كنت أعتزم الحديث فى هذا المقال عن حركة حماس والمكانة التى كانت تحظى بها فى قلوب وعقول المصريين, باعتبارها حركة مقاومة إسلامية ضد الاحتلال الصهيونى والشوكة العربية الوحيدة فى جسد هذا العدو الغاشم, ثم ما آلت إليه هذه المكانة من تدهور كبير واضمحلال تعاطف وتأييد الشعب المصرى لها, نتيجة ما اقترفته فى حقه من جرائم فى ظل مخطط التآمر على الاوطان العربية الذى حيك وتم تنفيذه تحت شعار ما سُمى بثورات الربيع العربى, ولكنى طالعت فى عدد يوم الاحد الماضى من هذه الصحيفة الغراء مقالاً للدكتور الشافعى محمد بشير تناول فيه ذات الموضوع بقدر من التفصيل, وبشرح وتأصيل جيد أتفق معه تماماً وأقدره وأحيل القارئ الكريم إليه منعاً للتكرار أو الاطناب. وتبقى لى كلمة صدق أوجهها بإخلاص لقادة حركة حماس فأقول لهم إن حقاق التاريخ وثوابت العقيدة تؤكد أن العدو الأزلى اللدود للامة العربية هو إسرائيل الصهيونية ولصيقتها الولاياتالمتحدةالامريكية , وسيظل هذا العداء إلى أن تقوم الساعة, وأن حركة حماس وهى تحارب ذلك العدو تحريراً لوطنها المحتل فإنها ايضاً تشارك الأمة العربية فى قضية مصيرية واحدة, وأنها اذا كانت بحكم النشأة جزءاً من تنظيم الاخوان المسلمين أو متحالفةً معه, فإنها أخطأت خطيئةً كبرى يوم أن تآمرت معه ضد أمن وسلامة واستقرار شعوب تلك البلدان العربية, باعتقاد دين غير صحيح وطموح سياسى غير مشروع, برر لها الوسيلة باستباحة الدماء وتدمير الاموال وتخريب الاوطان وخداع العقول وتضليل الشعوب. إن هذه الخطيئة لا يمكن أن تُنسى تاريخياً, ولكن يمكن أن تُغفر إنسانيا لو أن حركة حماس اعترفت بالخطأ دينيا وسياسيا واعتذرت بصفاء وشفافية للشعب المصرى, فعندئذ يمكن أن تستعيد تعاطفه وتأييده, وهو أٌمر فى غاية الأهمية لأنه بلا مبالغة يشكل الركيزة الاولى والاساسية لوجود الحركة ذاته, لأن دعم أنظمة الحكم للحركة مرهونٌ بتأييد شعوبها، وجميع الشعوب العربية بلا استثناء موصولة ومرهونة بمشاعر وتوجهات الشعب المصرى. فعليكم إدراك الطريق الصحيح حتى تعودوا كما كنتم, وعليكم التحرر من براثن تنظيم الاخوان وعوالقه وأن تكون لكم رؤية جديدة فى ظل المتغيرات الدولية والاقليمية حتى تستطيعوا العودة للجهاد المقدس مع امتكم العربية ضد العدو الحقيقى الواحد. أعود الى الواقع العربى وما يشهده من حروب طاحنة وعمليات ارهابية فظيعة واحداث عنف متباينة وصراعات محتدمة على النفوذ والسلطة والثروات, وهى كلها نتاج مخطط التآمر العدائى الذى بدأ تنفيذه عملياً باجتياح العراق عسكرياً, ثم اُستكمل بمنظومة ثورات الربيع العربى, فنجد أن ما نشهده فى كل البلدان العربية تقريباً, لم يعد عصياً على الفهم أو بعيداً عن الادراك, وأصبح واضحاً للجميع أن الامة العربية تتعرض لأخطر حرب عبر تاريخها الطويل تستهدف تدميرها وتقزيم حجمها وطمس هويتها والقضاء على دورها فى الحضارة الانسانية, وللأسف الشديد فإن القوى الأجنبية المخططة والمنفذه لهذه الحرب استخدمت لتحقيق أهدافها ادوات محلية, وهى تلك العناصر والجبهات العربية التى أُثير بداخلها نعرات الطائفية والعرقية والمذهبية بمعتقداتِ خاطئة, وتم سكب البنزين على الهشيم المتقد لتشتعل النيران وتتبلور بذلك النظرية التى ابتدعوها واسموها سياسة الأرض المحروقة. إن ما تشهده امتنا العربية من هذه الحروب التى يمكن أن تعصف بها بعيداً عن خريطة الحياة ذاتها, إنما تستند فى مجملها الى عقائد دينية اكثر من أى شىء آخر, فالقوى الغربية مثلاً تحرص على دعم اسرائيل وتشجيع قيام دولتها اليهودية ظناً منها بأن هؤلاء اليهود هم من سينصرون السيد المسيح عليه السلام, واسرائيل تسعى لإقامة دولتها من النيل للفرات ظناً منها بأن ذلك هو أمر نبيهم موسى عليه السلام , والفصائل العربية المتناحره تعتقد أنها صاحبة الحق بالخلافة وإقامة الدولة الاسلامية مهما كانت خسارة الاوطان . إن هذه الحالة المتأزمة المتفاقمة المنذرة بالعواقب الوخيمة تدعونى لمناشدة فضيلة الامام العالم الجليل شيخ الأزهر ليضطلع بدوره التاريخى الواجب عليه فى هذه المرحلة, وأتصور أن يتبنى مؤتمراً تحت شعار «مؤتمر الفكر الاسلامى لتوحيد الصف», ويتم دعوة ممثلين عن كل الحركات والفصائل المنتشرة مثل القاعدة وطالبان و«داعش» وبيت المقدس والاخوان والجهاد وغيرها, وكذا ممثلون عن كل أنظمة الحكم العربية وممثلون لكبار العلماء ورموز الفكر المستنير, وتكون اعمال هذا المؤتمر بجلسات سرية ولمدة شهر لمناقشة كل الافكار والمعتقدات التى يستند اليها كل فريق لرفع السلاح والهدف من محاربة الغير, ثم يتولى علماء الأزهر تصحيح الخاطئ من الأفكار وإقرار الصحيح منها والدعوة للعمل به, وتصدر بعد ذلك وثيقة يمكن أن تكون بعنوان «وثيقة الأزهر الشرعية لخيرية الأمة الاسلامية «وأعتقد أنها ستصير وثيقةً ملزمةً لكل الأنظمة والحكومات, والأهم أنها ستكشف ضبابية المشهد المعقد وتزيل الغشاوة عن بصيرة الشعوب بما يوحد إرادتها ويوجه مسيرتها نحو هدف واضح صحيح. لواء بالمعاش