لا يختلف اثنان على أن ثورة 30 يونيه، نجحت فى إنقاذ مصر من مصير مرعب وسيناريو مفزع، وأنها صححت مسار الثورة الأم التى سقط ضحيتها آلاف الشهداء من الشباب.. ولا يختلف اثنان، أيضاً، على أن نفس الثورة لم تحقق الكثير من أحلام وطموحات الشعب المصرى الذى انتفض مرتين خلال 3 سنوات صعاب.. وإن كانت شجرة يونيه أثمرت استقراراً بعد فوضى، وأمناً بعد خوف، فإنَّ هناك أوراقاً كثيرة سقطت منها، ولم تستطع الثورة الحفاظ عليها أو رعايتها، خاصة أوراق الصحة والعدالة الاجتماعية والفساد والتعليم والبطالة. فحتى الآن ورغم كل جهود وتوجيهات الرئيس «السيسى»، ما زالت الحكومة تعمل لصالح الأغنياء ورجال الأعمال، وفيما تطالب الفقراء بشد الأحزمة، تسقط فى البذخ والإسراف، وتنفق من ميزانية الدولة الملايين والمليارات على المستشارين وأعضاء مجلس النواب فى شكل مكافآت ومزايا وغيرها من البنود التى ما أنزل الله بها من سلطان. فمصر الفقيرة بها 20 ألف مستشار يتقاضون 18 مليار جنيه، وبها أكثر من 100 حالة فساد وقعت فى شهر مايو الماضى فقط.. فإلى متى تستمر هذه الإخفاقات؟.. ولماذا قامت الثورة إذاً ما دامت كل هذه الملفات مفتوحة دون حسم؟ التعليم.. للخلف دُرّ أصبح خطراً على الأمن القومى.. وتسريبات الثانوية أقوى دليل التعليم وسيلة لتقدم الأمم فى كل بلدان العالم.. ولكنه فى مصر أصبح وسيلة لتخريج أجيال كاملة من الجهلاء، ولم تستطع ثورة 30 يونية إعادة صياغة هذا الملف الذى أصبح خطراً كبيراً على الأمن القومى بعد أن تحولت وزارة التربية والتعليم إلى وزارة للفاسدين والمنحرفين، رغم أن الحق فى التعليم كفله الدستور إلا أن الواقع يؤكد أنه لا يطبق بالشكل المنشود.. وكيف والفصول مكدسة بما لا يقل عن 140 تلميذا فى الفصل الواحد وآلاف الأطفال فى انتظار الالتحاق برياض الأطفال «حكومية أو لغات» لعدم توافر أبنية تعليمية رغم إلزام دستور 2014 للدولة بنسبة إنفاق على التعليم لا تقل عن 4٪ من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجياً وفقاً للمعايير الدولية وذلك لما يقرب حاليا من 20 مليون تلميذ على مستوى مصر وفقا لأرقام وزارة التربية والتعليم للعام الدراسى 2014/2015 منهم 10 ملايين و500 تلميذ بالمدارس الحكومية فقط والتى أكدت أن نسبة 41٪ فقط من المدارس عدد الطلاب بها أكثر من 45 تلميذاً بالفصل الواحد.. وأن عدد الملتحقين بالمدارس الخاصة مليون و737 ألفا و784 طالباً موزعين على 55 ألفا و722 فصلاً بإجمالى 600 مدرسة و602 مدرسة، وأنه على صعيد القطاع الحكومى أشارت الأرقام إلى أن عدد التلاميذ فى مرحلة ما قبل التعليم الابتدائى بلغ 839 ألفاً و668 تلميذاً موزعين على 23 ألف مدرسة بإجمالى 82 ألف فصل بنسبة كثافة 34٫1٪ وفى المرحلة الابتدائية ارتفع عدد الطلاب ل9 ملايين و906 آلاف و249 تلميذاً موزعين على 231 ألفا و196 فصلا بإجمالى 17 ألفا و619 مدرسة بنسبة كثافة 42٫85٪ وحيث بلغ عدد التلاميذ فى المرحلة الإعدادية 4 ملايين و52 ألفا و923 طالبا موزعين على 97 ألفا و968 فصلاً من أصل 9 آلاف و408 مدارس بنسبة كثافة 40٫27٪. وكنتيجة طبيعية لكثافة الفصول الرهيبة وجدنا أجيالا كاملة تفتقد لأبسط حقوق التعليم وهى القراءة والكتابة بعدما وصلت نسبة طلاب المرحلة الابتدائية ومن لا يجيدون القراءة والكتابة إلى 30٪ من إجمالى طلاب المرحلة وال70٪ يجيدونها ولكن دون المستوى.. وبذلك تحول التعليم فى مصر إلى «محو أمية» وبهدلة للطلاب والتلاميذ والأسر المصرية الذين يكتوون طوال العام بأسعار ومستلزمات المدارس بدءا من الزى المدرسى وما يشهده من بزنسة ما بين أصحاب المدارس والمحلات ونهاية بالمصروفات. ويؤكد الدكتور كمال مغيث الباحث بمركز البحوث التربوية أن التعليم بعد 30 يونية للأسف أصبح أسوأ من أحوال الاقتصاد والسياحة وكل المجالات المتدهورة.. وهو ما أوصل مصر للمركز قبل الأخير فى تقدير التنافسية الدولية المعتمد فى تقديراته على مدى جودة وكفاءة نظام