انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة مطروح    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    مبيعات عربية تقود هبوط مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات الأربعاء    محافظ كفر الشيخ يبحث التعاون وفرص الاستثمار بالمحافظة مع هيئة الأوقاف    إزالة 10 تعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في حملات ب الشرقية    محافظ المنيا: 457.9 ألف أسرة مستفيدة من «تكافل وكرامة» منذ مطلع 2025    وزارة الدفاع الليبية تعلن بدء تنفيذ وقف إطلاق النار فى طرابلس    الخطوط الجوية الإيطالية تلغى رحلاتها إلى ليبيا غدا    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    استوديو تحليلي من أرض الملعب.. أون سبورت تنقل بطولة أفريقيا لأبطال الكؤوس لكرة اليد    مبابي يقود الهجوم.. تشكيل ريال مدريد المتوقع ضد مايوركا في الليجا    «مش ابني».. أول تعليق من والد رامي ربيعة على أنباء رحيله عن الأهلي    لجنة التخطيط بالزمالك تحسم مصير محمد عواد مع الفريق    وزارة الرياضة لليوم السابع: التنسيق مع الخارجية وسفارة مصر بليبيا لعودة الرياضيين    حملات أمنية لضبط متجري المخدرات والأسلحة والهاربين من تنفيذ الأحكام    رئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية يشهد انطلاق امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية    بعد تداول مقطع فيديو.. ضبط قائد سيارة لسيره عكس الاتجاه وإطلاق إشارات خادشة بالشروق    دون خسائر في الأرواح.. الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بمصنع غزل ونسيج بفوه في كفر الشيخ    إصابة 5 بطلقات نارية فى مشاجرة بين عائلتين بسوهاج    «ثقافة العريش» يناقش معوقات العمل الأدبى بشمال سيناء    مادي يحتقر القيم الفنية.. روبرت دي نيرو يهاجم ترامب في حفل تكريمه بمهرجان كان السينمائي    فتحي عبد الوهاب يوجه رسالة ل «عبلة كامل وعادل إمام ومحمد صبحي »    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    «التأمين الصحي الشامل» يتوسّع في التعاقد مع المستشفيات الجامعية والخاصة    بالصور- محافظ الدقهلية يقود حملة تفتيشية على مخابز أوليلة ويرصد مخالفات جسيمة    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    مدرب سلة الزمالك: سعداء بالفوز على الأهلي وسنقاتل للتأهل لنهائي دوري السوبر    فى نواصيها الخير    وزير «التعليم» يلتقى وفدا من البنك الدولى لبحث سبل تعزيز أوجه التعاون المشترك    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    الري: تحقيق مفهوم "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة" أحد أبرز مستهدفات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0    الصين: تعديل الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية المستوردة اليوم    «ماسك» يشكر السعودية لدعم ستارلينك في الطيران    السجن المشدد 10 و15 سنة لشقيقين قتلا جارهما بالشرقية    مصر تدعو المواطنين المتواجدين فى ليبيا بتوخى أقصى درجات الحيطة    سيناريوهات تنتظر الفنان محمد غنيم بعد القبض عليه فى واقعة تهديد طليقته    إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي ألقى 40 قنبلة خارقة للتحصينات في خان يونس أمس    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    وفد جامعة حلوان يشارك في المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية بالقاهرة    لدعم التعاون العلمي.. سفيرة رومانيا تزور المركز القومى للبحوث    وزير الثقافة: يجب الحفاظ على الهوية المصرية وصونها للأجيال القادمة    لاستقبال ضيوف الرحمن.. رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم الحج (صور)    اليوم..مصطفى كامل يستعد لطرح أحدث أعماله الغنائية "قولولي مبروك"    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من مايو 2025.. أفكار جديدة ومكافأة مالية    الأدعية المستحبة عند حدوث الزلازل.. دار الإفتاء توضح    رئيس هيئة قناة السويس يدعو وفد «ميرسك» لتعديل جداول إبحارها والعودة التدريجية للعبور    رئيس الوزراء: الاقتصاد العالمي يدخل حقبة جديدة لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن    عبد الغفار يشهد توقيع بروتوكول لتحسين جودة الرعاية الصحية في مصر    «الصحة العالمية» توصي بتدابير للوقاية من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    وزير الخارجية: الدفاع عن المصالح المصرية في مقدمة أولويات العمل الدبلوماسي بالخارج    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة شتاء (1)
نشر في بص وطل يوم 05 - 01 - 2011


أنا لا أحب مهنتي..
