حالة من الابتلاء تلك التي أصابتنا في برامج "التوك شو"، أو "وصلات الردح العلني" الفضائية، التي باتت تسعى لكل مَن يملك أكبر كمّ ممكن مِن الجرأة والبجاحة حتى يجلس على كرسي الضيف، ليَبُخْ سمومه الفكرية، ويُلقي بقنابله الكلامية التي تكون مثار الحديث في الشارع لفترات طويلة، مما يضمن الانتشار لتلك البرامج الإباحية، وترديد اسم القنوات التي تبثّها، وأنصاف المذيعين الذين يُقدّمونها لأطول فترة ممكنة، ويبدو أن هذا فقط ما يهمّ القائمين على تلك البرامج وليس شيئاً آخر. العيب هنا لا يمكن أن نلقيه فقط على تلك البرامج والقنوات التي باتت تبحث عن الفضيحة و"الفرقعة" فحسب، طالما أن هناك طرفا آخر يُساهم بتصريحاته المجنونة في إشعال الحرائق، والتسبّب في البلبلة الصادمة لجمهور أحبه، وحرص على مشاهدته في شخصيته الحقيقية وهو يصول ويجول في الرد على الأسئلة الموجّهة إليه على أرض الواقع، وقد نزع كل الأقنعة الفنية التي لبسها وأمتع بها عشاق فنه، فإذا بوجهه الحقيقي لا يسبب أي نوع من المتعة أو الإشباع بقدر ما يثير الغثيان والضيق! هل استمعتم إلى تصريحات سعيد صالح مؤخراً حينما أعرب عن تأييده لممارسة الجنس قبل الزواج، ما دام أن هناك اتفاقا بين الشخصين على الزواج، قائلا إن هذا الأمر يكون فقط من باب التجربة! نعم قال ذلك بكل بساطة في برنامج "بدون رقابة" مع المذيعة وفاء الكيلاني على قناة LBC، كما صرّح أيضاً أنه شرف لأي فنانة أن يُقبّلها؛ لأن قبلته لا مثيل لها! والطريف أنه في الحلقة نفسها، أكّد على رفضه للزواج العرفي وزواج المتعة والمسيار؛ لأنه تحايل على الدين، مشيراً إلى أنه يُفضّل الزواج الرسمي بعقد من المأذون! تصريح مشابه -حول نفس الموضوع- صدر عن المطربة كارول سماحة في برنامج "بلسان معارضيك" مع المذيع طوني خليفة على قناة "القاهرة والناس"؛ حين أكّدت أنها لا تمانع أن تقيم الفتاة مع الشخص الذي تُحبّه في بيت واحد بلا زواج، إذا كان هذا لا يتعارض مع عادات وتقاليد المجتمع. ثم جاء الدور على إليسا لتخوض في زاوية جديدة لنفس الموضوع، وتُدلِي برأي صادم جديد في برنامج "أبشر" مع المذيع نيشان على قناة MBC، لتُؤكّد على عدم معارضتها لفكرة إنجاب الأطفال بدون زواج بشرط أن يتم الاعتراف بالجنين، خاصة وأن طبيعة الفنان لا تسمح له بالزواج، ويتطلّب ذلك تغييرا في قوانين الأحوال الشخصية، إلا أنها تعترف أن التقاليد والأعراف التي يفرضها المجتمع اللبناني ترفض ذلك، وليس مِن صفاتها التمرّد على القوانين والتقاليد.. طب وجاية على نفسك ليه؟! قد أعترف بتفشّي الخطأ والخطيئة في المجتمع.. قد أُلاحظ انزلاق الكثيرين في علاقات محرّمة قبل إتمام الزواج، أو عدم إتمامه من أصله، لكن ما أُدرِكه جيداً هو شعور هؤلاء بالندم على ما اقترفوه من جُرم وخطيئة في حق أنفسهم، وحق مَن واقعوهم، وحق الله نفسه، لكن أن يخرج فنان -عفوا في اللفظ- ليُصرّح بأنه يُؤيّد ذلك ويقتنع بصوابه، فهذه هي الدعوة العلنية إلى الحرام والخطيئة، وكأن الأمر عادي ولا غبار عليه، دون أن يُدرك أنه بذلك ينطبق عليه قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}. الفن بمفهومه الحقيقي جاء ليُهذّب النفوس، ويرتقي بالفكر والوجدان، ليكون عاملاً مساعداً للدين في الارتقاء بالبشر، ونشر الوعي والخلق السليم فيهم، فإذا بهؤلاء يتمرّدون على الفن الذي ذاع صيتهم باسمه، وحظوا بحب الجماهير بالانتماء له، لكنهم تمرّدوا على ميثاقه، ونشروا باسمه ما يتنافى مع المجتمع الذي جاءوا منه، والدين -أي دين- الذي يدينون به! لكنني أعود لما بدأت.. ألا تلاحظون أن نفس التصريحات، حول نفس الموضوع الشائك الحساس، صدرت في برامج مختلفة، وقنوات فضائية لا علاقة لها بعضها بالآخر؟ الأمر يبدو كما لو أنه صار مبدأً ودستوراً خفياً تسير على نهجه البرامج الحوارية، والقنوات الفضائية، التي تأتي بالمشاهير لتسألهم عن كل ما هو شائك وحساس، بغرض استخراج إجابات معينة منهم يتم دسّها للجماهير البسيطة! فمتى يعود هؤلاء إلى صوابهم، ويعرفون أنهم صاروا سلعة رخيصة في فضائيات تدفع لهم مقابلاً مادياً يبدو كبيراً، حتى يطلقوا تصريحات يخرجوا بعدها من الحلقة صغاراً جداً.. أصغر بكثير مما كانوا عليه؟!