ارتفاع صاروخي لأسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية    استهداف مجمع ستافرولين للبتروكيماويات في روسيا بمسيرات أوكرانية    الرئيس الفنزويلي: الطاقة يجب ألا تتحول إلى سلاح حرب    عمر مرموش يؤكد: فوز منتخب الفراعنة على زيمبابوي أهم من أي إنجاز فردي    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    محدود دون إصابات.. التحقيقات تكشف تفاصيل حريق قاعة أفراح بأبو النمرس    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    إنعام محمد علي: التحضير لمسلسل أم كلثوم استغرق عامين.. واختيار صابرين كان مفاجأة للكل    أمم أفريقيا 2025| بهذه الطريقة احتفل محمد صلاح ومرموش بالفوز على زيمبابوي    صندوق النقد يتوصل لاتفاق مع مصر بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة    حددها القانون الجديد.. أماكن الحصول على شهادة قياس مستوى المهارة وترخيص مزاولة الحرفة    اليوم، بدء إعادة جثامين 14 مصريا ضحايا غرق مركب هجرة غير شرعية باليونان    حبس وغرامة ضخمة لهؤلاء.. سر المادة 70 من تعديلات قانون الكهرباء    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    زينة منصور تدخل سباق رمضان بدور مفصلي في «بيبو»... أمومة على حافة التشويق    هاني ميلاد: 70% زيادة في أسعار الذهب منذ بداية 2025.. والاضطرابات العالمية السبب    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    أجواء شديدة البرودة والصغرى 12 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بعد ارتدائها البدلة الحمراء.. محامي ضحية ابنتها ببورسعيد يكشف موعد تنفيذ حكم الإعدام في المتهمة (خاص)    استشاري تغذية علاجية بالفيوم ل"أهل مصر": دودة الطماطم خطر صحي وآفة زراعية.. ولا علاقة لها بالقيمة الغذائية    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    حين تضطر أم لعرض أطفالها للتنازل: ماذا فعلت سياسات السيسي بالمصريين؟    مشروع قومى للغة العربية    نقابة أطباء الأسنان: أعداد الخريجين ارتفعت من 45 إلى 115 ألفا في 12 عاما فقط    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    رئيس هيئة المستشفيات التعليمية يُكرّم مساعد وزير الصحة للمبادرات الرئاسية    استكمال الاختبار التجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي على منصة كيريو في محافظات الجمهورية يوم 23 ديسمبر    المؤبد والمشدد 15 سنة ل 16 متهماً ب «خلية الهيكل الإدارى بالهرم»    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    بالانتشار الميداني والربط الرقمي.. بورسعيد تنجح في إدارة انتخابات النواب    استغاثة عاجلة إلى محافظ جنوب سيناء والنائب العام    بالصور.. مدير محطة حدائق الأهرام بالخط الرابع للمترو: إنجاز 95% من الأعمال المدنية    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    أمم أفريقيا 2025| وائل القباني: منتخب الفراعنة قدم أداء جيدًا.. وهناك عيب وحيد    مصرع شخص صدمته سيارة نقل أثناء استقلاله دراجة نارية فى المنوفية    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    فولر ينصح شتيجن بمغادرة برشلونة حفاظا على فرصه في مونديال 2026    فلسطين.. إصابة ثلاثة مواطنين في هجوم للمستعمرين جنوب الخليل    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    ليفربول يحتفل بأول أهداف محمد صلاح مع منتخب مصر فى كأس أمم أفريقيا    القصة الكاملة لمفاوضات برشلونة مع الأهلي لضم حمزة عبد الكريم    ليفربول يعلن نجاح جراحة ألكسندر إيزاك وتوقعات بغيابه 4 أشهر    وزير الدفاع الإيطالي: روما مستمرة في دعم استقرار لبنان وتعزيز قدرات جيشه    فرحة أبناء قرية محمد صلاح بهدف التعادل لمنتخبنا الوطني.. فيديو    هيئة الدواء: متابعة يومية لتوافر أدوية نزلات البرد والإنفلونزا خلال موسم الشتاء    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن نافعة يكتب: ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة؟
نشر في الوفد يوم 29 - 08 - 2014


د. حسن نافعة
كثيرة هي الحروب التي دخلها العرب في مواجهة إسرائيل. بعض هذه الحروب خاضتها جيوش نظامية وانهزمت فيها كلها، فيما عدا حرب 1973 التي أبلى فيها الجيشان المصري والسوري بلاء حسناً ولقّنا إسرائيل درساً قاسياً، وبعضها الآخر خاضتها قوات غير نظامية رجحت فيها كفة المقاومة المسلحة التي استطاعت أن تحول دون تمكين آلة الحرب الإسرائيلية من تحقيق معظم أهدافها المعلنة.
