واهم من يتصور أن الأخطار التي تُهدد بفشل الثورة لم تتجاوز كل الخطوط الحمراء، وواهم من يتصور أن هذه الأخطار تهدد بفشل الثورة وحسب، فهذه الأخطار تهدد بانهيار الوطن. ومن يتجاهل أبعاد هذه المخاطر يساهم بحسن نية أو بالتآمر في دفع الوطن إلي كارثة. والمراجعة الأمينة والواعية الآن هي طوق النجاة الذي يمكن أن ينقذ الوطن في هذه اللحظات الحرجة، شريطة أن تبدأ هذه المراجعة الآن وأن تسفر المراجعة عن ممارسات »عملية« تطمئن المواطنين جميعاً إلي أن خطوات إنقاذ الوطن قد بدأت تعرف طريقها الصحيح للإنقاذ. ومسئولية المراجعة وتصحيح مسار الحركة يتحملها كاملة من يتولي مسئولية الحكم سواء كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو وزارة الدكتور عصام شرف. الإشكالية الكبري التي نعيشها أننا نثق ثقة تامة في إخلاص ووطنية كل من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ووزارة الدكتور عصام شرف، وأن هذه الثقة جعلتنا نتقبل بعض الإجراءات والتصرفات التي كانت تثير شكوكاً مشروعة في مدي سلامتها ونفسرها بطريقة تجعلنا نطمئن إلي أن تصحيح المسار سيتم في الوقت المناسب، وأن ظروف المواءمات والتوازنات ربما تطلبت اللجوء لهذه الإجراءات. وكانت الإجراءات والتصرفات الأكثر إثارة للمخاوف تلك المتعلقة بالمعالجات الأمنية لقضايا بالغة الحساسية وهي القضايا التي تحمل شبهة فتنة طائفية، وأيضاً قضايا التعامل الأمني مع حالات التعدي الصارخ والتحدي الإجرامي لسلطة القانون. تعللنا فترة بنقص قوات الأمن.. وتعللنا فترة أخري بحساسية بعض القضايا والرغبة في استرضاء جميع الأطراف. وكانت النتيجة أن تفاقمت حالات تحدي القوانين وتراخت قبضة الأمن لتترك لكل بلطجي أو مغامر الساحة يتحكم فيها ويفرض سطوة البلطجية علي الشارع المصري في جميع أنحاء البلاد. وبلغ تحدي هذه القوي الإجرامية أقصي درجة بالتعدي البشع علي حرم العدالة المتمثل في ساحات المحاكم وفي منصات القضاء. وعندما بلغ الفزع بالمواطنين ذروته بشرنا مجلس الوزراء بأنه قرر اتخاذ الإجراءات الرادعة لإعادة الأمن إلي الشارع واستعادة سلطة القانون وهيبة الدولة. وكانت كلمات وزير العدل حاسمة، وآزرها بيان من المجلس الأعلي للقوات المسلحة يهدد ويتوعد. وتسرب قدر معقول من الاطمئنان إلي نفوس المواطنين استناداً إلي ثقة كاملة في إخلاص ووطنية المجلس العسكري ومجلس الوزراء. وفي تحد صارخ جاء الرد العملي علي تطمينات الوزارة والمجلس العسكري بأحداث إمبابة الدامية التي بلغت حداً بالغ الخطورة من تحدي هيبة الدولة والاستهانة بسلطة القانون، ومع التسليم بكل ما يقال عن مؤامرات فلول النظام السابق، ومخططات تخدم قوي معادية إقليمية أو قوي عالمية طامعة وكلها تفسيرات مقبولة ومنطقية إلا أن تنفيذ هذه المؤامرات والمخططات تتم بأيد مصرية سواء تحركت هذه الأيدي نتيجة استغلال لمفاهيم واتجاهات دينية متخلفة ومتعصبة مسلمة أو مسيحية، ومع التسليم أيضاً بأن الحل الأمني وحده ليس هو الحل الجذري لمثل هذه الأمور إلا أن الظرف الحرج الذي يمر به الوطن يتطلب البدء بحل أمني حاسم. الحل الحاسم والذي لا يقبل أي عذر للتأخير في تنفيذه يتطلب تحركاً يبدأ فوراً وبغير إبطاء. أولاً: لا يقبل بأي حال التعلل بنقص قوات الشرطة، وقد بدأ ظهور قوات الأمن المركزي وإعدادها - كما نعلم - يكفي لتعويض أي نقص في قوات الأمن التقليدية. ثانياً: لا يقبل بأي حال تردد رجال الشرطة في استخدام قوة الردع المشروعة بحجة الخوف من التعرض لمحاسبة محتملة بسوء استخدام القوة، فالشعب واع تماماً بأهمية استخدام قوات الأمن لقوة الردع المشروعة لبسط سلطة القانون وحماية أمن المواطنين والأمثلة بغير حصر لمساندة المواطنين لرجال الشرطة الشرفاء عندما تتم المواجهة مع