عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اكتشاف مخطوط لرحلة البشير البرتلي إلى الحرمين الشريفين
نشر في صوت البلد يوم 02 - 03 - 2016

اهتم المغاربة بتدوين رحلاتهم الحجازية بدءاً من القرن الرابع الهجري لتبلغ أوجها في القرن التاسع لتتراجع حركة التدوين فيما تلى هذه الفترة، نظراً إلى اشتداد وطأة الاضطرابات التي عرفها العالم الإسلامي من الحروب الصليبية والهجمات الإيبيرية على سواحل بلاد المغرب، لكن الرحلة الحجازية المغاربية المدونة عادت إلى المشهد بعد مرور هذه الفترة، خصوصاً خلال القرن الحادي عشر الهجري حيث حفظ لنا التراث نماذج رائدة في أدب الرحلة حيث كتب العياشي (1037 - 1090ه/ 1627 - 1679م) المغربي رحلته ماء الموائد التي تعد من أهم ما ألف في أدب الرحلة في هذه الفترة فكانت كما أرادها المؤلف «ديوان علم لا كتاب سمر وفكاهة» كما وجدنا الكثير من الرحلات الشنقيطية التي عرفت طريقها للتحقيق والنشر منها رحلة الشيخ ماء العينين بن محمد فاضل المتوفى سنة 1910 وقد حققها الأستاذ مربيه ربه بالمغرب سنة 2010، والرحلة المعينية الصغرى للمؤلف نفسه، والتي حققها الأستاذ محمد الظريف من المغرب كما حقق الدكتور محمد حجي الرحلة الحجازية لمحمد يحيى بن محمد المختار الولاتي المتوفى 13330ه/ 1912م، بمعهد الدراسات الأفريقية بالرباط ونشرتها دار الغرب الإسلامي سنة 1990.
غير أن أقدم رحلة حجازية خرجت من بلد شنقيط هي رحلة الحاج البشير البرتلي الولاتي، سنة 1204ه/ 1789م، وكان هذا المصنف إلى عهد قريب في حكم المفقود، ولم يعرف عنه إلا ما أشار إليه الذين ترجموا لمؤلف الحاج البشير البرتلي الولاتي من أن له رحلة حجازية وعلى رأسهم ابن عمه صاحب فتح الشكور، وكانت أخبار النسخة التي تقاطرت إلى آذان المهتمين تشدّد على احتمال وجود النسخة في إحدى مكتبات مدينة الزقازيق أو طنطا بجمهورية مصر العربية، لكن لم يتوصل أحد منهم إلى الحصول عليها وتحقيقها.
وقد قاد البحث المضني الذي قمت به إلى العثور عليها وإعادة اكتشافها وتحقيقها، إذ كانت ضمن مقتنيات مكتبة الزقازيق العامة بعد أن أصابها الإهمال والتمزق، فقدت حملة إعلامية لإنقاذ مخطوطات دار الكتب العامة بالزقازيق، ونجحت في نقلها إلى دار الكتب والوثائق بالقاهرة لترميمها وفهرستها وصيانتها. وقد انتهيت من تحقيق رحلة البرتلي بالاشتراك مع الدكتور عبدالرحمن بن محمد بعثمان.
والرحلة الحجازية للحاج البشير البرتلي تكتسب أهمية بالغة بين أقرانها من رحلات المغاربة عموماً والشناقطة خصوصاً، فهي تعد من أقدم الرحلات الشنقيطية المدونة، إذ تعود إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وتختلف عن بلدياتها في الطريق التي اتخذته الرحلة من المنطلق بلد ولاتة في موريتانيا إلى بلاد الحرمين مروراً بمدينة تمبكتو وإقليم أزواد في الشمال المالي الحالي إلى منطقة توات في الجنوب الغربي الجزائري وصولاً إلى فزان بليبيا ثم إلى مصر فالحجاز وهو الطريق التاريخي الذي كان يمر به ركب الحاج الولاتي ليلتقي في تمبكتو بركب الحاج التكروري، ثم يصطحب الركبان وصولاً إلى بلدة أقبلي (جنوب غربي الجزائر) ليلتقيا مع الركب التواتي فتكون مشيخة الركب في شيخ الركب التواتي.
وفي الحقيقة، أننا كنا نفتقد أو نكاد إلى نص رحلة حجازية اتخذت هذا الطريق رغم ما تحدثنا به المصادر المختلفة عن أهمية هذا الطريق الحجي الذي كان ينطلق من ولاتة نحو مدينة تمبكتو لينكسر شمالاً نحو منطقة توات عبر إقليم أزواد حيث يصف مدنها وقراها العامرة كتمبكتو والمبروك وبوجبيهية معدداً مزاراتها وأضرحتها ورجالاتها الصالحين كما تتفرد الرحلة بوصف صحراء تنزروفت الموحشة، إذ تقدم لنا مادة جغرافية جزيلة حول هذه المنطقة المجهولة والتي لم يتطرق إليها الجغرافيون الأول إلا في شكل سطحي وعام، حيث تقدم وصفاً دقيقاً جداً لهذه المنطقة فيعدد منازلها واصفاً جغرافيتها وتضاريسها معدداً آبار المياه فيها عذبها ومالحها.
