«القومي للمرأة» يبحث سُبل تعزيز التعاون المشترك مع كمبوديا    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    «القومي للطفولة والأمومة» ينعى الأطفال ضحايا حادث "التروسيكل" بأسيوط    رئيس البنك الإسلامي للتنمية: التعافي «الحقيقي» من الهشاشة والصراع يبدأ بالإنسان    تراجع البتكوين إلى 108 آلاف و830 دولارا وسط توترات تجارية ومخاطر ائتمانية    الكرملين: روبيو ولافروف سيتفقان على مكان لقاء ترامب وبوتين    «القاهرة الإخبارية»: بعد اتفاق وقف إطلاق النار.. العريش قبلة المساعدات الإنسانية لغزة    تفاصيل هجوم انتحارى قرب الحدود الأفغانية ومقتل 7 جنود باكستانيين    توروب يحضر المؤتمر الصحفي لمباراة الأهلي وإيجل نوار    الزمالك في معسكر مغلق اليوم لمواجهة بطل الصومال بالكونفدرالية    الأموال العامة تكشف مخطط غسل 20 مليون جنيه    تعرف على حالة الطقس اليوم الجمعة فى محافظة الإسماعيلية    باعوا الوهم بوثائق مزورة.. ضبط عصابة نصبت على راغبي السكن    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    «السكة الحديد» تُعدل مواعيد بعض قطارات الوجه القبلي    نجمات «الجونة» يخترن الأناقة الكلاسيكية على السجادة الحمراء    تعاون بين «الاتصالات» و«السياحة» لرقمنة التراث وتحسين خدمات المواقع الأثرية    «انتظرت المعجزة لمدة عام».. تفاصيل مؤثرة في فقدان حمزة نمرة لوالدته    الاتصالات والسياحة توقعان بروتوكولين لرقمنة التراث المصري ورفع كفاءة خدمات الاتصالات بالمواقع الأثرية    السبكي: منظومة الدواء في التأمين الصحي الشامل إلكترونية بنسبة 100%    الصحة: رؤية إنسانية جديدة فى المؤتمر العالمى للصحة والسكان والتنمية البشرية    استشاري نفسي: كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب مقاطعة "ايلوكوس نورت" الفلبينية    زيدان: «نقل الآثار عملية ليست سهلة» وفريق متخصص لنقلها للمتحف المصري الكبير    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    وظائف خالية اليوم... 2914 فرصة عمل جديدة في 72 شركة خاصة لشباب 13 محافظة    أسماء المرشحين على مقاعد الفردي بدوائر محافظة مرسى مطروح لانتخابات مجلس النواب 2025    كريم بنزيما يقود اتحاد جدة لاستعادة التوازن أمام الفيحاء في دوري روشن السعودي 2025-2026    تعرف على الحالة المرورية اليوم الجمعة 17-10-2025    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 17اكتوبر 2025فى المنيا.....اعرفها بدقه    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    اليوم.. قصور الثقافة تحتفل بتخرج دفعات جديدة من مركز تنمية المواهب بالمنوفية والغربية    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    التعليم العالي: توقيع 42 اتفاقية بين الجامعات المصرية والفرنسية    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    شروط قرض الموتوسيكلات من بنك مصر 2025    كريم وليد: صعب أنتقل للزمالك.. كولر مدرب عادل وموسيماني لم يتحمل الضغوط    السوبر الأفريقي.. موعد مباراة بيراميدز ونهضة بركان المغربي    المعمل الجنائي: ماس كهربائي وراء حريق شقة سكنية بإمبابة    اليوم.. المصري في ضيافة الاتحاد الليبي بذهاب الكونفيدرالية الأفريقية    جامعة قناة السويس تطلق دورة تدريبية لمواجهة الأزمات والكوارث بالتعاون مع "الكشافة الجوية"    معهد بحوث الإلكترونيات يستقبل وفدًا صينيًّا رفيع المستوى لتعزيز الشراكة    سلوت: أريد رد فعل من صلاح.. وهذه حقيقة عدم تأديته للأدوار الدفاعية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    