عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
السباق علي أفريقيا
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 06 - 2010

لا تستطيع وأنت جالس في قاعة المؤتمرات الكبري في مبني أكروبوليس في قلب مدينة نيس الفرنسية‏,‏ حيث عقدت القمة الإفريقية الفرنسية الأخيرة‏,‏ إلا أن تفكر في الذي يجري في أفريقيا من سباق بين الأمم‏. والحقيقة أنني لم أكن أبدا متخصصا في أفريقيا‏,‏ ولسبب لا أعرفه فإنه لم تسعدني الأقدار أبدا بزيارة بلد أفريقي جنوب الصحراء الكبري‏,‏ ومع ذلك فقد كنت أحفظ دائما عن ظهر قلب أن الدائرة الأفريقية واحدة من ثلاث دوائر مهمة للسياسة الخارجية المصرية والأمن القومي المصري مع دائرة أخري عربية وثالثة إسلامية‏.‏ وبرغم أن الواقع كثيرا ما دفع إلي الساحة دوائر أخري أوروبية وأمريكية وآسيوية أحيانا‏,‏ فإن الدوائر الثلاث هي التي وقرت في العقل والضمير المصري ولدي الساسة ورجال الفكر‏,‏ وكانت لأفريقيا أهمية خاصة حيث ينبع شريان الحياة إلي مصر مع نهر النيل‏,‏ فضلا عن الأصل الحامي الذي تكونت منه الدماء المصرية في فجر التاريخ حتي جاءت دماء سامية أخري لتختلط فيما بينها وتخلق سمات مصر الخاصة‏.‏
وعندما جلست في القاعة الكبري للصحفيين‏,‏ ورغم أن نصيب الصحافة كان الصفوف الأخيرة للقاعة الكبري التي ألقي فيها الرئيسان الفرنسي نيكولا ساركوزي والمصري حسني مبارك كلمات الافتتاح للقمة الفرنسية الأفريقية‏,‏ فإن المشهد كان شاملا لأفريقيا كلها علي جانب وفرنسا الدولة في جانب آخر‏.‏ وكأن ساركوزي كان يقرأ ما في عقلي وعقل الكثيرين‏,‏ فكان جل خطابه هو أن ما نحن بصدده ليس علاقة استعمارية جديدة وإنما نوع ما من المشاركة في مصالح مشتركة‏.‏ وكأن الرئيس مبارك بدوره التقط الخيط‏,‏ حين أكد أن علاقات الدول القائمة علي المشاركة لابد أن تقوم علي قواعد مؤسسية تعرف كل الأطراف أولها من آخرها‏,‏ ويكون لها مواقيتها ومواعيدها ومجالاتها المحددة والمعروفة‏.‏ وهكذا دار الكلام أثناء القمة وظهر في تلك البقعة الجميلة من بقاع الأرض أن فرنسا أيا كانت المسميات تريد مكانا في القارة السمراء‏.‏
ولو كان ما جري في مدينة نيس الساحرة قد حدث منذ سنوات قليلة مضت لتعجبت كثيرا‏,‏ فأحوال قارتنا لم تكن تسر لا عدوا ولا حبيبا كما يقول المثل الشائع‏,‏ فالفقر ينخر في عظامها‏,‏ والفساد يضرب في دمها‏,‏ والعنف والحروب الأهلية تمزق لحمها‏,‏ ومواردها وثرواتها لم تعد تحتاج لمن يسرقها‏;‏ فهي إما ضاعت قيمتها فباتت تباع بأثمان رخيصة‏,‏ وإما أن الشركات وعصابات المافيا الدولية بأنواعها المختلفة باتت تحصل علي ما تريد دون استعمار أو جيوش غازية لها تكلفتها الغالية من المال والسمعة‏.‏
وببساطة لم يكن هناك في أفريقيا ما يغري بالقدوم إليها‏,‏ ولم يكن المرء يحتاج إلا مراقبة للحرب التي لا تنتهي في الصومال‏,‏ ومثلها التي اختلطت فيها الملهاة بالمأساة في ليبيريا‏,‏ فضلا عن القسوة المتناهية التي جرت بها المذابح في رواندا وبورندي والكونغو‏,‏ وأشكال التمرد والحرب الأهلية في السودان وساحل العاج وأوغندا‏,‏ والحروب والخلافات الجارية بين أثيوبيا وإريتريا‏,‏ وهكذا لم يكن في سمعة أفريقيا ما يغري بالقدوم والاستثمار وخلق مناطق النفوذ‏.‏ وببساطة أكثر كان في العالم مناطق أكثر إغراء من هذه القارة الكارثية‏,‏ حيث كانت أوروبا الشرقية‏,‏ ومن قلدوها في تركيا ودول الاتحاد السوفيتي السابقة تبحث عن المال والفرص والاستثمار‏,‏ وكانت أمريكا الجنوبية قد استقرت في معظمها علي الديمقراطية والرأسمالية ففتحت أبوابها‏,‏ أما آسيا وفي المقدمة منها الصين والهند فقد دخلتا في سباق رهيب علي التقدم الذي لا تقطعه قضية خارجية‏,‏ ولا تعبث به تيارات فكرية صاخبة‏.‏
لماذا إذن بعد كل ذلك يجري السباق علي أفريقيا بمثل هذا الحماس والزخم‏,‏ بحيث تشهد القارة الأفريقية تسابقا محموما من جانب القوي الكبري التي بدأت تشن غزوات متتالية مستغلة سلاح الاستثمار والمنح والقروض‏.‏ وتعتبر الصين أحد أهم الشركاء التجاريين للقارة الأفريقية الآن‏,‏ حيث اعتمدت بكين في سبيل النفاذ إلي أفريقيا علي ما يسمي ب القوة الناعمة من خلال العزوف عن سياسة إعطاء دروس للأفارقة مقابل مساعدتهم‏,‏ والتحول من التركيز علي المساعدات الاقتصادية والتعاون التكنولوجي إلي الاستثمار والتنمية‏.‏ وطبقا للأرقام الصينية الرسمية فقد ارتفعت الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا من‏491‏ مليون دولار في‏2003‏ إلي نحو‏8‏ مليارات دولار في نهاية‏2008,‏ أما عن حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا فقد وصل حاليا إلي‏109‏ مليارات دولار‏.‏ كما دعمت الصين تأسيس منتدي التعاون الصيني الأفريقي في عام‏2000,‏ وهو ملتقي متعدد الأطراف للتشاور وتعميق التعاون بين الأطراف المشاركة فيه‏,‏ وتعقد قمته كل ثلاث سنوات‏.‏
وتعتبر الهند إحدي أهم القوي الاقتصادية التي بدأت في الاهتمام بالاستثمار في القارة الأفريقية ومنافسة الصين علي السوق الأفريقية‏.‏ وتشير التقديرات إلي أن حجم التبادل التجاري بين الهند وأفريقيا وصل إلي‏45‏ مليار دولار خلال عام‏2010,‏ ويتوقع أن يقفز إلي‏55‏ مليار دولار في غضون عامين وإلي‏70‏ مليار دولار خلال‏5‏ أعوام‏.‏ ويمثل نجاح شركة بهارتي آيرتل الهندية في الفوز بصفقة شراء الأصول الأفريقية لشركة الاتصالات الكويتية زين باستثناء الموجودة في كل من المغرب والسودان التي قدرت ب‏10.7‏ مليار دولار دليلا علي قوة الدور الاقتصادي للهند في أفريقيا‏,‏ وقد رفعت هذه الصفقة الكبري من حجم الاستثمارات الهندية في أفريقيا إلي‏16.7‏ مليار دولار‏,‏ ووضعت الهند ضمن قائمة أكبر‏10‏ دول مستثمرة في أفريقيا‏.‏