وعلى رغم أن الرحالة البشير البرتلي قد حرمنا من دون وجه قصد من معلومات قد تكون مهمة عن المسافة الفاصلة بين ولاتة من حيث انطلق إلى إقليم أزواد بحجة أن الطريق معروف لدى العام والخاص في زمنه، إلا أنه تحرى دقة كبيرة في وصف ما تلى هذه المرحلة من أزواد إلى توات ومن توات إلى صحراء ليبيا مروراً بقرية أقبلي ومدينة عين صالح وصولاً إلى بلاد فزان. وقدم معلومات جزيلة عن قرى فزان وأهم أعلامها وتحدث عن خصال أهلها وكرمهم واحتفائهم بالحجيج، وقدم وصفاً مهماً لمنازل طريق الحاج المصري ووصفاً لقافلة الحاج المصري، إضافة إلى اهتمامه بالمزارات في مصر، ومكة وأسواقها، وأهم معالمها ووصفه هذا الطريق يستحق دراسة خاصة مقابلة.
ورحالتنا هو الحاج البشير بن الحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي المتوفى سنة 1214ه/ 1800م، وصفه صاحب فتح الشكور بأنه كان رحمه الله تعالى محباً للنبي صلى الله عليه وسلم، مشتاقاً، ملازماً لقراءة قصائد مدحه، ويطرب عنده غاية الطرب ويهتز له ويحبه ويكثر منه حتى سُمي عند بعض أهل التل بالمداح، خبيراً بضروب القصائد العشرينيات وتخميسها والهمزية وغير ذلك، ابن الطالب الصغير «بالصالح المداح لرسول الله صلى الله عليه وسلم».
نشأ المؤلف في أسرة علمية معروفة في ولاتة باسم البراتيل فأبوه الحاج أبو بكر بن الفقيه الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي المتوفى سنة 1179ه/ 1766م، كما جاء في فتح الشكور، حج المؤلف عام 1204ه/ 1790م، وله فيها تأليف ذكر فيه منازل ركب حجه من بلاد ولاتة مروراً بتوات إلى بلد الحرمين الشريفين، ولقي في رحلته العلماء والصالحين واستجاز بعضهم فأجازوه ومنهم العلامة محمد بن محمد الزبيدي الحسيني المعروف بالشريف المرتضى الذي التقاه في مصر وأجازه، توفي رحمه الله ليلة الخميس 11 رمضان سنة 1214ه الموافق فيه 6 شباط (فبراير) 1800م.
ليس ثمة أدنى شك في أن هذا المؤلف من وضع الحاج البشير بن الحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي الولاتي، إذ جاء في مقدمة مخطوط الرحلة ما يشير إشارة مباشرة إلى ذلك، حيث قال المؤلف في مقدمة الرحلة «فيقول فقير مولاه، الراجي عفو مولاه، الغني به عمن سواه: محمد البشير بن الحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي نسباً الولاتي داراً ومسكناً، ومنشئاً ووطناً، المالكي مذهباً الأشعري اعتقاداً، هذه رحلة مباركة أذكر فيها إن شاء الله مراحل مسافة طريق الحج من بلاد توات إلى الحرمين»، كما أشار صاحب فتح الشكور إلى أن للمؤلف «رحلة ذكر فيها مراحل الحج من بلاد توات إلى الحرمين».
لقد اقتنعنا بفائدة هذا المخطوط وأهميته من خلال أن هذه الرحلة بقيت دهراً في حكم المفقودة، وكادت تضيع، كما أنها رحلة فريدة من نوعها وفي الطريق الذي سلكته، وفي قيمتها العلمية من خلال أهميتها في دراسة التواصل الحضاري بين غرب العالم الإسلامي وشرقه بصفة عامة وبين حواضر بلاد المغرب الجنوبية وبلاد الحرمين الشريفين بصفة خاصة، وعلى إثر ذلك جاء الإصرار على تحقيق هذه النسخة رغم عدم الحصول على نسخة ثانية، لأنه عز علينا أن مخطوطاً كهذا وعلى أهميته يظل حبيس المكتبات الخاصة، كما لم يرد ذكره عند أستاذي الرحالة عبدالهادي التازي في موسوعته المهمة (رحلة الرحلات مكة في مئة رحلة مغربية ورحلة).
