تحطم طائرة صغيرة وسط المكسيك أثناء هبوط اضطراري ومصرع 7 أشخاص    لحظة سقوط الحاويات من على قطار بضائع بقرية السفاينة بطوخ.. فيديو    حورية فرغلي: بقضي وقتي مع الحيوانات ومبقتش بثق في حد    حورية فرغلي: لسه بعاني من سحر أسود وبتكلم مع ربنا كتير    محمد القس: أحمد السقا أجدع فنان.. ونفسي اشتغل مع منى زكي    جلال برجس: الرواية أقوى من الخطاب المباشر وتصل حيث تعجز السياسة    خطوات عمل الاستمارة الإلكترونية لدخول امتحانات الشهادة الإعدادية    بسبب سوء الأحوال الجوية.. تعطيل الدراسة في شمال سيناء اليوم    وكيل صحة الغربية يعلن افتتاح وحدة التصلب المتعدد والسكتة الدماغية بمستشفى طنطا العام    توسك: التنازلات الإقليمية لأوكرانيا شرط أمريكي لاتفاق السلام    وفاة شخص وإصابة شقيقه في مشاجرة بالغربية    تأجيل محاكمة 9 متهمين بخلية المطرية    ترامب يعلن مادة الفينتانيل المخدرة «سلاح دمار شامل»    مباراة ال 8 أهداف.. بورنموث يفرض تعادلا مثيرا على مانشستر يونايتد    لإجراء الصيانة.. انقطاع التيار الكهربائي عن 21 قرية في كفر الشيخ    أيامى فى المدينة الجامعية: عن الاغتراب وشبح الخوف!    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 16 ديسمبر    لقاح الإنفلونزا.. درع الوقاية للفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الشتاء    إنقاذ قلب مريض بدسوق العام.. تركيب دعامتين دوائيتين ينهي معاناة 67 عامًا من ضيق الشرايين    «المؤشر العالمي للفتوى» يناقش دور الإفتاء في مواجهة السيولة الأخلاقية وتعزيز الأمن الفكري    العربية لحقوق الإنسان والمفوضية تدشنان حوارا إقليميا لإنشاء شبكة خبراء عرب    ثماني دول أوروبية تناقش تعزيز الدفاعات على الحدود مع روسيا    وزير قطاع الأعمال العام: عودة منتجات «النصر للسيارات» للميني باص المصري بنسبة مكون محلي 70%    5 أعشاب تخلصك من احتباس السوائل بالجسم    لجنة فنية للتأكد من السلامة الإنشائية للعقارات بموقع حادث سقوط حاويات فارغة من على قطار بطوخ    تحطم زجاج سيارة ملاكي إثر انهيار شرفة عقار في الإسكندرية    الكونغو: سجن زعيم المتمردين السابق لومبالا 30 عامًا لارتكابه فظائع    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان حادث تساقط حاويات من قطار بضائع بطوخ    نهائي كأس العرب 2025.. موعد مباراة المغرب ضد الأردن والقنوات الناقلة    كأس العرب، حارس مرمى منتخب الأردن بعد إقصاء السعودية لسالم الدوسري: التواضع مطلوب    التموين تواصل افتتاح أسواق اليوم الواحد بالقاهرة.. سوق جديد بالمرج لتوفير السلع    منذر رياحنة يوقّع ختام «كرامة» ببصمته... قيادة تحكيمية أعادت الاعتبار للسينما الإنسانية    إبراهيم المعلم: الثقافة بمصر تشهد حالة من المد والجزر.. ولم أتحول إلى رقيب ذاتي في النشر    نقيب أطباء الأسنان يحذر من زيادة أعداد الخريجين: المسجلون بالنقابة 115 ألفا    مصرع طفلين وإصابة 4 أشخاص على الأقل فى انفجار بمبنى سكنى فى فرنسا    شيخ الأزهر يهنئ ملك البحرين باليوم الوطني ال54 ويشيد بنموذجها في التعايش والحوار    فتش عن الإمارات .. حملة لليمينيين تهاجم رئيس وزراء كندا لرفضه تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية    حسام البدرى: من الوارد تواجد أفشة مع أهلى طرابلس.. والعميد يحظى بدعم كبير    الأهلى يوافق على عرض إشتوريل برايا البرتغالى لضم محمد هيثم    الأمر سيصعب على برشلونة؟ مدرب جوادلاخارا: عشب ملعبنا ليس الأفضل    منتدى «السياحة والآثار» وTripAdvisor يناقشان اتجاهات السياحة العالمية ويبرزان تنوّع التجربة السياحية المصرية    في جولة ليلية.. محافظ الغربية يتفقد رصف شارع سيدي محمد ومشروعات الصرف بسمنود    محافظ الجيزة يتابع تنفيذ تعديلات مرورية بشارع العروبة بالطالبية لتيسير الحركة المرورية    العمل: طفرة في طلب العمالة المصرية بالخارج وإجراءات حماية من الشركات الوهمية    حضور ثقافي وفني بارز في عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    الثلاثاء إعادة 55 دائرة فى «ثانية نواب» |139 مقرًا انتخابيًا بالسفارات فى 117 دولة.. وتصويت الداخل غدًا    غزل المحلة يطلب ضم ناصر منسى من الزمالك فى يناير    السعودية تودع كأس العرب دون الحفاظ على شباك نظيفة    القبض على المتهم بالشروع في قتل زوجة شقيقه وإبنته ببولاق الدكرور    متحدث الصحة: إطلاق الرقم الموحد 105 لتلقي استفسارات المواطنين    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    الإدارية العليا ترفض الطعون المقدمة في بطلان الدوائر الانتخابية في قنا    اللمسة «الخبيثة» | «لا للتحرش.. بيئة مدرسية آمنة» حملات توعية بالإسكندرية    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟ الأزهر للفتوي يوضح    وزير التعليم: تطوير شامل للمناهج من رياض الأطفال حتى الصف الثاني الثانوي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فقه الواقع».. لا يرفع شعار «كل شىء حلال»

يعتقد البعض أن فقه الواقع إباحة كل شيء، وهذا فهم مغلوط ومغرض، فهناك ضوابط وثوابت وحدود، لا يجوز تجاوزها أو غض الطرف عنها، وقد حمل كتاب «فقه الواقع وأثره في الاجتهاد» لمؤلفه الدكتور ماهر حسين حصوة، على عاتقه مسئولية رسم معالم واضحة لفقه الواقع، بحيث تتمايز ساحته عن بقية الساحات في الجسم الفقهي، وذلك من خلال بيان مفهوم فقه الواقع، وأهميته للاجتهاد، وتأصيله بالاستدلال له من الكتاب والسنة واجتهاد الصحابة والمصادر التبعية، إضافة إلى تبيين أثره في الاجتهاد وبناء الأحكام؛ من خلال التمييز بين النصوص التي يؤثر فيها البُعد الزمانى والمكاني، من النصوص التي تتصف بثبات أحكامها، والأحكام المعللة، وفقه تطبيقها على أرض الواقع من خلال تنقيح المناط وتحقيقه، وعوامل تغير الأحكام الاجتهادية في الواقع، وأثر فقه الواقع في الترجيح الفقهي، وأثره –كذلك- في الحكم والفتوى والقضاء، مع وضع ضوابط للاجتهاد المعاصر في كيفية التعامل مع النصوص الثابتة والواقع المتغير، بنظر الدكتور حمزة عبد الكريم.
يتناول الفصل الأول من الكتاب المعنون ب"فقه الواقع وأثره في الاجتهاد" مفهوم فقه الواقع من خلال تفكيك المصطلح والتعريف بجزئياته، ثم الانتقال إلى المصطلح المركب، ويخلص إلى أنَّ الواقع بوصفه مصطلحًا فقهيًا، لم يكن له وجود، ولم تكن له هُوية واضحة المعالم عند المتقدمين، بيد أن المصطلح ظهر وسطع نجمه عند المعاصرين. ثم ينتقل الباحث إلى الحديث عن المصطلح بشقيه: "فقه الواقع" من جهة التركيب، حيث تنحصر آراء المعاصرين في جهتين؛ الأولى تُعرِّف المصطلح من وجهة نظر سياسية، في حين تقصره الثانية على النظرة الاجتهادية الفقهية، ويخلص الكتاب بعد مناقشة التعريفات إلى أن هذا المصطلح يتكون من جناحين هما: فقه واقع النص، وفقه واقع تطبيق النص؛ إذ إنَّ فقه واقع النص يبيّن الأوصاف المؤثرة التي ذكرت في سياق تقرير الحكم المقتضية إعماله أو عدم إعماله، أمَّا فقه واقع تطبيق النص فيشمل الظروف والأحوال النازلة التي يطالب الفقيه باستكناهها؛ استظهارًا للأوصاف المؤثرة التي يدار عليها الحكم، ومجموع الأمرين؛ أي فقه واقع النص، وفقه واقع تطبيق النص، وهو الذي قصده الباحث بفقه الواقع.
