وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    8 ديسمبر 2025.. الذهب يرتفع هامشيًا وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي    الإسكان: دفع العمل بمشروعات الطرق بمواقع سكن لكل المصريين في حدائق أكتوبر و15 مايو    رئيس الوزراء يبحث مع منظمة «الفاو» سبل تعزيز الأمن الغذائي    الأردن يدعو المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بوقف تصعيدها الخطير وإجراءاتها غير الشرعية    القاهرة الإخبارية: قصف مدفعي إسرائيلي متواصل في المناطق الصفراء شرق غزة    الأزمة تتصاعد.. صلاح خارج قائمة ليفربول لمواجهة انتر ميلان    حسام حسن يوجه رسالة لحسن شحاتة: نتمنى له الشفاء العاجل    سقوط أمطار وسط أحوال جوية غير مستقرة في القليوبية    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    النيابة العامة تحقق في حادث قضاة المنيا.. وتصريح الدفن عقب صدور تقرير الطب الشرعي وتحاليل الDNA    بالأسماء.. إصابة 16 شخصًا بحالات اختناق داخل مصنع بالإسماعيلية    رئيس الأوبرا يهنئ الطالبة هند أنور لفوزها فى مهرجان نسيج الفن بالدوحة    وزير الثقافة يشارك في افتتاح فعاليات مهرجان منظمة التعاون الإسلامي الثقافي «أسبوع الإبداع» بأذربيجان    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    ألونسو مُهدد بالرحيل عن الريال بعد قمة السيتي.. ومفاضلة بين زيدان وكلوب    تعليم وأوقاف دمياط تنظمان مبادرة "صحح مفاهيمك" لتعزيز الوعي الديني    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    منذ لحظات .. محمد صلاح يصل مقر تدريبات ليفربول قبل قمة إنتر ميلان بدوري الأبطال.. فيديو    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    العسقلاني: الأهلي فاوضني قبل الرباط الصليبي.. وهذه قيمة الشرط الجزائي في عقدي    اسعار الحديد اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    انتخابات النواب، السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها للتصويت بالدوائر الملغاة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    فريق طبي بمستشفى فايد بالإسماعيلية ينقذ مصابا بقطع نافذ بالشريان الفخذي خلال 30 دقيقة    رئيسة وزراء بريطانيا تؤكد التزام بلادها بدعم أوكرانيا وتؤيد خطة السلام الأمريكية    «ولنا في الخيال حب» يتصدر المنافسة السينمائية... وعمرو يوسف يحتل المركز الثاني    شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصص عائلية تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي ل"اللي باقي منك"    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    الجوهري: العلاقات بين مصر والصين تمثل نموذجاً راسخاً لشراكة استراتيجية شاملة    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    بعد ساعات من التوقف.. إعادة تشغيل الخط الساخن 123 لخدمة الإسعاف بالفيوم    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    حسام أسامة: بيزيرا «بتاع لقطة».. وشيكو بانزا لم يُضِف للزمالك    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    بالأسماء، "المحامين" تعلن أسماء المستبعدين من انتخابات الفرعيات في المرحلة الثانية    وزير الشباب والرياضة يكشف تفاصيل تحقيقات واقعة يوسف محمد وتحديد مواقع الإهمال    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن (‏364‏)
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 10 - 2010