اهتم المغاربة بتدوين رحلاتهم الحجازية بدءاً من القرن الرابع الهجري لتبلغ أوجها في القرن التاسع لتتراجع حركة التدوين فيما تلى هذه الفترة، نظراً إلى اشتداد وطأة الاضطرابات التي عرفها العالم الإسلامي من الحروب الصليبية والهجمات الإيبيرية على سواحل بلاد المغرب، لكن الرحلة الحجازية المغاربية المدونة عادت إلى المشهد بعد مرور هذه الفترة، خصوصاً خلال القرن الحادي عشر الهجري حيث حفظ لنا التراث نماذج رائدة في أدب الرحلة حيث كتب العياشي (1037 - 1090ه/ 1627 - 1679م) المغربي رحلته ماء الموائد التي تعد من أهم ما ألف في أدب الرحلة في هذه الفترة فكانت كما أرادها المؤلف «ديوان علم لا كتاب سمر وفكاهة» كما وجدنا الكثير من الرحلات الشنقيطية التي عرفت طريقها للتحقيق والنشر منها رحلة الشيخ ماء العينين بن محمد فاضل المتوفى سنة 1910 وقد حققها الأستاذ مربيه ربه بالمغرب سنة 2010، والرحلة المعينية الصغرى للمؤلف نفسه، والتي حققها الأستاذ محمد الظريف من المغرب كما حقق الدكتور محمد حجي الرحلة الحجازية لمحمد يحيى بن محمد المختار الولاتي المتوفى 13330ه/ 1912م، بمعهد الدراسات الأفريقية بالرباط ونشرتها دار الغرب الإسلامي سنة 1990.
غير أن أقدم رحلة حجازية خرجت من بلد شنقيط هي رحلة الحاج البشير البرتلي الولاتي، سنة 1204ه/ 1789م، وكان هذا المصنف إلى عهد قريب في حكم المفقود، ولم يعرف عنه إلا ما أشار إليه الذين ترجموا لمؤلف الحاج البشير البرتلي الولاتي من أن له رحلة حجازية وعلى رأسهم ابن عمه صاحب فتح الشكور، وكانت أخبار النسخة التي تقاطرت إلى آذان المهتمين تشدّد على احتمال وجود النسخة في إحدى مكتبات مدينة الزقازيق أو طنطا بجمهورية مصر العربية، لكن لم يتوصل أحد منهم إلى الحصول عليها وتحقيقها.
وقد قاد البحث المضني الذي قمت به إلى العثور عليها وإعادة اكتشافها وتحقيقها، إذ كانت ضمن مقتنيات مكتبة الزقازيق العامة بعد أن أصابها الإهمال والتمزق، فقدت حملة إعلامية لإنقاذ مخطوطات دار الكتب العامة بالزقازيق، ونجحت في نقلها إلى دار الكتب والوثائق بالقاهرة لترميمها وفهرستها وصيانتها. وقد انتهيت من تحقيق رحلة البرتلي بالاشتراك مع الدكتور عبدالرحمن بن محمد بعثمان.
والرحلة الحجازية للحاج البشير البرتلي تكتسب أهمية بالغة بين أقرانها من رحلات المغاربة عموماً والشناقطة خصوصاً، فهي تعد من أقدم الرحلات الشنقيطية المدونة، إذ تعود إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وتختلف عن بلدياتها في الطريق التي اتخذته الرحلة من المنطلق بلد ولاتة في موريتانيا إلى بلاد الحرمين مروراً بمدينة تمبكتو وإقليم أزواد في الشمال المالي الحالي إلى منطقة توات في الجنوب الغربي الجزائري وصولاً إلى فزان بليبيا ثم إلى مصر فالحجاز وهو الطريق التاريخي الذي كان يمر به ركب الحاج الولاتي ليلتقي في تمبكتو بركب الحاج التكروري، ثم يصطحب الركبان وصولاً إلى بلدة أقبلي (جنوب غربي الجزائر) ليلتقيا مع الركب التواتي فتكون مشيخة الركب في شيخ الركب التواتي.
وفي الحقيقة، أننا كنا نفتقد أو نكاد إلى نص رحلة حجازية اتخذت هذا الطريق رغم ما تحدثنا به المصادر المختلفة عن أهمية هذا الطريق الحجي الذي كان ينطلق من ولاتة نحو مدينة تمبكتو لينكسر شمالاً نحو منطقة توات عبر إقليم أزواد حيث يصف مدنها وقراها العامرة كتمبكتو والمبروك وبوجبيهية معدداً مزاراتها وأضرحتها ورجالاتها الصالحين كما تتفرد الرحلة بوصف صحراء تنزروفت الموحشة، إذ تقدم لنا مادة جغرافية جزيلة حول هذه المنطقة المجهولة والتي لم يتطرق إليها الجغرافيون الأول إلا في شكل سطحي وعام، حيث تقدم وصفاً دقيقاً جداً لهذه المنطقة فيعدد منازلها واصفاً جغرافيتها وتضاريسها معدداً آبار المياه فيها عذبها ومالحها.
