استعرضنا فى المقال السابق أسرار الصراع الدولى الإقليمى على أفريقيا فى ظل غياب التأثير العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص، وكما رصدنا اهتمام الولاياتالمتحدة بالقارة السمراء عندما ارتفعت وارداتها النفطية، فضلاً عن حرص واشنطن على رعاية تعزيز مصالحها من خلال تقديم منح مالية بلغت على سبيل المثال لا الحصر نحو 50 مليار دولار لدول جنوب الصحراء الغربية، كما تناولما بالنقد والتحليل اهتمام الصين بالتواجد فى افريقيا من خلال المشروعات الاقتصادية العملاقة، إضافة إلى رصد التغلغل الاسرائيلى فى القارة منذ عدة عقودعن طريق مخططات سياسية واقتصادية. وفى هذه الحلقة تناول أدوار إيران وتركيا والهند بعض الدور التى تقوم به وأسرار الصراعات على كعكة القارة السمراء دخلت إيران حلبة التنافس والصراع فى القارة الأفريقية مستغلة حالة الوهن العربى الاستراتيجى ومع صعودها كقوة إقليمية فى منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت بالبحث عن أدوات جديدة لإحياء دورها الإقليمى وتدعيمه. تصاعدت الحملات الدبلوماسية الإيرانية من خلال العديد من زيارات كبار المسئولى للعديد من الدول الأفريقية فى السنوات الأخيرة، إذ قام عام 2009 كبار المسئولين الإيرانيين بما يقارب من 20 زيارة لعدد من الدول الإفريقية، مما ساعد على دعم التأثير الإيرانى فى العديد من دول القارة الإفريقية. مما أسفرت عنه تلك الحملات الدبلوماسية الإيرانية تمتع إيران بعلاقات وثيقة بكل من موريتانيا وجامبيا ونيجيريا والسودان والسنغال، حيث تُعد إيران من أكبر مصدرى السلاح إلى السودان، ووقعت معه عام 2008 اتفاقية تعاون عسكرى، كما تصدر إيران حوالى 4 ملايين طن نفط خام سنوياً لكينيا، إضافة لتقديم منح دراسية للكينيين فى إيران، إضافة للسعى نحو الحصول على اليورانيوم الموجود بوفرة فى العديد من الدول الإفريقية وكمثال أوغندا وزيمبابوى. ً تركيا فى إطار نهج السياسة الخارجية التركية بتطبيقها مبدأ السياسة الخارجية متعددة الأبعاد والذى يعنى توازن العلاقات - قدر الإمكان - مع كافة أطراف العلاقات الدولية على الرغم من اختلاف إيدلوجياتهم ومآربهم ومحاولة تكامل تلك العلاقات بما يحقق أقصى استفادة ممكنة فإنه يمكن القول بأن الأهداف الاستراتيجية التركية فى القارة الأفريقية تتمثل فى : * سعى تركيا منذ سنوات إلى بناء جسور للتواصل مع دول القارة الإفريقية مفضلة المدخل الاقتصادى والتجارى إلى شعوب هذه القارة من خلال اتباع نهج ما يسمى بالجسر الدولى للتجارة بين تركيا وافريقيا، فى إطار خطة استراتيجية لتنمية التعاون مع العالم العربى وإفريقيا والتى ترتكز على تنمية التشاور السياسى مع زعماء الدول العربية والافريقية، وتفعيل دورها فى التجمعات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الأفريقى بصفة مراقب فى هذين التجمعين، حيث تعتبر تركيا هذا النهج أداة فعالة للتقريب بين الشعوب وتجمعات الأعمال والمستثمرين. - تستهدف تركيا تفعيل اتفاقيات التعاون الفنى الموقعة مع 29 دولة أفريقية للحصول على مشروعات فى مجال المقاولات وزيادة حجم استثماراتها فى تلك الدول من خلال تقديم قروض ميسرة للمشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم مستهدفة نقل التكنولوجيا الصناعية التركية لهذه الدول والمساهمة فى عمليات التدريب الميدانى للفنيين الأفارقة. - تدرس تركيا تطوير آليات لتأمين إقامة تعاون مصرفى مباشر مع الدول الافريقية والتخطيط لافتتاح مراكز تجارية دائمة فى عدد من العواصم الأفريقية بهدف التعريف بالمنتجات التركية، وذلك فى إطار تفعيل اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة مع تونس والمغرب ومصر، وسرعة إستكمال المفاوضات الجارية مع الجزائروجنوب أفريقيا والبدء فى مفاوضات مع السودان وإثيوبيا وكينيا