الرئيس السيسي يصدق على إصدار قانون العمل    تداول 16 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    وزير الإسكان يتابع مشروعات «حياة كريمة» بمحافظة الأقصر    وفاة طالبة جامعة الزقازيق.. القصة الكاملة    جامعة المنصورة تحصد 15 جائزة في الحفل الختامي لمهرجان إبداع    تعليم أسيوط يحصد المركزين الثاني والثالث جمهوري فى المسابقة الوطنية لشباب المبتكرين    خسائر بالجملة، القسام تنفذ كمينًا مركبًا ضد قوة إسرائيلية في خان يونس    استشهاد فلسطينيين في قصف مسيرة إسرائيلية بخان يونس    دجلة يتصدر ترتيب دوري المحترفين قبل مباريات اليوم    تغييران.. تشكيل الزمالك المتوقع لمواجهة البنك الأهلي    احتفالا بمرور 20 عاما على افتتاح ملعب النادي.. بايرن ميونخ يكشف تصميم قميصه الاحتياطي للموسم الجديد    "تراجع بميزة الانتقالات الشتوية".. 4 ملاحظات بصفقات الزمالك الصيفية المقبلة    منافس الأهلي.. فيتور روكي يقود بالميراس لفوز شاق أمام فاسكو دا جاما بالدوري البرازيلي    حكم مباراة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري المصري    جامعة حلوان تبحث سبل التكامل البحثي والارتقاء بالتصنيف الدولي في ندوة علمية موسعة    امست سلك الغسالة.. مصرع طالبة جراء صعق كهربائي فى سوهاج    "التعليم": امتحانات الثانوية العامة 2025 خالية من الأخطاء العلمية واللغوية    محافظ أسيوط يعلن معايير انطلاق مسابقة الأب القدوة    جامعة عين شمس تحصد 21 جائزة بمهرجان إبداع 13    شيخ الأزهر يستقبل الطالب محمد حسن ويوجه بدعمه تعليميًا وعلاج شقيقته    رفع كفاءة الأطقم الطبية بمستشفيات الصدر للتعامل مع التغيرات المناخية وعلاج الدرن    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    مجلس الأمن يبحث اليوم بجلسة طارئة مغلقة تصاعد التوترات بين الهند وباكستان    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    الطقس اليوم الإثنين 5 مايو 2025.. ارتفاع تدريجي في الحرارة وتحذيرات من الشبورة    إصابة 9 أشخاص فى حادث تصادم بين سيارتين بالمنوفية    النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    حبس الشخص المتهم بالتحرش بطفلة من ذوى الهمم فى المنوفية    الدولار يتراجع والعملات الآسيوية تقفز وسط تكهنات بإعادة تقييمات نقدية    بدء نقل جميع مقار إدارات ولجان الفتوى بمجلس الدولة للمقر الجديد    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 5 مايو 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 5-5-2025 في محافظة قنا    نتنياهو : خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    «المركزي»: صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي تتتخطى ال15 مليار دولار    نيكول سابا تكشف عن تغيرات عاطفية طرأت عليها    الكابينت الإسرائيلي يعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية موسعة في غزة    الجيزة تحدد موعد امتحانات الفصل الدراسى الثانى لطلبة الصف الثالث الإعدادى .. اعرف التفاصيل    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    تعرف على ضوابط عمالة الأطفال وفقا للقانون بعد واقعة طفلة القاهرة    انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف بالهاون    الطماطم ب 10 جنيهات.. أسعار الخضار والفاكهة في أسواق الشرقية الإثنين 5 مايو 2025    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    زوج شام الذهبي يتحدث عن علاقته بأصالة: «هي أمي التانية.. وبحبها من وأنا طفل»    عمرو دياب يُحيى حفلا ضخما فى دبى وسط الآلاف من الجمهور    أشرف نصار ل ستاد المحور: توقيع محمد فتحي للزمالك؟ إذا أراد الرحيل سنوافق    زي الجاهز للتوفير في الميزانية، طريقة عمل صوص الشوكولاتة    ادعى الشك في سلوكها.. حبس المتهم بقتل شقيقته في أوسيم    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    لهذا السبب..ايداع الطفلة "شهد " في دار رعاية بالدقهلية    مجلس الشيوخ يناقش اقتراح برغبة بشأن تفعيل قانون المسنين    قداسة البابا يلتقي مفتي صربيا ويؤكد على الوحدة الوطنية وعلاقات المحبة بين الأديان    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    برج الميزان.. حظك اليوم الإثنين 5 مايو: قراراتك هي نجاحك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر الثورة والعسكر والإخوان...ما بين النموذجين التركي والباكستاني
نشر في المشهد يوم 01 - 12 - 2011

ثورة مصر ليست مجرد ثورة محلية لإسقاط نظام مستبد، فيكون فهمها ومآلها تبعًا لاستيعاب كيفية تحرك النظام المستبد ومراكز قوته للتحايل عليها واحتوائها؛ ولكنها زلزال حقيقي في أكثر منطقة شديدة الحيوية والخطورة على المصالح الأمريكية والغربية، وهي تمثل خطر وجودي على إسرائيل. لماذا هي خطر؟ لأنه من المعلوم يقينًا أن إنشاء نظام ديمقراطي حر معناه أن تقود الإرادة الشعبية لنظام معاد لهذه المصالح الحيوية والوجودية لتلك القوى، وفتح كل آفاق تطوير القدرة الاستراتيجية والنهضوية لمصر على مصراعيها، ومصر حين تثور تقود في الحقيقة مشروع أمة.