وتبدي الولايات المتحدة الأمريكية بدورها اهتماما خاصا بأفريقيا جنوب الصحراء‏,‏ وهو ما عكسه توقيع الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون علي قانون الفرص والنمو في أفريقيا المعروف باسم أجوا‏(TheAfricanGrowthandOpportunityAct)‏ في مايو‏2000‏ بهدف تفعيل التعاون التجاري مع أفريقيا‏.‏ وتستفيد‏38‏ دولة أفريقية من مزايا هذا القانون‏,‏ الذي يوفر أفضليات تجارية كبيرة‏.‏ ووفقا للقانون‏,‏ فإن الكونجرس يطلب تقريرا سنويا من الرئيس الأمريكي يتضمن الدول التي استطاعت استيفاء الشروط والاعتبارات التي يضعها قانون أجوا للسماح لها بالتمتع بامتيازاته‏.‏ كما تقوم الولايات المتحدة بإدارة أربعة مراكز تجارية إقليمية وتنافسية في غانا والسنغال وبوتسوانا وكينيا‏,‏ تهدف إلي تعزيز التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وهذه الدول‏.‏ وقد نجح مركز كينيا علي سبيل المثال في توفير صادرات تزيد قيمتها علي‏14‏ مليون دولار لمؤسسات تجارية في شرق أفريقيا‏.‏
وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وأفريقيا جنوب الصحراء بنسبة‏28%‏ عام‏2008‏ ليصل إلي‏104.8‏ مليار دولار‏,‏ وفقا لتقرير اتجاهات التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وأفريقيا الذي أعدته وزارة التجارة الأمريكية‏,‏ كما كشف التقرير عن ارتفاع الصادرات الأمريكية بمقدار‏29%,‏ حيث بلغت‏18.6‏ مليار دولار‏,‏ كما ارتفعت واردات الولايات المتحدة في عام‏2008‏ بنسبة‏27.8%‏ لتصل إلي‏86.1‏ مليار دولار‏.‏ ولا يقتصر الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية علي النواحي الاقتصادية فقط‏,‏ بل تجاوز ذلك ليمتد إلي المجال العسكري‏,‏ فقد أسست الولايات المتحدة القيادة العسكرية الخاصة بأفريقيا المعروفة اختصارا ب أفريكوم‏(Africom)‏ في أكتوبر عام‏2008,‏ وتركزت أهدافها حول محاربة الإرهاب‏,‏ وحماية المصالح الأمريكية في القارة‏,‏ ومواجهة النفوذ الصيني المتصاعد داخلها‏,‏ ومن المتوقع أن تمنح القيادة الجديدة مزيدا من الفاعلية للولايات المتحدة لمواجهة الأزمات المحتملة في القارة وتقليص تداعياتها المحتملة علي مصالحها‏.‏
وتبدو اليابان إحدي أهم القوي الاقتصادية المهتمة بتدعيم علاقاتها مع الدول الأفريقية‏.‏ فاليابان هي الدولة الأولي في تقديم منح لحوالي‏30‏ دولة أفريقية خصوصا كينيا والجابون وزامبيا وملاوي ونيجيريا‏,‏ بقيمة‏19‏ مليار دولار تقريبا‏.‏ وقد أسست اليابان منتدي طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا التيكاد في عام‏1993,‏ وعقد المؤتمر دورته الرابعة في الفترة من‏29‏ إلي‏31‏ مايو عام‏2008,‏ حضره‏2500‏ مشارك من حوالي‏40‏ دولة أفريقية‏,‏ وقد تعهدت اليابان بمضاعفة حجم استثماراتها الخارجية المباشرة بأفريقيا حتي عام‏2011‏ لتصل إلي‏3.4‏ مليار دولار بدلا من‏1.7‏ مليار دولار‏.‏
إلي جانب هذه القوي‏,‏ ثمة قوي اقتصادية أخري طامحة إلي النفاذ داخل القارة الأفريقية‏,‏ إذ تواصل تركيا تدعيم علاقاتها مع أفريقيا‏,‏ حيث نظمت منتدي العمل التركي الأفريقي في اسطنبول في أغسطس‏2008,‏ تم خلاله التوقيع علي اتفاقيات استثمارية بقيمة‏220‏ مليون دولار معظمها في مجال الطاقة‏.‏ وقد وصل حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا إلي أكثر من‏13‏ مليار دولار‏,‏ ويطمح المسئولون الأتراك في أن يصل إلي‏30‏ مليارا خلال المرحلة المقبلة‏.