التعليم.. وهناك ما نراه من فوضى وغش وفساد فى أهم مفصل من مفاصل التعليم وهو الثانوية العامة وما حدث من تسريب متكرر لامتحاناتها .. فالتعليم ملف أهمل ولا يزال رغم إعلان الرئيس السيسى بعد أسابيع من توليه لمهام منصبه تشكيل لجنة رئاسية لتطوير التعليم ومر سنتان على توليه المنصب ولم نسمع عن أى تحركات جذرية لتلك اللجنة «المزعومة».. كما أن هناك تكرارا لسياسات تعليمية قائمة على مدار ال50 سنة الماضية هى وراء تراجع التعليم فى مصر وتخريج المدارس والجامعات للملايين من الجهلاء والمتخلفين.. فالمناهج الدراسية عقيمة ومتخلفة وتدمر جهاز النقد وتعتمد على الحفظ والتلقين ولا تحقق معرفة فعلية، ولذلك هى فى حاجة لتطوير شامل يبعد عن اعتبار النجاح هدف الطلاب الأوحد. وفيما يخص باقى المظاهر القريبة على مدارسنا من انتشار عام لكافة أشكال الفوضى والبلطجة فى المدارس.. فترجعه الدكتورة زينات طبالة الأستاذ بمعهد التخطيط القومى والخبيرة التربوية إلى مشكلة مجتمع وليست مشكلة أنظمة تحكم وإنما فى المنظومة التعليمية ككل بدءاً من المعلم وتنمية الوعى لدى المواطنين بل والمؤسسة التعليمية المجهزة وغير المؤمنة بل التعليم حياتنا ومستقبلنا وبأن المشكلة ليست فى وزير ذهب وآخر حل محله.. وإنما على الجميع التخلى من سياسة القص واللصق فى التعليم وكذلك الإيمان بأهمية التربية وكاستثمار جيد لأبنائنا وللتعليم كأولوية وأن طلابنا وتلاميذنا مستقبل هذا البلد وهو ما لا يتحقق سوى بتوفير العناصر الجيدة القادرة على التعليم والتى تمتلك قدراً من التأهيل التربوى إلى جانب دور الإعلام مع أولياء الأمور وأولادهم وتقليل الفجوة التعليمية مع مخرجات سوق العمل.. والتخلى عن أن العملية التعليمية التى لا تزال تعمل فى جزر منعزلة.. تظل كما هى والنتيجة لا تعليم ولا تربية. حق .. وليس سلعة! ولذلك وكما ترى خبيرة التخطيط والتربية زينات طبالة الحل لمشاكل التعليم تكمن فى 5 محاور أساسية تبدأ بدعم حق الإنسان فى التعليم التزاما بنصوص الدستور مع تغير سياسة التعليم ليصبح المواطن والمواطنة على حد سواء محور التعليم.. كذلك العمل على تغيير البنية التشريعية المتمثلة فى قانون التعليم رقم 29 لسنة 81 والذى يجعل التعليم كله فى يد وزير التعليم دون غيره وهو ما لا يستقيم مع أى تطور.. ومطلوب أيضاً تطوير المعلم بتدريبه ورفع كفاءته العلمية والتربوية بعد زيادة راتبه وتحسين ظروفه الاجتماعية وفى النهاية ضرورة التأكيد أن التعليم حق وليس سلعة!! الشخصية الوطنية قضبة تسييس التعليم فى منتهى الخطورة تبرز بشدة فى دول العالم الثالث ومنها مصر منذ ثورة يوليو 1952 مروراً بعهد السادات ومبارك والإخوان.. ولذلك وبحسب الدكتور شبل بدران عميد كلية التربية السابق بجامعة الإسكندرية فإن أى نظام للتعليم الصحيح يجب أن يعنى ببناء الشخصية الوطنية القادرة على التفكير والنقد أيا كان النظام الحاكم وتوجهه.. ولذلك لا يؤيد عميد التربية اتجاه المسئولين والوزراء لحذف المناهج وتسمية ما يتم حذفه بالحشو الزائد لأن ذلك يعطى انطباعاً سلبياً عن منظومة التعليم يقول إن من تلقوا تلك الجرعة من المناهج قبل الحذف كانوا يتلقون تعليماً خاطئاً ولذلك تطوير المناهج لا يكون بالحذف وإنما يجب أن تؤسس المناهج الدراسية على شعارات ثورتى 25 يناير و30 يونية من حرية وكرامة وعدالة إنسانية والبعد عن التلقين والحفظ إلى جانب الاهتمام بتأهيل وتدريب المعلم الذى يجب أن يكون مؤمناً بدوره بالأهداف والقيم التى يسعى المنهج لغرسها داخل الطلاب.. ولذلك وكما يقول دكتور بدران يؤخذ على الحكومة فى تطوير التعليم اعتمادها وتركيزها على القشور ولا تهتم بجذور القضية والتى يجب أن تحول المنظومة من التعليم إلى التعلم وفتح الأفق أمام التعليم الذاتى على وجه الخصوص وكذلك تطبيق مهارات البحث العلمى. أرقام.. ومعلومات مصر فى المركز قبل الأخير فى تقرير التنافسية الدولية الذى يعتمد مؤشره على مدى جودة وكفاءة نظام التعليم. القانون رقم 29 لسنة 81 يجعل مصير التعليم فى يد وزير التعليم دون غيره! منذ ثورة يوليو 1952 والتعليم فى مصر يتم تسييسه! مقاهى الطلبة.. آخر صيحة تعليم 2015 فى مصر.. للشيشة والسجائر وأشياء أخرى وكانت وراء ظاهرة هروب التلاميذ فى المدارس. 