‏[‏ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد‏]‏ هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في مطلع الثلث الثاني من سورة‏'‏ لقمان‏',‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها أربع وثلاثون‏(34)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها مرتين إلي العبد الصالح‏'‏ لقمان الحكيم‏. وهي شخصية لا يعرف المؤرخون شيئا عنها‏,‏ ومن هنا كان في ذكر القرآن له وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في ذكر كتاب الله‏.‏ وغالبية الذين كتبوا عن‏'‏ لقمان الحكيم‏'‏ من علماء المسلمين يجمعون علي أنه لم يكن نبيا‏,‏ وقليلون هم الذين يرجحون نبوته لتسمية إحدي سور القرآن باسمه‏,‏ ولمدح الله تعالي له في آيتين متتاليتين من هذا الكتاب العزيز‏.‏ وعلي الرغم من ذلك فإن الجميع متفقون علي أنه كان من أحناف زمانه‏,‏ انطلاقا من دعوته إلي التوحيد الخالص لله تعالي وإلي الالتزام بمكارم الأخلاق‏;‏ واستنكاره لانحرافات الشرك بالله تعالي أو الكفر به‏,‏ وللتكبر علي الخلق والاستعلاء عليهم‏.‏ والجميع يقرون بشهادة القرآن الكريم له بالحكمة وحسن الخطاب‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة‏'‏ لقمان‏'‏ حول العقيدة الإسلامية‏-‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏-‏ كما تشير هذه السورة الكريمة إلي ضرورة الالتزام بالضوابط الأخلاقية والسلوكية المميزة للعبد المؤمن‏,‏ وتؤكد علي جزاء كل من المحسنين والمسيئين في الدنيا والآخرة‏,‏ وتستشهد في هذا السياق بعدد من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق‏,‏ والشاهدة للخالق‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ بالإلوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والخالقية‏,‏ والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ وبالقدرة علي البعث‏,‏ والحشر‏,‏ والحساب والجزاء‏,‏ وختمت هذه السورة الكريمة بالإشارة إلي عدد من أمور الغيب التي استأثر بها علم الله‏-‏ تعالي‏-.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ لقمان‏'‏ وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي الإعجاز ألإنبائي والتاريخي والتربوي في ذكر القرآن الكريم للعبد الصالح‏'‏ لقمان‏',‏ ولما آتاه الله‏-‏ تعالي‏-‏ من الحكمة التي انعكست علي نصائحه لابنه‏,‏ وهي نصائح تشكل منهجا تربويا كاملا في تنشئة الأبناء‏.‏
من أوجه الإعجاز في ذكر القرآن الكريم للعبد الصالح المعروف باسم‏'‏ لقمان الحكيم‏'‏
أولا‏:‏ الإعجاز ألإنبائي والتاريخي في ذكر اسم‏'‏ لقمان‏':‏
تعتبر إشارة القرآن الكريم إلي العبد الصالح‏'‏ لقمان‏'‏ وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في كتاب الله الكريم‏,‏ لأنه لم يرد لهذا العبد الصالح ذكر في أي من كتب الأولين‏,‏ وذكر القرآن الكريم له يملأ ثغرة تاريخية في زمن عبد الله ونبيه داود‏-‏ عليه السلام‏-‏ حيث قيل عن‏'‏ لقمان‏'‏ أنه كان قاضيا في زمن ذلك النبي‏,‏ وأن اسمه كان‏'‏ لقمان بن عنقاء بن سدون‏'‏ كما ذكر ذلك ابن كثير‏(‏ في البداية والنهاية‏,‏ ج‏2,‏ ص‏29).‏ وقال عنه السهلي‏(‏ في كتابه المعنون‏:'‏ التعريف والإعلام‏'‏ ص‏101,100)‏ أنه كان نوبيا سكن مدينة أيلة علي خليج العقبة‏(‏ والتي عرفت بعد ذلك باسم‏'‏ أم الرشراش‏'‏ تحت الحكم المصري‏,‏ ثم احتلها الصهاينة في حرب‏1956‏ م‏,‏ وغيروا اسمها إلي إيلات‏)‏ ونقل عن ابن عباس‏-‏ رضي الله عنهما أن‏'‏ لقمان‏'‏ كان عبدا حبشيا‏.‏ ويصف هؤلاء الرواة أن‏'‏ لقمان الحكيم‏'‏ كان رجلا ذا عبادة خاشعة‏,‏ وعبارة ساطعة‏,‏ وإيمان عميق‏,‏ وكان كثير التفكر‏,‏ شديد الورع‏,‏ حسن اليقين بالله‏,‏ وأنه كان عف المطعم‏,‏ عف الجوارح‏,‏ وعف اللسان‏,‏ فأحبه ربه‏,‏ ومن عليه بالحكمة‏.‏
وتعرف الحكمة بأنها الفقه في الدين‏,‏ والإصابة في الحكم‏,‏ وموافقة الحق‏,‏ والنجاح في وضع الأمور في نصابها بلا مبالغة ولا تقصير‏.‏ وقد تميز لقمان بالعدل‏,‏ والعلم‏,‏ والحلم‏,‏ وبمداومة الشكر لله‏,‏ ولذلك تمتع بقدر عال من الاحترام في مجتمعه‏,‏ وبمنزلة رفيعة بين أقرانه حتي اشتهر باسم‏'‏ لقمان الحكيم‏',‏ وامتدحه القرآن الكريم بقول الحق‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ عنه‏:[‏ ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد‏](‏ لقمان‏:12).‏ كذلك امتدح القرآن الكريم كل من أوتي الحكمة‏,‏ وذلك بقول ربنا‏-‏ سبحانه وتعالي‏-[‏ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولي الألباب‏](‏ البقرة‏:269).‏
