وظائف خالية اليوم السبت.. مطلوب فني كونترول أجهزة وسائقين وعمال مخازن    البنك الأهلى المصرى يدير قرضا مشتركا بقيمة 5 مليارات جنيه لصالح «درايف للتمويل الاستهلاكى»    البنك الأهلى المصرى يوقع بروتوكول تعاون مع الجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال    الضرائب تدرس 7 مطالب من اتحاد المقاولين قبل صياغة اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة المضافة    جندي احتياط إسرائيلي: الاستنزاف في غزة يسحقنا تدريجيا حتى ننهار    التحالف الدولي: 7 آلاف مواطن عراقي عادوا إلى قراهم من مخيم الهول السوري    رسالة نارية من الغندور لإدارة بتروجيت بسبب بيان حمدان    مانشستر يونايتد يدخل سباق التعاقد مع كاسادو    اتحاد الكرة يحسم الجدل حول نظام اختيار أندية السوبر المصري.. والإمارات الأقرب للاستضافة    المشدد 7 أعوام للمتهمين بالشروع في سرقة حمولة شاحنة بالشرقية    دخول محطة المعالجة بالفوزة فى إدفو بأسوان الخدمة 30 أغسطس المقبل    87 شهيدا بنيران الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    شيخ الأزهر ينعى الدكتور رفعت العوضي عضو مجمع البحوث الإسلامية أبرز علماء الاقتصاد الإسلامي    يوفنتوس يفتح الباب لرحيل نيكو جونزاليس فى الصيف    تحذير من الإرصاد.. غدا طقس شديد الحرارة رطب نهارا مائل للحرارة رطب ليلا    وكيل تضامن الغربية تزور مصابى حادث طريق المحلة كفر الشيخ الدولى    هشم رأسها ودفنها داخل مزرعة.. ضبط المتهم بقتل زوجته فى الشرقية    محمد هنيدي ل اليوم السابع: أنا زي الفل وخضوعي لعملية جراحية "شائعة"    خبير استراتيجي: مصر تركز على الاتفاقيات للوصول إلى وقف إطلاق النار    بيولي يودّع جماهير النصر برسالة مؤثرة    حريق ضخم في مصنع للبلاستيك شمال غرب أثينا والدخان يغطي السماء    ترامب يبدل لهجته مع بوتين.. الود السياسي ينكسر تحت نيران الحرب في أوكرانيا    وزير الصناعة يفتتح مصنعا لإنتاج الزجاج الهندسي    حصاد أسبوعي لنشاط وزير الشئون النيابية.. شارك في جلسات برلمانية حاسمة وأكد أهمية دعم الشباب والحوار المؤسسي    البابا تواضروس الثاني يصلي قداس عيد الرسل مع شباب أسبوع الخدمة العالمي    هل تراجع وسام أبوعلي عن قرار الرحيل؟ الأهلي يرد    الاثنين.. قصور الثقافة تطلق برنامج «مصر جميلة» لاكتشاف المواهب بشمال سيناء    عام من الشراكات الثقافية.. بروتوكولات واتفاقيات تعزز حضور مصر الفني محليًا ودوليًا    متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية يفتتح القاعة الرئيسية بعد ترميمها وتطوير سيناريو العرض بها    حسين الجسمي يطلق أحدث أعماله "ألبوم 2025" الإثنين المقبل    طارق الشناوي عن أزمة مها الصغير: «ما حدث تزوير أدبي واضح.. لكنها تلقت عقابها من السوشيال ميديا»    جولة مفاجئة فجراً لمدير "فرع الرعاية الصحية" تغطي مستشفيات إسنا والكرنك والدولي وإيزيس    طريقة عمل الكشري المصري في البيت بطعم المحلات    فريق طبي بالزيتون التخصصي ينقذ 4 مصابين بعد تعرضهم لطلق ناري    7 مشروبات طبيعية للتخلص من أعراض ارتجاع المريء    تلقي طلبات الترشح ل عمادة 7 كليات بجامعة المنيا لمدة أسبوع (الجدول الزمني)    استراتيجية عربية مشتركة للتعاون الجمركي والإداري    موعد مباراة ليفربول ضد بريستون والقنوات الناقلة.. ليلة تكريم جوتا بتواجد محمد صلاح    جنايات الزقازيق تؤيد السجن المؤبد لميكانيكي قتل والدته وشرع في قتل شقيقته    سحب على 10 تذاكر.. تامر عبدالمنعم يفاجيء جمهور الإسكندرية    الأهلي يغلق ملف رحيل وسام أبو علي ويخطر اللاعب