السابقتين. أما الوثيقة الثانية، فهي ستمثل إطار العمل للتعاون المشترك يأتى فى هذا المضمون ويعكس القضايا والتعاون ما بين القارة الافريقية والهند فى مجالات تميز فيها الجانب الهندى، يمكن أن تستفيد منها القارة السمراء مثل بناء القدرات والتعليم ونقل التكنولوجيا والرعاية الطبية والأدوية والطاقة الجديدة والمتجددة، وبالمثل القارة الأفريقية لديها أيضا مجالات تميز ليس فقط قارة مصدرة للمواد الخام، ولكن ننظر لها أن هناك تميزا فى العديد من الدول، ومن بينها مصر التى حققت إنجازات فى العديد من المجالات ويمكن أن يكون هناك تبادل للمنفعة ويمكن أن نتعاون فيما يسمى بالتعاون الثلاثى مثل تعاون مصر والهند لدعم الدول الأفريقية الأقل نموا. تعد قمة " الهند – أفريقيا" فرصة جيدة للاستفادة من جوانب التميز فى أفريقيا ودعوة الجانب الهندى للاستثمار فى القارة وإعطاء المثال والنموذج فى أن مصر تنتمى للعديد من المحافل الإقليمية التى تتيح حرية التجارة والإعفاء من الرسوم الجمركية نتيجة لانتمائها لبعض التجمعات العالمية، وقد وقع 26 رئيس دولة وحكومة فى قمة شرم الشيخ الاقتصادية فى يونيو الماضى على اتفاق لثلاث تجمعات أفريقية هى الكوميسا وسادك وتجمع شرق أفريقيا، وهى سوق تبلغ أكثر من 600 مليون نسمة ويمثل الاتفاق فرصة لجذب الاستثمارات الخارجية وبالطبع الهندية، حيث تعد مصر بوابة الاستثمار فى أفريقيا لما تتمتع به من إجراءات تحفيزية للمستثمرين، وخاصة بعد صدور قانون الاستثمار الجديد وما يتيحه من مزايا وإعفاءات جمركية لجذب رؤساء الأموال". تطور العلاقات المصرية- الهندية :- شدت العلاقات بين مصر والهند تطورا متواصلا، حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 5 مليارات دولار ويشهد تطورا مستمرا، وكانت آخر اجتماعات اللجنة التجارية المشتركة فى نهاية العام الماضى وضعت هدفا أمامها للوصول إلى 8 مليارات دولار بنهاية العام القادم 2016″. ومع بداية دخول بعض السلع المصرية إلى السوق الهندية التى يقدر عدد سكانها بأكثر من مليار و200 مليون نسمة، ظهرت مؤشرات مبشرة ، على سبيل المثال تلقى السلع المصرية مثل الموالح (البرتقال) والفوسفات والبصل طلبا متزايدا . وتوجد في داخل الهند عددا من الشركات المصرية خاصة التى تعمل فى مجال تصنيع العدادات الذكية (السويدى) بمدينة نويدا، والأخرى فى مجال دهانات السيارات والدهانات (كابسى) ، حيث تم وضع حجر الأساس لأول مصنع للدهانات المصرية مؤخرا فى مدينة بنجالور فى إطار خطة الشركة لإنشاء 5 مصانع بعدد من الولايات. وعلى الجانب الأخر، تتواجد الاستثمارات الهندية بمصر حيث تبلغ 3 مليارات دولار، وذلك من خلال تواجد 50 شركة هندية بمصر.. وقد أعلنت إحدى الشركات عن استثمار إضافى بقيمة مليار دولار فى الزراعة فى إطار المشروع الذى أعلن عنه الرئيس السيسى باستصلاح وزراعة مليون فدان. وهناك محاولات لإقامة مشروع مصرى- هندى مشترك بمدينة السادات لإقامة مصنع لانتاج دواء "سوفالدي" لعلاج فيروس "سي". وفي مجال السياحة بلغ حجم السياحة الهندية الوافدة إلى مصر العام الماضى 61 ألف سائحا ، ويمكن زيادة الاعداد باتخاذ اجراءات لتسهيل منح التأشيرات للسياح الهنود، والترويج للمعالم المصرية الأثرية والتاريخية والطبيعية، فضلا عن السعي لإعادة تشغيل خط الطيران المصرى المباشر القاهرة- نيودلهى بالتوازى مع خط التشغيل الحالى القاهرة- مومباى. وشهدت الفترة الأخيرة العديد من الزيارات المتبادلة بين الجانبين، حيث زار وزير البيئة الهندى مصر للمشاركة فى اجتماع وزراء البيئة الأفارقة، وزار وزير العدل المصرى السابق الهند ممثلا للسيد رئيس الجمهورية فى مؤتمر خاص بالقضاء، كما سبق أن زار مصر نائب مستشار الأمن القومى الهندى، مشيرا إلى أنه خلال الثلاثة أشهر الماضية قام ثلاثة وزراء هنود بزيارات على التوالى لمصر فى مناسبات مختلفة، كانت الزيارة الأولى لوزير الدولة للشئون البرلمانية والأقليات لتوجيه دعوة للسيد الرئيس لحضور القمة الهندية الأفريقية الحالية، تلاها زيارة لوزير النقل والطرق الهندى للمشاركة فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، ثم زيارة وزيرة الخارجية الهندية لمصر وجميعهم التقوا بالرئيس السيسى وكبار المسئولين بمصر. وتابع كما أجرت سوشيما سواراج مباحثات موسعة مع وزير الخارجية، واكتمل الزخم بلقاء الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك مؤخرا.. ونتوقع عقد اللجنة العليا المشتركة على مستوى وزيرى الخارجية قبل نهاية العام الحالى، كما سيعقد على هامش أعمال القمة الحالية اجتماع مجلس الأعمال المصرى الهندى المشترك.