فتاة في مقتبل عمرها، تطل نظرات البراءة التي تسكن روحها من عيناها، لم يشغل بالها سوى أحلام بسيطة وبريئة تتوافق مع عمرها الذي لم يتخطي ال16 عاما، لكنها اصطحبتها والدتها إلى أحد المستشفيات الخاصة بمحافظة السويس لاجراء عملية ختان للحفاظ على عفتها وحمايتها من الانحراف، لترحل ميار بجسدها عن العالم وتبقي روحها تحوم حول والدتها لتذكرها بحق الجريمة التي ارتكبتها في حقها لتعيش بعذاب ضمير طوال حياتها. ميار لم تكن الضحية الأولي، فهناك الكثيرات اللواتي قتلن على يد من يدعون أنهم ملائكة الرحمة، والقتل هنا لا يقصد الروح وإنما الإحساس أيضا، فهو شبح يطارد الفتيات والناجيات منه أيضا حتي اصبح سببا رئيسيا في فشل العلاقات الزوجية. في هذا السياق، اعربت الدكتورة فيفان أحمد المنسق الإعلامي للحملات المناهضة لختان الإناث بوزارة السكان، عن استيائها الشديد عن حادثة الطالبة ميار التي توفيت مساء أمس نتيجة إجراء عملية الختان، واصفة أياها، بأنها جريمة مكتملة الأركان بحسب القانون الصادر عام 2008 الذي جرم الختان في مصر. وتقول في تصريح خاص للوفد :"رغم التحذيرات وحملات التوعية التي تهدف لمناهضة ختان الإناث، إلا أنه مازال بعض الأسر تصر على ختان بناتهن ظنا منهن أن هذا يحافظ على عفة البنت ويحميها من الانحراف، وهو اعتقاد خاطئ لأن التربية وحدها هي التي تحصن البنت". وأكدت، أن الختان يعد بمثابة علامة ورمز لإذلالها، وأن الدين ليس له علاقة بموضوع الختان نهائيا، وإنما هو عادة موروثة يروج لها المتطرفون فكريا الذين يتخذون الدين ذريعة لإرهاب الوالدين واقناعهم بختان بناتهن. وأضافت، ان أرقام الختان في مصر قلت بشكل واضح خلال ما يقرب من خمس سنوات من 74% إلى 61%، لافتة إلى أن الوضع الحالي في مناهضة هذه الظاهرة بات أفضل كثيرا عن الماضي؛ مؤكدة أن الإعلام يقع عليه الدور الأكبر في التصدي لظاهرة الختان. وتحت شعار "كفاية ختان بنات"، اطلقت حملات إعلانية تعرض شهادات حية لأسر تقطن في الريف قررت الامتناع عن ختان بناتهن، وتهدف إلى تشجيع وتدعيم الأسر التي تنوي التفكير في الإقلاع عن هذه الظاهرة، بالإضافة إلى برنامج توعية للأمهات في صورة مطبوعات ومنشورات يتم توزيعه على الأم أئناء تطعيم أبنائها يحوي رسائل مختصرة ومفيدة للأم على حد قولها. ومن جانبه، حذر الدكتور محمد عادل الحديدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة، من تأثير الختان على الفتيات على المدي البعيد قائلا :"ان الختان عادة موروثة بزعم حماية الفتيات من الشهوات الجنسية الزائدة دون علمهم بأن هذا يؤثر على بناتهن نفسيا وجسديا على المستوي البعيد". ويؤكد "الحديدي"، أن الختان يؤثر على الفتيات على المدي البعيد، كإصابتهن بالعجز الجنسي، ونقص الخصوبة، بالإضافة إلى فقدان الرغبة الجنسية وعدم الوصول إلى درجة النشوة وأحد أهم الأسباب الرئيسية وراء المشاكل الزوجية التي عادة تنتهي بالانفصال التام أو العاطفي، بخلاف الالام الشديدة المصاحبة للدورة الشهرية، والالتهابات المتكررة لمجرى البول". ويسترسل :"كما أن الختان يقلل من ثقتها بنفسها لأنها تفتقد جزءا من أنوثتها، وبعض الفتيات يخفن من فكرة الزواج خوفا من ليلة الدخلة التي ترجع بذاكرتهن إلى اليوم المؤلم والمشرط والمقص التي كانت تستخدمه الطبيبة أثناء الختان". ويشير إلى أن التربية والتوعية السلوكية للفتاة منذ صغرها وتوجيهها دينيا واحتوائها عاطفيا داخل بيت أسرتها والعناية بها سيكون بمثابة الحصن الذي يحصنها من الوقوع في الخطأ، لافتا إلى أن الختان لا يحصن البنت من الرذيلة بعكس ما يعتقده الكثير من الآباء، بل هو تعدي على أنوثتها وحرمانها من العيش بصورة طبيعية ويمنعها من المتعة المشروعة في العلاقة الحميمة. ويقول الدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب وعضو مجلس نقابة الأطباء، ان ما حدث وما سيحدث في حق الفتيات جريمة أحداث عاهة مستديمة مع سبق الاصرار والترصد، متسائلا أين دور وزارة الصحة من مراقبة الأطباء؟! خاصة وأن تلك النوعية من العمليات ترتكب في المستشفيات والمستوصفات الخاصة، وأين دور وزارة التربية والتعليم في توعية الفتيات بحقوقهن والمطالبة بها، وكذلك الأمومة والطفولة والإعلام. ويضيف، في العادة لا يظهر الاهتمام الرسمي والإعلامي بمناقشة قضية الختان إلا مع ظهور حالة وفاة لطفلة؛ لافتا إلى أن الأزهر مقصرا في حق هذا الموضوع لعدم اصداره فتوي دينية تحرم ذلك، لأن العديد من الأسر يعتقدون أن الختان مرتبط بالدين.