وتظهر أهمية فقه الواقع من خلال النظر في مآلات إعمال هذا الفقه أو إهماله؛ ففهم النص ومعرفته يثمران نضجًا في فهم الدين؛ نظرًا لأنَّ بعض النصوص لا يمكن معرفتها حق المعرفة إلا بفهم السياق، والظروف، والملابسات التي أدت إلى نزولها أو ورودها. يستدل الكتاب برأى الإمام الشاطبي؛ إذ جعل معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجارى أحوالها – في عصر التنزيل- سببًا من أسباب الصواب في فهم القرآن. وتظهر كذلك هذه الأهمية في تطبيق الأحكام، وإنزال النص على الواقع؛ فعمل الفقيه يشبه إلى حدٍ كبير عمل الطبيب؛ ذلك أن الطبيب قبل أن يصف الدواء عليه أن يُشخِّص الداء، ويتعرف إلى حال المريض من جميع جوانبه، كذلك الفقيه عليه أن يحيط بالواقع المراد بيان الحكم الشرعى فيه من جميع جوانبه؛ كى يستطيع إنزال النص المناسب على الواقع، فالفقه الصحيح للنص، في الكتاب والسنة، يقتضى فهم الواقع محل النص في ضوء الاستطاعات المتوفرة.
يمكن القول إنَّ انتهاء الباحث إلى أن هذه القضية هي المعادلة المطلوبة للاجتهاد؛ كى يسترد العقل عافيته، والاجتهاد دوره، والوحى مرجعيته، ويقوَّم الواقع بقيم الدين فهمًا وتنزيلًا.
المسائل المستحدثة
من جوانب الأهمية التي تناولها الكتاب، معالجة المسائل المستجدة؛ إذ يتعين قبل النطق بالحكم في هذه المسائل فَهْم المسألة فهمًا متكاملًا؛ لأنَّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فاستخلاص الحكم الشرعى للمسائل المنظورة يقوم على ثنائية؛ تتمثل بتحريك النص الثابت والقواعد التشريعية العامة، مع استصحاب لمقاصد الشارع على الوقائع المتغيرة.
هذه العملية تشمل أمرين؛ الأول: استخراج دلالات النص بطرق الاستدلال المعروفة في علم أصول الفقه. والثاني: تكييف الواقعة التي يطبق عليها حكم النص، أي: صياغة الواقعة صياغة قانونية، والتعبير عنها ووصفها حسبما يتجمع لها من خصائص؛ أي من المفاهيم القانونية المطروحة، فهى تعبير فقهى أو قانونى عن الواقعة، وهذا يتضمن تحرير الواقعة الحادثة بتفصيلاتها، ورفعها إلى مرتبة من مراتب التجريد القانوني.
بهذين العملين يلتقى حكم النص الثابت مع الواقع المتغير. واختتم الكتاب جوانب الأهمية في اختبار صحة الفتوى، فلكل حكم فقهى أثر في الواقع قد يكون إيجابيًا؛ إذا كان استخلاص الفتوى جرى وفقًا لقواعد منهجية ضابطة، وقد يحدث خلل في أي مستوى من المستويات؛ فيكون الأثر المترتب على الفتوى أو على الحكم في الواقع أثرًا سلبيًا.
الأركان الأربعة
بنى الكتاب تأصيله لفقه الواقع على أربعة أركان هي:
استقصاء الأدلة من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية، واجتهادات الصحابة، ثم الأدلة التبعية، ومن الأدلة التي أوردها الكتاب لتأصيله من خلال آى القرآن الكريم، المنهج التشريعى في القرآن، ومراعاته للواقع إبَّان نزول النصوص، ويظهر ذلك في أمثلة عدة، من أبرزها: التدرج في الأحكام، فلم يكن التشريع الإسلامى بمنأى عن حيثيات الواقع، وقد أخذ بأيدى المكلفين خطوة خطوة؛ ليصل إلى الهدف المرجو، وأكبر مثالٍ على ذلك المنهج التشريعى في تحريم الخمر، الذي سلك الشارع فيه مسلك التدرج في التحريم.