كلما مررت بموقف مشابه، دارت ذات الفكرة في ذهني. أنا لا أحب مهنتي.. قليل من الناس ممن عرفت يحب مهنته، ما لم يشعر بأنها رسالة مقدّسة كما يفعل المدرّس أو الطبيب أحيانًا، أو يجدها مجزية جدًا كما يفعل رجل الأعمال، أو هي فعلاً مهنة ممتعة، مثل ذلك الأخ راي هاري هاوزن الذي كان يصمم الوحوش في أفلام الرعب.. تخيل أنه يصحو من النوم صباحًا ويذهب لعمله ليصمم الوحوش حتى يحين موعد الانصراف!
أنا لا أحب مهنتي، لكني لا أعرف سواها. عندما يستدعونك لموقع الجريمة في الثالثة صباحًا، فإنك تلهث من البرد والتوتر وأنت تتوقع تقريبًا ما ستراه.. بعد كل هذه الأعوام ما زلت لا أتحمل منظر الجثث الممزقة وأمقت رائحة الدم..
اسمي عوني.. في الخامسة والثلاثين من العمر.. لا شك أنك عرفت مهنتي الآن.. أنا ضابط شرطة، وقد رأيت الكثير طبعًا، لكن هذا لا يعني تصريحًا بالبرود أو اللامبالاة..
هناك حوادث تزلزل وجدانك فعلاً، وتتحدى ثباتك المهني.. مثلاً عندما تجد الطريقة التي شوّه بها هذا السفاح ضحيته، والأسلوب السادي المريض الذي ترك به توقيعه، عندها لا بد أن ترتجف.. على أني كوّنت نظريتي الخاصة بعد أعوام: كل واحد يمكن أن يفعل أي شيء إذا اصابته حالة جنون وقتية، أو زال عنه قناع التحضر..
أما عن الطقس الرديء فموضوع آخر.. يصعب على المرء أن يتصور أن هذا عامل مهم في مصر، لكن بوسعي أن أخبرك بعشرات القصص التي رحنا نجري فيها التحقيقات في ظروف مستحيلة...
مثلاً قصة اليوم حدثت في عزبة خارج المدينة.. نحن قريبون من الإسكندرية جدًا لكن لن أعطي تفاصيل...
الآن يمكنك أن تتخيل ما يحدث.. أمطار غزيرة جدًا ..
في ليلة كهذه تتمنى فعلاً لو ظللت في فراشك، لكن جرس الهاتف يدق بإلحاح.. سوف تأتي السيارة لتأخذك حالاً.. هناك جريمة قتل..
أرتدي ثيابي، ومن تحتها بول أوفر ثقيل.. زوجتي تصر على أن أحترس من البرد، ولا أعرف كيف أحترس من البرد بينما كل ذرة في الكون باردة... "احترس من الطريق!".. كيف أحترس من الطريق وقد تحوّل لبحيرة، دعك من أن بسيوني هو الذي يقود وهو على درجة من العته!
في الطريق وسط حمّى الوحل والبرق الذي يشق السماء والمساحات، أعرف من بسيوني التفاصيل:
- "اتصلوا بنا وقالوا إن هناك رجلاً لا يعرفونه اقتحم العزبة، وقتل أحدهم بسلاح ناري.. ثم فرّ"
أقول له وأنا أرتجف من البرد:
- "ليست تفاصيل مفيدة جدًا.."
- "سوف نعرف كل شيء.."
رباه!.. أنا لا أحب مهنتي.. كلما تذكّرت أنني كنت في الفراش منذ نصف ساعة دافئًا أحلم...
أنا من ضباط الشرطة الذين يقفون في الركن.. في الزاوية الضيقة.. لم أشتم ولم أصفع متهمًا في حياتي، ولم أدسّ قطعة بانجو في جيب أحدهم، ولم أستغلّ سلطتي قط حتى في الحصول على رغيف خبز. وفي الوقت نفسه أنا بالنسبة للمواطن العادي ضابط مغرور سادي يستغلّ سلطته بالتأكيد.. لا أستطيع لعب دور الوغد، لكنهم يصرون على أنني كذلك...