غير أن التاريخ يعلمنا أن العبرة ليست بما تستطيع الجيوش أو المقاومة الشعبية المسلحة تحقيقه في ميدان القتال وإنما بما تستطيع السياسة تحقيقه، سواء على مائدة المفاوضات أو في المحافل الديبلوماسية، أثناء أو بعد توقف القتال. فالقوات المتحاربة، جيوشاً نظامية كانت أم قوات غير نظامية، قد تحقق في ميدان القتال ما تعجز القيادة السياسية عن استثماره سياسياً، فتخسر الحرب في النهاية. والمثال الواضح على ذلك ما جرى في حرب 1956 حين تمكنت جيوش إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، والتي تواطأت معاً لشن الحرب على مصر عقب إقدام عبد الناصر على تأميم شركة قناة السويس، من احتلال سيناء والسيطرة على منطقة قناة السويس. غير أن ما حققته الجيوش المغيرة من «إنجازات» عسكرية في ميدان القتال لم يكن كافياً، لا لإسقاط النظام الحاكم في مصر ولا لإجبار عبد الناصر على العدول عن قرار التأميم، ومن ثم هزمت الدول الثلاث المعتدية سياسياً في النهاية، واضطرت قواتها إلى الانسحاب من المواقع التي احتلتها.
تلك كانت في حقيقة الأمر جولة الصراع الوحيدة التي كسبها العرب سياسياً، رغم خسارتهم لها عسكرياً. أما جولات الصراع الأخرى مع إسرائيل، سواء تلك التي منيت فيها الجيوش العربية بالهزيمة أو تحققت فيها إنجازات عسكرية مهمة في ميدان القتال، فقد انتهت في اكثر الأحيان بهزيمة سياسية، بما في ذلك حرب 1973 الناجحة عسكرياً. الاستثناء الوحيد على هذا النمط المتكرر من الهزائم في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي حققته المقاومة اللبنانية بقيادة «حزب الله» عندما تمكنت عام 2000 ليس فقط من تحرير جنوب لبنان، بإجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من دون قيد أو شرط، وإنما أيضاً من دحر القوات اللبنانية التي كانت تتعامل مع الاحتلال وإجبارها على الفرار إلى إسرائيل! وهكذا رجحت كفة إسرائيل في معظم جولات الصراع وتمكنت من الاحتفاظ حتى الآن بمعظم الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، خصوصاً الجولان والضفة الغربية، كما تمكنت من فرض حصار محكم على قطاع غزة، وجعلت من سيناء منطقة عازلة شبه منزوعة السلاح.
أشعر، كمواطن مصري عربي، بالزهو لما حققته المقاومة الفلسطينية المسلحة من إنجازات في المعركة التي فرضت أخيراً على الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة. فقد أثبتت هذه الجولة من الصراع: 1- أن المقاتل الفلسطيني أصبح أكثر استعداداً وتصميماً على خوض المعارك ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي المجهز بأحدث أنواع الأسلحة، وأن كتائب المقاومة الفلسطينية المسلحة بالإرادة والإيمان قادرة على قهر وإذلال هذا الجيش في ساحات القتال. 2- أن الجيش الذي تفخر به «الديموقراطية الوحيدة في بحر الاستبداد العربي» لا يتورع عن ارتكاب جرائم حرب تصل إلى حد الإبادة الجماعية، بدليل سقوط أكثر من ألفي قتيل وثلاثة عشر ألف جريح غالبيتهم الساحقة من المدنيين، خصوصاً من الأطفال والنساء والمسنين ورجال الإسعاف والإطفاء. 3- أن الشعب الفلسطيني في غزة لم يعد لديه المزيد مما يخسره وأن الشعب قرر الصمود حتى النهاية في معركة البقاء، حتى لو أبيد عن بكرة أبيه، كما قرر الالتفاف حول المقاومة المسلحة، باعتبارها الملاذ الأخير لحمايته، مهما بلغت التضحيات. 4- أن بقية الشعب الفلسطيني المبعثر بين الضفة الغربية وفي الأرض المحتلة عام 1948 وفي الشتات، بات يدرك أنه كتب عليه أن يقاتل الآن وحيداً، نيابة عن الأمتين العربية والإسلامية، وبالتالي لم يعد أمامه سوى الصمود والانتصار.
كما أشعر، كمواطن مصري عربي أيضاً، أن قبول نتانياهو وقف إطلاق النار وفق صيغة، لم تتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى نزع سلاح المقاومة وتنص في الوقت نفسه على التزام إسرائيل فتح المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزة، لا يعني سوى شيء واحد وهو أن المقاومة انتصرت بالفعل، لمجرد أنها نجحت في منع إسرائيل من تحقيق أي من الأهداف التي من أجلها شنت الحرب والتي كان في مقدمها تحطيم «حماس» ونزع سلاح المقاومة أياً كان اسم الفصيل الذي يحمله.
