إذا كان لكل حادث حديث، فالمفروض أن يأتى الحديث في توقيت مناسب، حتى لا يكون صادماً، ومثيراً للمخاوف، والارتباك والبلبلة، ويعتبر بيان النيابة العامة عن الضبطية القضائية كلاماً غير مناسب وجاء فى توقيت غير مناسب أيضاً. من حيث المبدأ فإن الضبطية القضائية من سلطة وزير العدل يمنحها لبعض الموظفين العموميين فى مجالات معينة لتحقيق أهداف معينة، ولا شأن للنيابة بها، وسلطة الضبط الجنائى تتركز فى الشرطة، وتم منحها بقانون لرجال القوات المسلحة لمواجهة الظروف الحالية. النيابة أرادت تذكير المواطنين بمسئولياتهم فى المادة «37» من قانون الإجراءات الجنائية وهى تسليم الجانى المتلبس بالجريمة إلى أقرب مأمور ضبط قضائى. فى رأى النيابة أن المواطنين لا يعرفون دورهم، واقترحت تثقيفهم للقيام بهذا الدور، وتجاهلت الوضع المحتقن وحالة العنف المحتدمة فى البلد، وخلطت فى بيانها بين دور المواطن فى ضبط «حرامى» وبين حديثها عن حرق المنشآت وقطع الطرق وتعطيل المواصلات، رغم أنها كانت تتحدث فى نفس الوقت عن الضبطية القضائية لرجال الشرطة، والقوات المسلحة التى لا تحتاج إلى إذن النيابة فى ضبط المتهمين فى حالة التلبس، النيابة حقيقة لم تطلب منه الضبطية القضائية للمواطنين، ولا تملك ذلك، لكن كلامها عن دور المواطنين فى تسليم المجرمين وحديثها عن حرق المنشآت فهمته الناس على أنه إضفاء للشرعية على الميليشيات المسلحة التى تعدها التيارات الدينية لإطلاق شرطة موازية للشرطة الرسمية. وتشكيل لجان شعبية لتأديب المواطنين وإلقائهم من فوق الكبارى لتثبيت حكم مرسى بالقوة، الناس تتساءل إذا كان «3000» شخص شاركوا فى إحراق نادى الشرطة كما قال وزير الداخلية فإن مواجهتهم كما قالت النيابة تحتاج إلى «3000» مواطن، بيان النيابة أثار البلبلة واتهمت وسائل الإعلام بأنها وراء ذلك، البيان أزعج رجل الشارع، والقوى السياسية واعتبروه إشارة لبدء حرب أهلية وتسليم البلاد لميليشيات الإخوان، السياحة اضطربت، وخاف السائحون من قيام المواطنين بالاعتداء عليهم، وقوى إسلامية رحبت بالتدخل لفرض الأمن، واستعدت بميليشياتها لطحن المواطنين، الناس بعد صدور البيان تسير فى الشارع تنظر خلفها، البعض يضع نفسه مع القابضين على الناس والبعض يتوقع القبض عليه من الآخرين. والذى أثار غضب الناس أكثر أن بيان النيابة جاء فى ظل عدم تمتع النائب العام بثقة الشعب الكاملة لأنه جاء بقرار من الرئيس بالمخالفة للقانون رغم تقدير الناس لشخص النائب العام كقاض محترم، الناس تعتقد أن النائب العام يريد من وراء بيانه «تقنين» وضع الميليشيات وإطلاق يد المواطنين للاعتداء على بعضهم لمنع المظاهرات والاعتصامات بالقوة، أو بالأصح الترخيص للتيار الدينى بالتدخل فى عمل الشرطة. البعض أخذ الموضوع ببعض السخرية وقالوا نقبض على النائب العام لأن وضعه غير قانونى، كما قالوا من الواجب تسليم الإخوان ومكتب الإرشاد لمأمورى الضبط ونخلص منهم. إذن البيان كان فى حاجة إلي معالجة لوقف البلبلة، وحسناً فعل المستشار حسن ياسين رئيس المكتب الفنى للنائب العام عندما أوضح أن النيابة لم تقصد منح الضبطية القضائية للمواطنين، وأن بيانها للتذكير بالمادة «37» وهى تتكلم عن كل من شاهد الجانى متلبساً فى جناية أو جنحة يجوز فيها الحبس الاحتياطى له أن يسلمه لأقرب مأمور ضبط قضائى ويتم ذلك فى حالة التلبس أو المشاهدة أو بعد الجريمة أو فى حالة حمل أداة الجريمة أو تتبع الجانى بالصياح، والقانون يحمى المواطن فى هذه الحالة، وقال المستشار ياسين نرفض وجود ميليشيات مسلحة، وتكوين الميليشيات جريمة يقع مرتكبها تحت طائلة القانون، ولا يجوز تشكيل لجان شعبية للقيام بدور الشرطة، وقال إن النيابة تحث مأمورى الضبط للقيام بمهامهم وهم جهات غير المواطنين. نأمل التزام الجميع بالقانون، وعدم إثارة الفوضى لأنها مش ناقصة!