مقررة أممية: إسرائيل تواصل القتل والتدمير وتزرع الكراهية    حقيقة ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بسبب إعمار غزة    تأسيس لجنة عمل روسية - مغربية بين وزارتى الشؤون الخارجية بالبلدين    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    لميس الحديدي ترد على منتقدي إطلالات الجونة: «الإبهار جزء من أي مهرجان في العالم»    فلسطين.. الاحتلال يدمر سيارة مواطن خلال اقتحام حي المخفية في نابلس    أشرف زكي: لا يوجد أي منصب في الدنيا يجعلني أترك النقابة.. والاستقالة لسبب داخلي    ترامب يتحدى بوتين: "آلاف توماهوك بانتظار خصومك".. فما سر هذا الصاروخ الأمريكي الفتاك؟    أطعمة طبيعية تساعد على خفض الكوليسترول في 3 أشهر    تفاصيل لا يعرفها كثيرون.. علاقة فرشاة الأسنان بنزلات البرد    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتقالات سبتمبر.. خريف رئيس
نشر في الدستور الأصلي يوم 04 - 09 - 2014

الطريق إلى المنصة بدأ من قرارات سبتمبر.. ففى الساعة الثانية من صباح الخميس 3 سبتمبر 1981 شنت مباحث أمن الدولة حملة واسعة للقبض على النشطاء المعارضين للرئيس الراحل أنور السادات، وداهمت منازلهم.
شملت الاعتقالات التى استمرت طوال الشهر قائمة من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقانونية المعروفة من التيارات الفكرية والحزبية المختلفة كافة.
قال عنها الكاتب محمد حسنين هيكل -الذى كان على رأس الذين تم اعتقالهم- فى كتابه «خريف الغضب»: «عملية الانقضاض بدأت فجر يوم 3 سبتمبر عقب عودة السادات من واشنطن، وكان الانقضاض من خلال حملة اعتقالات واسعة شملت 3 آلاف شخص، وكان بعض الاعتقالات بين صفوف الشباب من الطلبة وأعضاء الجماعات الدينية سهلة نسبيا، لكن اعتقالات الساسة والمثقفين وعدد من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين، جرى تخطيطها بعمليات شبه عسكرية».
ورأى الكاتب جوزيف فينكلستون فى كتابه «السادات.. وهم التحدى» أن الاعتقالات الواسعة التى قام بها السادات ضد خصومه من كل القطاعات أعطت انطباعا بأنه يفقد السيطرة على الموقف بصورة أكبر من تشديد قبضته، وتعتبر بداية النهاية لعصر السادات، حيث لم يمر شهر على تلك الاعتقالات التى طالت ما لا يقل عن 1536 من رموز المعارضة السياسية فى مصر، إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، حتى لقى السادات حتفه على يد خالد الإسلامبولى ورفاقه فى حادثة المنصة.
شنت مباحث أمن الدولة حملة واسعة للقبض على النشطاء المعارضين للرئيس الراحل أنور السادات
معركة الأقلام الجاهزة
يحكى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، وقائع ما جرى قائلا: «كنت قد انتقلت إلى دار الهلال من فترة بسيطة، وأتذكر أننى كنت قد ذهبت مع السادات فى أول رحلة لى للخارج كرئيس تحرير لمجلة (المصور)، وكانت هذه الرحلة للولايات المتحدة، وهى الرحلة التى سبقت الاعتقالات مباشرة.
وأتذكر أنه فى بلير هاوس (القصر الذى كان السادات ينزل فيه ضيفا لدى إدارة الرئيس رونالد ريجان) أفصح لنا السادات للمرة الأولى عن أنه سوف يعيد الأمور إلى نصابها، وأنه لن يترك أحدا يتلاعب بمصير البلاد. وكنت أول مرة أناقشه فيها.. وحدث خلاف ضخم بيننا لدرجة أنه دق على الطاولة التى أمامه بعنف وارتفع صوته فى المناقشة.
وقلت له حينها: أخشى أن يتسع الموضوع، فعبد الناصر بدأ بالإخوان ولم تكن لديه معلومات صحيحة وكاملة عن التنظيم السرى ولا حتى معلومات عن التنظيم العام للجماعة.. والمطلوب أن تكون لديك معايير وضوابط حتى لا تتسع هذه العملية.