وعلى رغم أن الرحالة البشير البرتلي قد حرمنا من دون وجه قصد من معلومات قد تكون مهمة عن المسافة الفاصلة بين ولاتة من حيث انطلق إلى إقليم أزواد بحجة أن الطريق معروف لدى العام والخاص في زمنه، إلا أنه تحرى دقة كبيرة في وصف ما تلى هذه المرحلة من أزواد إلى توات ومن توات إلى صحراء ليبيا مروراً بقرية أقبلي ومدينة عين صالح وصولاً إلى بلاد فزان. وقدم معلومات جزيلة عن قرى فزان وأهم أعلامها وتحدث عن خصال أهلها وكرمهم واحتفائهم بالحجيج، وقدم وصفاً مهماً لمنازل طريق الحاج المصري ووصفاً لقافلة الحاج المصري، إضافة إلى اهتمامه بالمزارات في مصر، ومكة وأسواقها، وأهم معالمها ووصفه هذا الطريق يستحق دراسة خاصة مقابلة.
ورحالتنا هو الحاج البشير بن الحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي المتوفى سنة 1214ه/ 1800م، وصفه صاحب فتح الشكور بأنه كان رحمه الله تعالى محباً للنبي صلى الله عليه وسلم، مشتاقاً، ملازماً لقراءة قصائد مدحه، ويطرب عنده غاية الطرب ويهتز له ويحبه ويكثر منه حتى سُمي عند بعض أهل التل بالمداح، خبيراً بضروب القصائد العشرينيات وتخميسها والهمزية وغير ذلك، ابن الطالب الصغير «بالصالح المداح لرسول الله صلى الله عليه وسلم».
نشأ المؤلف في أسرة علمية معروفة في ولاتة باسم البراتيل فأبوه الحاج أبو بكر بن الفقيه الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي المتوفى سنة 1179ه/ 1766م، كما جاء في فتح الشكور، حج المؤلف عام 1204ه/ 1790م، وله فيها تأليف ذكر فيه منازل ركب حجه من بلاد ولاتة مروراً بتوات إلى بلد الحرمين الشريفين، ولقي في رحلته العلماء والصالحين واستجاز بعضهم فأجازوه ومنهم العلامة محمد بن محمد الزبيدي الحسيني المعروف بالشريف المرتضى الذي التقاه في مصر وأجازه، توفي رحمه الله ليلة الخميس 11 رمضان سنة 1214ه الموافق فيه 6 شباط (فبراير) 1800م.
ليس ثمة أدنى شك في أن هذا المؤلف من وضع الحاج البشير بن الحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي الولاتي، إذ جاء في مقدمة مخطوط الرحلة ما يشير إشارة مباشرة إلى ذلك، حيث قال المؤلف في مقدمة الرحلة «فيقول فقير مولاه، الراجي عفو مولاه، الغني به عمن سواه: محمد البشير بن الحاج أبي بكر بن الطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي نسباً الولاتي داراً ومسكناً، ومنشئاً ووطناً، المالكي مذهباً الأشعري اعتقاداً، هذه رحلة مباركة أذكر فيها إن شاء الله مراحل مسافة طريق الحج من بلاد توات إلى الحرمين»، كما أشار صاحب فتح الشكور إلى أن للمؤلف «رحلة ذكر فيها مراحل الحج من بلاد توات إلى الحرمين».
لقد اقتنعنا بفائدة هذا المخطوط وأهميته من خلال أن هذه الرحلة بقيت دهراً في حكم المفقودة، وكادت تضيع، كما أنها رحلة فريدة من نوعها وفي الطريق الذي سلكته، وفي قيمتها العلمية من خلال أهميتها في دراسة التواصل الحضاري بين غرب العالم الإسلامي وشرقه بصفة عامة وبين حواضر بلاد المغرب الجنوبية وبلاد الحرمين الشريفين بصفة خاصة، وعلى إثر ذلك جاء الإصرار على تحقيق هذه النسخة رغم عدم الحصول على نسخة ثانية، لأنه عز علينا أن مخطوطاً كهذا وعلى أهميته يظل حبيس المكتبات الخاصة، كما لم يرد ذكره عند أستاذي الرحالة عبدالهادي التازي في موسوعته المهمة (رحلة الرحلات مكة في مئة رحلة مغربية ورحلة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.