أما السنة النبوية الشريفة فقد كان لمعرفة النبى -صلى الله عليه وسلم- بواقع الصحابة وأحوالهم وتقدير ظروفهم؛ أثر كبير في البناء التشريعي، وجاء الركن الثالث من أركان التأصيل لهذا الفقه من خلال اجتهاد الصحابة، ويجد الكتاب من خلال نظره في اجتهادات الصحابة أثرًا كبيرًا لفقه الواقع، فقد كانوا يتعاملون مع الواقع فهمًا وتنزيلًا للأحكام على هذا الواقع، بما يحقق مقاصد الشارع والمصلحة المرجوة.
أما الركن الأخير في هذا البناء التأصيلى فقد جاء لأدلة اعتبار فقه الواقع من خلال الأدلة التبعية؛ إذ يرى الكتاب أنَّ اعتبار التشريع للواقع عند بناء الأحكام هو الذي حدا إلى وجود الخطط التشريعية التي تهدف إلى التعامل مع الواقع بإنتاجاته المختلفة؛ مما يُعطى المجتهد مرونة منضبطة في التعامل مع النصوص ضمن البعد المقاصدى والمصلحي؛ وهذا يجعل التطبيق الآنى للنصوص مستبعدًا. ولذلك نجد من المصادر التي تعالج الواقع، وتنظر إلى الظروف المحيطة عند الاجتهاد ما يُغنى الشريعة الإسلامية، ويجعلها صالحة لكل زمان ومكان، ومن هذه المصادر: الاستحسان، والاستصلاح، وسد الذريعة، والعُرف، وهى مصادر تشريعية، أو كما يعبر عنها الباحث بأنها خطط تشريعية تتعامل مع الواقع، وتعالج التطبيق الآنى للنصوص، الذي قد يذهب بحكمة التشريع ومقاصده.
شخصية المجتهد
تناول الفصل الثانى "أثر فقه الواقع في الاجتهاد وبناء الأحكام" فعرض أثر الواقع في تكوين شخصية المجتهد الفقهية، والنصوص التي يؤثر فيها البُعد الزمانى والمكانى في التشريع، ثم الأحكام المعللة بالمصالح والأعراف والذرائع وفقه تطبيقها. ثم عرض عوامل تغير الأحكام الاجتهادية في الواقع، وأثر الواقع في الترجيح الفقهي، وختم الفصل بعرض نماذج لأثر فقه الواقع في الاجتهاد والفتوى.
يسنتطق الكتاب ضمن حديثه عن أثر الواقع في الاجتهاد وبناء الأحكام، الظروف المحيطة بنشأة بعض المذاهب الفقهية، ومدى انعكاس الواقع على فتاوى أئمة المذاهب، أما النصوص التي تتناول أحكامًا تخضع للاجتهاد ضمن البعدين الزمانى والمكانى فقد قسمها الكتاب إلى نوعين: نوع يؤثر فيه البعد الزمانى والمكانى من حيث بقاء الالتزام به، وهو المتعلق بالأفعال الجِبِلِّيِّة المتعلِّقة بالرسول -عليه الصلاة والسلام- كملبسه ومأكله ومشربه، ونوع يؤثر فيه البعد الزمانى والمكانى من حيث التنزيل، وهى النصوص التي تناولت جانب الإفتاء والإمامة والقضاء.
أما المسألة الثالثة وهى الأحكام المعللة بالمصالح والأعراف والذرائع وفقه تطبيقها، فقد بدأ الكتاب بالتأسيس لها اعتمادًا على أن الحكم بِعِلَّتِه وجودًا وعدمًا؛ قدّم للفقهاء منهجية منضبطة في تطبيق الأحكام الشرعية في الأزمنة والأماكن والأحوال المتغايرة. وعلى الفقيه استخراج العلة من النص بطرقه ومسالكه المعروفة، والتحقق من وجود العلة في الفرع المقيس، الذي يراد تطبيق الحكم عليه؛ تحقيقًا لمقصود الشارع من جلب المصلحة ودفع المفسدة. ثم يمضى الباحث إلى الأحكام المبنية على العُرف، التي تتغير بتغير العُرف، فما بُنى من النصوص والأحكام على عُرف زمنى كان قائمًا في عصر النبوة، ثم تغير في عصر لاحق؛ ينبغى أن يعاد النظر فيه بناءً على العُرف الجديد، وقد كَثّف الباحث حديثه في هذه النقطة حول العُرف الحادث وعلاقته مع النص التشريعي؛ لِما للعُرف الحادث من علاقة بفقه الواقع المتغير، الذي يعود على بعض الأحكام بالتغيير.
