تراجعت مصر كثيرًا وعلى كل المستويات، وبدلاً من أن تكون دولة إقليمية تؤثر فى محيطها وتعمل لها القوى الكبرى والمتوسطة حسابًا، تراجعت مصر للدرجة التى باتت أراضيها مسرحًا لعبث الكبار ولعب الصغار، بل عبثت الثعالب الصغيرة وأفسدت كرومها، فجأة وبعد مقاومة طويلة انهار الجسد المتعب، فتكالبت القوى من دولية وإقليمية على البلاد تحاول السيطرة على ما يمكن أن تسيطر عليه، فهناك من عمل على شراء دور مصر الإقليمى بحيث تصبح دولة تابعة بشكل مباشر، وهناك من أراد شراء قطعة من أرض الوطن (مشروع قناة السويس)، وهناك من أراد استئجار قوة البلاد الناعمة وميراثها التاريخى (آثار مصر). استثمرت جماعة الإخوان حالة الانهيار الشامل فى البلاد وتداعى الشرطة المصرية وبدأت فى الإعداد للسيطرة الكاملة على البلاد تمهيدًا للانطلاق نحو السيطرة على المنطقة بالكامل وتدشين دولة الخلافة التى تمثل بلادنا فيها «مصر من أمصار كثر» أو حلقة من سلسلة حلقات دولة الخلافة. تراجعت مصر، خارت قواها، فانعكس ذلك سريعًا على المحيط الإقليمى، هناك من هلل وكبر لتراجع قدرات الدولة المصرية ووقوعها تحت سيطرة جماعة الإخوان، وتمثل ذلك بشكل محدد فى الدول والدويلات التى ارتبطت بمشروع الجماعة الأممى انتماءً أو ارتباطًا مصلحيًّا، إضافة إلى أدوات المشروع الأمريكى فى المنطقة، هنا تصطف قطروتركيا والسودان وحركة حماس فى قطاع غزة. وانضمت إليها فى مراحل لاحقة عواصم إقليمية سيطر عليها فرع الجماعة بفعل ما سمى بثورات الربيع العربى، ونذكر هنا تونس وليبيا وإلى حد ما اليمن. فى المقابل شعرت دول عربية بقلق بالغ من انهيار قوة الدولة المصرية ووقوعها تحت سيطرة الجماعة، وأدركت هذه الدول المخاطر التى تتهددها وأمنها القومى نتيجة التحولات التى جرت فى مصر، نذكر هنا المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ومملكة الأردن، وفى مراحل تالية بدا واضحًا أيضًا أن النظام السورى والقوى المؤيدة له اندرجت ضمن الدول المعرضة للخطر نتيجة ما جرى فى مصر. ومثل النموذج الليبى الخطر الأكبر على مستقبل الدولة الليبية، أمنها واستقرارها، بل وأمن الشعب الليبى، وسرعان ما بدأ الوضع ينعكس بخطورة شديدة على الأوضاع فى مصر. تمكن الشعب المصرى من التخلص سريعًا من حكم الجماعة فى 30 يونيو 2013 بعد عام واحد على وجودهم فى السلطة، ومن ثم جرى إسقاط المخطط الأمريكى الإخوانى. بمجرد تعافى مصر من جراح سنة حكم الجماعة، تنفست دول عربية الصعداء وشعرت بالاطمئنان، فقد عادت مصر من جديد، وبدأت الدول والدويلات التى انخرطت فى المخطط الأمريكى الإخوانى تعانى من أزمات متلاحقة (تركياوقطر)، وفى مرحلة تالية تمكنت نظم حكم ودول عربية من استعادة عافيتها سريعًا، فقد تجاوزت سوريا مأزق التراجع أمام جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، والخطوة الأهم كانت فى ليبيا بظهور اللواء خليفة حفتر الذى قاد عملية عسكرية شاملة للقضاء على الجماعات الإرهابية وفرض السيطرة على كامل التراب الوطنى الليبى ووقف تقسيم ليبيا، وإعلان الرجل أنه سوف يسلم عناصر الإخوان الإجرامية إلى مصر، وأنه سوف يتعاون مع مصر ويود لقاء المشير عبد الفتاح السيسى. بدأت مصر فى النهوض فتبدل المشهد داخل دول عربية وإقليمية وبدأت مقدمات تغير المشهد الإقليمى بالكامل.