سقوط النظام والمؤسسة العسكرية:
والنظام الذي سقط لم يسقط كلية؛ وإنما سقط رأسه وبعض مراكز قوته. المؤسسة العسكرية هي إحدى مراكز قوة النظام القديم، و لكن سقوط النظام ليس معناه إسقاط هذه المؤسسة، ولكن إعادة تأهيل العلاقة بينها وبين النظام الديمقراطي(الجديد). المؤسسة العسكرية هي مؤسسة وطنية في الجملة، ولكن لها مصالح وامتيازات(اقتصادية وسيادية)لا يستقيم مع بقائها أي نظام ديمقراطي قائم على المحاسبة والمسئولية، وخضوع أي مؤسسة في الدولة للقرار السياسي المنتخب والرقابة البرلمانية.
والمؤسسة العسكرية شهدت تحولات عديدة في علاقتها مع الدولة المصرية منذ ثورة يوليو؛ فبعد أن كانت جزءًا أصيلًا من القيادة السياسية، تحولت بعد 1962 إلى منافس له، مما كان أحد أسباب نكسة يونيو، ثم تم تحجيمها ثانية، ولكنها بقيت الأداة السيادية الرئيسة للنظام السياسي في السيطرة على البيئة السياسية والاجتماعية. ثم شرع السادات في إعادة هيكلة العلاقة لتبقى المؤسسة خاضعة للقرار السياسي، ولكنها معزولة عن التغول كأدة سلطة سياسية مباشرة، وفي مقابل هذا تم السماح للمؤسسة بتوسيع (دولتها) الخاصة بها في المنحى الاقتصادي والاجتماعي والمعلوماتي، والأحقية (العرفية) في احتلال بعض المناصب المدنية السيادية. وربما استدعاؤها في حالات بعينها (المحاكمات العسكرية انتفاضة الأمن المركزي..) لتكون أداة لفرض إرادة النظام السياسية والأمنية بشكل صارم. ولكن الوظيفة الأهم لهذه المؤسسة داخليًا كانت قابليتها للاستدعاء إذا ظهر خطر على النظام تفشل في تفتيته المؤسسة الأمنية.
وحين اندلعت الثورة كان الأمر واضحًا بعد 29 كانون الثاني/يناير لكل من المجلس العسكري والأمريكان، هذه ثورة حقيقية ولايمكن إجهاضها، و إذا تدخل الجيش في هذا فإن مصيره لامحالة إلى التفتت والانشقاق الداخلي؛ البنية الأساسية والقاعدية في الجيش هي لا شك وطنية. و لهذا كان الخيار المعتاد في التعامل مع الثورة كما أي ثورة (غير مرغوبة) هو احتواؤها عبر إزالة الرأس وبعض مراكز القوة النظامية، ومحاولة إنشاء نظام سياسي (جديد). وهذا مايقصده نعوم تشوميسكي أن هذا من البديهيات السياسية المعتادة لأي قارئ لسياسة القوة العظمى لتفكيك الثورات...وتحويل مغرمها إلى مغنم.
