العسكري يواجه خيارا صعبا بين الاحتفاظ بدور الوصي أو تسليم السلطة كاملة
في أجواء ذكرى ثورة يوليو 1952، تحدث د. هيلير المتخصص في شئون الشرق الأوسط في مقاله بمجلة فورين بوليسي الأمريكية عن الخيار الصعب الذي تواجهه مؤسسة الجيش المصري في الفترة الحالية لنفسها ولمستقبل مصر، فإما أن يبقى الجيش في وضع الوصي محتفظا بمركزه الفوقي على السلطة المدنية لأجل غير مسمى -على الأقل في نواحي معينة- وإما أن يسلم مفاتيح الحكم بشكل كامل وليس فقط رمزي.
يعود الكاتب هنا للوراء قليلا، مذكرا بالرؤية التي تبناها العديد من المحللين والقائلة برغبة الرئيس الراحل محمد نجيب في أن يصبح الجيش بعد قيامه بثورة 1952 تابعا لجهاز مدني وهو ما لم يقبله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان آنذاك في حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملكية.
وبالانتقال للنظر إلى ال18 شهر الماضية، كان الوضع الذي تمنى الجيش ممثلا في المجلس العسكري الظهور به هو صورة المؤسسة البطولية التي وقفت بجانب الشعب المصري بدلا من إطلاق نيرانها عليه عندما ثار ضد مبارك الرئيس السابق وأحد أبناء الجيش، ما جعل معدلات الثقة في المجلس العسكري لا تقل عن 80%، كما استمر إعلام الدولة – الذي لا يزال يحظى بالثقة – في رسم صورة براقة للعسكري.
يستطرد الكاتب بقوله :" بالطبع هذا هو الوضع الذي تمنى العسكري لو كان قائما خلال الفترة الماضية، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير". فقد استطاع المجلس أن يهزم قوى كثيرة، والأهم إنه -كما يقول هيللر- تمتع بميزة استراتيجية هامة، فطوال عقود مضت، روج نظام التعليم المصري للجيش بأسلوب صنع منه مؤسسة شبه أسطورية في مخيلة العامة، وقد ضحى بمبارك فقط لتفادي فوضى قد تأتي بالخراب عليه.
يعلق هيلر قائلا :" بالطبع كان الخوف من عدم الاستقرار أو الفوضى الدائمة في صالح المجلس العسكري وقد وقف الإعلام الرسمي بجانبه دائما وأسقط عنه أية مسئولية تجاه الأحداث التي شهدتها البلاد في الفترة الإنتقالية.
وعن انتخابات الرئاسة، يرى الكاتب انها وضعت المجلس العسكري -للمرة الأولى- في وضع لم يتمكن معه من اتخاذ احتياطاته الكاملة لمواجهته وتغييره مستقبلا، وحيث أنه لا يمكنه ملأ صناديق الاقتراع كلها بأصوات لصالح مرشح معين فكان بالتالي أفضل إجراء تقوم به " الدولة العميقة" هو اختيار مرشح لها - والذي مثله الفريق أحمد شفيق- وتسخير مواردها المالية وغيرها لدعمه. ( يرمي مصطلح الدولة العميقة للتعبير عن بيروقراطية الدولة العصية على التغيير، فضلا عن رجال النظام السابق).
في ختام مقاله، يعود الكاتب للتأكيد على أن الجيش الآن في مواجهة الخيار الصعب، فيمكن له أن يؤجل التاريخ ويخاطر بامتيازاته وشعبيته التي تراكمت على مر الزمن تحت الضغط المدني الذي سوف يهب للرئاسة الإخوانية الحالية عمرا أطول وصمودا وهي التي كانت تدين بوجودها في الأساس لخطأ من "الدولة العميقة".
أما الخيار الثاني، فهو المتمثل في قبول ما لا يوجد مفر منه، وأن يرسم مسار تدريجي يساعده على الاحتفاظ بصورته البطولية من خلال مساهمة الجيش في عملية إرساء كاملة لدولة مدنية لا يوجد بها " وصي " - سواء كان عسكري أو غيره – يمارس سلطاته على نظام من في ظل دستور يعكس رغبات مختلف أطياف الشعب المصري وعلق هيلر في النهاية قائلا :" ربما كان نجيب محقا".