واتهمنى السادات حينها بأننى أريد أن أمسك العصا من المنتصف.. وأن يحبنى الجميع، بعد ذلك، فى سبتمبر وبعد أن خطب فى ميت أبو الكوم.. دعانا لكى نجلس إلى جواره فى بيته هناك وطلب من كل الحاضرين أن يكتب كل واحد فينا أسماء من يريد اعتقالهم، كما طلب منى بالتحديد أن أشن حملة صحفية ضد محمد حسنين هيكل، فقلت له يا (ريس) موسى صبرى لديه تاريخ وصراع مع هيكل، ولكنى إذا فعلت أنا ذلك فلن يصدقنى أحد.
وكان منصور حسن وزير الإعلام موجودا إلى جوارنا، وكان ضد التصعيد وضد عدد من الإجراءات الاستثنائية التى بدأت فى هذا التوقيت فى نقابة المحامين.
مساء اليوم نفسه قال السادات لنا: اجلسوا مع النبوى إسماعيل (نائب رئس الوزراء ووزير الداخلية) لكى يتحدث كل واحد عن خصومه.. لكى يكونوا ضمن المتحفظ عليهم، وقالوا لى من هذه الليلة: لا بدَّ أن تكتب قائمة بخصومك فى الصحافة، فقلت لهم: لا يوجد لى أعداء.. فقال لى النبوى: لديك صحفى اسمه ماجد عطية.. اكتب اسمه، فقلت له هو محرر اقتصادى (يسارى على خفيف) ولا توجد ضغائن تجاهه.
وعرفت فى هذه الليلة أن عديدا من القيادات الصحفية كتبوا أسماء خصومهم الشخصيين، وكان بعضهم لا يعادى السادات أو يقصده الرئيس فى هذه الاعتقالات أو الوقف عن العمل. وقالوا فى مكتب النبوى أن عبد الله عبد البارى (رئيس مجلس إدارة الأهرام فى هذا التوقيت) أبلغ عن العديد من الصحفيين منهم محمد سلماوى لوجود خصومة شخصية بين الاثنين وتم نقله فعليا مع غيره إلى وظيفة إدارية.
وتوسعت العملية للقدر الذى حذرت منه فى بلير هاوس وكانت فترة عصيبة جدا.. حيث تم زج عشرات الصحفيين ومئات السياسيين ورجال الدين كبار السن إلى المعتقل».
الصحف بالوكالة

انطلقت أقلام تهاجم المعتقلين وتدافع عن قرار السادات، وكان فى مقدمتهم موسى صبرى فى «الأخبار»، الذى ركز على أنها قرارات لضرب الفتنة، وسمتها «الأهرام» ثورة العمل الداخلى. أما عبد الله عبد البارى فقد كان ربيب نعمة هيكل فى «الأهرام»، لكنه قاد الهجوم عليه فى أحداث سبتمبر.. ولم يكن لديه مانع فى تنفيذ توجيهات السادات كاملة.
محسن محمد، رئيس تحرير جريدة «الجمهورية»، وصف اعتقالات سبتمبر بأنها «ثورة سبتمبر».. ويمكن الرجوع إلى مانشيت «الجمهورية» فى يومى 5 و6 سبتمبر 1981. بل إنه شبهها بالثورة العرابية التى كانت تحل ذكراها المئوية فى تلك الأيام. عن هذا يقول مكرم محمد أحمد: «ربما يكون محسن محمد قد أخذ تعليمات ميت أبو الكوم بمأخذ الجد أكثر منا».
ورأى بعض المحللين أن السادات أراد عندما أصدر أوامره باعتقال كل النخبة السياسية والحزبية والصحفية والفكرية والدينية المعارضة له، أن يضع خصومه جميعا فى سلة واحدة داخل السجن وخلف أسواره بدعوى حماية الوحدة الوطنية، وتأمين المجتمع فى انتظار استكمال الانسحاب الإسرائيلى من شبه جزيرة سيناء تنفيذا لمعاهدة السلام التى وقعها مع مناحم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل، عام 1979 فى كامب ديفيد، برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر.