ثم أفرد الكتاب مسألة الأحكام المعلَّلة بسد الذريعة وتغير حكمها بانتفاء العلة بالبحث؛ لِما لسدّ الذريعة من أهمية في الاجتهاد، من خلال النظر إلى واقع تطبيق النص، وما سيؤول إليه التطبيق من نتائج تحكم مشروعية الفعل من عدمه عند بناء الحكم الشرعي. وقد استشهد المؤلف لهذا الأصل بجملة أدلة من القرآن والسنة. ثم انطلق إلى مسألة أخرى، وهى عوامل تغير الأحكام الاجتهادية في الواقع؛ فعرض من خلالها تغير الأحكام الاجتهادية بسبب فساد الزمان، وتغيير الأحكام الاجتهادية بسبب التقدم العلمى وتطور الوسائل، وأثر فقه الواقع في ترجيح الآراء الفقهية، ومعنى مراعاة الخلاف، وانتهى بالعوامل التي تؤثر في الاجتهاد الانتقائي.
ثم عرض للفرق بين الحكم الشرعى والفتوى والقضاء، وخلص إلى أن الحكم الشرعى يتضمن الحكم المجرّد، والفتوى والقضاء يُبنيان أساسًا على الواقع، فيجعل الظروف المحيطة بالواقعة عنصرًا أساسيًا في بناء الحكم الشرعي؛ مما يستدعى الاقتضاء التبعى للحكم. وعمل الفقيه والقاضى هنا يكمن في التوفيق بين الحكم التشريعى العام والحكم التطبيقى الخاص، وهذا يحتاج إلى تحقيق المناط العام وتحقيق المناط الخاص، وكل ذلك من صلب العلم بالواقع.
الضوابط
خصص المؤلف الفصل الأخير من هذه الدراسة "ضوابط الاجتهاد في الواقع المعاصر" لمعالجة قضية الضوابط؛ إذ يؤسس الكتاب على ما سبق أن بيّنه في الفصلين السابقين من هذه الدراسة من أنَّ للواقع دورًا كبيرًا في تطبيق الأحكام، وأنَّ الاجتهاد مستمر إلى قيام الساعة؛ ليخلص إلى الحديث عن الضوابط التي تكفل اجتهادًا صحيحًا يراعى الثوابت والمتغيرات، وتكفلُ فهمًا سليمًا للنصوص وكيفية تطبيقها في واقع متغير وفى ظروف متغايرة. ويرى أن الأمر يستلزم تفكيكًا لعناصر الاجتهاد والضوابط التي ينبغى مراعاتها لكل عنصر من هذه العناصر المتمثلة في المجتهد نفسه والشروط الواجب توافرها فيه، وكذا الآلية الصحيحة والضوابط في التعامل مع النصوص في الوقائع المتغايرة، وكذلك الواقعة التي يراد معرفة الحكم الشرعى لها.
أسباب التناقض
يعزو الكتاب التناقض في كثير من الفتاوى إلى عدم وجود المنهجية المتزنة في التعامل مع عناصر الاجتهاد؛ ذلك أن البعض يدعو إلى تحييد النصوص إزاء الواقع الجديد، وبناء الأحكام على مطلق المصلحة في نظره، ومنهم من يغض الطرف عن الواقع برمته ويدعو إلى تطبيق النصوص تطبيقًا آنيًا دون مراعاة المقاصد، ودون فقه الموازنات والأولويات؛ وربما يخرج عن مقصود الشارع، ويؤدى إلى المشقة والعنت المنهى عنه شرعًا.