البلطجية والخارجين علي القانون. ثالثاً: لا تستثني من التصدي لمن يخالف القانون مخالفات صغيرة مهما تصورنا تفاهتها، بل يجب أن يتم التصدي بكل حزم لكل ألوان المخالفات صغيرها وكبيرها وبمثل هذا التصدي يتعود المواطنون علي احترام القانون في كل سلوكياتهم اليومية. رابعاً: يتوقف تماماً أسلوب معالجة المشكلات الحساسة المتعلقة بما يسمي الفتنة الطائفية بحشد رجال الدين لعقد الصلح والتجاوز عن معاقبة من ارتكب جرماً ويجب أن تتم المحاكمة العادلة والعلنية وبسرعة لكل من يشارك في أحداث من هذا النوع، بل أن تبدأ المحاسبة قبل وقوع الأحداث بمحاكمة سريعة وصارمة لكل من يحرض علي أحداث طائفية، وليكن العقاب في هذه الحالات - حالات التحريض - أقسي من العقاب الذي يتم توقيعه حتي علي المشاركين فأكثرهم يشاركون بدوافع عاطفية متعصبة يغذيها جهل ولكنه »المحرض« هو في الحقيقة الفاعل الأصيل الذي يجب أن ينزل به العقاب الصارم. وفي هذا السياق لابد أن يعاد التحقيق وفوراً في جميع الأحداث التي تم إغلاق ملفاتها بغير تحقيق علي أن تتم المحاكمات العلنية بشفافية ودون أي مراعاة لحساسيات أو توازنات تسمح بإفلات أي طرف من العقاب الذي يستحقه. خامساً: مع حق الجميع في التعبير السلمي علي مطالبهم أو احتجاجاتهم، فلابد من تطبيق القانون الذي يجرم قطع الطرق أو تعطيل الأعمال في أي مؤسسة أو جهة عمل والتطبيق الصارم للعقوبات الواردة بهذا القانون. تطبيق هذه الإجراءات لا تحتمل تأخيراً، والتهاون أو التراخي في التطبيق ستكون نتيجته الطبيعية وقوع الكارثة، ولا يعني هذا ثقة مفقودة في إخلاص ووطنية وحسن نية المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلس الوزراء فهذه الثقة ليست محل شك علي الإطلاق، ولا ينكر منصف الدور الرائع الذي أدته القوات المسلحة في دعم الثورة ورعايتها حتي حققت أول أهدافها، غير أن الثقة في الوطنية وحسن النية شيء والثقة في سلامة الإجراءات والتصرفات شيء آخر، فهذه السلطات - المجلس الأعلي للقوات المسلحة والوزارة - تتصرف وبإخلاص حسب تقديرات وحسابات قد يصادفها التوفيق أو تتعرض للفشل. ولا يعني نقد هذه التصرفات والكشف عن فشلها انتقاصاً من »الثقة« في الوطنية أو حسن نية، لكن هذا النقد عمل مشروع بل وواجب لأن أي فشل سيدفع الوطن ثمنه غالياً وكلنا جميعاً شعباً وقوات مسلحة وحكومة أصحاب حق في شئون هذا الوطن والحقوق في هذه الحالة حقوق متساوية ولا تملك جهة أن تدعي أنها تملك حقوقاً متميزة. ويبقي أن أنبه إلي أن الجهات التي تحيك المؤامرات ضد الثورة والوطن تنفث سموماً بالغة الخطورة هدفها أن تقصم عري التلاحم الوطني الرائع الذي تم خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير بين الشعب وقواته المسلحة. وتحاول هذه الجهات المشبوهة بث الشائعات المسمومة التي تفسر التراخي والارتباك الذي يسمح بالانفلات الأمني وتحدي القانون بأن بعض الجهات المحسوبة علي المجلس العسكري تغض الطرف عن هذه الحالة حتي إذا بلغ الخوف مداه وشعر المواطنون بانهيار الأمن وفقدان الأمان طلبوا تدخلاً عسكرياً مباشراً ودائماً لحمايتهم. مثل هذه الشائعات المسمومة هي حلقة من حلقات النشاط التآمري سواء لفلول النظام السابق أو للقوي الإقليمية والعالمية المتربصة بمصر. وهي شائعات هدفها الوقيعة بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة والشعب. ورغم ثقتي بأن مثل هذه الشائعات المسمومة لن تستطيع أن تقصم عري اللحمة الرائعة بين الشعب وقواته المسلحة إلا أن ترك بعض المظاهر تمنح هذه الشائعات الفرصة لتفسيرها علي هذا النحو. الأمر بلغ درجة الخطر القصوي والحل الوحيد الذي ينقذ الثورة والوطن هو التطبيق الحاسم والفوري لسيادة القانون في جميع المجالات وفي كل الحالات.