20 مليون تلميذ فى مصر منهم 10 ملايين و500 بالمدارس الحكومية فقط. 50 مليار جنيه للقضاء على كثافة الفصول بحسب تصريحات لوزير التربية والتعليم الدكتور الهلالى الشربينى. 140 تلميذًا فى الفصل الواحد و9 آلاف لا يجدون أماكن فى المدارس الحكومية. 90٪ من المتهمين فى قضايا مخدرات هم من طلاب المدارس بحسب تصريح لرئيس محكمة الأحداث نشر فى 20/3/2010. أكثر من 1000 حالة اعتداء سنويا من قبل الطلاب على معلميهم بحسب محاضر الشرطة لعام 2010. الصحة.. لا علاج ولا دواء.. تحتاج معجزة سرير واحد لكل 16 ألف نسمة .. و«عزرائيل» ضيف دائم فى المستشفيات الصحة أيضاً من الأوراق التى سقطت من حسابات «الراعين» لثورة 30 يونيه، ولاتزال مأساة القطاع الصحى والمرضى فى مصر عرضاً مستمراً، وتحتاج إلى معجزة لعلاجها. لقد تحولت المستشفيات العامة والخاصة وحتى عيادات التأمين الصحى إلى سلخانات لتعذيب وابتزاز المرضى بل وقبض أرواحهم فى حالات كثيرة، ورغم إقرار الدستور المصرى الجديد للصحة نسبة 30٪ من الإنتاج المحلى الإجمالى، فإنَّ «الصحة فى مصر تواصل تدهورها وبشكل مستقيم.. ولم يعد المواطن المصرى يجد العلاج، وأصبح الدواء داءً بعد نجاح مافيا الدواء فى رفع أسعاره وبمباركة رسمية وحكومية.. فمسئولونا بدلاً من البحث عن العمل على إصلاح المنظومة الصحية وجدناهم يرتشون ويفسدون على حساب صحة المصريين لصالح أباطرة المال والأعمال من المتاجرين بآلام البشر، وآخرها كانت قضية الرشوة الكبرى بوزارة الصحة المتهم فيها مستشار وزير الصحة لتقاضيه 4٫5 مليون جنيه من إحدى الشركات الخاصة لتوريد أجهزة ومستلزمات طبية لمعهد ناصر.. حول تلك الورقة «التى سقطت» كانت السطور القادمة!! دستور الثورة.. من أهم إنجازات ثورة 30 يونيه كان تنفيذ استحقاق الدستور الجديد لعام 2014، والذى ينص فى مادته رقم 18 على «أن لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، وتلتزم الدولة بمقتضى ذات المادة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3٪ من الناتج المحلى القومى الإجمالى تتصاعد تدريجياً؛ حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض». المستهدف والمصلحة العليا.. لم تتحقق للآن على أرض الواقع.. فلايزال المواطن المصرى لا ينعم بنظام صحى آمن يضمن له الحد الأدنى من الرعاية اللائقة والتجهيزات الطبية والإمكانات المتاحة غير كافية، وحتى القوة البشرية لا تزال غير قادرة.. وعدد المستشفيات والأسرة سواء العادية أو العناية المركزة أو الحضانات غير كافٍ، وغير مطابق للنسب العالمية وتوزيعها بين المحافظات غير عادل.. ومن ثم الرؤية والاستراتيجية والسياسة العامة المتبعة أو المرسومة للانتقال إلى مرحلة التأمين الصحى الشامل الجديد غير واضحة والجدال حولها لايزال قائماً ما بين المؤيدين والمعارضين، ومن ثم لاتزال ميزانية الصحة غير كافية لتحقيق أى طموحات لقطاع الصحة ولصحة المواطنين من الفقراء ومحدودى الدخل على وجه الخصوص. ولأن إهمال ملف الصحة والذى وصل من وجهة نظر بعض الخبراء والمختصين إلى حد التعمد مع سبق الإصرار له جذور ممتدة عبر تاريخ طويل من الآهات والألم مع أنظمة توالت على حكم مصر.. فالكارثة والمأساة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيه على وجه الخصوص.. تمثل أم الكوارث كان لابد من تعرية مأساة القطاع الصحى والمرضى فى مصر بالأرقام التى تؤكد أن مصر من أقل الدول إنفاقاً على الصحة، حيث يتقصر نصيبها وفقاً لموازنة 2011 على 4٫9٪ بينما المعدل الدولى الذى تم إقراره فى قمة الألفية بالأممالمتحدة هو 15٪. وتشير الأرقام إلى أن عدد المستشفيات الحكومية لا يزيد على 612 