قد يسأل سائل ويقول: لماذا لم يؤتِ الله سبحانه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام آيات بينات خارقة للعادة كباقي الأنبياء والرسل الذين سبقوه؟؟. أقول: إن الله قد جعل الآيات البينات الخاصة بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام في آيات ودلالات وإشارات القرآن الكريم، قال تعالي: (لَمْ يكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّي تَأْتِيهُمُ الْبَينَةُ*رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً* فِيهَا كُتُبٌ قَيمَةٌ). (1: 3- البينة). إذن فالآيات البينات التي كانت للرسول محمد هي كل الآيات التي تتعلق بالغيب والعقائد الغيبية والبعث والحساب والجزاء، وأيضا كل الآيات التي تتعلق بالخلق ونشأته وبالكون وما فيه من أسرار، هي أيضا من الآيات البينات، ولكن هذه الآيات البينات لا يتم الكشف عنها إلا بالعلم والسير في الأرض والبحث والكشف، قال تعالي: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ ينشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ). (20- العنكبوت). وأنا هنا لا أقول أن القرآن كتاب طبي أو فلكي أو كيميائي أو فيزيائي، وإنما فيه إشارات للخلق والكون لحض الناس علي السير في الأرض والبحث ومحاولة اكتشاف أسرار الخلق، وأسرار الكون الذي نعيش فيه، وكيف بدأ وكيف سينتهي، فهذه من الآيات البينات، ومن الآيات البينات أيضا، الأخبار التي أخبر الله بها رسوله عن أحوال الأنبياء والرسل من قبله، والتي لم يكن يعلم هو ولا أحد من قومه عنها شيئا، وسوف أتناول موضوع الآيات البينات التي أوحي الله بها للأنبياء والرسل في موضع مستقل وبتفصيل أكثر فيما بعد. ونستعرض الآن بعض الآيات القرآنية التي تنص علي أن أنبياء ورسل الرسالات الفرعية التجديدية لم يأتهم كتاب عام مفصل شامل، وإنما جاءهم: علم، وحكمة، وحكم، وآيات بينات، وذلك علي النحو التالي: قال تعالي عن يعقوب أنه أتاه علم من الله: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَي اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (86- يوسف). وأخبر الله عن داود أنه قد آتاه الملك والحكم والحكمة والعلم هو وابنه سليمان عليهما السلام: (وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يشَاء). (251- البقرة). (وَدَاوُودَ وَسُلَيمَانَ إِذْ يحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيمَانَ وَكُلًّا آتَينَا حُكْمًا وَعِلْماً). (سورة الأنبياء- 78-79 وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ عِلْمًا).(سورة النمل- 15). وأخبر الله تعالي عن يوسف أنه آتاه الحكم والعلم وتأويل الأحاديث والبينات: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). (سورة يوسف- 22). (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَي أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يعْلَمُونَ). (21- يوسف). (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَينَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّي إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ). (34- غافر). وأخبر الله عن العبد الصالح الذي علم موسي أنه آتاه الرحمة والعلم: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَينَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا* قَالَ لَهُ مُوسَي هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَي أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا). (سورة الكهف- 65 -66 أما يحيي بن زكريا فأخبر الله أنه أمره أن يعمل بكتاب موسي ويأخذ به بقوة، ثم آتاه الله الحكم: (يا يحْيي خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَينَاهُ الْحُكْمَ صَبِيا). (سورة مريم- 12). أما لوط فآتاه الله الحكم والعلم : (وَلُوطًا آتَينَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّينَاهُ مِنَ الْقَرْيةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ). (سورة الأنبياء- 74). أما لقمان فقد آتاه الله الحكمة أي الالتزام العملي والفعلي بالسلوكيات والأخلاق: وَلَقَدْ آتَينَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يشْكُرْ فَإِنَّمَا يشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِي حَمِيدٌ). (12- لقمان). فكل هؤلاء الأنبياء لم تكن رسالاتهم كتبا ككتب نوح وإبراهيم وموسي ومحمد، وإنما كانت رسالات فرعية تجديدية إحيائية لرسالات عاكة مركزية كبري سبقتهم. باحث إسلامي