كان من أهم وأبرز الاخبار التى تناقلتها وسائل الاعلام منذ أُسبوعين، هو سعى الرئيس أوباما لدى الكونجرس لاعتماد مبلغ خمسمائة مليون دولار لدعم المعارضة السورية المعتدلة! وبالطبع فسوف تتم الموافقة على ذلك لتمكين الادارة الامريكية من رفع وتيرة وحدة الحرب الضروس الموجهة للدولة السورية, ضمن المخطط الاستعمارى الذى يستهدف منطقتنا الإقليمية بأسرها. ومما يجب ألا يغيب عن ذاكرتنا، تلك الأموال الطائلة التى سبق للإدارة الامريكية أن دفعت بها لمنظمات المجتمع المدنى المشبوهة فى مصر، وبلغت خلال عام واحد فقط حوالى 1.7 مليار جنيه لدعم ما سُمّىَ آنذاك بثورات الربيع العربى، وهو المسمى الخبيث والقناع الزائف الذى تعرضت تحت ظله الأمةُ العربيةُ، لأبشع وأخطر مخططٍ لتدميرها وإعادة تقسيمها بما يخدم المصالح الغربية ويحقق السيادة المطلقة لدولة اسرائيل الصهيونية. وفى اطار ذات المخطط الآثم، تطالعنا الاخبار يومياً بتصاعد وتفاقم احداث الحروب الارهابية الاهلية والعرقية الجارية فى العراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان ولبنان، وأخيراً الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة تحت مسمى عملية الجرف الصامد، بقصد القضاء على القوة الصاروخية لحركة حماس التى تهدد امنها على حد زعمها. إن المتابع للمشهد العربى على الساحة الاقليمية خلال العقود الثلاثة الماضية، يستطيع أن يفهم ويدرك حجم الدور الصهيوأمريكى لتخريب وتفتيت دول المنطقة العربية وفقاً لخطةٍ مدروسة وآلياتٍ محكمة . فمع منتصف السبعينيات كانت أولوية التحرك الامريكى الإسرائيلى هى اهدار قيمة حرب اكتوبر المجيدة وتقليص آثار الانتصار، فتتم عرقلة عقد مؤتمر جنيف للسلام الذى كانت كل الاطراف متوافقةً عليه، وجرى استدراج مصر لمعاهدات الصلح المنفرد التى أدت إلى شق الصف العربى وتعميق جذور الخلافات السياسية، وفى نفس الوقت كانت خطة السيطرة على البترول العربى سواء من خلال شركات البحث والتنقيب والنقل والتسويق أو من خلال إحكام القبضة على اسواق الاستهلاك وأنظمة الحكم فيها . ثم استمر الدور الامريكى وتتابع بإقامة ومساندة أنظمة الحكم الفاسدة، بل وصناعة منظومات الفساد المختلفة وزراعتها بداخل المجتمعات العربية، ثم إثارة نعرات الطائفية الدينية والمذهبية والعرقية وإشعال فتيل الحرب بينها وهو ما يُعرف بسياسة الارض المحروقة، ثم كانت الضربات العسكرية المباشرة كضرب المفاعل النووى العراقية سنة 1982 وإشعال الحرب الإيرانية العراقية وضرب أفغانستان سنة 2001 والاجتياح الغاشم للعراق سنة 2003 والتدخل الصهيونى فى السودان الذى انتهى بتقسيمه فى يوليو 2011، وغيرها مما لا يتسع المجال لسرده من العمليات العسكرية الخاطفة واعمال الاغتيالات الغادرة التى امتدت من الخليج الى المحيط وكانت لبنان وفلسطين مسرحاً لكثيرٍ منها. إن ذلك الذى نشهده طوال تلك العقود، الظاهر منه والباطن، إنما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن العدو الايديولوجى الاستراتيجى للأمة العربية هو الكيان الصهيونى وحليفته اللصيقة الولاياتالمتحدةالامريكية، وهو ما يفرض علينا امرين اثنين، الاول أن نستعيد شعار اعرف عدوك، الذى كان محفوراً فى وجداننا وكنا نتعلمه فى المدارس والمساجد والكنائس منذ نعومة اظافرنا حتى لا تهتز العقيدة فى نفوسنا ولا يضيع الطريق الصحيح من أقدامنا، فالعدو الازلى يجب أن يظل شاخصاً امام اعيننا مهما كانت الظروف ومهما تضاربت المصالح، وهذا يُعتبر من الضرورات المعنوية فى اعتبارات الأمن القومى. أما الامر الثانى فهو ضرورة تنقية الاجواء العربية والعمل بإخلاص على توحيد الصف العربى وتجاوز اخطائنا فى حق انفسنا، وأن نرسخ عقيدة التاريخ المشترك والمصير الواحد، وأن نواجه عدونا بفكرٍ واعٍ مستنير وإرادةٍ وطنيةٍ صلبة، وأعتقد اننا قادرون بعون الله على ذلك إذا استنهضنا قدراتنا الكامنة وأدركنا مواطن الضعف لدى عدونا وسبل اختراقها . فالعرب بترابطهم ووحدتهم وامكانياتهم الهائلة، يمكنهم على سبيل المثال إقامة منظومة اقتصادية تنافس الاقتصاد العالمى كله، ويمكنهم إقامة إعلام عربى موحد قادر على فرض الإرادة السياسية للعرب، والتغلغل فى النسيج الاجتماعى لعدوهم وإحداث أى تغيير يحقق مصالحهم . بل إننى أعتقد أن لدينا امكانياتِ الهجوم - باعتباره أفضل وسيلةٍ للدفاع - ولكن الأمر يحتاج إلى خططٍ استراتيجيةٍ قائمةٍ على ركائز علميةٍ وسياسيةٍ وأمنيةٍ واستخباراتيةٍ صحيحة وقوية، ولنتأمل فى هذا السياق الواحد وخمسين ولايةٍ أمريكية والرباط الواهى الوهمى الذى يربطُها فى هذا الاتحاد الكونفيدرالى، أليس من الممكن استنهاض ثوراتٍ للربيعِ الأمريكى تُحقق استقلالاً قومياً لتلك الولايات ؟ سؤالٌ يمكنُ أن تُجيب عنه أنظمة الحكم العربية . تبقى كلمةٌ مختصرة لحركة حماس إذا كانت تُريد بصدقٍ أن تكون حركةً للمقاومة الإسلامية، فعليها أن تُدرك المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية، وأنهُ لم يعد مقبولاً أو ميسوراً أن تخرج من تحت عباءة السلطة الفلسطينية المشروعة، وأنهُ لا سبيل لدعمها إلا باستعادتها لتعاطف وتأييد الشعب المصرى. لواء بالمعاش