مستشفى نصيب المستشفيات العامة التى تمثل المستوى الثانى فى العلاج حوالى 62 مستشفى، وحوالى 205 مستشفيات مركزية تمثل المستوى الثالث إلى جانب 19 مستشفى صحة نفسية و62 مركزاً طبياً متخصصاً و19 مستشفى تعليمياً، بالإضافة إلى 138 مستشفى نوعياً، وبه 49 جامعياً وبنسب تشغيل لتلك المستشفيات تصل ل49 ألفاً و475 سريراً كإجمالى عدد الأسرة الحكومية يخص المستشفيات العامة منها 12 ألفاً و500 سرير، والمستشفيات المركزية 25 ألف سرير والتأمين الصحى 6 آلاف سرير والمؤسسة العلاجية 2500 سرير، وعدد أسرة الرعاية المركزة حوالى 6569 سريراً يخص المستشفيات العامة منها 782 سريراً و999 للمستشفيات المركزية و236 للنوعية و350 للتعليمية إلى جانب 511 مركزاً طبياً متخصصاً، و3200 جامعى و593 للتأمين الصحى و98 للمؤسسة العلاجية، وبما يعنى أن متوسط عدد أسرة الرعاية المركزة هو سرير واحد لكل 16 ألف نسمة، بينما المعايير الدولية سرير لكل 7000 نسمة، وتتفاقم المشكلة وتتجسد المأساة بمحافظات الصعيد التى لا تمتلك إلا سريراً واحداً للرعاية المركزية لكل 22 ألف نسمة.. وبذلك يصبح بمصر وبشكل عام هناك 22 سريراً لكل 1000 نسمة، بينما المعايير الدولية تحتم 39 سريراً لكل 1000 نسمة. عبء مزدوج كما تواجه مصر عبئاً مزدوجاً للمرض، بحسب كلام الدكتور نبيل عبدالصمد الديريكى، رئيس معهد أبحاث الصدر والحساسية بإمبابة الأسبق وعبئاً قائماً، ولايزال، للأمراض المعدية رغم تراجع معدلاتها وعبئاً هو الأكبر للأمراض غير المعدية التى تتزايد معدلاتها حيث تشكل وفيات الأمراض غير المعدية نسبة 82٪ من إجمالى الوفيات التى تمثل الأمراض القلبية السبب الأول فيها، يليها السرطان وأمراض الجهاز التنفسى والسكر وهى مجموعات أربع من الأمراض المسئولة عن نسبة 65٪ من جميع الأمراض غير المعدية عموماً.. ولذلك فصعوبة الوصول لحلول جذرية لمشاكل القطاع الصحى فى مصر أن النظام الصحى معقد، حيث تتعدد فيه جهات تقديم الخدمات الصحية إلى جانب تعددية مصادر التمويل والإدارة والخدمة. العدالة الاجتماعية.. على الورق فقط يمكن للثورات أن ترفع شعار تحقيق العدالة الاجتماعية، لكن يصعب عليها تطبيقه على أرض الواقع ربما لأن تنفيذه يقع على عاتق الحكومات وليس الأفراد، ويؤكد الواقع بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيه.. تراجع معدلات الدعم التى يكفلها الدستور.. فى حقوق التعليم والعلاج والسكن والمعرفة وحتى فى الحرية.. إلا أنها للأسف عدالة اجتماعية للاستهلاك المحلى والدولى والثورى. والشواهد والمؤشرات على تراجع العدالة الاجتماعية كثيرة ومتنوعة.. نبدأها بعدم قدرة المواطنين على توفير احتياجاتهم المعيشية واليومية من الطعام وجميع السلع والخدمات ولمَ لا والأسعار نار واشتعلت ولن تستطيع الحكومة إطفاءها أو حتى محاصرتها رغم محاولاتها السيطرة على أسعار السلع الغذائية على وجه الخصوص من خلال منافذها وشركاتها القابضة إلى جانب دور القوات المسلحة فى تلك المحاولات.. حيث ارتفعت أسعار الغذاء فى مصر رغم تراجعها فى العالم وبنسب زيادة 30٪ بحسب أحدث تقارير الغرف التجارية خلال شهر مايو الماضى وللآن. جباية.. مقنعة! ارتفاع فى أسعار جميع السلع والخدمات طال المياه والغاز والكهرباء وبنسب غير مسبوقة ومرة واحدة وبدون تدرج، بينما كان التدرج لأصحاب المصانع والمنتجين ودون ترجمة لدعمهم لصالحنا على أرض الواقع.. مما جعل المواطنين يشعرون بأن حتى مبالغ الدعم المخصصة لهم تكون من جيوبهم وعلى حسابهم وحتى دعم الأغنياء لا يزال على حساب الفقراء ومحدودى الدخل.. وذلك رغم ما شهده مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2016/2017 من تحول كبير فى مسار مخصصات الدعم.. حيث تخلت وزارة المالية عن الزيادة السابقة فى اعتمادات الدعم بموازنة 2015/2016 وخفضت «المالية» فاتورة الدعم بقيمة 30 مليار جنيه لتصبح 201 مليار فقط.. ومن ثم هبط حجم دعم البترول إلى نحو 35 مليار جنيه