لا أتصور إمكانية وصول المشهد النهائي في الخامس والعشرين من يناير المقبل لتحقيق حسم ثوري؛ سواء على مستوى استعادة الزخم الشعبي أو تحقيق الهدف النهائي للمرحلة الحالية وهو تنحية المؤسسة العسكرية تماما عن الحكم، إلا إذا ارتكب الطرف المقابل خطايا استراتيجية تدفع للاحتقان وتقلب القوى البرلمانية عليه والتي بدخولها المشهد الثوري، ستصبح إضافة نوعية له بكل تأكيد. لكن من المهم استغلال تلك الجولة لتحقيق أهداف ينبني عليها مشروع ثوري حقيقي، خصوصا أن الحالة الثورية ستطول معنا لأن شروط حسم مسار الثورة غير متوفرة حتى الآن؛ وتتمثل في تكوين كتلة ثورية حرجة، وتوافق وطني على حسم أهداف الثورة ومنجزاتها. واحتياجات المشروع الثوري الوطني إجمالا يأتي عن طريق تنظيم الثورة بتشكيل جبهة قيادية شبابية تعنى بالمهمة السياسية، ورسم المسار الاستراتيجي، وإدارة جوانب التصعيد والتفاوض، والأهم أن تدار هذه الجبهة بشكل ديمقراطي مؤسسي. في تلك الحالة، لا بد لهذه القيادة من مجموعة استشارية محدودة ورمزية، تتكون على الأقل من الثلاثي د البرادعي ود.أبو الفتوح والشيخ حازم. والمجموعة الأخيرة لا تقود ولكنها تكسب الثورة زخما حقيقيا برمزيتها وحضورها ودورها التوجيهي. الاحتياج الثاني للمشروع الثوري، هو تمديد الثورة عبر استيعاب أكبر عدد ممكن من الشباب الثوري وتحفيزه لطرح مبادرات متنوعة تتنوع بين الأعمال الاحتجاجية المباشرة، وتلك الإصلاحية (سياسية وشعبية واجتماعية)، لتبرز أهداف الثورة الأساسية والتي تتحدد في تنحية العسكر، والعدل الاجتماعي، وهيكلة الداخلية، والأمن، والاستقلال.؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى تجذير الثورة شعبياً، ورفع ممانعة الثورة أمام وسائل تقييدها وتشويهها. الاحتياج الثالث، رفع الوعي بموضوع وطريقة التفاوض الوطني مع العسكر في ملفات التحول الديمقراطي (رفض التفاوض الثنائي والسري)، وتحديد أولوية الملفات وأهميتها، وأي الأشكال هو وصاية عسكرية حتى لو تسمى بأسماء مختلفة كمجلس أمن قومي أو دفاع وطني. وهناك فرق بين الهدف الاستراتيجي ل 25 يناير، والهدف السياسي، والخطاب السياسي، فالهدف السياسي هو تحقيق التغيير الجذري الثوري السابق ذكره، أما الهدف الاستراتيجي ( ما يتم عبر العمل الثوري) فهو تحقيق جزء كبير من احتياجات المشروع الثوري في التنظيم والتمديد والوعي، أما كخطاب سياسي فأتخيل أنه من الواجب رفع مطلبين سياسيين وآخر شعبي (حتى مع علمنا بصعوبة تحقيقها) لأن مثل هذا الخطاب يفيد في تحقيق الهدف الاستراتيجي. المطلبان السياسيان؛ هما مطلب تسليم السلطة لمجلس الشعب المنتخب، وفتح الباب لانتخابات الرئاسة، كلاهما مفيد لأكثر من سبب: معقول سياسيا، كسب الشرائح الداعمة للأغلبية المنتخبة، ووضع حافز تثويري جديدة لأنهما صعب أن يتحققا، والمطلب الشعبي يرتكز على حقوق الشهداء والمصابين، والمهم هو بذل الجهد في الحشد الثوري، واستغلال الجولة في تحقيق المتطلبات الاستراتيجية في تنظيم الثورة بالأخص. بالطبع العسكر سيحاول فك الجولة سياسيا بدفع القوى البرلمانية لتفكيك الزخم وإغراقه بالأشكال الاحتفالية، وإعلاميا باستخدام الآلة الإعلامية الرسمية والحزبية لتشويه الفعل الثوري، وأمنيا باستهداف النشطاء، وشعبيا بجمع حشود شعبية في مساحة احتفالية وتبييض صفحته. وسيحاول بشكل كبير عدم التورط في أي عنف. وممكن مقابلة ذلك بتكتيكات ومشروعات متعددة خاصة بالتهيئة الميدانية والشعبية عبر أعمال احتجاجية وتوعوية متصاعدة، والتركيز على خطورة الوصاية العسكرية، وحقوق الشهداء، والمصابين المهدرة، وهناك مبادرات إجرائية ممتازة كحملة كاذبون، وحملة الضغط على البرلمان، والمسيرات، والقوافل الثورية فيها وسائل تعليمية وصحية واجتماعية، وتهيئة الميدان قبل الحدث بأيام، والحملات الالكترونية. ولكن ألح على ثلاثة نقاط، ضرورة التعاطي مع القوى البرلمانية وجماهيرها (خصوصا الشباب) بشيء من الحكمة بعدم التجريح المباشر والتخوين، وبلورة خطاب السياسي مرتكز على توضيح مخاطر الوصاية وهدفها الانقلابي، وخطورة تفاهم هذه القوى على المطالب الدنيا. لابد من الاعتصام والتحضير له من الآن دعائيا وسياسيا ولوجيستيا. وبالاعتصام وحده يمكن الاستفادة من الحشد من جهة، وتحييد دور القوى البرلمانية في تفكيك الحالة الثورية من جهة أخرى لأنها لن تعتصم، والجولة الثورية الحقيقية تبدأ من يوم 26 لابد من بذل جهد كبير في مواجهة أي مظاهر عنف ومحاولة تحييد نقاطها وبوادرها إغراقها بالجموع أولا بأول، وهذا يقتضي تركيز أكثر على تنظيم الاعتصام والمسيرات، والنظام قد لايحتمل هذا النوع من الفعل الثوري وقد يتورط في انتهاكات خصوصا بعد يوم 25 ولكن هذا شأن آخر، ولكن حتى في هذا الوضع يبذل جهد كبير في منع التورط في العنف. ولاننس أن أي جولة ثورية هي فرصة كبيرة لابد من اقتناصها في مسار تنظيم الثورة وتمديدها، وهذا سيظهر أثره في المشاريع الإصلاحية والتثويرية بعدها مباشرة، أو في العمل الثوري المباشر في الجولات الثورية التالية بشكل تراكمي. وكلمة أخيرة؛ من قدر الله على جيلنا أننا جيل أحيى ثورة منذ البدء وعليه استدامتها حتى انتصارها، هي ثورة يتوقف عليها مصير أمة وأشواق قضت دونها أجيال للحرية والتحرر والعدل.. نحن لانملك ترف الإحباط والكسل والصمت.!