ثانيا‏:‏ من أوجه الإعجاز التربوي في عرض القرآن الكريم لقصة‏'‏ لقمان الحكيم‏':‏
‏(1)‏ التأكيد علي وحدانية الخالق العظيم‏,‏ والإقرار بالعبودية له وحده وهي أساس العقيدة الحقة التي تشكل قاعدة المنهج الرباني في بناء الإنسان‏,‏ وفي تربيته التربية الإسلامية الصحيحة التي توفر له الطمأنينة والراحة النفسية والعقلية وفي ذلك يقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-[‏ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم‏](‏ لقمان‏:13).‏ وذلك لأن الشرك بالله هو أولي بوابات الشيطان إلي الإنسان‏,‏ وأحد مداخله الرئيسية التي أضل بها البشرية من لدن قوم نوح إلي يومنا الراهن‏,‏ وسيظل كذلك حتي قيام الساعة‏.‏
‏(2)‏ وجوب بر الوالدين حتي لو كانا مشركين بالله علي خطورة الشرك‏,‏ وانحراف المشركين عن جادة الصواب‏:‏ تؤكد الآيات في سورة لقمان علي فضل الوالدين‏,‏ وعلي تعظيم حقوقهما علي أبنائهما‏,‏ وتأكيد واجب الشكر لهما‏,‏ والعرفان بأفضالهما‏,‏ وذلك من أجل استقرار كل من الفرد والمجتمع في البيئة الإسلامية وانتظام الحياة فيها‏.‏ ولذلك جعلت الآيات في سورة‏'‏ لقمان‏'‏ الشكر لهما مقرونا بالشكر لله‏-‏ تعالي‏-‏ صاحب الفضل والمنة علي جميع خلقه وفي ذلك يقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-:[‏ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير‏,‏ وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون‏](‏ لقمان‏:15,14).‏
‏(3)‏ وجوب مراقبة الله في السر والعلن‏:‏ وذلك لأن علم الله‏-‏ تعالي‏-‏ محيط بكل شئ‏,‏ وأن الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء‏.‏ وإذا أيقن العبد منا ذلك كان في استشعاره لمراقبة الله خير ضابط لسلوكه‏.‏ وبذلك يوصي‏'‏ لقمان الحكيم‏'‏ ابنه قائلا‏:[‏ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير‏].(‏ لقمان‏:16).‏
‏(4)‏ وجوب مخاطبة الأبناء بالخطاب الذي يستميل قلوبهم‏,‏ فالخطاب إلي الابن بصيغة‏(‏ يا بني‏)‏ يحمل من معاني الفهم العميق لطبيعة النفس الإنسانية‏,‏ ومن مشاعر الحب‏,‏ والحنان‏,‏ والشفقة والعطف‏,‏ ما يمكن أن يستميل قلب الولد‏,‏ ويحبب إليه ما يطلبه منه من مختلف الأوامر والنواهي‏,‏ ومن جميع الوصايا والآداب‏.‏ ويعبر ذلك عن مدي الحكمة التي من بها ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ علي عبده‏'‏ لقمان‏',‏ ومدي عمق فهمه للطبيعة البشرية‏,‏ خاصة في مراحلها الأولي‏.‏
‏(5)‏ وجوب فهم المتربي لحقيقة رسالته في هذه الحياة الدنيا‏:‏ عبدا لله‏-‏ تعالي‏-‏ مطالبا بعبادة ربه بما أمر‏,‏ ومستخلفا ناجحا في الأرض‏,‏ مطالبا بعمارتها وبإقامة شرع الله وعدله فيها‏:‏ ولذلك فإن لقمان عليه السلام بعد أن علم ابنه العقيدة الصحيحة القائمة علي الإيمان الحق بالله الخالق‏,‏ وبالتوحيد الكامل لجلاله‏,‏ وبتنزيهه جل شأنه عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ واليقين بأن علم الله محيط بكل شئ‏,‏ وأن الله تعالي لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء‏,‏ طالبه بإقامة الصلاة‏,‏ والأمر بالمعروف‏,‏ والنهي عن المنكر‏,‏ وبالصبر علي ما يمكن أن يناله في هذا السبيل لأن من حقيقة الإيمان الصبر علي المكاره‏,‏ ومؤكدا له أن ذلك من عزم الأمور‏,‏ أي من الأمور الواجبة‏,‏ المؤكدة علي حقيقة الإيمان‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:[‏ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر علي ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور‏](‏ لقمان‏:17).‏
