لقد أنزل الله القرآن على النبي (صلى الله عليه وسلم) متضمناً الأحكام الشرعية، ولم يقصِّر- صلى الله عليه وسلم - في توضيح هذه الأحكام للصحابة، فعلَّمهم كيفية أدائها، وشرح لهم جميع أركانها وشروط صِحَّتها. سواء بالقول وهي (السنَّة القولية) أو بالفعل وهي (السنة العملية) أو بالإقرار وهي(السنة التقريرية) وكان النبي يحكم في الاختلافات التي تحصل بين أفراد المجتمع. وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بلَّغ الصحابةُ الدينَ لمن بَعدَهم كما تلقَّوه عنه صلى الله عليه وسلم وكانوا يرجعون إلى كتاب الله تعالى، فإن وجدوا فيه الحكم استغنَوا به، وإلا لجؤوا إلى السنة، فإن وجدوا فيها ضالتهم تمسكوا بها والتزموها، وإلا بذلوا جهدهم بالنظر في نصوص الكتاب والسنة واستعملوا القياس وسائر وسائل الاجتهاد، مصطحبين مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية في استنباط الحكم الشرعي، ومعتمدين على السليقة العربية، ومعرفة دلالات الألفاظ، مما جعلهم يدركون مقاصد الشريعة وحكمة التشريع. ثم جاء بعد عصرِ الصحابة عصرُ التابعين، أخذوا العلم عن فقهاء الصحابة، وساروا سيرتهم في التعامل مع القضايا ؛ فكانوا يرجعون فيما يُشكل عليهم إلى نصوص الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا بغيتهم فيهما عمِدوا إلى ما ورِثوه من فتاوى الصحابة واجتهاداتهم، وأضافوا هم اجتهاداتهم الخاصة في المسائل الجديدة وَفقًا للمنهج الذي تعلموه من الصحابة في الاجتهاد والاستنباط..ونبغ من الصحابة والتابعين فقهاء في جميع الأمصار أنشأوا مذاهب لهم، ففي المدينة: نبغ فقهاء المدينة السبعة وغيرهم.