وقف السادات فى مجلس الشعب وألقى بيانا إلى الأمة، وقال إن هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وإن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة، وأن الآونة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن واستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين، أو حاولت تصعيد الأحداث، الأمر الذى استلزم إعمال المادة 74 من الدستور المصرى والتى تنص على أن «لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بيانا إلى الشعب ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها».
وصنَّف السادات المعتقلين فى خطابه كالآتى: 469 جماعة تكفير وهجرة، 235 جماعة إسلامية، 100 تطرف دينى من الإخوان المسلمين وأعضاء جمعيات دينية إسلامية وأئمة مساجد متطرفين، 259 مثيرا للشغب وتعصبا واعتداء متبادلا مسلمين ومسيحيين، 107 قيادات مسيحية متعصبة ومتطرفة، 240 مثيرا للشغب ومجرما من أصحاب السوابق الجنائية، 57 متهما فى حوادث الزاوية الحمراء، 36 من الأحزاب (التى سماها المناهضة)، منهم 16 حزب التجمع، 7 من حزب العمل، 3 «الوفد»، إضافة إلى 12 بتهمة التخابر مع السوفييت.
رواية النبوى: لجنة رباعية اتخذت قرارات الاعتقال

عن قرار اعتقالات سبتمبر يقول وزير الداخلية الأسبق النبوى إسماعيل: «كان اجتماعا عاجلا يضم 4 أشخاص أسهموا فى اتخاذ القرار. كنت أنا والنائب مبارك والمشير أبو غزالة وطبعا الرئيس السادات، وناقشنا مخطط تحويل مصر إلى دولة خمينية، وكانت إيران تدعم هذه الجماعات المتطرفة، وتهدف على الجانب الآخر لإشعال نيران الفتنة الطائفية فى مصر، وركب الموجة الجماعات الإسلامية والشيوعيون، رغم الهوة السحيقة فى الأيديولوجية، ولم يكن نهاية المخطط اغتيال السادات، وهم اعترفوا بذلك، وتزامن ذلك مع تقرير أمنى يشير إلى تلكؤ إسرائيل فى الانسحاب.
فقال السادات: لازم نحد من المعارضة لعملية السلام. فأثير رأى من أحد الجالسين فى الاجتماع، حول تنفيذ القانون تنفيذا حازما وحاسما، وعدم السماح بالتجاوز عن أى فعل، فرد السادات: هذا كان ممكنا لو أن الوقت مبكر، ولكنه ضيق الآن. فثار رأى آخر يشير إلى عودة العمل بقانون الطوارئ، وكان أيامها قد توقف التعامل به، فرد السادات: نحن أوقفنا العمل به منذ عام، لو عاد مرة ثانية الناس سوف تثور ونصبح فى مشكلة؟ واستمع السادات للجميع، ثم قال: أنا سوف أستخدم حقى، الذى أعطاه لى الدستور، فى المادة 74، وهى المادة التى استخدمتها فى أحداث يناير (الشغب).

فتحفظ النائب حسنى مبارك، فقال له السادات: (ده تحفظ مش اعتقال، ويوم 25 أبريل مع خروج آخر جندى إسرائيلى من مصر سيتم الإفراج عن الجميع، وبعد كده يعترضوا زى ما هما عايزين، ساعتها البلد بقت ملكنا)، وبعد جدل أصر السادات على رأيه، وقال: هذا هو الحل الوحيد.. وجاءت مرحلة اختيار الأسماء التى اشتركت فيها جميع الأجهزة الأمنية، داخل وخارج وزارة الداخلية، وتضمنت القائمة 1536 شخصا، وكان ممكنا أن تكون أكثر من ذلك. كان من بينهم 900 شخص تقريبا من الجماعات المتطرفة، ومجموعة من أئمة المساجد المتعصبين الذين يقفون ضد السلام، ويشعلون الفتنة الطائفية، ومجموعة أخرى من القساوسة عددهم نحو 200 شخص، بالإضافة إلى نحو 250 من المجرمين الجنائيين، أما المثقفون والسياسيون فلم يتعد عددهم نحو 40 أو 50 شخصا.