بالعودة إلى التدريبات (خاص)    ضبط 5444 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    وزير الإسكان يتفقد محاور الطرق ومحطة تنقية مياه الشرب الجديدة بمدينة السادات    "لن يخسروا بسبب يوم واحد".. تيباس يرد على مطالب ريال مدريد بتأجيل مباراة أوساسونا    وزيرة البيئة تبحث مع سفيرة المكسيك بمصر سبل التعاون    نتيجة الثانوية العامة 2025.. جار تصحيح المواد لتجهيز النتيجة    وزير الري يشارك فى الاحتفال بالذكرى الحادية والثلاثين لعيد التحرير الوطني لدولة رواندا    القبض على لص الدراجات النارية بحي غرب سوهاج    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 التجارة والزراعة والتمريض والصنايع والسياحة فور ظهوره (رابط)    من التوصيل المخالف إلى الإهمال.. 4 حالات تقودك إلى السجن بسبب الكهرباء    صحة الشرقية تعلن تنفيذ حملة للتبرع بالدم    رئيس جامعة الأزهر: دعاء "ربنا آتنا في الدنيا حسنة" من كنوز الدعاء النبوي.. وبلاغته تحمل أسرارًا عظيمة    محمد فؤاد يشعل افتتاح المسرح الرومانى بباقة من أجمل أغانيه    دار الإفتاء توضح مسؤولية الوالدين شرعًا تجاه أولادهم فيما يتعلق بالعبادات    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    الرئيس السيسي يتوجه إلى غينيا الاستوائية للمشاركة في القمة التنسيقية للاتحاد الأفريقي    بائع مصري يدفع غرامة 50 دولارًا يوميا بسبب تشغيل القرآن في تايمز سكوير نيويورك.. ومشاري راشد يعلق (فيديو)    باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتقالات سبتمبر.. خريف رئيس
نشر في الدستور الأصلي يوم 04 - 09 - 2014

الطريق إلى المنصة بدأ من قرارات سبتمبر.. ففى الساعة الثانية من صباح الخميس 3 سبتمبر 1981 شنت مباحث أمن الدولة حملة واسعة للقبض على النشطاء المعارضين للرئيس الراحل أنور السادات، وداهمت منازلهم.
شملت الاعتقالات التى استمرت طوال الشهر قائمة من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقانونية المعروفة من التيارات الفكرية والحزبية المختلفة كافة.
قال عنها الكاتب محمد حسنين هيكل -الذى كان على رأس الذين تم اعتقالهم- فى كتابه «خريف الغضب»: «عملية الانقضاض بدأت فجر يوم 3 سبتمبر عقب عودة السادات من واشنطن، وكان الانقضاض من خلال حملة اعتقالات واسعة شملت 3 آلاف شخص، وكان بعض الاعتقالات بين صفوف الشباب من الطلبة وأعضاء الجماعات الدينية سهلة نسبيا، لكن اعتقالات الساسة والمثقفين وعدد من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين، جرى تخطيطها بعمليات شبه عسكرية».
ورأى الكاتب جوزيف فينكلستون فى كتابه «السادات.. وهم التحدى» أن الاعتقالات الواسعة التى قام بها السادات ضد خصومه من كل القطاعات أعطت انطباعا بأنه يفقد السيطرة على الموقف بصورة أكبر من تشديد قبضته، وتعتبر بداية النهاية لعصر السادات، حيث لم يمر شهر على تلك الاعتقالات التى طالت ما لا يقل عن 1536 من رموز المعارضة السياسية فى مصر، إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، حتى لقى السادات حتفه على يد خالد الإسلامبولى ورفاقه فى حادثة المنصة.
شنت مباحث أمن الدولة حملة واسعة للقبض على النشطاء المعارضين للرئيس الراحل أنور السادات
معركة الأقلام الجاهزة
يحكى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، وقائع ما جرى قائلا: «كنت قد انتقلت إلى دار الهلال من فترة بسيطة، وأتذكر أننى كنت قد ذهبت مع السادات فى أول رحلة لى للخارج كرئيس تحرير لمجلة (المصور)، وكانت هذه الرحلة للولايات المتحدة، وهى الرحلة التى سبقت الاعتقالات مباشرة.