غير أن هذا الشعور بالزهو والفخار لا يستطيع أن يخفي شعوراً موازياً بالقلق مما قد تأتي به الأيام أو الأسابيع أو الشهور المقبلة من مفاجآت قد تسمح لإسرائيل بأن تحقق في ميدان السياسة ما عجزت عن تحقيقه في ميدان القتال. فدروس التاريخ، كما سبقت الإشارة، تقول إن إسرائيل كانت هي الأقدر على إدارة الصراع السياسي في معظم الجولات، بما في ذلك تلك التي خسرتها عسكرياً، ليس لأن لديها أوراقاً أقوى مما تملكه الأطراف العربية، ولكن لأن قدرة الأطراف العربية على استخدام ما بحوزتها من أوراق ظلت دائماً محدودة وكان بمقدور إسرائيل أن تعمل على خلط أو تبديد أو بعثرة كل ما بيد العرب من أوراق. لذا لا يخالجني شك في أن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها هذه المرة أيضا للضغط على جميع الأطراف المؤثرة في مسار الصراع، بهدف إسقاط كل الأوراق التي مكنت الفلسطينيين من الصمود في الميدان، والتحرك على مختلف الصعدة، وذلك على النحو التالي:
1-على المستوى الدولي: ستسعى إسرائيل جاهدة لإقناع الولايات المتحدة بالتحرك لاستصدار قرار من مجلس الأمن يربط بين ما يمكن أن يتحقق من تقدم على صعيد إعمار قطاع غزة ورفع الحصار المفروض عليه، خصوصاً ما يتعلق بتفاصيل بناء وافتتاح الميناء والمطار، وبين شكل من أشكال نزع سلاح المقاومة أو، على الأقل، فرض نوع من الإشراف الدولي على استخدامه.
2- على المستوى الإقليمي: ستسعى إسرائيل جاهدة إلى تعميق التناقض القائم بين العديد من الدول العربية، خصوصاً بين مصر وحركة «حماس»، لإضعاف هذه الأخيرة سياسياً، والعمل على تمكين السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، تمهيداً لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انفراد «حماس» بالهيمنة على القطاع.
3- على المستوى المحلي: ستسعى إسرائيل جاهدة لتخريب حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والعمل في الوقت نفسه على ثني السلطة الفلسطينية وتخويفها من عواقب الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، خصوصاً اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، والتي من شأنها منح مشروع الدولة الفلسطينية الوليد زخماً متصاعداً على الصعيد الدولي، كما ستسعى لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لإجهاض أي محاولة محتملة لإشعال فتيل انتفاضة جديدة في الضفة.
والسؤال: هل تعي الأطراف المعنية حقاً بتمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه المشروعة هذه الاستراتجية الإسرائيلية، وهل تملك هذه الأطراف ما يكفي من الإرادة السياسية للعمل على إجهاضها، وهل بوسعها وضع استراتيجية بديلة لمواجهتها؟
أعتقد أن الفلسطينيين يملكون الآن من الأوراق ما يكفي لتمكينهم من إجهاض الاستراتيجية التي تسعى إلى تمكين إسرائيل من الحصول عبر مائدة المفاوضات على ما عجزت عن تحقيقه في ميدان القتال، شريطة: 1- أن تدرك السلطة الفلسطينية أن التفاوض من دون قدرة على مقاومة الاحتلال لا بد أن ينتهي بتصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم فإن واجبها الأساسي في هذه المرحلة يفرض عليها ضرورة الحفاظ على سلامة المقاومة وحماية سلاحها، كما يفرض عليها ضرورة عدم الركون لأي وعود إسرائيلية، مهما كانت براقة، والشروع على الفور في اتخاذ كل الإجراءات التي تساعد على ممارسة أقصى ما يمكن من وسائل الضغط السياسي والنفسي على إسرائيل، ورفع كلفة احتلالها للأراضي الفلسطينية إلى أقصى مدى ممكن. 2- أن تدرك «حماس» أن مقاومة الاحتلال الاستيطاني لا يمكن أن تتم بالسلاح وحده وإنما بالسياسة أيضاً، وأن الحركة الوطنية الفلسطينية أوسع من أي فصيل، ومن ثم تقع عليها مسؤولية حماية وحدة هذه الحركة وقطع الطريق أمام كل المزايدات. 3- أن يجهز الشعب الفلسطيني نفسه أينما وجد، خصوصاً في الضفة وداخل إسرائيل نفسها، للانتفاض من أجل إنهاء الاحتلال.
تحرك السلطة الفلسطينية في اتجاه اتخاذ ما تستطيع من إجراءات تسمح بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتحرك المجتمع المدني الفلسطيني في اتجاه العمل الجاد لإشعال فتيل انتفاضة ثالثة، وحرص جميع الأطراف على حماية سلاح المقاومة، كلها أوراق يمكن إذا أحسن استخدامها تحويل وقف إطلاق النار في غزة إلى نقطة انطلاق نحو تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.