* إلى أى مدى تم التأكد وتحرى الدقة فى أثناء إعداد قوائم الأسماء؟

المفروض أنه فيه دقة وتحرٍّ، ولكن لا يسلم الأمر من أسماء كده ولا كده، ليست لها علاقة بالأمر. وتم الاعتراض على بعض الأسماء، أنا عن نفسى اعترضت على اعتقال أشخاص، مثل عمر التلمسانى والشيخ كشك وبعض السياسيين».
قائمة المعتقلين.. من كل لون!

تضمنت قائمة المعتقلين: الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، وعمر التلمسانى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والزعيم الوفدى فؤاد سراج الدين، حمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى، وعبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، ويرجع اعتقاله إلى حواره مع السادات عام 1978 حيث فاجأ أبو الفتوح -وكان وقتها رئيس اتحاد طلاب الجامعات المصرية- الرئيس الراحل بأن قال له إنه مثله مثل كل الشباب يسمع من الرئيس إننا نعيش فى بلد العلم والإيمان، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، وهو ما أدى إلى غضب السادات بصورة كبيرة.
ومن بين الكتاب المعتقلين صافى ناز كاظم وفريدة النقاش ومصطفى بكرى وفتحى رضوان والشيخ المحلاوى ونوال السعداوى، وشاهندة مقلد، والدكتورة أمينة رشيد حفيدة إسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء فى العهد الملكى، وأستاذة الأدب الفرنسى بكلية الآداب جامعة القاهرة والمعروفة بفكرها الماركسى، إلى جانب د.عواطف عبد الرحمن الأستاذة بكلية الإعلام، ود. لطيفة الزيات، ومن كلية الآداب المنقولون إلى مؤسسات حكومية الدكتور عبد المحسن طه بدر، ود.عبد المنعم تليمة المفكر اليسارى، ود.جابر عصفور، ود.سيد البحراوى، ود.صبرى المتولى، ود.حسن حنفى، ومحمد عبد القدوس، والشيخ عبد الحميد كشك، وحلمى مراد، والمفكر القبطى ميلاد حنا، إلى جانب الاعتقالات تحديد إقامة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية بوادى النطرون، وتعيين 5 من الأساقفة مكانه، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة، كما أكد الكاتب هيثم أبو خليل فى كتابه «إخوان إصلاحيون» أنه حين جاءت اعتقالات سبتمبر الشهيرة عام 1981 سافر الشاطر والكثير من القياديين الإخوان هربا من ملاحقة نظام السادات لهم.
هيكل وصفيحة العسل الأسود!

نحت محمد حسنين هيكل تعبير «زوار الفجر»، لكنه لم يتصور أن يكون أحد ضحاياه.. على أن ذلك هو ما حدث.
كانت الساعة نحو الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندما قرع «زوار الفجر» بيته فى الإسكندرية بعد أن أضيف إلى قائمة المعتقلين فى «هوجة» سبتمبر 1981 التى سبقت اغتيال أنور السادات بنحو الشهر.
من خلف الباب قال لهم ابنه أحمد متصورا أن الأمر بسيط: «تعالوا الصبح بابا نايم».. لكنهم أصروا.. فاستيقظ هيكل وفتح الباب ليجد ضابطين من مباحث أمن الدولة يطلبان منه المجىء معهما.
قال لهما فى أول ردة فعل له: «أنا الذى تكلمت عن زوار الفجر فلماذا لا تنتظران طلوع الشمس؟».. لكنهما طلبا منه تحضير حقيبة صغيرة مع ترديدهما الجملة الشهيرة التى تتكرر عادة فى هذه المناسبات: «الحكاية بسيطة».
صافح ابنه باليد.. لم يقبله.. فقد أراد أن يتجنب اللحظات الإنسانية العاطفية الصعبة.. وما إن خرج من الباب حتى اكتشف أن البيت محاصر من كتيبة شرطة مدججة بأسلحة رشاشة.. وما إن خرج من الشارع حتى وجد شاحنتين عسكريتين تسدان الطريق.