فقط فى تقديرات مشروع موازنة عام 2016/2017 مقابل 61.7 مليار فى تقديرات الموازنة الحالية وذلك قبل انخفاضها أكثر لتصل إلى نحو 55 ملياراً فقط لتراجع الأسعار العالمية للنفط خلال العام المالى الجارى.. وذلك فى إطار خطة لتحرير أسعار المواد البترولية خلال 5 أعوام وهو ما سوف يعود أيضاً بالضرر على المواطنين وهو ما حدث من ارتفاع أسعار جميع المرافق والخدمات والسلع المعتمد تداولها وإنتاجها على المواد البترولية كطاقة! فى المقابل أعادت وزارة المالية توزيع الدعم على السلع التموينية لترتفع مخصصاته إلى نحو 42 مليار جنيه خلال العام المالى المقبل 2016/2017 مقابل تخصيص نحو 38 مليار جنيه فى الموازنة الحالية لاستكمال منظومة دعم الخبز والسلع الغذائية حيث تشمل منظومة دعم السلع الغذائية لنحو 73 مليون مواطن مستفيدين من دعم السلع التموينية و83 مليوناً فى منظومة دعم الخبز ودقيق المستودعات أى أكثر من 92٪ من إجمالى المواطنين فى صورة توقع زيادة عدد المستفيدين من منظومة كروت الخبز بنحو 3 ملايين مواطن خلال 2017، بالإضافة إلى دعم المحاصيل الاستراتيجية بنحو 4.7 مليار جنيه فى مشروع موازنة العام القادم، ورغم ذلك شاهدنا صراخ الفلاحين مزارعى تلك المحاصيل الاستراتيجية من عدم الحصول على مستحقاتهم المالية إلى جانب تدنى قيمتها، بل وضرب بعض المحاصيل لصالح مافيا الاستيراد.. كما تضمن مشروع الموازنة تثبيت مساهمة خزانة الدولة فى صناديق المعاشات لتبلغ 52 مليار جنيه بما يعادل نفس القيمة للعام المالى الجارى 2015/2016 ومقابل 23.2 مليار فى موازنة العام الماضى وكذلك تمويل نظم معاشات الضمان الاجتماعى وبرامج تكافل وكرامة للدعم النقدى بنحو 11.3 مليار جنيه. وبحسب البدرى فرغلى، رئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات، فإن هذه البرامج تجاهلت عدم تطبيق الحد الأدنى للمعاشات والمقدر ب1200 جنيه بزيادة ال10٪ السنوية وبحد أدنى ال75 جنيهاً، ولذلك فالمعركة مستمرة لصرف علاوة أقدمية لمن تخطى الحد الأدنى بواقع 20٪ بنص المادة 27 من الدستور وكذلك العمل على إنشاء هيئة مستقلة غير تابعة للحكومة لإدارة أموال التأمينات مع صرف علاوة دورية بنسبة 20٪ سنوياً لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار وصرف منحة تعادل معاش شهر فى المناسبات. عدالة على الورق! ومن أصحاب المعاشات لعمال مصر ال24 مليوناً، المعاناة واحدة والعدالة الاجتماعية غائبة والظلم والفقر والأمراض المزمنة تطحنهم رغم 1117 وقفة احتجاج فى عام واحد بحسب تقدير مؤسسة مؤشر الديمقراطية بعد شهر عام 2015 فصل 1300 عامل وأقيمت حوالى 15 ألف قضية عمالية أمام المحاكم، بالإضافة إلى مقتل 54 عاملاً بسبب إصابات العمل.. التى بلغت نحو 16 ألفاً و9 إصابات عمل فى مصر فى القطاعين العام والخاص وفقاً لما كشفه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.. ومع ذلك لا يزال العامل المصرى «بيجرى ويعافر»! وفيما يخص الحرية نجد مصر تحتل المركز 136 فى مؤشر الحرية رغم وجود 16 مادة كاملة من مواد الدستور تنص صراحة على أن الحرية وحقوق الإنسان مكفولة.. كذلك فيما يخص السكن ورغم محاولات الدولة الجادة خلال العام الحالى من نقل لسكان العشوائيات لمدن جديدة وبالمجان، إلا أنها وفيما يخص إسكان محدودى ومتوسطى الدخل تطرحها بأسعار غير مناسبة يتراوح السعر للمتر منها ما بين ال3500 جنيه وال4500 جنيه وبذلك تحرم ما لا يقل عن 40٪ من المصريين من الحصول على سكن مناسب.. واستمراراً لما كان يحدث فى مصر من سياسات إسكانية تهدر الحق فى السكن الآدمى وجدناها أيضاً تطرح العام الماضى شققاً بمساحات سكنية 35 متراً بعدما كانت تطرحها 90 متراً، وذلك رغم أن الدراسات الصادرة من مراكز البحوث الاجتماعية أثبتت أن السكن فى مساحات ضيقة كمساحة 60 متراً يؤدى إلى الإصابة بأمراض التزاحم التى تخلق بدورها تشوهات اجتماعية فى المجتمع المصرى.. وذلك ما يتعارض مع نص المادة 78 