بعد محاولة اغتيال أستاذنا العظيم نجيب محفوظ ، جاءتني عدة مكالمات تليفونية من ضابط أو ضباط شرطة ، ونظرا لعدم وجود تليفون محمول في ذلك الوقت ، فلم استقبل أي تليفون من تليفونات الداخلية ، كما أنى لم أستجب لهذه الاتصالات التي تدعوني – فيما أحسب - لأخذ أقوالي عن حادث زلزل ضمير مصر والعالم كله ، وذلك لأنني لم أعرف شيئا يمكن أن يفيدهم في البحث عن الجناة ، كما أن حالتي النفسية لم تكن تسمح لي بتلقي أسئلة واستجوابات ، بل واتهامات أيضا ، كما حدث مع بعض الأصدقاء ! تذكرت هذه المكالمات القديمة ، وأنا أتابع تفاصيل ما حدث مع سيد بلال ، إذ بمكالمة تليفون واحدة ، ذهب هذا الشاب المسكين إليهم ، وسلم نفسه بمنتهى حسن النية ، فلقي حتفه بأياديهم القذرة ! بدون أي جريمة أقترفها ، ولا تهمة حقيقية ثبتت عليه ، ولا تحقيق قانوني أجرى معه ، ولا شيء على الإطلاق ، سوى فقط مكالمة تليفونية واحدة ، تلقاها من ضابط شرطة ، فترك على أثرها بيته ، وأسرته ، وحياته كلها ، إذ أخذ معه " بطانيته " ، وذهب وحده إليهم ! وإذا كان سيد بلال هذا متهما حقيقيا ، أرتكب أي نوع من أنواع الجرائم ، التي يعاقب عليها القانون ، لما ذهب هكذا بقدميه إلى سلخانة وزارة الداخلية . ولو أن سيد بلال له ظهر يحميه أو يستند إليه ، لما حدث له ما حدث ، فأسوأ ما يمكن أن تتعرض له في مصر الآن ، أن تكون من أبناء الشعب ، أي " مواطن عادى " ! إذ يمكن أن تتعرض في أي لحظة لأي شيء ! فلا قانون يحميك ، ولا سفارة تسأل عنك ! ومن ثم لا أحد سيهتم بك ، ولن تجد من يدافع عنك إذا ما تعرضت لبطش البلطجية والمجرمين واللصوص ، ولا إذا واجهتك سطوة ونفوذ وجبروت بعض رجال الشرطة ! إن ما حدث لسيد بلال يمكن أن يتكرر مع ملايين المصريين الأبرياء ، وهذه جرائم ضد الإنسانية ، فمن قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ، لكن بعد وقوع هذه الجريمة المتكررة أمامنا جميعا ، من سيحاسب القاتل ؟ ومن سيأخذ حق المقتول ؟ ومن سيحاكم هذا الطبيب الشرعي ، الذي يستدعونه بعد كل عملية قتل إجرامية ، لكي يكتب تقريرا يؤكد فيه أن القتيل مات بطريقة طبيعية ؟! من سيحاكم هذا الطبيب – صاحب قسم أبقراط - المعتاد على شهادة الزور كلما طُلبت منه ؟! وهل ستُدفن – في طوايا النسيان والإهمال والموالسة – هذه القضية المشينة لعصر بأكمله ، كغيرها من القضايا الخطيرة التي دفنت من قبل ؟! ولنا الآن أن نتساءل : في رقبة من دم الشهيد سيد بلال ؟ هل في رقبة هذا الضابط الذي استدعى سيد بلال بالتليفون ليقتله ؟ أم في رقبة كل من شارك بيده في قتل الضحية ؟ أم في رقبة من أعطى الأوامر بالتعذيب والضرب حتى الموت ؟ أم أن المتهم الحقيقي هو نظام حكم ديكتاتوري يستخدم قبضة الأمن الحديدية لقهر شعب طيب ومسالم وصبور ؟ نظام فاسد ومفسد ، يزور إرادة الأمة ، ويقمع الناشطين ، ويعذب الشباب ويقتلهم ، فخالد سعيد ليس هو أول من قُتل ظلما ، وسيد بلال ليس آخرهم ، فثمة عدد كبير من المصريين تنتهك إنسانيتهم كل يوم ، ويعتقلون ويهانون ويعذبون ويقتلون ، أو يحاكمون بمحاكمات سكرية تنافى كل مواثيق حقوق الإنسان العالمية ، ولكنها تتفق مع قانون طوارئ بلدنا ! إن مصر في أشد الحاجة إلى تغيير شامل يعيد أوضاعنا المقلوبة إلى وضعها الصحيح . . .