هنا قال للمسؤولين عن اعتقاله: «لماذا كل هذا العرض (العسكرى)؟ لو اتصلتم بى بالتليفون وطلبتم اعتقالى لأتيت فورا حتى لو كنت فى لندن أو باريس».
فى أول يومين ذهب مع باقى المعتقلين إلى سجن الاستئناف، وهناك وجد نفسه مع بعض شباب الجماعات الإسلامية فدخل فى حوار معهم من أول لحظة. وفى اليوم التالى ألقوا به فى سجن مزرعة طرة.. فى الزنزانة رقم «14».. كان فيها وحده.. ترك حاجياته خارجها.. وأخذ فقط «فوطة» وفرشاة ومعجون أسنان، وجلس على كومة من خمس مراتب.
بعد ساعة فتح السجان الباب ودخل وهو يقول له: «قراونتك»؟.. فرد: «ماعنديش قروانة».. فكرر الشاويش الكلمة.. وكرر هيكل الإجابة.. فقال الشاويش وقد نفد صبره: «آهه.. عشان تاخد جرايتك».
كان معه صفيحة عسل أسود وثلاثة أرغفة، وقال: «فطارك وغداك وعشاك حتاخدهم ولا لأ».. أجاب: «لا».. فقال الشاويش: «مش هتاخدهم هابلغ».. وأغلق الباب ومشى.
جلس أربع أو خمس ساعات بمفرده، ثم جاء ضابط وصفه هيكل بأنه «ظريف»، قال له: «يا أستاذ هيكل ربنا معاك».. رد هيكل: «الله يحفظك».. ثم أضاف: «هو أنا قاعد فى حبس انفرادى؟».. نفى الضابط قائلا: «لا، فى زنزانة جنبك تحب تروح تشوف فيها إيه؟».
ذهب هيكل إلى الزنزانة ليجد فيها عمر التلمسانى (مرشد الإخوان)، وكمال أحمد (عضو مجلس الشعب عن الإسكندرية فى ما بعد) وإبراهيم طلعت (محام وقطب وفدى).. كانت الزنزانة ممتلئة عن آخرها، فقال: «هارجع الزنزانة الأولى، بس شوفوا حد يتطوع ويقعد معايا».
تطوع إبراهيم طلعت وكمال أحمد، وانضم إليهما بعد قليل شباب من جماعة التكفير والهجرة.. جاء بهم الضابط قائلا: «بيقولوا عايزين نتناقش مع الأستاذ هيكل».. قال: «هاتوهم».. وجاؤوا.. وبعد أربع ساعات من المناقشة توقف هيكل عن الكلام.. شعر بأنه جائع.. فلم يكن قد أكل العسل الأسود.. لكنهم لم يأتوا له بطعام.. وإنما أخذوه معهم ليحضر تفتيش بيته ومكتبه ومزرعته فى برقاش. وفى المزرعة وجد هيكل أمامه طبق بيض بالسمن البلدى إلا أنه لم يستطع أكله، لكنه حمل معه خمسة أرغفة وست بيضات، وبصعوبة أقنع المأمور بدخولها الزنزانة.. وبعد تسعين يوما على هذا الحال فقد 12 كيلوجراما من وزنه.
فى الأسبوع الأول لم يسمحوا بالخروج من الزنزانة.. بعد ذلك سمحوا بربع الساعة كل يوم فى الصباح.. على دفعتين.. ثم سمحوا بربع الساعة الصبح وربع الساعة بعد الظهر.. ثم سمحوا بعد شهر بساعة صباحا وساعة بعد الظهر.. وبعد أن قتل السادات تغيرت الأمور تماما.. تحول السجن إلى مناقشات مفتوحة.
بعد اغتيال السادات سمحوا للمساجين المعتقلين بتلقى سلال غذاء.. كان يصل يوميا فى مزرعة طرة 33 سلة طعام، لكن سلة هيكل كانت تزينها وردة حمراء تذكره بوردة مكتبه التى هى أول ما يطالعه كل صباح.. كانت الوردة من زوجته ورفيقة عمره السيدة هدايت تيمور. ويقول هيكل: «إن عطر هذه الوردة له معنى عندى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.