وبناء على ما سبق فقد تناول الكتاب في هذا الفصل مسألتين؛ الأولى: شروط المجتهد ومحل الاجتهاد، والثانية: الضوابط التي ينبغى للمجتهد أن يراعيها في فقهه للنصوص في ظل الواقع المتغير. وتتكون بنية المسألة الأولى من جزءين، هما: شروط المجتهد، ومحل الاجتهاد وما يتعلق فيه. أما شروط المجتهد فيرى الكتاب أن النصوص الشرعية ثابتة، والوقائع متغايرة، والأحداث متسارعة، ومن ثمّ كان لا بدّ لمن يتصدىّ للاجتهاد في الواقع أن يتحمل هذا العبء، وأن يكون مزودًا بآلية صحيحة في التعامل مع النصوص مبنية على أسس من الاستدلال سليمة؛ ليستخرج مكنونات النص، بما يحقق مقاصده وغاياته وأهدافه. ويستنبط الكتاب شروط المجتهد من خلال بعض النصوص الواردة عن بعض السابقين، كالشاطبى مثلًا، الذي ركَّز على شرط فهم مقاصد الشريعة على كمالها، الأمر الذي يستلزم فهم الجزئيات في ضوء الكليات، ويوجه الاستنباط باتجاه مقاصد الشريعة بما يجلب المصلحة ويدفع المفسدة، وهذا الشرط يؤسس لمنهجية في الاستنباط، لا سيّما في فقه واقع النص، بربط الأحكام بمقاصدها، ومن ثمّ استنباط المناط أو تنقيحه تبعًا لمقصد الشارع.
أما الجزء الآخر في هذه المسألة فهو محل الاجتهاد وما يتعلق فيه؛ إذ يرى الكتاب أن أهمية هذا الضابط تكمن في الاجتهاد المعاصر، بأن يكون الاجتهاد في النص ولو كان قطعيًا مُفسِّرًا؛ وذلك بمعرفة شروط تطبيقه وظروف تنزيله على الواقع العملي، بحيث يستخرج مقصده ويحقق مآربه، وذلك يتطلب فقه الواقع المتعلق بالنصوص وفقه مقاصدها وعللها، ويتطلب فقه الواقع التطبيقى بمعرفة الظروف المحيطة عند التطبيق، وفقه الموازنات والأولويات بقياس النتائج المترتبة عند التطبيق، وهو ما يعبر عنه أصوليًا بالنظر إلى مآلات الأفعال، وجملة ذلك من فقه الواقع.
وفيما يتعلق بالضوابط التي ينبغى للمجتهد أن يراعيها في فقهه للنصوص في ظل الواقع المتغير؛ يرى الكتاب أن الاجتهاد إعمال للنصوص وفحواها ومقاصدها في الواقع، فكيف نستثمر النصوص الثابتة لتؤتى ثمارها ضمن منهجية واضحة تراعى إعمال النصوص وتحقيق مقاصدها، ولا تغفل المتغيرات والظروف المتغايرة، وهى المعادلة التي يؤكد الكتاب ضرورة تفعيلها في ظل الاجتهاد المعاصر، ثم يتوصل إلى ضرورة وجود ضوابط منهجية تتعامل مع النصوص لاستثمار مقاصد النص، وإنزاله من الفقه النظرى إلى الواقع التطبيقى تحقيقًا عمليًا؛ لكون الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وهذه الضوابط هي: فهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها، وجمع النصوص في الموضوع الواحد مع تعليلاتها، ورد الفروع إلى الأصول، والجزئيات إلى الكليات، ثم التمييز بين الجانب التشريعى من السنة النبوية من الجانب غير التشريعي، وكذلك التمييز بين الوسائل والمقاصد في الأحكام، وأخيرًا فهم النصوص في ضوء بعدها الدلالى اللغوى والشرعى والعرفي، واختتم الباحث هذه المسألة بعرض نماذج لبعض الاجتهادات التي لم تراعِ الضوابط المتقدمة.
كذلك يجب فهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها؛ ويستند الباحث في هذا المقام إلى أنه من حُسْن الفقه للسنة النبوية النظر فيما بنى من الأحاديث على أسباب خاصة أو ارتبط بعلة معينة منصوص عليها في الحديث، أو مستنبطة منه، أو مفهومه من الواقع الذي سيق فيه الحديث. فالناظر المتعمقّ يجد أن من الأحاديث ما بُنى على رعاية ظروف زمنية خاصة؛ ليحقق مصلحة معتبرة، أو يدرأ مفسدة معينة، أو يعالج مشكلة قائمة في ذلك الوقت. ويوضح الكتاب ذلك بكون الحكم الذي يحمله الحديث قد يبدو عامًا ودائمًا، ولكنه عند التأمل يتبيّن أنه مبنيٌ على علة، يزول بزوالها كما يبقى ببقائها. ومن ثمّ لا بدّ لفهم الحديث فهمًا سليمًا دقيقًا من معرفة الملابسات التي سيق فيها النص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.