من الدستور التى تكفل بمقتضاها الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والأمنى والصحى! أما فيما يخص صحة المصريين فحدث ولا حرج.. فقد تحولت المستشفيات الحكومية ومعها الخاصة إلى مقابر جماعية للمواطنين الداخل إليها مفقود إما لضعف الإمكانيات أو لنقص الدواء والعلاج أو لإهمال أو خطأ طبى جسيم يصل لمرتبة العمد والترصد.. فالمادة 18 من الدستور المصرى أعطت الحق ل93 مليون مواطن الحق فى العلاج والقرار رقم 1063 لسنة 2014 ألزم جميع المستشفيات بمختلف أنواعها باستقبال الحالات الطارئة بالمجان لمدة 48 ساعة.. إلا أن عذاب المرضى مستمر والحجة الجاهزة ميزانية الوزارة غير كافية.. ومن ثم جميع المؤشرات تدلل على عدم حصول المواطن المصرى على حقه الكامل فى العلاج والدلائل كثيرة منها الارتفاع الرهيب فى عدد الإصابات بالأمراض فى مصر، حيث تعدى عدد المصابين بفيروس سى ال15 مليوناً وأصبح لدينا 30 مليون مصرى يعانون أمراض السكر والقلب والضغط، فيما بلغ مرضى الفشل الكلوى 2 مليون و600 ألف حالة بمعدل 35 ألف حالة سنوياً منهم 30٪ يموتون سنوياً فى مصر رغم أن نسبة الوفاة العالمية بهذا المرض لا تتعدى ال7٪! ومن الصحة للتعليم «المشهد واحد» ومتكرر.. المدارس أصبحت تخرج أجيالاً من الجهلاء والغشاشين وأصبحت أهم مصادر ضرب الأمن القومى المصرى.. وتحولت إلى مقابر جماعية ومصائد لموت أبنائنا تحت أسوار وأبواب متهالكة، مدارس لم يعد عنوانها التربية والتعليم، بل التحرش والاغتصاب وجميع أشكال العنف والبلطجة وأوكار لشرب المخدرات.. مدارس تصل كثافة معظم فصولها ل140 تلميذاً فى الفصل الواحد مقابل 9 آلاف لا يجدون أماكن بالمدارس.. مدارس حكومية وخاصة أصبحت أقوى من الدولة تبتز أولياء الأمور سنوياً ولا هناك من يحاسب، مدارس حقاً التعليم بها متخلف وعقيم يصنع أجيالاً سطحية لا تواكب العصر بالضبط مثل جامعات المحروسة التى تخرج منتجاً ليس له علاقة باحتياجات السوق.. مدارس جعلت هناك ما يقرب من 30٪ من تلاميذ الابتدائية لا يجيدون القراءة و70٪ تقديرهم مقبول وبس! انتهاك البراءة ولأن للعدالة الاجتماعية فى مصر وجوهاً أخرى يجب الإشارة إلى أن عمالة الأطفال بمصر أصبحت ظاهرة زادت حدتها بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيه بسبب الأزمة الاقتصادية التى يعيشها قطاع عريض من هؤلاء المواطنين، مما دفع أطفالهم إلى ممارسة العمل الذى تنوعت مجالاته ما بين ورش الميكانيكا والمحاجر والطباعة والتجول فى الشوارع.. وهم طبعاً ووفقاً لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء 40٪ من هؤلاء الأطفال العاملين لم يلتحقوا بالمدارس بسبب ارتفاع نفقات التعليم المزمع مجانيته. المعاناة يومية الدكتور سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية.. يرى أن الواقع يشير إلى أن «المواطن البسيط» منذ لحظة خروجه من المنزل تبدأ معاناته اليومية فى المواصلات المزدحمة وغير الآدمية فى معظم الحالات رغم ارتفاع تذكرتها. ومن ناحية أخرى يجد نقصاً حتى فى السلع الغذائية والتى إن توفرت تكون رديئة.. كل هذا يجعله يشعر بأنه لم يحدث أى إصلاح حقيقى أو حتى الإصلاح الذى كان ينشده وينتظر بعد قيام أية ثورة أن يجد إصلاحاً فى كل مؤسسات الدولة.. وهو ما لم يجده حتى الآن. الاحتياجات.. تختلف الدكتور أحمد يحيى أستاذ الاجتماع السياسى بجامعة قناة السويس يرى أن احتياجات الإنسان تختلف مع الثورات باختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية ولذلك نجد العدالة الاجتماعية قد غابت بشكل كامل بعد ثورة 25 يناير نظراً لحالة الفوضى الإعلامية والسياسية والاقتصادية.. ولذلك هناك ربط بين غياب العدالة الاجتماعية وظهور العنف وهو متزايد حالياً وعلى أشكال وصور غير مسبوقة.. ومن ثم فالعنف نوعان: سياسى يرتبط بالسعى للسلطة من خلال استخدام السياسيين لمفهوم العدالة الاجتماعية للحصول على تأييد المواطنين، وهناك النوع الآخر