وأتذكر أنه فى بلير هاوس (القصر الذى كان السادات ينزل فيه ضيفا لدى إدارة الرئيس رونالد ريجان) أفصح لنا السادات للمرة الأولى عن أنه سوف يعيد الأمور إلى نصابها، وأنه لن يترك أحدا يتلاعب بمصير البلاد. وكنت أول مرة أناقشه فيها.. وحدث خلاف ضخم بيننا لدرجة أنه دق على الطاولة التى أمامه بعنف وارتفع صوته فى المناقشة.
وقلت له حينها: أخشى أن يتسع الموضوع، فعبد الناصر بدأ بالإخوان ولم تكن لديه معلومات صحيحة وكاملة عن التنظيم السرى ولا حتى معلومات عن التنظيم العام للجماعة.. والمطلوب أن تكون لديك معايير وضوابط حتى لا تتسع هذه العملية.
واتهمنى السادات حينها بأننى أريد أن أمسك العصا من المنتصف.. وأن يحبنى الجميع، بعد ذلك، فى سبتمبر وبعد أن خطب فى ميت أبو الكوم.. دعانا لكى نجلس إلى جواره فى بيته هناك وطلب من كل الحاضرين أن يكتب كل واحد فينا أسماء من يريد اعتقالهم، كما طلب منى بالتحديد أن أشن حملة صحفية ضد محمد حسنين هيكل، فقلت له يا (ريس) موسى صبرى لديه تاريخ وصراع مع هيكل، ولكنى إذا فعلت أنا ذلك فلن يصدقنى أحد.
وكان منصور حسن وزير الإعلام موجودا إلى جوارنا، وكان ضد التصعيد وضد عدد من الإجراءات الاستثنائية التى بدأت فى هذا التوقيت فى نقابة المحامين.
مساء اليوم نفسه قال السادات لنا: اجلسوا مع النبوى إسماعيل (نائب رئس الوزراء ووزير الداخلية) لكى يتحدث كل واحد عن خصومه.. لكى يكونوا ضمن المتحفظ عليهم، وقالوا لى من هذه الليلة: لا بدَّ أن تكتب قائمة بخصومك فى الصحافة، فقلت لهم: لا يوجد لى أعداء.. فقال لى النبوى: لديك صحفى اسمه ماجد عطية.. اكتب اسمه، فقلت له هو محرر اقتصادى (يسارى على خفيف) ولا توجد ضغائن تجاهه.
وعرفت فى هذه الليلة أن عديدا من القيادات الصحفية كتبوا أسماء خصومهم الشخصيين، وكان بعضهم لا يعادى السادات أو يقصده الرئيس فى هذه الاعتقالات أو الوقف عن العمل. وقالوا فى مكتب النبوى أن عبد الله عبد البارى (رئيس مجلس إدارة الأهرام فى هذا التوقيت) أبلغ عن العديد من الصحفيين منهم محمد سلماوى لوجود خصومة شخصية بين الاثنين وتم نقله فعليا مع غيره إلى وظيفة إدارية.
وتوسعت العملية للقدر الذى حذرت منه فى بلير هاوس وكانت فترة عصيبة جدا.. حيث تم زج عشرات الصحفيين ومئات السياسيين ورجال الدين كبار السن إلى المعتقل».
الصحف بالوكالة

انطلقت أقلام تهاجم المعتقلين وتدافع عن قرار السادات، وكان فى مقدمتهم موسى صبرى فى «الأخبار»، الذى ركز على أنها قرارات لضرب الفتنة، وسمتها «الأهرام» ثورة العمل الداخلى. أما عبد الله عبد البارى فقد كان ربيب نعمة هيكل فى «الأهرام»، لكنه قاد الهجوم عليه فى أحداث سبتمبر.. ولم يكن لديه مانع فى تنفيذ توجيهات السادات كاملة.
محسن محمد، رئيس تحرير جريدة «الجمهورية»، وصف اعتقالات سبتمبر بأنها «ثورة سبتمبر».. ويمكن الرجوع إلى مانشيت «الجمهورية» فى يومى 5 و6 سبتمبر 1981. بل إنه شبهها بالثورة العرابية التى كانت تحل ذكراها المئوية فى تلك الأيام. عن هذا يقول مكرم محمد أحمد: «ربما يكون محسن محمد قد أخذ تعليمات ميت أبو الكوم بمأخذ الجد أكثر منا».
