أكد الدكتور محمد بريك طبيب العيون المصري، والباحث في الاستراتيجية العسكرية بجامعة ريدنغ ببريطانيا أن المؤسسة العسكرية تريد استنساخ النموذج التركي فيما قبل ( أردوغان/ حزب العدالة والتنمية)، وأن الانتخابات التي تجرى حاليا لن تفرز إلا عن ديموقراطية شكلية، فيما ستبقى الدولة المصرية رهينة النظام السابق لكن بأشكال مختلفة تتصدر المشهد الجديد فيما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. جاء ذلك في الندوة التي عقدتها صحيفة "التغيير" يوم الأربعاء الماضي في نقابة الأطباء( دار الحكمة) بالتعاون مع المركز الثقافي العربي باتحاد الأطباء العرب. الدكتور بريك أكد على أنه لا حدث عن مشروع نهضة حقيقي بدون إسقاط " كامل " للنظام الفاسد الذي رهن مصر والمنطقة العربية لتبعية سياسية واقتصادية. فالاستعمار بأشكاله المختلفة كما يؤكد بريك عمل على تقويض أي مشروع نهضوي حقيقي يظهر في المنطقة العربية، بدءاً من إجهاض الدول الغربية لمشروع محمد علي في القرن التاسع عشر وليس انتهاءا بتدمير مشروع عبدالناصر ثم عقد اتفاقية كامب ديفيد وحرب الخليج والتي كانت إعلان رسمي لسقوط المنطقة العربية كلها في القبضة الاستعمارية الأمريكية. بريك تحدث عن أن الثورة المصرية ومنذ التنحي يتنازعها ثلاثة نماذج؛ هي نموذج الثورة، ونموذج التحول الديموقراطي، ونموذج الانقلاب العسكري، وبالنسبة للنموذج الأول وهو الثورة، فيقول بريك أن الثورة في تجليها الأعظم هو تفكيك كل بنى ومراكز النظام القديم، وإقامة نظام جديد بشكبة تحالفات سياسية واجتماعية جديدة بعقد اجتماعي جديد مبني هذا كله على مشروع ملهم لكي يؤدي ذلك إلى عملية تحول ديموقراطي حقيقية. بريك يرى أن هذا المشروع "الملهم" يمكن أن تظهر ملامحه في الحرية الشعبية، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال السياسي والاقتصادي. مسار غير مكتمل من وجهة نظر بريك أن الثورة المصرية لم تستكمل مسارها الثوري كاملا حيث أبقت على بنية النظام القديم بتحالفاته السياسية وحدث تحريك جزئي أزاح جزء بسيط من النظام فيما بقي الجزء الأكبر والأهم منه ممسكا على مفاصل العملية السياسية ومسيطرا عليها بعد أن قام بفض الزخم الثوري بعد التنحي مباشرة. بريك أكد على أنه في غياب لمراكز قوى حقيقية قامت قوى من داخل النظام ( المؤسسة العسكرية) باستعادة المشهد لصالحها وإجهاض الثورة واستيعابها عن طريق خريطة طريق ممنجة تبدأ بتفكيك الزخم الثوري، ثم إحداث حالة استقطاب طائفي وسيسي حاد، وساعده في ذلك التفاهم مع قوى سياسية كبيرة على حزم إصلاحية ليبعدها عن المشهد الثوري. المشهد الثوري السابق والغير مكتمل كما يقول بريك، أفرز عملية تحول ديموقراطي غير صالحة لإنها تمت في ظل بيئة إجرئية وتشريعية وقانونية وإعلامية فاسدة. الانقلاب العسكري بريك يقول أنه بعد فشل عملية التحول الديموقراطي ستطرح مسألة "الانقلاب العسكري" بشكل مباشر، وكما يشير بريك فالأصل أن هذا السيناريو هو الأقرب للحدوث لعوامل خاصة ببنية الدولة المصرية (المركزية) وطبيعة المؤسسة العسكرية، وأنه لايمكن الفصل ببساطة بين ماهو (خدمي) و(سيادي-أمني)، وظهور رغبات عند الأطراف(مدنية – عسكرية) لتجاوز النفوذ السياسي خارج الدائرة المتفق عليها. والعسكر سيكون في أيديهم أدوات مغرية لهذا مثل سيطرته على الملفات السيادية ونقاط الضعف التي ستعانيها الأغلبية البرلمانية والناتجة عن التشرذم السياسي ومشكلات الوضع الإخواني (العلاقة بين الجماعة والحزب القانونية/ التمويل /العلاقات الخارجية). العسكر كما يؤكد بريك لن يسلم السلطة إلا بمجلس أمن قومي تنفيذي (في استعادة لسيناريو تركي قبل أردوغان)، ورئيس موال له ليضمن (رسميا) حظه في الوزارات السيادية. الحل المطلوب د. بريك أكد على أن الحراك الشعبي والثوري المطلوب يبدأ من فك الثنائية الموجودة حاليا بين الإخوان والعسكر وخلق بديل حقيقي يتواجد في مساحة الفراغ ليقود المشهد الثوري إلى تحقيق أهداف الثورة الفعلية، ولن يتم هذا الأمر في رأي بريك إلا بتطوير المجموعات الثورية بتنظيم نفسها ثم بتطوير مشروعها السياسي. والأمر الثاني الذي يؤكد عليه هو الوقوف أمام سيناريو "الوصاية العسكرية" والرفض التام لوجود العسكر كوصي على إدارة العملية السياسية. رأس الحربة والتنظيم الثوري بريك أكد على من أهم المشاكل التي أعاقت تنظيم الثورة هو أن المجموعات الثورية لم تستطع أن تنظم نفسها لتفرز كيانا حقيقيا معبرا عن الثورة، وليصبح رأس الحربة الحقيقية للضغط على العسكر لإنهاء مسار الثورة بواقع سياسي ينتج عنه عملية تحول ديموقراطي حقيقية، وأن الكيانات الثورية التي نشأت منذ أول الثورة حتى الآن من وجهة نظره تعاني من أمراض خطيرة على مستوى النضج السياسي وعدم وجود القاعدة الجماهيرية، والانشغال بالنضال الإعلامي عن الجماهيري وظهور نزعات تنافس شديدة تمنع الاجتماع تحت مظلة ثورية. يضيف بريك قائلاً :"أتصور أنه لو اعترفنا جميعا بهذه الأمراض التي منعت التوحد، وبدأنا بجدية في تنمية روح التجرد وتقدير ثقل المسئولية الوطنية على أكتافنا جميعا، فإن محاولات التجميع ممكن تأتي بنتيجة".