‏ كذلك تبدو إسرائيل مهتمة بتدعيم تعاونها مع القارة الأفريقية‏,‏ ورغم اختلاف التقديرات حول حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأفريقيا‏,‏ إلا أن معظمها يؤكد أنه تجاوز حاجز ال‏2‏ مليار دولار‏.‏ وقد عكست الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إلي إثيوبيا‏,‏ وكينيا‏,‏ وغانا‏,‏ ونيجيريا‏,‏ وأوغندا‏,‏ في سبتمبر‏2009,‏ مدي اهتمام إسرائيل بتطوير التعاون مع دول القارة الأفريقية‏,‏ حيث تضمنت الزيارة تدشين فعاليات اقتصادية مشتركة مع هذه الدول‏,‏ وتوقيع اتفاقيات لتدعيم التعاون في مجالات مختلفة كالزراعة والصحة والتعليم‏.‏ أما بالنسبة لإيران‏,‏ فتشير بعض التقديرات إلي أن حجم التبادل التجاري الحالي بينها وبين دول القارة الأفريقية يصل إلي حوالي‏300‏ مليون دولار من المرجح أن تزيد خلال المرحلة المقبلة‏.‏
وفرض النفوذ الذي بدأت تحظي به العديد من القوي الاقتصادية العالمية لاسيما الصين في القارة الأفريقية تحديات كبيرة أمام بعض القوي الأوروبية التي كانت تعتقد أن روابطها التاريخية مع مستعمراتها القديمة سوف تساعدها علي الاحتفاظ بمستوي جيد من العلاقات‏.‏ ورغم أن هذه الحقيقة اكتسبت وجاهة خاصة حتي منتصف التسعينيات من القرن الماضي‏,‏ حيث كانت الشركات الفرنسية تهيمن علي أكثر من نصف صفقات التسويق في المستعمرات الفرنسية السابقة‏,‏ فإنها واجهت مشكلة حقيقية خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة‏,‏ حيث تقلص نفوذ هذه الشركات تدريجيا لصالح شركات من دول أخري‏.‏
هذا السباق المحموم علي أفريقيا يرجع إلي شيوع انطباعات متفائلة بالنسبة لمستقبل القارة‏.‏ فالمؤشرات تؤكد أن أفريقيا في طريقها إلي تحقيق نوع من الاستقرار والبعد عن الفوضي‏,‏ الذي يعد الشرط الأساسي لتوافر بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية‏.‏ فعلي خلفية الجهود الحثيثة التي بذلتها بعض المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما‏,‏ بدأت بعض الدول الأفريقية التي عانت في السابق من الحروب الأهلية مثل أنجولا‏,‏ وساحل العاج‏,‏ وأوغندا‏,‏ وليبيريا‏,‏ ورواندا‏,‏ وبوروندي‏,‏ في التوجه نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية‏,‏ وتقليص معدلات الفقر‏,‏ ونبذ العنف والتوتر‏,‏ ودعم خطوات السلام الاجتماعي‏.‏ واللافت للانتباه في هذا السياق‏,‏ هو أن معدلات النمو التي حققتها العديد من دول القارة تبقي الأكبر منذ نحو أربعين عاما‏,‏ فضلا عن أن بعضها نجح في انتهاج سياسات مالية متميزة وإقامة بنية تحتية علي مستوي جيد‏,‏ وتدريب الكوادر الوطنية علي التكنولوجيا الحديثة‏.‏
