تتسع يوميًا الانشقاقات التي ضربت جماعة الإخوان منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 30 يونيو 2013، حتى مزقت المصالح الشخصية ثوب الجماعة، وباتت جبهاتها المتعددة تتطاحن بشكل قوي وتبحث عن مخرج لها من الأزمة الحالية. "التأسيس الثالث للجماعة" "التأسيس الثالث للجماعة".. آخر الأطواق التي تمسكت بها الجماعة، حيث دعت الكوادر الشبابية فيها إلى إعادة تأسيس الجماعة تحت هذا الاسم، بعد تأسيسها الأول على يد حسن البنا، والتأسيس الثاني في النصف الثاني من السبعينيات على يد مرشدها الأسبق عمر التلمساني. الدعوات خرجت من قبل القيادات الشبابية، بعد نجاح الجبهة التاريخية للجماعة بقيادة "محمود عزت"، القائم بأعمال المرشد العام، في القضاء على الجبهة الشبابية للجماعة بقيادة القيادي الراحل محمد كمال، مما يدل على أن قيادات الإخوان تتطاحن بشكل قوي فيما بينها. "معنى التأسيس الثالث" ويعني "التأسيس الثالث" هو إعادة تشكيل تنظيم جديد للإخوان ليحل مكان كيان آخر انتهى، وهدفه قطع الطريق أمام القيادات الحالية للإخوان التي أعادت فرض سيطرتها على مفاصل الجماعة والإطاحة بالقيادات التاريخية للجماعة. ووفقًا لما أعلنه الإخوان مؤخرًا لتجديد دعوتها القديمة، فإن التأسيس الثالث للإخوان بدأ العمل فيه منذ شهرين، وسيستمر لمدة شهرين قادمين، وسيشمل مؤيدي الجبهة الشبابية المنتشرين في 17 مكتبًا من أصل 27 هي عدد مكاتب الجماعة بالمحافظات المختلفة، في حين تسيطر جبهة القيادات التاريخية على العشرة الآخرين. "قصة التأسيس الثالث" تعود فكرة التأسيس الثالث، إلى وقت رحيل دولة محمد مرسي، حين عاشت قيادات الجماعة وضع متأزم بين قتيل أو مطارد أو محبوس، وخلال تلك الفترة برزت أزمة القيادة، فتولى "محمد كمال" قيادة الجماعة بعد اعتقال أغلب قيادتها، وأصبح رئيسًا للجنة تم انتخابها من الإخوان لإدارة شئون الجماعة، وشملت عددًا من القيادات الشابة عرفت باسم "اللجنة الإدارية العليا". وانقلبت الأمور في آواخر عام 2015، حين ظهر نائب مرشد الإخوان محمود عزت، بعد اختفائه لأكثر من عام ونصف، ليعلن أنه الرجل صاحب الشرعية في الجماعة، والقائم بأعمال محمد بديع لحين خروجه من السجن، ورفض التعاون مع اللجنة الإدارية بقيادة "كمال". منذ ذلك التاريخ انقسمت جماعة الإخوان إلى فريقين، فريق يشمل القيادات التاريخية للجماعة بقيادة محمود عزت، وفريق آخر شبابي بقيادة "محمد كمال"، وبعد شهور من الخلافات أعلنت جبهة الشباب إعادة تأسيس الجماعة، إلا أن الفكرة لم يتم العمل عليها، حتى عادت الأصوات تنادي بها من جديد في الوقت الحالي. وبدأت الجبهة التواصل مع عدد كبير من القيادات والرموز البارزة الذين دعموا ذلك التأسيس الجديد، وساهموا في وضع قواعده، وأعلنوا الخطة العامة خلال الفترة القادمة وهي مواجهة النظام، وتحول المعارضة إلى حركة تحرر، والبُعد التام عن فكرة السلمية. وفي الجانب الديني وضع أكثر من 100 من علماء الجماعة وأعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رؤية جديدة تتعامل مع الاختلافات الحالية، وكان أبرز من وضعها عصام تليمة مدير مكتب القرضاوي السابق، ووصفي أبوزيد، أكاديمي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وجمال عبد الستار، الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة. وكانت أبرز الأهداف المشبوهة للتأسيس الثالث للجماعة، هو وجوب مواجهة نظام الحكم في مصر بالقوة، ووضع خطة للتعامل البراجماتي مع حكومات الغرب والتواصل معها عن طريق مواطنين في تلك الدول ينتمون للجماعة، وكذلك التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في تلك الدول. "محاولة للخروج" وفي هذا الصدد، يرى هشام النجار، الباحث في الشؤون الإسلامية، أن فكرة التأسيس الثالث لها أكثر من هدف، وهي محاولة لإثبات الوجود والظهور المتكرر في وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن الجماعة أضحت منقسمة بين تيارين إحدهما يرفض السلمية ويتجه للعنف تحت عنوان الثورية وهي جبهة محمد كمال، وآخر يسعى للعودة للتهدئة والمصالحات وهو فريق محمود عزت. وأوضح في تصريحات خاصة ل"الوفد" أن الجماعة تريد تأصيل فكرة إعداد الجماعة للنهج الثوري المسلح ومباشرة العنف والصدام مع الدولة، في محاولة لإنقاذ الجماعة من الانهيار والانقسامات التي تدب فيها، لافتًا إلى أن التأسيس الأول والثاني لم يقدموا شيء جديد في سياسة الجماعة، كما أن تشكيل تأسيس ثالث لا بد من تماسك الجماعة وليس تفككها كما هو الوضع الآن. وأشار إلى أنه في حال نجاح جبهة محمد كمال في الاتجاه إلى التأسيس الثالث المبني على العنف، فإنه سيكون تحول خطير للجماعة وطوق غرق أخير لها، لأنها ستصبح تنظيم مسلح بالمعنى الكامل وليس تنظيم يتنقم ويثأر، وسيكون جاذب لجميع المتشددين والمتطرفية والراغبين فى العمل الإرهابي. "ضعف وفشل" بينا يقول سامح عيد، الباحث في الشؤون الإسلامية، إن الدعوة للتأسيس الثالث دليل على أن الجماعة تمر بمرحلة صعبة من الانقسام والضعف والتلاشي، بعدما فشلت في عمل مصالحة بين جبهتي الجماعة، وأطرافها التي تتناحر علانية كل فترة. ويشير في تصرحيات خاصة ل"الوفد"، إلى أن جماعة الإخوان لم يعد لديها قدرة على تأسيس منهج ثالث، فليس هناك قيادات تستطيع لم شمل الجماعة حولها مثل البنا والتلمساني، وأي اتجاه لمزيد من العنف يصب ضد الجماعة وليس صالحها.