فوجئ وزير الداخلية في مكتبه، بحالة من اضطراب غير طبيعي، جعله يسأل مدير المكتب في حدة، عبر وحدة الاتصال الداخلي: - ماذا يحدث بالضبط؟! اندفع إليه مدير مكتبه، وهو مضطرب بشدة، وهتف: - هجوم يا سيادة الوزير، هجوم إرهابي، على مقرّ أمن الدولة، في مدينة نصر. ارتفع حاجبا الوزير في دهشة، وقال في لهجة آمرة، صارمة: - أرسل قوات مكافحة الإرهاب إلى هناك فوراً. تردّد مدير مكتبه لحظة، جعلته يصرخ فيه: - ماذا هناك؟!! تحرّك.. أجابه الرجل في سرعة واضطراب: - إنه ليس هجوماً تقليدياً يا سيادة الوزير، وإلا لكان أمن المبنى هناك كفيلاً بصدّه. نهض الوزير في توتر شديد، متسائلاً: - أهجوم بالدبابات هو؟! هزّ مدير مكتبه رأسه في قوة، وهو يهتف: - بل هجوم بقوة مجهولة.. قوة لا يُدرك أحد حتى ماهيتها.. قوة اخترقت الجدران المصفّحة، وكأنها قالب من الزبد.. وتراجع الوزير كالمصدوم، واتسعت عيناه عن آخرهما.. وبشدة.. لم تكن عيناه وحدهما ما اتسعتا على هذا النحو، وإنما عينا اللواء "سامي" أيضاً، وهو يحدّق ذاهلاً فيما أمامه.. لقد انفجر جدار مكتبه، ودفعه الانفجار نحو "حاتم"، وسقط كلاهما أرضاً، ثم حدث ما حدث.. فقّاعة كبيرة، تكوّنت داخل الحجرة، ثم تلاشت فجأة، وبرز من وسطها رجل شرس الملامح، يرتدي حُلّة خضراء اللون، لامعة، من قطعة واحدة، ويحمل في يده شيئاً أشبه بالمسدس، ولكن تكوينه يختلف تماماً.. كان رجال أمن المبنى يعدون نحو حجرة اللواء "سامي"، عندما هتف هذا الأخير بكل ذهول: - ما هذا بالضبط؟! وفي حركة باردة، رفع الرجل سلاحه نحوه، دون أي تبدٌّل في ملامحه، و.. وأطلق النار.. كرات عجيبة من الطاقة، انطلقت من سلاحه، وأصابت اللواء "سامي"، فانتفض جسده في عنف رهيب، وكأنما أصابته ألف ألف صاعقة، وانطلقت من حلقه شهقة، هي مزيج من الدهشة والألم، قبل أن يتألق جسده كله، ثم ينهار، وقد احترقت معظم أجزائه.. وبنفس البرود، أدار ذلك الرجل سلاحه نحو "حاتم".. وتراجع "حاتم"، وهو يطلق شهقة محدودة مختنقة.. ومن أعمق أعماق ذاكرته، وثب شيء ما.. شيء جعله يدرك أنه يعرف ذلك الرجل.. يعرفه جيداً.. و.. فجأة، اقتحم رجال الأمن الحجرة.. وفوراً، أطلقوا النار على ذلك الرجل.. أطلقوا عشرات الرصاصات.. وأصابت كلها هدفها.. ولكن الهدف لم يتحّرك قيد أنملة.. بل لم يبد عليه حتى، أنه قد تأثّر بالرصاصات.. لقد تلاشت كلها، قبل سنتيمتر واحد من وصولها إليه، بصوت أشبه بأعواد ثقاب متتالية تشتعل. وفي برود، التفت هو إلى رجال الأمن، وصوّب إليهم سلاحه.. وبكل قوته، صرخ "حاتم": - ابتعدوا. صرخ بها، وهو يزيح جثة اللواء "سامي" المحترقة من فوقه، ويهبّ من مكانه، في مرونة مدهشة، لم يتصوّر هو نفسه أنه يمتلكها.. وفي نفس اللحظة، التي انطلقت فيها كرات الطاقة، نحو رجال الأمن، كان "حاتم" ينقضّ على ذلك القادم بكل قوته.. ولقد كانت انقضاضة بالغة العنف بحق.. انقضاضة جعلت لارتطام جسديهما دوياً عنيفاً، أشبه بِدَويّ ارتطام جسمين معدنيين قويين.. ومع سقوط رجال الأمن، كان القتال يبدأ..