وبرغم الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في الفترة الماضية‏,‏ فإن القارة نجحت في جذب‏88‏ مليار دولار استثمارات مباشرة عام‏2009,‏ ودخلت في أنشطة استثمارية عديدة خصوصا في قطاع الطاقة والزراعة وصيد الأسماك وغيرها‏.‏ وثمة مؤشران يؤكدان أن الصورة السوداوية التي اتسمت بها القارة في السابق لم تعد كما هي‏:‏ أولهما‏,‏ ارتفاع معدل استهلاك البضائع والخدمات خلال الأعوام الأربعة الأخيرة الذي مثل ثلثي النمو في الناتج المحلي الإجمالي في القارة‏.‏ وثانيهما‏,‏ ظهور توقعات بتزايد عدد أفراد الطبقة الوسطي في أفريقيا إلي‏300‏ مليون شخص‏,‏ من مجموع مليار شخص هم سكان القارة‏.‏ إلي جانب ذلك‏,‏ فإن القارة تحظي بالعديد من المميزات الإستراتيجية والطبيعية‏.‏ فأفريقيا غنية بالمعادن مثل الذهب‏,‏ والكوبالت‏,‏ والماس‏,‏ والفوسفات‏.‏ ووفقا لبعض الإحصاءات‏,‏ يوجد في أفريقيا نحو‏10%‏ من الاحتياطي العالمي من النفط الخام‏.‏
لكن ذلك في مجمله لا يعني أن الوضع أصبح ورديا في القارة‏.‏ إذ أن ثمة تحديات عديدة أمامها لتحقيق مستقبل أفضل‏:‏ أولها‏,‏ استمرار النزاعات المسلحة في القارة‏,‏ حيث ما زال بعضها يعيش عصر الانقلابات العسكرية مثل النيجر التي شهدت انقلابا عسكريا في فبراير‏2010,‏ وغينيا الإستوائية التي اغتيل رئيسها في مارس‏2009‏ من قبل مجموعة من الجنود‏,‏ وغينيا كوناكري التي شهدت فوضي بعد وفاة رئيسها في ديسمبر‏2008‏ حيث استولت مجموعة عسكرية علي السلطة‏,‏ وموريتانيا التي شهدت انقلابا عسكريا في أغسطس‏2008‏ وثانيها‏,‏ استمرار الحروب الأهلية في بعض الدول التي عكست في بعض جوانبها صراعا علي الثروة بجانب عامل الانقسامات العرقية‏.‏ وليس أدل علي ذلك من أن ثلاثا من الدول الست المنتجة للماس تعاني حروبا أهلية طاحنة‏.‏ فقد خلفت الحرب الأهلية في الكونغو الديمقراطية أكثر من أربعة ملايين ضحية‏,‏ وسقط في مستنقعها ثماني دول أخري‏,‏ فيما خلفت الحرب في سيراليون‏50‏ ألف قتيل‏,‏ وذهب ضحية الحرب في ليبيريا نحو‏200‏ ألف‏.‏
وثالثها‏,‏ انتشار ظواهر التصحر والمجاعة التي تؤدي إلي حدوث هجرة جماعية‏,‏ فضلا عن الأمراض المتوطنة مثل الملاريا والسل والجفاف الذي يهدد حياة‏2.7‏ مليون في النيجر علي سبيل المثال‏,‏ إلي جانب استمرار معدلات الفقر عند مستويات عالية‏,‏ حيث يعيش‏44%‏ من سكان المناطق جنوب الصحراء بأقل من دولار واحد يوميا‏.‏ ورابعها‏,‏ الصعوبات التي تحول دون تمويل مشروعات البنية التحتية داخل القارة التي تحتاج إلي‏93‏ مليار دولار سنويا‏,‏ في حين أن الاستثمار الأفريقي لا يمثل أكثر من‏15%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏.‏
والخلاصة أن السباق علي أفريقيا يحمل في جوهره أمرين‏:‏ استغلال الفرص المتاحة في القارة حتي تستكمل الدنيا كلها دوائر نموها‏,‏ بحيث لا تبقي قارة بعيدة عن السوق العالمية الواسعة‏.‏ والآخر توقي الشرور التي تأتي من تدهور الأحوال والتي تترجم نفسها إلي مشاهد بشعة لم يعد ضمير العالم يحتملها من جانب‏,‏ وإلي موجات من الهجرة التي لا تترك مكانا متقدما إلا ذهبت إليه بحثا عن الثروة والأمان‏.‏ وببساطة فإن الدول الكبري تدرك أنه فضلا عن الفرص المتاحة فإنه ما لم تذهب هي إلي أفريقيا فإن شعب أفريقيا سوف يذهب إليها حاملا مشاكله وهمومه‏.‏ ربما كانت تلك هي المسألة ؟‏!.‏

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.