وهو العنف المجتمعى وهو المرتبط بشكل مباشر بالعدالة الاجتماعية. الفساد.. يعود.. بشراسة «السيسى» يحاربه.. وشريف إسماعيل يكتفى بإعلان «بيومى» «بقصد أو بحسن نية.. الفساد خسارة عليك وعليّ».. شعار اتخذته حملة إعلانية لحكومة المهندس شريف إسماعيل بهدف مواجهة الفساد، وحملت شعار «مصر أقوى من الفساد» واختصرت حملتها واختزلت الفساد فى تعطيل موظفى الدولة لمصالح المواطن إلا بعد تلقى رشوة.. وهى «حملة» وإعلان بالفعل يؤكدان أن «الفساد» ورقة أيضاً سقطت هى الأخرى من حسابات الدولة وحكومات ما بعد 30 يونيه 2013 متناسية أن الفساد الذى كان وتفاقم اليوم لمعدلات غير مسبوقة، وكان أحد المحفزات الرئيسية لحالة الحراك وحركات الاحتجاج السياسى فى مصر التى أدت إلى قيام ثورة 25 يناير 2011.. لا يمحوه مجرد حملات إعلانية.. ذاك الفساد الذى عاد للظهور كرقم مهم فى معادلة الحياة السياسية المصرية، وكان المحرك الرئيسى للعديد من التفاعلات التى شهدتها البلاد مؤخراً، وكان أبرزها إقالة وزير الزراعة، ثم تغيير حكومة المهندس إبراهيم محلب الذى قد يلحق بهما وزير الصحة الحالى الدكتور أحمد عماد بعد تلقى مستشاره رشوة ال4٫5 مليون جنيه.. هذا الفساد الذى تعتبر الحكومة المسئول الأول عن عودته مجدداً بتبجح وهى من قننته وتصالحت معه ومع الفاسدين والمفسدين بتعديلات أجريت على قانون الكسب غير المشروع بمقتضاه يعود المتربحون من مواقعهم الوظيفية للعودة للمجتمع، وكأنهم غسلوا أيديهم من جرائمهم مقابل مبالغ زهيدة قد تحصلها الدولة، وإعلاء منهج عفا الله عما سلف واقلب الصفحة، وهو منهج لا يعالج فساداً بل يمنحه ضوءاً أخضر لفساد أكبر، وبالفعل جاءت مؤشرات الفساد بعد 30 يونيه أعلى وأكبر رغم تأكيدات الرئيس «السيسى» بالعمل على مكافحته لأنه العائق الأساسى أمام التنمية!! ومؤشرات استمرار ارتفاع معدلات الفساد فى مصر فيما بعد ثورة 30 يونيه رصدتها تقارير عالمية ومحلية وبعض الدراسات البحثية، ومنها دراسة للباحثة الدكتورة مروة نظير بالمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية والتى من أهمها مؤشرات ترتيب مصر فى تقرير منظمة الشفافية الدولية المحدد لترتيب الدول فى سلم الفساد داخل القطاع العام ل178 دولة شملها التقرير حصدت فيه 31 نقطة من المجموع الكلى ال100 عام 2011 والذى وصل ل37 نقطة عام 2014 والذى يشير إلى تحسن الأداء، ولكن ما تحصده مصر من نقاط هو أقل من 50 أى أن معدلات الفساد عالية. كذلك تشير تقارير منظمة النزاهة العالمية إلى أن مصر احتلت المرتبة 22 من النسبة العالمية لحجم التدفقات المالية غير المشروعة وبما يمثل تقريباً 5٫2 إجمالى التدفقات المالية غير المشروعة فى منطقة الشرق الأوسط التى بلغ متوسطها السنوى 72 مليار دولار و736 مليوناً، والتى تشير بياناتها، أيضاً، إلى أن 36٪ من المصريين دفعوا رشاوى خلال ال12 شهراً الماضية وفقاً لآخر الإحصاءات، ورغم ذلك أوضحت التقارير أن 65٪ من المصريين يؤمنون بأنهم يستطيعون إحداث تغيير لمواجهة الفساد! والمدقق لتلك التقارير يجدها تتسق مع المؤشرات المحلية للفساد، ومنها عدد قضايا الفساد التى تم التحقق فيها، ووصلت ل151 ألف قضية بزيادة قدرها 80 ألف قضية على عام 2012 وبزيادة تفوق الضعف على عام 2011، وذلك بحسب المتحدث الرسمى باسم هيئة النيابة الإدارية المستشار عبدالناصر خطاب.. يضاف لذلك ما أصدرته مؤسسة «شركات من أجل الشفافية PPT» بتقريرها الحادى عشر الذى تضمن رصد وتحليل وقائع فساد حدثت فى شهر مايو 2016 فقط، حيث رصدت 101 واقعة فساد خلال الشهر وهى الوقائع التى تم الكشف عنها من خلال جهات التحقيق ووسائل الإعلام المختلفة، حيث شهد شهر مايو 2016 على سبيل المثال الكشف عن قضية الفساد الكبرى بوزارة الصحة، وبطلها مستشار وزير الصحة الحالى والمحبوس لتقاضيه رشوة ال4٫5 مليون جنيه. كما أشار التقرير فيما يتعلق بالتوزيع الإحصائى لوقائع الفساد على الوزارات والقطاعات المختلفة إلى