بقدر شعوري بالغضب مما فعله أبناء بلدي مع «شريان الحياة» بقدر انبهاري بقدرات هؤلاء القادمين من مختلف أنحاء العالم ليتضامنوا مع إخواننا المحاصرين. منتهي القوة والقدرة ونحن أمامهم في منتهي الضعف والغباء. الحمد لله أن خلق لنا الله القدرة علي التجاهل والتناسي وخلق لنا القدرة علي أحلام اليقظة، مما جعلني أجلس أمام الشاشة وأتابع جنود الأمن المركزي المصريين يضربون الأجانب بالهراوات السوداء فيصيبون أحدهم في رأسه وينزف الدماء. الرجل يبدو مسناً يضع شيئاً ما علي رأسه ويدور حول نفسه باحثاً عمن يساعده، فأتخيل نفسي هناك مع الناشطين أحاول الدخول إلي غزة وأقذف الأمن المصري بالطوب.. وأهتف: «تحيا مصر.. مصر الحقيقية».. لأساعد الشيخ علي السيطرة علي نزيف الدماء من رأسه. وأهتف: «تحيا مصر.. مصر الحقيقية». وأتخيل أن كل أصدقائي في القاهرة يسمعونني ويهتفون مثلي «تحيا مصر.. مصر الحقيقية». وليسمعونا الواقفون هناك خلف سور الأسلاك الشائكة الذي سيصبح سوراً فولاذياً بعد أيام.. ويهتفون: «تحيا مصر.. مصر الحقيقية» ثم تسمعهم مصر.. مصر الحقيقية فتحيا. تستجيب وتحيا من جديد.. بكل ما في كلمة الحياة من معني، ثم يتطور حلم اليقظة لأجد نفسي مصرية فخورة بمصر الحية.. والحيية.. والأصيلة. كيف سيكون شكلها؟ هل يمكن أن أتخيل إذا عادت لمصر الحقيقية الحياة كيف سيكون شكلها؟! وكيف سيكون شكل العالم العربي من حولها؟! يا الله.. ينقطع حلم اليقظة.. علي صوت تليفون يحمل لي شكوي من زوجة أستاذ جامعي مريض يبحث عن سرير في رعاية مركزة في أي مستشفي مجاناً أو بأجر، فالأستاذ يحتضر وزوجته تصرخ.. وأنا أتوقف عن حلم اليقظة وأعود إلي الواقع، لأحاول أن أنقذ أستاذ الجامعة. وأتجاهل وأتناسي حكاية مصر.. وأنجح بتفوق.. تأخذني دراما الموت الحقيقي من بشاعة الموت المعنوي. حتي يحين موعد الكتابة.. وأمسك بالقلم وأنظر إلي الورقة وفي ذهني عدد من الموضوعات المشابهة لاحتضار أستاذ الجامعة لكنني لا أستطيع أن أمحو صورة عساكر الأمن المركزي والناشط الذي ينزف من ذهني، فأجد رغبة جديدة في أن أحلم علي الورق. وأكتب «تحيا مصر» ربما تسمع وتستجيب.