ضرب الرجل الأخضر "حاتم" ضربة واحدة جعلته يرتطم بالجدار (رسوم: فواز) انقضاضة "حاتم"، على الرغم من عنفها، حرّكت ذلك الرجل خطوتين فحسب إلى الخلف.. ثم بدأ هو ينقضّ.. بضربة واحدة، ألقى "حاتم" عبر الحجرة، ليرتطم بالجدار المقابل في عنف، ثم يسقط أرضاً.. وبنفس البرود العجيب، رفع ذلك سلاحه نحوه.. وأطلق كرات الطاقة.. كان من الطبيعي، مع هذه السرعة، أن تصيب تلك الكرات "حاتم" في مقتل؛ إلا أن ما فعله جسده كان عجيباً بحق.. لقد وثب من مكانه، وضرب الجدار بقدمه، ثم طار منه عبر الحجرة، إلى الجدار المجاور، وكأنه يمشي على الجدران، ثم هبط أرضاً، وانزلق إلى الجدار المقابل، قبل أن يدور حول نفسه، في مرونة يحسده عليها أمهر رجال أشهر سيرك في العالم، وتعلّق برقبة الرجل من الخلف، وأدار ذراعيه حولها في قوة.. كان إيقاعه مدهشاً، حتى إن من رأوه من رجال الأمن الآخرين، الذين يعدون نحو المكان، من نهاية الممر، بدا أشبه لهم بخداع بصري، أو بضرب من ضروب السحر؛ ولكن ذلك الرجل، ذا الثوب الأخضر، أدار يده خلف ظهره بحركة سريعة، وانتزع "حاتم" من مكانه، في قوة خارقة، وألقى به عبر الحجرة، فعبر جسده الباب المفتوح، وطار لأربعة أمتار في الممر الطويل، قبل أن يسقط في عنف، أمام رجال الأمن، الذين توقّفوا مبهوتين، وتراجعوا على نحو غريزي، وهم يصوّبون له أسلحتهم.. وبنفس الهدوء المخيف، غادر ذلك الرجل الحجرة إلى الممر، وصوّب سلاحه العجيب.. كان كل رجال الأمن أمامه، ولكنه صوّب سلاحه نحو هدف واحد لا غير.. - "حاتم".. ولكن فجأة، تكررت الظاهرة.. وبعنف أكثر.. فرقعة عنيفة دوّت في المكان، وارتجّ لها المبنى كله، والتفت معها ذلك الأخضر في حدة، قبل أن يبرز من وسط فقاعة أكبر حجماً، رجل مفتول العضلات، يرتدي زياً مشابهاً للأوّل؛ ولكنه أزرق اللون، شديد اللمعان.. وكان أيضاً يحمل سلاحاً عجيباً.. وبكل شراسة الدنيا، استدار إليه الأخضر، وأطلق زمجرة وحشية، لعلها كل ما أطلقه من صوت، ثم أطلق كرات الطاقة من سلاحه.. وبدون أن يبتعد أو يتأثر، أو يحاول حتى تفادي تلك الكرات، رفع مفتول العضلات سلاحه، وأطلق منه كرات طاقة أخرى.. كرات أكبر حجماً، وأكثر قوة.. بكثير.. وتراجع رجال الأمن مذعورين، أمام ذلك الصراع الرهيب، وانطلقوا يعدون مبتعدين، وهم يطلبون الدعم والعون.. وعبر الممر، اصطدمت كرات الطاقة في عنف، ودوت في المكان انفجارات شديدة القوة، وارتجّ المبنى كما لم يرتجّ من قبل، وتألّق الممرّ كله بضوء رهيب.. والعجيب أن "حاتم"؛ على الرغم من عنف الموقف، نهض في هدوء، يتابع ما يحدث، وكأنه أمر اعتاد رؤيته منذ زمن.. أو في زمن مغاير للزمن.. ومن عينيه، كانت تطلّ لمحة ثقة.. ثقة كبيرة.. وعجيبة.. وفي مكتب رئيس جهاز أمن الدولة، كان الكل شديد الاضطراب، وكان يهتف، في عصبية شديدة: - ماذا يحدث هنا بالضبط؟! أجابه أحد قياداته، في توتر واضح: - شيء ما يهاجمنا.. ليس شيئاً تقليدياً بالتأكيد؛ فما وصفه رجال الأمن يبدو أشبه بفيلم "حرب الكواكب". صاح فيه رئيس الجهاز في غضب: - هراء! رجالنا لم يفهموا سلاحاً جديداً ابتكره الإرهابيون؛ ولكن علينا مواجهتهم، مهما كان ما يستخدمونه من سلاح.
قال القيادي بنفس توتره: - إنهم ليسوا حتماً إرهابيين يا سيّدي. صاح به في غضب: - لقد هاجموا المبنى، وقتلوا رجالنا، فكيف تجزم بأنهم ليسوا كذلك، بهذه السرعة؟! أجابه الرجل، وصوته يرتجف من فرط الانفعال: - لأن من الواضح أن رجالنا اعترضوا طريق هدفهم الأصلي فحسب. سأله رئيسه، وقد حلّ قلقه وفضوله محلّ غضبه: - وكيف يمكنك الجزم؟! هزّ القيادي رأسه، قائلاً: - لأنهم الآن يتقاتلون فيما بينهم. تراجع رئيس الجهاز في دهشة؛ في حين أكمل القيادي، بكل توتر الدنيا: - إننا لسنا الهدف.. بل ساحة المعركة فحسب. في اللحظة نفسها التي نطق فيها عبارته؛ كان الضوء المبهر في الممر ينقشع، ليكشف ذلك الأخضر الشرس، الذي سقط أرضاً جثة هامدة، دون أن تفقد ملامحه برودها، في حين تقدّم الأزرق مفتول العضلات من "حاتم"، وهو يسأله، في مزيج من القلق والاحترام والتوقير: - أأنت بخير؟.. وهنا.. وفي لحظة واحدة، استعاد "حاتم" ذاكرته.. كل ذاكرته..