الجدل حول الإنتخابات ونتائجها وتحليل أرقامها وهيستريا المؤيدين والمعارضين يغفل باستمرار أن هناك 3 وجوه للحقيقة الإنتخابية ..
الحقيقة الأولى هي الحقيقة المطلقة : وهي الحقيقة الرياضية .. الأرقام المطلقة لا تكذب ولا تنحاز ولا تتأثر1+1=2 .. الساعة = 60 دقيقة .. الزمن الكلي للعملية الإنتخابية = 720 دقيقة × 3 أيام = 2160 دقيقة .. احسب عدد المصوتين طبقا للأرقام الرسمية (حوالي 25 مليون صوت)على عدد اللجان(13900 لجنة) ستجد النتيجة النهائية معدل تقريبي 2000 صوت في كل لجنة أي بمعدل صوت واحد كل دقيقة .. وهو ما يحتاج إلى طوابير ضخمة في كل اللجان كل الوقت تلمسها وتشاهدها ويشاهدها الجميع
الحقيقة الثانية هي الحقيقة القانونية : وهو ما تعلن عنه لجنة الإنتخابات صاحبة الحق القانوني الوحيد في الإعلان عن النتئج .. ما تعلن عنه سيكون هو الحقيقة القانونية الوحيدة مهما تناقض مع الحقيقة (الرياضية) المطلقة .. لو أعلنت أن مليار ناخب قاموا بالتصويت أو ألف ناخب فقط قاموا بالتصويت فيتحول الرقم فورا إلى حقيقة قانونية الحقيقة الثالثة هي الحقيقة السياسية : بمجرد اعتراف المرشح المنافس حمدين صباحي بالنتيجة وقبوله بها تصبح الحقيقة السياسية قائمة بشكل نهائي بغض النظر عن كل شئ
يسرف الناس في الجدل دون أن يدركوا الحدود الفاصلة بين الحقائق الثلاث .. محاولات البعض لي عنق الحقيقة المطلقة لإقناع الناس أن ناخبين غير مرئيين منحوا صناديق الإنتخاب زخما غير موجود هي محاولة شديدة الغباء لأنها ببساطة (نقيض العقل) .. والإصرار عليها لن يقنع أحدا (بالعقل) سيقنع فقط من يوافق على تجنيب العقل والإستسلام لعاطفته الشخصية أو انتمائه السياسي .. الإفراط في الجدل حول الحقيقة المطلقة و"أستحمار الناس" لن يجلب على من يسوقون التبريرات الجوفاء سوى عدم احترام الناس لهم .
للناس أن تتعامل مع الحقيقتين الأهم حاليا (بالنسبة لهم على الأقل) .. الحقيقة القانونية والحقيقة السياسية ..الوحيد الذي يجب أن يهتم بالحقيقة المطلقة ويضعها نصب عينيه جيدا هو المشير عبد الفتاح السيسي نفسه ولا أحد غيره .. فالرسالة (الحقيقية المطلقة ) التي وجهتها له الصناديق تؤكد عدم صحة الكثير من الأساطير التي روج لها الإعلام وشلة المنتفعين التي تحترف التسلق على أي سفينة ..
(وهم عادة أول القافزين منها عندما تلوح بوادر الغرق) .. وأن كثير من الأخطاء ارتكبت وتبحث عن علاج .. وأن الجزء الظاهر من جبل جليد المجتمع المصري لا يعبر عن المساحة الكبيرة الغاطسة تحت الماء .. وأخطر ما يمكن أن يحدث لرجل السياسي أن يبني سياساته على أرقام أو تقديرات خاطئة أو مزيفة.
من حسن حظ المشير السيسي أن القدر منحه فرصة مجانية لإعادة ترتيب الأوراق في هدوء .. هناك إجازة إجبارية سينصرف فيها الجميع عن السياسة منهكا أو مترقبا ..
كأس العالم سيحمل الناس بعيدا عن الهم السياسي .. ثم شهر رمضان المبارك سيداوي الأرواح والأفئدة وبطون الفقراء بما يفيض به من خير وحالة روحانية مميزة داخل المجتمع المصري .. هذه الفرصة المجانية تسمح لكل المجتمع فرصة ترتيب الأوراق والتعامل مع الإستحقاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية الصعبة القادمة..
وعلى كل الأطراف أن تتحمل مسؤولياتها وتعلم جيدا أن الفشل القادم – إذا حدث لا قدر الله - سيكون حتما الفشل الأخير للكيان السياسي الذي نعرفه باسم "الدولة المصرية".