فجّرت عملية إلقاء قوات الأمن الأردنية القبض على 9 مصريين قبل تسلّلهم إلى سوريا، ومنها إلى لبنان بشكل غير شرعي -للعمل بها أو لتكون منفذاً للتسلل إلى أوروبا- موجة جديدة من أنواع الهجرة غير الشرعية التي يلجأ إليها العديد من الشباب خاصة أبناء الأقاليم، وهذا الأمر له وجهان خطيران؛ الأول: هو أن الشاب المصري يريد الهروب من بلده حتى ولو إلى جهنم؛ فلبنان بكل اضطراباتها الأمنية والسياسية أصبحت بمثابة ملاذ لهم، أما الوجه الثاني: فهو إصرار الشاب على أن يلقي بنفسه في أحضان الموت للوصول إلى الحلم الأوربي، فيسلّم نفسه لعصابات التهريب التي قد تتخلص منه في أي وقت. عموماً.. القضية دفعتنا إلى ضرورة الكشف عن كواليس موجة الهجرة غير الشرعية (الجديدة) إلى لبنان، التي بدأت تجذب الشباب اليائس، والبداية هو الرقم الخطير الذي أعلنه لنا المستشار العمالي بالسفارة المصرية ببيروت عن وجود 18 ألف شاب مصري يعملون بشكل غير قانوني في لبنان (دون حصولهم على عقود عمل أو أوراق للإقامة). وفي هذا الأمر يوضح د. مختار الشريف -أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة- أن الشباب المصري أصبح يرى في لبنان أنها بديل الحلم الأوروبي؛ فهي الأقرب لنمط الحياة الأوروبية، وقد استغل الشباب معاناة لبنان من اضطرابات أمنية طائفية وأوضاع غير مستقرة سياسيًا، ولهذا فإن كل تلك الظروف تؤدي لسهولة دخولها بشكل غير شرعي، إما عن طريق الأردن أو سوريا، بالاستعانة بعصابات التهريب أو بواسطة تأشيرات سياحية، وعندما يصل إلى لبنان يهرب ويرضى بأي مهنة، ويستغل أصحاب الأعمال ذلك ويخصصون لهم أجوراً متدنية مقابل عدم الإبلاغ عنهم. ويقول علاء الدين حسان -صاحب شركة سياحة- إن تأشيرة السفر السياحي للبنان التي لا تتجاوز مدتها 3 شهور تتكلف 5 آلاف جنيه؛ ولكن مع إقبال الشباب عليها استغلت بعض شركات السياحة الأمر ورفعت السعر إلى 25 ألف جنيه، والغريب أن الشاب يدفع هذا المبلغ، يكون على استعداد أن يدفع أكثر من ذلك؛ هرباً من السفر بشكل شرعي يتكلف نفقات أكثر وموافقات من الأمن اللبناني وسداد رسوم عقد لوزارة العمل اللبنانية وتصديق وزارة خارجية لبنان. وأضاف الشباب يفضلون الهجرة غير الشرعية لارتفاع نفقات عقد العمل في وظيفة مناسبة؛ خاصة في الفنادق السياحية بلبنان والتي تصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار شاملة الإقامة، أما لو تمت الهجرة بشكل غير شرعي من خلال تأشيرة سفر إلى سوريا ومنها يتم التسلل إلى لبنان ولا يكلف ذلك أكثر من 1000 دولار. ويشير محمود عيسى -صاحب شركة إلحاق عمالة بالخارج- إلى أن موسم السفر إلى لبنان ينتعش في أعياد رأس السنة، ومن أكثر المقبلين على السفر هم شباب الأقاليم ومتوسّطو التعليم؛ مما يسهل وقوعهم كفريسة في أيدي عصابات التهريب، وعند وصولهم يقبلون بأي عمل وبأجور متدنيّة مقابل عدم الإبلاغ عن عملهم دون أوراق رسمية أو عقود. وأوضح أن لبنان تمثل لبعض الشباب محطة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مستغلين قرب المسافة بينها وبين لبنان، كما أشار إلى وجود طريقتين لدخول لبنان، الأولى: عن طريق الاستعانة بأحد مكاتب السفر أو إلحاق العمالة للسفر إلى سوريا، ومنها الاستعانة بأحد المهربين لدخول لبنان ليلاً وسيرًا على الأقدام، والثانية: عن طريق شركات السياحة؛ حيث يستغلها بعض المصريين للحصول على التأشيرة السياحية والدخول رسميًا والإقامة فيما بعد بشكل غير رسمي، وأضاف: إن العمل المتاح أمامهم يكون على الأغلب في شركات النظافة أو عمال تراحيل في مجال البناء أو الهدم أو في الزراعة، وأوفرهم حظاً من يعمل في مطعم سياحيّ يغسل فيه الأطباق. وهكذا يستمر نزيف الهجرة إلى "جهنم" أو الهجرة غير الشرعية؛ فالأمر عند الشباب المصري أرحم من البطالة من ناحية، وبحثاً عن حياة ومستوى اجتماعي أفضل من ناحية أخرى؛ ضاربين عرض الحائط بتصريحات وتحذيرات الحكومة؛ فهم يعتبرونها مجرد كلام وردي بعيد عن مرارة الواقع رافعين شعار "اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار".