ان كان الدكتور الجنزوري قد جاء ليعيد الحياة الي مشروع توشكي فلا نريده.. بل غيابه أفضل من حضوره. وان كان يري ان توشكي هي الانقاذ.. فلا جاء ولا أنقذ.. لان هذا يعني انه جاء - بعد كل هذه السنوات - ليحرث في مياه البحر.. فياليته ما جاء. لانه هنا لا يعرف الأولويات.. تماماً كما ضل الطريق عندما بدأ تنفيذ توشكي.. فقد كانت أمامه أولويات أكبر وأهم من توشكي تركها.. وذهب - وأخذ معه رئيسه أو زين لرئيسه - الي أقصي جنوب غرب مصر.. الي توشكي. والمشكلة تكمن هنا لانه ما يجب أن يعود لنفس الكهف الذي ضاع فيه وضيع المليارات.. هناك في توشكي.. واليكم حكاية ولا حكاية أهل الكهف. كانت مصر تنفذ مشروعاً قومياً عظيماً هو تنمية سيناء لتصبح قاعدة الانطلاق تحقق لمصر الامن القومي.. فقد كنا ومازلنا نعتقد ان زرع سيناء بالبشر وتنميتها وبناء العديد من القري والمدن هو حائط الصد الاول لحماية حدودنا الشرقية مع العدو الاول لمصر: اسرائيل. وبدأت مصر تنفيذ هذا المشروع العظيم.. وأنفقت المليارات.. فحفرت ترعة السلام لتنقل مياه النيل من فرع دمياط وتعبر بها تحت القناة في سحارة ضخمة لتوصل هذه المياه - كما خطط لها - الي سيناء وحتي قرب العريش، أو بالضبط عند منطقة السر والقوارير لنزرع مئات الألوف من الافدنة تكون عماداً لعشرات القري التي كنا نحلم أن ندفع اليها ما بين 3 و4 ملايين مصري، ولكن بعد أن حفرنا المسافة الاكبر من الترعة وحفرنا الكثير من الترع الفرعية.. توقف مشروع الترعة.. وكأنه ما قام وما حفرناها.. وكنا نحلم بأن نزرع بها هذه الاراضي التي يمكن أن تعطينا المن والسلوي.. العسل والزيتون.. وتوقف مشروع الترعة. وبدأنا اعادة خط السكك الحديدية من القنطرة الي العريش بطول 170كم.. وحتي يتحقق ذلك أنشأنا أو أعدنا انشاء كوبري الفردان للسكك الحديدية، وهو يفتح ويغلق لمرور القطارات ليتم ربط سيناء بالدلتا عبر هذا الخط الحيوي الذي كان قائماً في نفس المسار منذ الحرب العالمية الاولي.. وتم مد عدة كيلو مترات من هذا الخط.. وكذلك تم انشاء العديد من المحطات واحتفلت مصر وركب حسني مبارك القطار الاول.. وما درينا انه كان الاول والاخير.. إذ بعد أن سار القطار عدة أمتار توقف!! وعاد مبارك للقاهرة.. ولم يتحرك القطار بعدها.. وأصاب الشلل الخطط فلم يركبه أحد.. لان الاحتفال كان مظهرياً وإعلامياً. وللاسف تحولت المحطات الي بيوت للغربان والخفافيش.. أما خط السكك الحديدية فقد سرق الناس قضبانه الحديدية.. قلعوها.. وباعوها أو سلموها لمصانع حديد أحمد عز.. وضاع كل ما أنفقناه علي انشاء الخط والمحطات.. وكذلك كوبري الفردان الذي لم يتحرك من يومها!!. وبرنامج تصنيع سيناء واستخراج معادنها وفي المقدمة مناجم الفحم في منطقة المغارة التي اكتشفها المهندس السيناوي الشاب وأنفقنا عليها الملايين ولكنهم تآمروا عليه وعليها وتركوها لتغرقها المياه الجوفية من جديد وضاع القرض البريطاني الذي نجح الكيميائي عبدالهادي قنديل وزير البترول أيامها في الحصول عليه.. وأغلقوه لصالح مستوردي الفحم الاجنبي بحجة ان المصري به بعض الشوائب.. ولما قلنا لهم ان تركيا وهولندا تستوردانه.. لم ينطق أحد منهم!! ولولا فدائية وشجاعة شاب مصري اسمه حسن راتب لما قامت مصانع الاسمنت هناك جنوبالعريش. وكان المشروع القومي لتنمية سيناء يقوم علي تمليك أبناء سيناء الحصة الاولي من الاراضي ليعملوا فيها هم وأولادهم والباقي يتم توزيعه علي أبناء الوادي.. تعثرت عملية التمليك.. وتوقفت وهذا من أسباب حركات السيناوية للمطالبة بحقوقهم في امتلاك الاراضي للسكن أو للزراعة سعياً وراء فرص العمل الشريفة. أشياء كثيرة توقفت منذ قرر الدكتور الجنزوري تنفيذ مشروع توشكي فأخذ ما كان يجب أن ينفق علي المشروع القومي لتنمية سيناء وأنفقه علي مشروع توشكي.. فتوقف مشروع سيناء.. وضاعت فرصة اسكان حوالي 4 ملايين مصري هناك.. فلا نحن استكملنا مشروعات سيناء.. ولا نحن أكملنا مشروع توشكي.. وضاعت أموال مصر هنا وهناك.. وكل ذلك لان الدكتور الجنزوري «زيَّن» لمبارك مزايا توشكي بعد أن أوهمه ان هذا هو ما سيسجل اسمه في التاريخ.. لان مشروع سيناء بدأ من أيام الرئيس السادات. والآن يجيء الدكتور الجنزوري ليتحدث من جديد عن إحياء توشكي ويتمسح أيضاً في سيناء.. بينما المطلوب منه الآن أن ينقذ مصر مما هي فيه الآن.. لان حكومته هي حكومة انقاذ وليست حكومة مشروعات طويلة المدي.. وعمرها لن يزيد علي 6 أشهر. هنا نقول: أترك سيناء التي قتلتها بتركيز كل جهودك القديمة علي توشكي.. ولا تقترب من توشكي حتي لا تغرق كل حكومتك في رمال الصحراء الغربية.. عند توشكي. وكل المطلوب منك ومن حكومتك أن تعبر بمصر الي بر الامن والامان وأن تنجح في استعادة المواطن لثقته في الشرطة حتي لا ينام واحدي عينيه مفتوحتان. واترك سيناء التي قتلتها.. وتوشكي التي ذبحتها لكي تمضي في حال سبيلها.