ورأى بعض المحللين أن السادات أراد عندما أصدر أوامره باعتقال كل النخبة السياسية والحزبية والصحفية والفكرية والدينية المعارضة له، أن يضع خصومه جميعا فى سلة واحدة داخل السجن وخلف أسواره بدعوى حماية الوحدة الوطنية، وتأمين المجتمع فى انتظار استكمال الانسحاب الإسرائيلى من شبه جزيرة سيناء تنفيذا لمعاهدة السلام التى وقعها مع مناحم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل، عام 1979 فى كامب ديفيد، برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر.
وقف السادات فى مجلس الشعب وألقى بيانا إلى الأمة، وقال إن هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وإن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة، وأن الآونة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن واستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين، أو حاولت تصعيد الأحداث، الأمر الذى استلزم إعمال المادة 74 من الدستور المصرى والتى تنص على أن «لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بيانا إلى الشعب ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها».
وصنَّف السادات المعتقلين فى خطابه كالآتى: 469 جماعة تكفير وهجرة، 235 جماعة إسلامية، 100 تطرف دينى من الإخوان المسلمين وأعضاء جمعيات دينية إسلامية وأئمة مساجد متطرفين، 259 مثيرا للشغب وتعصبا واعتداء متبادلا مسلمين ومسيحيين، 107 قيادات مسيحية متعصبة ومتطرفة، 240 مثيرا للشغب ومجرما من أصحاب السوابق الجنائية، 57 متهما فى حوادث الزاوية الحمراء، 36 من الأحزاب (التى سماها المناهضة)، منهم 16 حزب التجمع، 7 من حزب العمل، 3 «الوفد»، إضافة إلى 12 بتهمة التخابر مع السوفييت.
رواية النبوى: لجنة رباعية اتخذت قرارات الاعتقال

عن قرار اعتقالات سبتمبر يقول وزير الداخلية الأسبق النبوى إسماعيل: «كان اجتماعا عاجلا يضم 4 أشخاص أسهموا فى اتخاذ القرار. كنت أنا والنائب مبارك والمشير أبو غزالة وطبعا الرئيس السادات، وناقشنا مخطط تحويل مصر إلى دولة خمينية، وكانت إيران تدعم هذه الجماعات المتطرفة، وتهدف على الجانب الآخر لإشعال نيران الفتنة الطائفية فى مصر، وركب الموجة الجماعات الإسلامية والشيوعيون، رغم الهوة السحيقة فى الأيديولوجية، ولم يكن نهاية المخطط اغتيال السادات، وهم اعترفوا بذلك، وتزامن ذلك مع تقرير أمنى يشير إلى تلكؤ إسرائيل فى الانسحاب.
فقال السادات: لازم نحد من المعارضة لعملية السلام. فأثير رأى من أحد الجالسين فى الاجتماع، حول تنفيذ القانون تنفيذا حازما وحاسما، وعدم السماح بالتجاوز عن أى فعل، فرد السادات: هذا كان ممكنا لو أن الوقت مبكر، ولكنه ضيق الآن. فثار رأى آخر يشير إلى عودة العمل بقانون الطوارئ، وكان أيامها قد توقف التعامل به، فرد السادات: نحن أوقفنا العمل به منذ عام، لو عاد مرة ثانية الناس سوف تثور ونصبح فى مشكلة؟ واستمع السادات للجميع، ثم قال: أنا سوف أستخدم حقى، الذى أعطاه لى الدستور، فى المادة 74، وهى المادة التى استخدمتها فى أحداث يناير (الشغب).

فتحفظ النائب حسنى مبارك، فقال له السادات: (ده تحفظ مش اعتقال، ويوم 25 أبريل مع خروج آخر جندى إسرائيلى من مصر سيتم الإفراج عن الجميع، وبعد كده يعترضوا زى ما هما عايزين، ساعتها البلد بقت ملكنا)، وبعد جدل أصر السادات على رأيه، وقال: هذا هو الحل الوحيد.. وجاءت مرحلة اختيار الأسماء التى اشتركت فيها جميع الأجهزة الأمنية، داخل وخارج وزارة الداخلية، وتضمنت القائمة 1536 شخصا، وكان ممكنا أن تكون أكثر من ذلك. كان من بينهم 900 شخص تقريبا من الجماعات المتطرفة، ومجموعة من أئمة المساجد المتعصبين الذين يقفون ضد السلام، ويشعلون الفتنة الطائفية، ومجموعة أخرى من القساوسة عددهم نحو 200 شخص، بالإضافة إلى نحو 250 من المجرمين الجنائيين، أما المثقفون والسياسيون فلم يتعد عددهم نحو 40 أو 50 شخصا.
