عندما ظهرت الفضائيات الدينية المصرية والعربية منذ عدة سنوات لاقت قبولا لدي المشاهد خاصة تلك البرامج التي يقدمها بعض العلماء والمشايخ الذين يتمتعون بالعلم الغزير والقبول والإلقاء وبجاذبية في الحوار وتبسيط المعلومة للوصول بها للمشاهدين في سهولة ويسر. ولكن الواقع يقول أن الفضائيات الدينية قد جنحت ولو قليلا عن أداء دورها ورسالتها الحقيقية في الفترة الأخيرة مما جعل المواطن البسيط الذي يتابع البرامج الدينية المختلفة يصاب بالتخبط والتشتت مما يراه من تضارب في أداء بعض المشايخ وعلماء الدين في الكثير من القضايا الدينية المرتبطة بالقرآن والسنة. الفضائيات الدينية ببرامجها المتنوعة يجب الا تنساق وراء ما يحدث في المجتمع من عشوائية في الكثير من الأمور خاصة أن دورها يزداد أهمية في توصيل الرسالة الصحيحة عن الإسلام وتعاليمه لكل أفراد المجتمع مع الاختلافات والجدل وعدم وضوح الرؤية التي تسود المجتمع المصري والعربي في الآونة الأخيرة. حقيقة الخلاف لايفسد للود قضية في البرامج السياسية والرياضية وبرامج المرأة والطفل وغيرها لأن هناك اجتهادات شخصية تقال ولاتقال في مثل هذه البرامج ولاتؤثر إلا علي رؤية صاحبها ولكن في البرامج الدينية الوضع مختلف لأن المتحدث فيها مرتبط ارتباطا كليا وجزئيا بالقرآن والسنة وان هناك قواعد ثابتة لايمكن الخروج عنها. وفي هذا التحقيق نحاول ان نتعرف علي ايجابيات وسلبيات الفضائيات الدينية وكيفية القضاء علي سلبياتنا وتعظيم ايجابياتنا بغية تقديم رسالتها بكل أمانة وصدق للمسلمين داخل مص وخارجها. في البداية يقول الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق ومن كبار علماء الأزهر ان الفضائيات والبرامج الدينية أصبح لها دور مهم وحساس في المعرفة الدينية بكل عناصرها وتشريعاتها ويجب ان يكون الأزهر هو المرجعية العلمية لكل مايقال في البرامج الدينية لأن الأزهر ينتهج الوسطية وهو الخط الأول للكتاب والسنة وعندما تعود المرجعية إلي الأزهر لا تلتبس الأمور مثلما يحدث الآن في الكثير من الفضائيات الدينية. وأضاف: ان الرقابة من الأزهر علي مايقال في البرامج الدينية ليس الا لتقديم المعلومة الدينية الصحيحة من منبع واحد بدلا من التشتت الذي يحدث الآن وهناك آيات كثيرة تحثنا علي ذلك ومنها قوله تعالي فإن تنازعتم في شئ فردوه إلي الله ورسوله وقوله: فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لاتعلمون ولذلك نتمني ان يكون الاعلام الديني علي قدر كبير من المسئولية وان يتحصن كل من يظهرون علي الشاشة بالعلم والثقافة الإسلامية لأن المتلقي في حاجة إلي كل كلمة يقولها عالم دين بطريقة صحيحة تفيده في دينه ودنياه. ويضيف ان الفضائيات الدينية في حاجة إلي النظرة الوسطية التي لاتعرف التشدد ويمكن ان تكون صديقا لكل راغب في المعرفة. ويطالب الأحمدي أبو النور بأن تكون هناك مرجعية للمواد التي تقدم علي الشاشة ويجب مراجعتها قبل ظهورها علي الشاشة من قبل علماء الدين المتخصصين بحيث تستعين كل الفضائيات الدينية والبرامج المتنوعة في كل القنوات بعلماء مشهود لهم بالكفاءة العلمية التي تؤهله لأن يكون هو المرجعية العلمية حسب تخصصه وان يكون هناك اعداد جيد للبرامج الدينية المعدة سلفا خصوصا فيما يتعلق بالتفسير للقرآن الكريم والأحاديث النبوبة والفتاوي, كما طالب بأن يكون مقدم البرامج الدينية أو المتحدث علي قدر كبير من الأدب والاحترام للمشاهدين والا يكون منافقا أو قادحا حتي يجذب إليه المشاهد فيما يقدمه من علم وان يطلع علي موضوع الحلقة من أكثر من مرجع وان يتمتع باللغة والنطق الصحيح لمعاني الكلمات لأن المسألة ليست حب الظهور. ويضيف أن الأزهر الشريف بصدد إطلاق قناة فضائية دينية وجاري التحضير لها الآن وأعتقد أنها ستكون هي المرجع الحقيقي لكل قضايانا الدينية الشائكة والتي تحتاج إلي إعلام منظم وموحد من أجل رؤية واحدة ووحيدة للجميع. ويقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر ان الانصاف يقتضي أن نعترف ان ما تقدمه الفضائيات الدينية فيها النافع وغير النافع ولكن غير النافع هو الغالب وذلك من خلال ما نشاهده من تحول الدعاة إلي مفتين وهذا لايصح ومن الانشغال بالمسائل الهامشية التي لاتبني الشخصية السوية وأيضا التركيز علي النوافل وتصويرها للناس علي أنها هي الدين دون عزم الأمور والله يقول وان تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ويضيف: أن بعض البرامج والفضائيات الدينية تخصصت في أمور بلا سند من الدين وأهتمت بتفسير الأحلام وفي مس الشياطين والسحر وغيرها وهذا أقرب إلي الجدل من التحقق العلمي والدعوة إلي الله وهذا تخبط يؤدي بالأمة إلي مزيد من الانحراف وعلي القائمين علي القنوات والبرامج الدينية أن تكون لهم خطة محكمة لها يقدم من مواد دينية تهم المشاهد في يومه وغده وان ذلك لن يتحقق إلا بالمعادلة بين الدين والدنيا لقوله تعالي في سورة البقرة ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقوله ولاتنس نصيبك من الدنيا, ويقول ان صحيح الدين الإسلامي ليس فبركة كلامية ولاخطبا منبرية ولا ذخرفية وإنما هو علم له أصول ومعظم القنوات الدينية تحتاج إلي هذا العلم والمثال علي ذلك أن هناك برامج دينية تتحدث عن ان الحج لايصح إلا إذا تسامح الحاج مع الناس قبل سفره لأداء الفريضة وهذا كلام مغلوط لأنه لاتوجد جملة واحدة في كتب الفقه عن ذلك وكلنا يعرف أركان الحج ركنا ركنا وسنة سنة وان سامح الناس الحاج أم لم يسامحوه فهذا ليس له وجود في العلم الا في الأدب ناهيك عن الموضوعات التي تركز علي الحياة الزوجية وكأن الزواج هو حل لكل المشاكل. وطالب مبروك عطية الأزهر بالاسراع بإطلاق فضائيته لتكون هي الحجة للجميع والمرجع لكل التفسيرات والفتاوي خاصة وان الأزهر ليس له سلطان علي الفضائيات الخاصة ولاتوجد رقابة علي هذه الفضائيات الا رقابة الضمير وعلي أصحاب ومقدمي البرامج الدينية أن يستعينوا بالعلماء المشهود لهم بالعلم والكفاءة لوضع كل صغيرة وكبيرة تحت مراقبتهم العلمية التي تفيد المجتمع خاصة وان الشاشات أصبحت لها جاذبية بين الناس في السنوات الأخيرة ويجب علينا كعلماء دين ان نعطي للمشاهد المعلومة الصحيحة المدققة دون مواربة أو اسفاف وان تكون من القرآن والسنة وهما أساس كل أمورنا الدينية. ويضيف أن هناك ايضا سلبية في ضيوف البرامج الدينية وهي أنهم غير مؤهلين التأهيل الكافي للتحدث في الكثير من عظمة الدين الإسلامي وان هناك اشخاصا يظهرون علي الشاشة تحت مسمي عالم وشيخ ودكتور وهو ليس كذلك علي الاطلاق فيجب علي معدي البرامج التأكد من هوية الضيوف الذين يفتون بغير علم, فضلا عن ان الفضائيات الدينية في حاجة إلي وقفة من القائمين عليها لتصحيح أهدافها والوصول بها إلي مكانة تفيد المجتمع وان تكون في طور البناء وليس الهدم والتشتت بمعلومات مغلوطة. وفي الجانب الأكاديمي يقول الدكتور صفوت العالم استاذ الاعلام بجامعة القاهرة اننا نتطلع ان تؤدي الفضائيات الدينية دورا أكبر في خدمة المجتمع من خلال تقديم الدين الصحيح والدين السمح والثقافة الدينية والمجتمعية والتواصل والتفاعل مع كل قضايا المجتمع الملحة والتي تكاثرت في الآونة الأخيرة, وقال ان الفضائيات الدينية يجب الا ينصب دورها علي التفسير والفتاوي فقط بل يمتد إلي كل أمور الحياة منذ الطفولة وحتي الوفاة فالكل يحتاج إلي الدين بكل فروعه وشرائعه وان هناك قضايا كثيرة يمكن للبرامج الدينية ان تكون حاضرة في مناقشتها من أجل رفعة الإسلام والمواطن في شتي مجالات الحياة. ويضيف: هناك عدة ملاحظات علي الفضائيات الدينية منها نوعية الضيوف ففي كثير من الأحيان نجد أن الضيوف غير مؤهلين التأهيل المطلوب من خلال شهاداتهم ودراساتهم للرد علي استفسارات المشاهدين وبعضهم من الهواة الذين اعتلوا منابر المساجد واكتسبوا شرعية غير موثقة وايضا اختلط الحابل بالنابل في توزيع الأدوار فتارة تري الداعية هو المذيع وتارة أخري يكون هو الضيف وهو أمر يحدث تذبذبا وخلطا في المفاهيم الدينية وهناك ايضا قضية التحيز والتفرقة وعدم وضوح الرؤية ايضا في الكثير من التفسيرات والفتاوي وهناك تضارب بين القنوات في الفتوي الواحدة مما يجعل المشاهد يشكك في كل مايقال وايضا من أخطر الأشياء علي القنوات الدينية ان بعض الدعاة يتولون الرد علي تليفونات المشاهدين من خلال الرد الفوري علي السؤال وهو أمر صعب فليس كل شيخ قادر علي الرد الفوري علي أي سؤال مما يجعل الإجابة متسرعة أو منقوصة أو بها أخطاء في صميم الدين وبالتالي فهناك من يقتنع بالإجابة ومنهم من لايقتنع خاصة في العلاقات الاجتماعية والانسانية والحياتية والتي يجب أن يحصل الشيخ أو مقدم البرنامج علي الوقت المطلوب للاجابة بدقة حسب النصوص الشرعية, ويقول ان الفضائيات الدينية في حاجة إلي وضع معايير مهنية من كبار العلماء والمشايخ والمتخصصين حتي تؤدي دورها علي أكمل وجه.