لا شيء يجلب السعادة سوى أن ترزق بمولود جديد لتعم الفرحة وترسم الابتسامة على وجوه أفراد الأسرة، ولكن سرعان ما تزول هذه السعادة عندما يخبرك الطبيب بأن المولود فى حاجة إلى حضّانة، لتبدأ معاناة الأسرة فى البحث بالمستشفيات الحكومية عن حضّانة لطفلهم، ولكن بعد عناء طويل لا يجدون مكاناً، فيضطرون الذهاب إلى الحضّانات الخاصة لحجز مكان للطفل، وهنا تبدأ المأساة إذ يكتشف الأبوان ارتفاع الأسعار، حيث تبلغ قيمة الليلة الواحدة ما بين 700 إلى 1000 جنيه، فضلاً عن تكاليف العلاج التى يتكبدها رب الأسرة. فمعاناة كل عائلة ترزق بمولود جديد لا تنتهى، من تحمل نفقات ولادة وحضانة وغيرها من التكاليف الأخرى من علاج ومتابعة عند الطبيب المتخصص، فكل هذه الأمور جعلت من الزواج أو الحمل أو الولادة كابوساً يعانى منه ملايين المواطنين. وتحاول «الوفد» رصد المعاناة التى يعيشها الآباء والأمهات بسبب العجز الشديد فى عدد الحضّانات بالمستشفيات الحكومية، مما يدفع العائلات للجوء للحضانات الخاصة. معاناة الأسرة أمام أحد المستشفيات، التقيت امرأة فى العشرينيات تبكى بحرقة لأن المولود الذى انتظرته طويلاً، حياته مهددة بسبب عدم توفر حضانة على مدار أسبوعين من ولادته، وعليها أن تنتظر أسبوعاً ثالثاً للعثور على حضانة خالية. وتقول «أم مصطفى» من إمبابة: «انها تزوجت منذ 7 سنوات، ولم يرزقها الله بمولود إلا فى العام الماضى، وبعد ولادته كان لابد لبقائه على قيد الحياة أن يخضع لجهاز التنفس الصناعى لمدة 15 يوماً، وبعدما قامت بوضعه فى حضانة تابعة لإحدى الجمعيات الشرعية، توفى بعد 4 أيام، نتيجة انقطاع التيار الكهربائى عن الحضانة، مما جعلها تدخل فى حالة من الاكتئاب وكادت تفقد حياتها. أما «مصطفى إسماعيل» والد أحد الأطفال بإحدى الحضانات الخاصة، أكد أن هذا المجال أصبح تجارة يستغلها العديد من الأطباء لجنى المزيد من الأموال، فضلاً عن وجود حضانات يمتلكها أشخاص غير متخصصين ولا ينتمون إلى مهنة الطب ولا تخضع لرقابة وزارة الصحة ويستغلونها فى جلب المزيد من الأموال بالرغم من المخاطر التى يتعرض لها الأطفال الرضع. وأكد أن نقص الحضّانات بالمستشفيات الحكومية فتح الباب على مصراعيه أمام هذا النشاط، الذى يقوده أطباء ومستثمرون بهدف الربح حتى لو كان ذلك على حساب أوجاع البسطاء وآلامهم، حيث يبلغ سعر الحضانة فى الليلة الواحدة 700 جنيه فى بعض المستشفيات الخاصة. وتحكى «أم هبة» ربة منزل من الجيزة، أنها ذهبت بمولودتها إلى حضانة لإنقاذها من الموت، ولكن فوجئت بأن المكان غير آدمى بسبب انتشار القمامة. وأشارت إلى أنها منذ وضعت ابنتها فى الحضانة، لم يتابع الطبيب حالتها، بل كانت تمر عليها الممرضة مرتين أول النهار وآخره، وأكدت أنها اضطرت فى النهاية إلى نقل مولودتها لحضانة بمستشفى خاص لإنقاذها. أطباء ويقول د. حسام فهيم، عضو مجلس نقابة أطباء أسوان، إن الدولة تعانى من نقص شديد فى الحضانات الحكومية، والأجهزة الطبية الخاصة لعلاج الأطفال (كجهاز التنفس الصناعى)، فضلاً عن أزمة التمريض الناجمة عن قانون رقم 18 «الخدمة المدنية» الذى جعل الممرضة التى تبلغ 22 عاماً حقاً فى إجازة وجوبية كرعاية طفل وللأسف الشديد الكثير منهن يحصلن على الإجازة الوجوبية ويتفرغن للعمل بالمستشفيات الخاصة ليحصلن على رواتب وحوافز أعلى من التى يحصلن عليها بوزارة الصحة. ويضيف «فهيم» أن نصف الحضانات الموجودة بالمستشفيات متوقفة بسبب نقص كوادر الأطباء والممرضين الأكفاء، لأن المتابعة الطبية عنصر مهم للحفاظ على صحة «الرضع». وفى السياق ذاته، يؤكد د. حامد مكى، نقيب أطباء أسوان، أن عدد الحضانات فى مستشفيات أسوان يقدر بحوالى 12 حضانة، وهذا العدد لايكفى، لأن 40% من حديثى الولادة يحتاجون لرعاية خاصة بسبب ارتفاع نسبة الولادة المبكرة. ورأى «مكى» أن حل الأزمة يكمن فى سد العجز فى التمريض، وتوفير كوادر طبية متخصصة فى مجال حديثى الولادة والمبتسرين؛ إذ إنه لا يوجد إلى الآن تخصص دراسى فى هذا المجال، على الرغم من أهميته الكبيرة فى ظل ارتفاع أعداد الأطفال المبتسرين. ويجمع حشد من الأطباء على أنه لابد من زيادة الحوافز والرواتب للطواقم الطبية لتحفيزها على الاستمرار فى العمل، حيث يتقاضى طبيب الحضانات حافزا يزيد على زملائه الآخرين 300% لكن ذلك لا يجدى لارتفاع الرواتب بالخاص. تفعيل الدستور ومن جانبه، يرى د. حسن خليل، رئيس لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، أن تفعيل المادة رقم «18» بالدستور هو الحل، حيث تنص على: «التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وأرجع «خليل» تدهور الوضع الصحى فى مصر إلى تدهور الميزانية المخصصة للقطاع الطبى منذ عام 1974، مشيراً إلى أن الوضع لكى يتحسن سيحتاج إلى جهد كبير لبناء قطاع صحى سليم يتفق مع المعايير العالمية. معلومات سعر حجز الحضانة الخاصة يترواح بين 700 و1000 جنية لليوم الواحد. 40% من الأطفال حديثى الولادة يحتاجون رعاية خاصة لتجاوز مرحلة نقص النمو. 200 ألف طفل سنويًا يتحاجون لرعاية طبية خاصة. 3689 وحدة للمبتسرين على مستوى الجمهورية. 127 ألف طفل يلجأ ذووهم للمستشفيات الخاصة سنويًا. 65% حجم العجز فى وحدات الأطفال.