* إلى أى مدى تم التأكد وتحرى الدقة فى أثناء إعداد قوائم الأسماء؟

المفروض أنه فيه دقة وتحرٍّ، ولكن لا يسلم الأمر من أسماء كده ولا كده، ليست لها علاقة بالأمر. وتم الاعتراض على بعض الأسماء، أنا عن نفسى اعترضت على اعتقال أشخاص، مثل عمر التلمسانى والشيخ كشك وبعض السياسيين».
قائمة المعتقلين.. من كل لون!

تضمنت قائمة المعتقلين: الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، وعمر التلمسانى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والزعيم الوفدى فؤاد سراج الدين، حمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى، وعبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، ويرجع اعتقاله إلى حواره مع السادات عام 1978 حيث فاجأ أبو الفتوح -وكان وقتها رئيس اتحاد طلاب الجامعات المصرية- الرئيس الراحل بأن قال له إنه مثله مثل كل الشباب يسمع من الرئيس إننا نعيش فى بلد العلم والإيمان، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، وهو ما أدى إلى غضب السادات بصورة كبيرة.
ومن بين الكتاب المعتقلين صافى ناز كاظم وفريدة النقاش ومصطفى بكرى وفتحى رضوان والشيخ المحلاوى ونوال السعداوى، وشاهندة مقلد، والدكتورة أمينة رشيد حفيدة إسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء فى العهد الملكى، وأستاذة الأدب الفرنسى بكلية الآداب جامعة القاهرة والمعروفة بفكرها الماركسى، إلى جانب د.عواطف عبد الرحمن الأستاذة بكلية الإعلام، ود. لطيفة الزيات، ومن كلية الآداب المنقولون إلى مؤسسات حكومية الدكتور عبد المحسن طه بدر، ود.عبد المنعم تليمة المفكر اليسارى، ود.جابر عصفور، ود.سيد البحراوى، ود.صبرى المتولى، ود.حسن حنفى، ومحمد عبد القدوس، والشيخ عبد الحميد كشك، وحلمى مراد، والمفكر القبطى ميلاد حنا، إلى جانب الاعتقالات تحديد إقامة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية بوادى النطرون، وتعيين 5 من الأساقفة مكانه، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة، كما أكد الكاتب هيثم أبو خليل فى كتابه «إخوان إصلاحيون» أنه حين جاءت اعتقالات سبتمبر الشهيرة عام 1981 سافر الشاطر والكثير من القياديين الإخوان هربا من ملاحقة نظام السادات لهم.
هيكل وصفيحة العسل الأسود!

نحت محمد حسنين هيكل تعبير «زوار الفجر»، لكنه لم يتصور أن يكون أحد ضحاياه.. على أن ذلك هو ما حدث.
كانت الساعة نحو الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندما قرع «زوار الفجر» بيته فى الإسكندرية بعد أن أضيف إلى قائمة المعتقلين فى «هوجة» سبتمبر 1981 التى سبقت اغتيال أنور السادات بنحو الشهر.
من خلف الباب قال لهم ابنه أحمد متصورا أن الأمر بسيط: «تعالوا الصبح بابا نايم».. لكنهم أصروا.. فاستيقظ هيكل وفتح الباب ليجد ضابطين من مباحث أمن الدولة يطلبان منه المجىء معهما.
قال لهما فى أول ردة فعل له: «أنا الذى تكلمت عن زوار الفجر فلماذا لا تنتظران طلوع الشمس؟».. لكنهما طلبا منه تحضير حقيبة صغيرة مع ترديدهما الجملة الشهيرة التى تتكرر عادة فى هذه المناسبات: «الحكاية بسيطة».
صافح ابنه باليد.. لم يقبله.. فقد أراد أن يتجنب اللحظات الإنسانية العاطفية الصعبة.. وما إن خرج من الباب حتى اكتشف أن البيت محاصر من كتيبة شرطة مدججة بأسلحة رشاشة.. وما إن خرج من الشارع حتى وجد شاحنتين عسكريتين تسدان الطريق.