أن وزارة الزراعة كانت لها نصيب الأسد من ضمن وقائع الفساد خلال مايو 2016 برصيد 17 واقعة فساد.. كل ذلك وفقاً لما جاء أيضاً بالتقرير وسط مكافحة الحكومة للفساد بمجرد تصريحات واجتماعات تقليدية، فى حين غابت الإجراءات التشريعية الرادعة للشهر الحادى عشر على التوالى، وذلك رغم مرور ما يقرب من 6 أشهر على انطلاق انعقاد البرلمان الحالى، وصولاً إلى قيام محافظ الإسكندرية المهندس محمد عبدالظاهر بإحالة موظفى نزع الملكية التابعة لوزارة الإسكان بالإسكندرية للنيابة الإدارية لإضاعتهم مليارات الجنيهات على الدولة بحصولهم لأنفسهم على نسبة 5٪ للتغاضى عن مخالفات البناء.. ومن الإسكندرية إلى عزت زايد، رئيس حى الشرابية المستقيل قبل مرور شهر والنصف على قرار تكليفه من وزير التنمية المحلية بعد ما وجد نفسه داخل عش الدبابير، الأمر الذى جعله يصطدم بكبار الفاسدين داخل حى الشرابية بإصداره قرارات إزالة كثيرة منها ل21 شبكة محمول مخالفة و13 إعلاناً دون ترخيص وأدوار ومنازل مخالفة وآيلة للسقاط.. وكان الثمن التعدى على شخصه بعد تهديدات وصلت إلى حد القتل بسبب إصراره على تنفيذ القانون على مرأى ومسمع من أجهزة الشرطة المتواجدة عند أى إزالة المخالفات. تكلفة الفساد وهنا تكمن خطورته التى يجب معها ضرورة المواجهة.. تلك التكلفة العالية للفساد التى زادت نسبتها خلال الفترة الماضية، والتى تجلت وفقاً لدراسة الباحثة مروة نظير فى مختلف جوانب الحياة، فعلى المستوى السياسى العديد من المؤشرات والآراء التى تتحدث عن تغير حدث فى معدلات شعبية الرئيس السيسى والرضا عن أدائه، وهو ما فسره بتوجه الرئاسة نحو إجراء تغييرات حكومية، بدأت بإقالة وزير الزراعة، ثم الحكومة بأكملها وخاصة بعد قضية فساد وزارة الزراعة وقضية طالبة صفر الثانوية وقتها والتى جعلت وزارة التربية والتعليم محلاً للكثير من الهجوم لطريقة تعاطيها مع الطالبة.. وعلى المستوى الاقتصادى فإن انتشار الفساد فى القطاعات ذات الصلة بقوانين الضرائب والاستثمار أدى إلى خسارة الاقتصاد المصرى العديد من فرص الاستثمار للخوف من المخاطر، ومن ثم ارتفاع تكلفة الاستثمار، ما يستلزم تجفيف منابع الفساد لخلق المناخ الصحى لتعافى الاقتصاد وزيادة معدلات الإنتاج.. وعلى المستوى الاجتماعى فإن تكلفة الفساد ارتبطت بزيادة حدة التفاوت الاجتماعى، وتعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء لتفوق منطق المحسوبية على العدالة فى توزيع الثروة على المواطنين، وهو ما أدى لانتشار سلوكيات عديدة غير محمودة كالرشوة والسرقة والعمولة، ومن ثم هدم القيم والأخلاق والمثل والاعتياد على الفساد نتيجة ذيوعه بشدة فى المعاملات الحكومية وغيرها!! مكافحة الفساد ورغم اهتمام الرئيس السيسى بمكافحة الفساد والقضاء عليه بالأمن والقضاء، فإنَّ كل جهوده لم تحقق الكثير فى سبيل المكافحة بسبب عدد من الإشكاليات. فمحاربة الفساد بحسب الباحثة مروة نظير تستلزم إنشاء مفوضية عليا لمكافحته والمنصوص عليها بالدستور، كذلك اختيار وجوه نزيهة وفوق مستوى الشبهات لتتصدر مشهد المعركة ضد الفساد، كذلك عدم شخصنة مكافحة الفساد؛ حتى لا تتحول المعركة من التصدى لظاهرة الفساد إلى ملاحقة لأشخاص بأعينهم دون أن يترتب تغيير حقيقى، وهو ما يكرر الفساد ولكن بوجوه جديدة. فساد من نوع آخر الدكتورة وفاء الزير، نائب مدير المركز القومى للدراسات التنموية والإدارة وخبيرة السلوكيات ترى فى إعلانات مكافحة الفساد فساداً فى حد ذاته، وإهداراً لأموال الشعب تدفع ثمناً لإعلانات لم تثمر فيما مضى، وبالتحديد منذ السبعينيات فى قضايا مهمة مثلما كان فى تنظيم الأسرة أو ترشيد استخدام المياه أو حتى إعلانات الإقرارات الضريبية للحد من التهريب الضريبى.. فلم تتوقف الزيادة السكانية، والإفراط وإهدار المياه لايزال ولا التهرب الضربى مُنِع، وإنما الأجدى محاربة الفساد بنوايا مخلصة بتطبيق القانون على المخالفين ودون استثناءات أو تصالح مع الفساد!