فصلاح المجتمعات الإنسانية كلها قائم علي التواصي بالحق‏,‏ والتواصي بالصبر‏,‏ ومن معاني ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ والصبر علي ذلك كله من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل‏,‏ ولذلك أوصانا المصطفي صلي الله عليه وسل بقوله الشريف‏'‏ والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه‏,‏ ثم تدعونه فلا يستجاب لكم‏'(‏ الترمذي والبيهقي‏)‏ وفي رواية أخري‏:'‏ لتأمرن بالمعروف‏,‏ ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم‏,‏ ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم‏'(‏ الهيثمي‏)‏
ثالثا‏:‏ من الإعجاز الأخلاقي في عرض القرآن الكريم لقصة لقمان الحكيم‏:‏
توحي القصة بوجوب الالتزام بمكارم الأخلاق وتعويد الأبناء والبنات علي ذلك منذ بدء الإدراك حتي تثبت تلك القيم راسخة في قلوبهم وعقولهم‏,‏ وتصبح جزءا من تكوينهم النفسي والعقلي حتي لا ينفصلوا عنها ولا تنفصم منهم تحت ظروف الحياة المختلفة من الضيق والسعة‏,‏ والعسر واليسر‏,‏ وفي ذلك يوصي لقمان عليه السلام ابنه بقوله‏:[‏ ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏](‏ لقمان‏19,18).‏
أي لا تزدري الناس بالإعراض عنهم‏,‏ ولا تتبختر في مشيتك استعلاء وتكبرا عليهم‏,‏ لأن الله تعالي لا يحب المتكبرين المتغطرسين علي عباده‏.‏
وهتان الآيتان تشكلان منهجا تربويا صحيحا في تنشئة الأبناء‏,‏ يعودهم علي التواضع وعدم التكبر علي الآخرين أو الإعراض عنهم‏,‏ وقد عبر القرآن الكريم بتشبيه المتكبر علي غيره بتصعير الخد‏[‏ لأن أصل‏(‏ الصعر‏)‏ هو داء يصيب الإبل في أعناقها أو في رؤوسها فتلفت أعناقها عن رؤوسها‏]‏ والمشي في الأرض مرحا كناية عن الاستعلاء علي الخلق‏,‏ والتكبر والاستعلاء علي الخلق من الصفات السيئة التي تهلك صاحبها في الدنيا وتورده العذاب في الآخرة‏,‏ وذلك لأنها تكره الناس فيه‏,‏ وتصدهم عنه وتولد البغضاء قي قلوبهم نحوه‏,‏ كما توجب غضب الرب والطرد من رحمته‏,‏ وذلك لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم '....‏ ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبر‏'(‏ مسلم‏,‏ وابن ماجة‏,‏ والترمذي‏),‏ ويقول‏'....‏ وما زاد الله رجلا بعفو إلا عزا‏,‏ وما تواضع أحد لله إلا رفعه‏'(‏ الترمذي‏).‏
ومن سمات التكبر علي الخلق رفع الصوت فوق الحد المألوف‏,‏ ولذلك أوصي لقمان ابنه بخفض صوته عند مخاطبة الآخرين‏,‏ وبغض إليه رفع الصوت مذكرا إياه بأن أنكر الأصوات هي تلك الأصوات الحادة المرتفعة النبرة التي تشبه صوت الحمير‏,‏ والتي أثبتت الدراسات العلمية أن آذان البشر تتأذي بسماعها‏,‏ وذلك من مثل نهيق الحمير الذي يمثل أعلي وأحد نبرة لحيوان يحيا علي سطح اليابسة إذ تتجاوز شدة أصواتها مائة ديسيبل والديسيبل هو وحدة قياس شدة الصوت‏,‏ مما ينهي عن رفع الصوت في مخاطبة الآخرين‏.‏
هذه الضوابط التربوية والأخلاقية والسلوكية التي نصح بها‏'‏ لقمان الحكيم‏'‏ ابنه هي قواعد تربوية وضوابط أخلاقية‏:‏ لكل من الفرد والمجتمع المسلم كما يريدهما الله تعالي من عباده المؤمنين‏,‏ وهي دروس وعبر عظيمة لكل قارئ لكتاب الله تخرجه عن الأطر المادية الجامدة التي وضعتها الحضارة المعاصرة للإنسان وحبسته في داخلها‏,‏ ولم تدع له متنفسا للعيش بالقيم الإنسانية العليا التي وضعها ربنا تبارك وتعالي‏_‏ لعباده‏,‏ منذ اللحظة التي خلق فيها أبوينا آدم وحواء عليهما السلام‏_‏ والتي آن الأوان لعودة الناس إليها هروبا من جفاف الأطر المادية القاهرة التي فرضت عليهم‏.‏
وهذه الوصايا التي أوردها القرآن الكريم علي لسان لقمان الحكيم لابنه هي من أوجه الإعجاز التربوي والأخلاقي في كتاب الله‏,‏ كما أن مجرد ذكر قصة هذا العبد الصالح‏'‏ لقمان الحكيم‏'‏ يمثل وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في هذا الكتاب العزيز‏,‏ وهذه الأوجه لمما يشهد له بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏.‏ فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏
المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.