«أسد جريء شجاع، يقف بفخر فى قلب إفريقيا، مستعدا لاقتناص أي وكل فرصة لينطلق صوب المستقبل».. هذا هو شعار قمة المنتدي الثالث للهند إفريقيا، الذي تستضيفه العاصمة نيودلهى على مدي أربعة أيام من 26الى 29 من الشهر الحالي، بحضور أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة افريقية من بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسى. شعار القمة جاء بليغاً، فقد لخص شكل العلاقة بين إفريقيا والهند من ناحية، وإفريقيا وباقى القوى الإقليمية والدولية التى تتهافت كلها على القارة، وتتنافس فيما بينها للحصول على أكبر قدر من الاستفادة من قارة تزخر بالموارد والثروات. وتعتمد الهند فى علاقتها مع إفريقيا على العديد من القواسم التاريخية المشتركة، فالاثنتان من أصحاب الحضارات العريقة، و تعرضتا لنفس الإرث الاستعمارى. وعلى الرغم من الديناميكية الجيولوجية التى باعدت بين القارة السمراء و شبه جزيرة الهند كما يطلق عليها، فإنهما سرعان ما عادتا مع للتقارب.. ففى الماضى القريب جمعتهما قضية النضال من أجل التحرر، و فى الحاضر تجمعهما المصالح الاقتصادية. ما سبق هو الأساس الذى استندت إليه الهند فى تطوير علاقاتها مع القارة الإفريقية، غير أنه فى عالم لامكان فيه الا للتكتلات الاقتصادية الكبري فقد أراد الجانبان الإفريقى والهندى وضع شكل مؤسسى يحكم هذه العلاقة، من خلال إطلاق منتدي الهند إفريقيا، الذى بدأ قمته الأولي عام 2008 بالعاصمة نيودلهى، و الثانية عام 2011بأديس أبابا.. واتفق الجانبان على عقد تلك القمم كل ثلاث سنوات بالتناوب بين نيودلهى وإحدى الدول الإفريقية، غير أن التطورات السياسية المتلاحقة فى دول القارة، وما صاحبها من تغيرات جذرية في الأنظمة، وكذلك انتشار فيروس الإيبولا، تسبب فى تأجيل عقد القمة الثالثة. وبالتأكيد، هناك دوافع لاهتمام الهند بتوطيد علاقاتها مع إفريقيا؛ فتسارع معدلات النمو في الأولي، و بزوغها اقتصاديا بوصفها تمثل رابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم من حيث القوة الشرائية بعد الولاياتالمتحدة واليابان والصين، جعلها فى حاجة لتوفير مصادر الطاقة اللازمة لمجابهة هذا النمو المطرد، و كذلك لتصريف منتجاتها بالسوق الإفريقية التى تستوعب الكثير من السلع الهندية التى تتناسب مع متطلباتهم من حيث الذوق و الثمن. كما أن حاجة نيودلهى لدعم ومساندة الدول الإفريقية لها فى المحافل الدولية، لاسيما فى تطلعها للحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن، و كذلك لضمان وقوف الدول الإفريقية فى صف الهند فى نزاعها الحدودى مع كشمير يضمن لها دعم إفريقيا، باعتبارها تعد ثانى أكبر كتلة تصويتية في الأممالمتحدة بعد آسيا. ومن هنا سارعت الهند إلي الدخول بقوة فى حلبة التنافس على المسرح العالمى من خلال افريقيا، ووضعت استراتيجيات لتضمن تعزيز هذا التواجد سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، وعملت على تكثيف بعثاتها الدبلوماسية فى القارة، وانعكس ذلك على حجم تجارتها مع إفريقيا، الذى ارتفع من ه مليارات دولار عام 2001 إلى 25 مليار دولار عام 2007 لكن ما الذي ستستفيده الدول الإفريقية من الهند؟ وما الفرق بينها وبين الولاياتالمتحدة والصين؟ للإجابة عن هذه التساؤلات علينا أن ننظر- كأفارقة - لما تتميز به الهند لمعرفة الجدوى من توسيع نطاق التعاون معها. ولعل أهم ما يميز الهند هو تشابهها مع افريقيا فى العديد من المجالات، غير أن الأولي استطاعت أن تخرج من دائرة التخلف لتنطلق اقتصاديا وتضع لنفسها مكانة على الساحة الدولية، وبالتالى فإن التجربة الهندية سواء فى مجالات الديمقراطية أو الزراعة، وقدرتها على التحول من دولة زراعية إلي صناعية متقدمة تكنولوجيا تعد نموذجا يحتذى به يمكن نقله لإفريقيا، وذلك فى قطاعات الزراعة والتعليم والتعليم عن بعد وتكنولوجيا المعلومات فضلا عن التعاون فى مجال المشروعات المتوسطة، والمتناهية الصغر.. هذا بالإضافة إلي إمكان استفادة دول القارة، وخاصة مصر، من خبرة الهند النووية فى الاستخدامات السلمية، سواء فى مفاعل الضبعة، أو الطاقة المتجددة بصفة عامة كبديل للبترول. وتكتسب القمة الإفريقية الهندية التى يحضرها الرئيس السيسى كذلك أهمية ترجع لتوقيت حدوثها قبل خمسة أسابيع فقط من انطلاق مؤتمر الأممالمتحدة، الذى يعقد بباريس، ليشهد التوقيع على الاتفاقية الإطارية العالمية للمناخ، وبالتالى سيكون المنتدى فرصة لتنسيق المواقف بين الهند ومصر كممثلة للمجموعة الإفريقية فى هذا المؤتمر.