هنا قال للمسؤولين عن اعتقاله: «لماذا كل هذا العرض (العسكرى)؟ لو اتصلتم بى بالتليفون وطلبتم اعتقالى لأتيت فورا حتى لو كنت فى لندن أو باريس».
فى أول يومين ذهب مع باقى المعتقلين إلى سجن الاستئناف، وهناك وجد نفسه مع بعض شباب الجماعات الإسلامية فدخل فى حوار معهم من أول لحظة. وفى اليوم التالى ألقوا به فى سجن مزرعة طرة.. فى الزنزانة رقم «14».. كان فيها وحده.. ترك حاجياته خارجها.. وأخذ فقط «فوطة» وفرشاة ومعجون أسنان، وجلس على كومة من خمس مراتب.
بعد ساعة فتح السجان الباب ودخل وهو يقول له: «قراونتك»؟.. فرد: «ماعنديش قروانة».. فكرر الشاويش الكلمة.. وكرر هيكل الإجابة.. فقال الشاويش وقد نفد صبره: «آهه.. عشان تاخد جرايتك».
كان معه صفيحة عسل أسود وثلاثة أرغفة، وقال: «فطارك وغداك وعشاك حتاخدهم ولا لأ».. أجاب: «لا».. فقال الشاويش: «مش هتاخدهم هابلغ».. وأغلق الباب ومشى.
جلس أربع أو خمس ساعات بمفرده، ثم جاء ضابط وصفه هيكل بأنه «ظريف»، قال له: «يا أستاذ هيكل ربنا معاك».. رد هيكل: «الله يحفظك».. ثم أضاف: «هو أنا قاعد فى حبس انفرادى؟».. نفى الضابط قائلا: «لا، فى زنزانة جنبك تحب تروح تشوف فيها إيه؟».
ذهب هيكل إلى الزنزانة ليجد فيها عمر التلمسانى (مرشد الإخوان)، وكمال أحمد (عضو مجلس الشعب عن الإسكندرية فى ما بعد) وإبراهيم طلعت (محام وقطب وفدى).. كانت الزنزانة ممتلئة عن آخرها، فقال: «هارجع الزنزانة الأولى، بس شوفوا حد يتطوع ويقعد معايا».
تطوع إبراهيم طلعت وكمال أحمد، وانضم إليهما بعد قليل شباب من جماعة التكفير والهجرة.. جاء بهم الضابط قائلا: «بيقولوا عايزين نتناقش مع الأستاذ هيكل».. قال: «هاتوهم».. وجاؤوا.. وبعد أربع ساعات من المناقشة توقف هيكل عن الكلام.. شعر بأنه جائع.. فلم يكن قد أكل العسل الأسود.. لكنهم لم يأتوا له بطعام.. وإنما أخذوه معهم ليحضر تفتيش بيته ومكتبه ومزرعته فى برقاش. وفى المزرعة وجد هيكل أمامه طبق بيض بالسمن البلدى إلا أنه لم يستطع أكله، لكنه حمل معه خمسة أرغفة وست بيضات، وبصعوبة أقنع المأمور بدخولها الزنزانة.. وبعد تسعين يوما على هذا الحال فقد 12 كيلوجراما من وزنه.
فى الأسبوع الأول لم يسمحوا بالخروج من الزنزانة.. بعد ذلك سمحوا بربع الساعة كل يوم فى الصباح.. على دفعتين.. ثم سمحوا بربع الساعة الصبح وربع الساعة بعد الظهر.. ثم سمحوا بعد شهر بساعة صباحا وساعة بعد الظهر.. وبعد أن قتل السادات تغيرت الأمور تماما.. تحول السجن إلى مناقشات مفتوحة.
بعد اغتيال السادات سمحوا للمساجين المعتقلين بتلقى سلال غذاء.. كان يصل يوميا فى مزرعة طرة 33 سلة طعام، لكن سلة هيكل كانت تزينها وردة حمراء تذكره بوردة مكتبه التى هى أول ما يطالعه كل صباح.. كانت الوردة من زوجته ورفيقة عمره السيدة هدايت تيمور. ويقول هيكل: «إن عطر هذه الوردة له معنى عندى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.