باختصار أنا أنال النصيب الأسوأ من الجانبين..

كانت السيارة تشق طريقها وسط عاصفة توشك على اقتلاع كل شيء (رسوم: فواز)
السيارة تشق طريقها نحو تلك العزبة، وهناك عند ناصية الطريق يجلس ثلاثة من الخفراء يصطلون بالنار، وقد تدثّر كل منهم كرجل من الإسكيمو.. هناك خيمة من المشمّع لتحميهم من المطر الغزير، ويقف أحدهم ليصوب علينا نور الكشاف القوي، ويهتف:
- "لا يمكن الوصول إلى هناك يا باشا.. سوف يفيض المصرف.. بعد ساعة سيتحول هذا كله إلى نهر عميق ولن تعرفوا أين الطريق."
قلت له في عصبية:
- "صوّبْ هذا الكشاف على شيء آخر أولاً.. لا يوجد حل آخر.. لا بد أن يذهب أحد هناك.. لن ننتظر حتى يأتي الربيع!"
راح يصف لبسيوني طريقًا مختصرًا.. ثم دعانا لكوب شاي كنا سنرحّب به طبعًا لو كانت الظروف تسمح..
ننطلق من جديد نحو تلك العزبة، بينما خزانات السماء تفرغ ما فيها فوق رءوسنا..
يقول بسيوني في توتر:
- "هذه رحلة خطرة جدًا... ربما كان من الأفضل أن نعود.."
- "لقد تمادينا بما يكفي.."
لسان برق يشقّ السماء من جديد... أتفحص الهاتف المحمول فأدرك أن الشبكة قد غرقت في الماء وماتت...
فجأة هتف بسيوني:
- "إننا قد دخلنا العزبة فعلاً.."
هذا صحيح!
صحيح أن العاصفة توشك على اقتلاع كل شيء، والأمطار تجعل الرؤية مستحيلة، لكن لا أعرف مكانًا آخر يمكن أن يكون مزروعًا بهذه الطريقة.. دعك من صوت خوار البهائم المذعورة في جرن ما، ونباح كلاب تعتقد أنها نهاية العالم، وذلك البيت المبني من القرميد...
هذه عزبة فعلاً..
ترجّلنا محاولين أن نتماسك فلا نسقط في الوحل، وأضأنا الكشافات بينما تحسّست مسدسي.. تبًا.. لقد ارتفع الماء لدرجة لا تصدّق حتى إنني فتحت باب السيارة فتسرّب للداخل..
اتجه بسيوني نحو الباب الخشبي العملاق ودق بيده الغليظة عدة مرات:
- "افتح!.. بوليس!"
لحظات وانفتح الباب بشكل شحيح، وظهر وجه رجل مسنّ ريفي يرتجف:
- "بسم الله الرحمن الرحيم"
الإضاءة ساطعة هنا لحسن الحظ...
ومن خلفه ظهر وجه رجل ريفي وسيم متأنّق.. أعتقد أنه في الخمسين من العمر.. يلبس الجلباب الأبيض الفاخر المميز لأثرياء الريف. هذا سيد بلا شك.. سألته:
- "عزبة الليثي؟"
- "أنا محمود الليثي.. تفضلوا.."
عندما دخلنا إلى المدخل الأنيق المريح تنهّدنا الصعداء، وشعرت بحرج من أحذيتنا المتّسخة بالوحل، لكن نزع الأحذية ليس جميلاً من الناحية البوليسية..
- "خيرًا إن شاء الله؟"
قلت له في حيرة:
- "أعتقد أن هذه العبارة جديرة بنا.. أنتم اتصلتم وتكلمتم عن جريمة قتل."
نظر لي في دهشة.. ثم نظر للعجوز..
- "أعوذ بالله يا باشا.. لم يحدث شيء من هذا.."
بلاغ كاذب إذن؟ سيكون هذا أسخف مقلب شربته في حياتي.
لكن في الوقت ذاته كنت أنظر إلى الأرض.. إلى طرف الجلباب الأبيض.. هذه قطرات دم طازج. دم لم يتغير لونه بعد، ولا يمكنه إقناعي بأنه كان يذبح الطيور في هذه الساعة وهذا الجو..
البلاغ غير كاذب..
ويبدو أننا وجدنا القاتل بسرعة كذلك!

يُتبع

لقراءة الأعداد السابقة من "أكشن" اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.