والسنغال والكاميرون وجيبوتى. - على الرغم من التحديات التى تعمل تركيا على التغلب عليها، فإنه يمكن القول بأن الاستراتيجية التركية فى إفريقيا قد حققت أهدافها. الهند تعددت الدوافع الهندية فى أفريقيا بين اقتصادية وسياسية، حيث تمثلت أبرز هذه الدوافع فيما يلى : - فتح أسواق جديدة لتجارتها الخارجية لتصدير منتجاتها البترولية والنسجية والكيماوية والجلدية والمجوهرات، وتأمين وارداتها من البترول الخام والآلات والمخصبات الزراعية، حيث من المتوقع أن تصبح الهند بحلول عام 2030 ثالث دولة فى العالم إستهلاكاً للطاقة، إضافة لرؤية الهند بأن أفريقيا مازالت تقع خارج نطاقها التجارى. * سياسياً فإنه فى سبيل تحقيق رغبة الهند فى الحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن فهى بحاجة لزيادة ثقلها الدولى، حيث يمكن لأفريقيا أن تلعب دوراً مهماً لتقديم الدعم السياسى المأمول. * شهدت السنوات القليلة الماضية تصاعداً فى مستوى العلاقات الإقتصادية والتجارية الهندية الأفريقية، حيث إرتفع حجم التجارة من 5.0 مليار دولار عام 2001 إلى 30.0 مليار عام 2007 وصل لحوالى 40.0 مليار دولار عام 2009، ومن المتوقع أن يصل إلى 55.0 مليار دولار عام 2012 وذلك فى إطار تنفيذ الهند لتعهدها فى القمة الأفريقية الهندية التى عُقدت بنيودلهى فى أبريل 2008بمضاعفة مستوى التجارة مع أفريقيا فى غضون خمس سنوات، كما تلاحظ وجود استثمارات هندية ضخمة فى كل من أثيوبيا وأوغندا وأنجولا وموزمبيق وناميبيا. * تقوم الاستراتيجية الهندية تجاه أفريقيا على تحقيق أقصى إستفادة ممكنة بأقل تكلفة من خلال دراسة متأنية ودقيقة لاحتياجات الأسواق الأفريقية والمناطق الخالية التى يمكن النفاذ إليها ومنها دون حدوث مواجهة مع المنافسين الدوليين كالولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبى أو الإقليميين كالصين واليابان، مع محاولة التغلغل المتدرج حتى لا يثير ذلك حفيظة الأفارقة، وترتكز الاستراتيجية الهندية فى أفريقيا على عدة محاور يتمثل أهمها فيما يلى: * تقديم الهند مساعدات مالية وعينية لضمان الحصول على البترول، حيث بدأت بتقديم عرض بمليار دولار لاستخدامها فى مشاريع البنية التحتية لبعض دول غرب أفريقيا مقابل الحصول على حق إستكشاف البترول * تحقيق أقصى استفادة ممكنة بأقل تكلفة، وفى هذا الصدد فقد تم توقيع مبادرة مشتركة بين الاتحاد الافريقى والهند بتكلفة حوالى 135.6 مليون دولار لتحسين الاتصالات عبر الشبكة الدولية بواسطة ربط 53 دولة أفريقية بعضها ببعض باستخدام الأقمار الصناعية وكابلات ألياف بصرية ثم ربطها بالهند. * التركيز على بعض المناطق الأفريقية سواء على المستوى الثنائى أو الإقليمى من خلال تبنى برنامج يستهدف التركيز على أفريقيا والذى بدأ بدول أثيوبيا وكينيا وموريشيوس، والتى تتمتع بالقرب الجغرافى النوعى بالنسبة للهند إضافة لكون دولتى كينيا وموريشيوس ساحليتان تقعان على المحيط الهندى بينما أثيوبيا دولة حبيسة. * توقيع عقود مع حكومات دول شرق أفريقية لاستقدام مزارعين هنود للقيام بعمليات استصلاح لأراض زراعية شاسعة فى تلك الدول * دعم ميزانية المساعدات الخاصة بأفريقيا التى تقدمها وزارة الشئون الخارجية الهندية لتنفيذ المشروعات فى العديد من المجالات الحساسة التى تركز على تنمية الموارد البشرية وبناء القدرات * تخفيف القيود الإستيرادية الهندية من الدول الأكثر فقراً بما فى ذلك الدول الأفريقية، * زيادة عمليات الائتمان المقدمة للمشروعات التجارية والصناعية على مستوى التعاون الثنائى مع الدول أو التجمعات الاقتصادية الاقليمية الأفريقية * زيادة الفرص الممنوحة للطلاب الأفارقة لاستكمال دراساتهم العليا فى الهند * تفعيل برامج بناء القدرات فى المجالات المختلفة بهدف تقديم 300 منحة دراسية فى مجال الأبحاث والتعليم الزراعى