يضاف إلى هذا أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، واستبدال الأنظمة الفاشلة المستبدة المتحالفة مع الأمريكي بأنظمة (ديمقراطية)ولكنها تستجيب للمعادلة الاستراتيجية في المنطقة وسياسات رأس المال العليا، هو مشروع قديم من 2003. و تم تنحيته بعد انتخابات مصر وفلسطين ونتائج حروب العراق ولبنان، ولكنه بدأ يعيد نفسه ثانية في العامين الأخيرين حين ظهرت أزمة (انتقال السلطة) في مصر.
ما الذي منع الثورة المصرية أن تحسم في الجولة الأولى؟ عفويتها وعدم ظهور قيادة سياسية واستراتيجية لها، الكيان الأكثر تنظيمًا وشعبية فيها (الإخوان) له اتجاه إصلاحي تفاهمي وليس ثوري كما ظهر من تعاطيه مع عمر سليمان والمجلس العسكري حول التنحي- والكيانات الثورية الشبابية كانت شديدة التبعثر، وقليلة الخبرة السياسية، ومشدوهة بآثار اللحظة.
وهنا حصل أخطر شيء في الثورة...السماح للمجلس العسكري بتولي إدارة المرحلة الانتقالية. في أي تحول ديمقراطي من نظام مستبد يكون وضعية المؤسسة العسكرية والأمنية هي المحدد الأساسي لمدى نجاح هذا التحول أو فشله، و في الأغلب تخوض القوى السياسية المدنية نضالًا حقيقيًا لإعادة تأهيل هذه المؤسسات وعلاقاتها بالنظام، هو نضال عصيب وهي أي تلك القوى تقود مرحلة التحول؛ فماذا يكون حاله إن كانت المؤسسة العسكرية هي من تقود، وتستطيع هندسة البيئات السياسية والتشريعية والأمنية والإعلامية كما تريد؟
إدارة المرحلة الانتقالية:
يبقى السؤال المركزي ...وهو كيف يمكن إنشاء نظام سياسي (ديمقراطي) - إذا اعتبرنا الديمقراطية هي مجرد حدوث انتخابات نزيهة - وليس أن الديمقراطية هي أن تتم هذه الانتخابات بعد ترتيب البيئات السياسية والتشريعية والأمنية التي تعقد بها عن طريق التوافق السياسي المدني، وأن يكون منتوجها مهيمنًا على كل مساحات السلطة في الدولة؟
هناك طريقان يتم اتباعهما: الأول هو تأهيل التيارات السياسية الموجودة لتتقبل وتتعايش مع المصالح الوجودية والحيوية لكل من المؤسسة العسكرية والقوى الخارجية، والثاني هو إيجاد الوصي العسكري. و في الأغلب يتم اختيار المسارين معًا، لأن التأهيل هو الأضمن على المدى الطويل ولكنه يحتاج وقت، والوصاية هي الأضمن على المدى القصير ولكنها تقدم وقتًا للتأهيل.
وهذا مارأيناه في المرحلة الانتقالية التي كان من سماتها الأساسية تفكيك الزخم الثوري، وإعادة إنتاج مكونات النظام القديم في الداخلية، والإعلام، والجهاز السيادي البيروقراطي، وتوثيق شرعية المجلس العسكري السياسية والواقعية.
والمثير للحنق أن القوى الإسلامية الإخوان خصوصًا لم تكتفِ بالتقاصر عن استكمال الحالة الثورية، مع أنها كانت المركز الرئيس في التنظيم والكتلة الشعبية المتماسكة، ولم تنجر فقط إلى مسرحية (الاستفتاء) الذي أشعل الاصطفاف السياسي والأيديولوجي، وليس فقط أنها لم تحرك ساكنها حين ظهر الإعلان الدستوري مكرسًا بشكل تام لدولة وصاية عسكرية، و لا يكون للبرلمان المنتخب أي سلطة حقيقية، حتى تلك الموجودة في دستور 71، ولكنها ساهمت بجدية في تمتين هذه الشرعية السياسية كما ظهر طيلة المرحلة السابقة و(جمعة الوقيعة) و(الجيش خط أحمر).
وفي المقابل حتى تكتمل الصورة- تحت ضغط الرهبة من اكتساح الإسلاميين الهائل بدأت بعض القوى الليبرالية ترى الملجأ الوحيد في المجلس العسكري و(وصايته). و من اللافت للنظر أن أول من طرح فكرة الوصاية أصلًا في الساحة السياسية المصرية كانوا للأسف نخب أكاديمية سياسية، كانت قد وثقت فيهم جماهير الثورة!
وحصول التفاهم بين الإخوان والمجلس العسكري هو مسألة من بديهيات قراءة الساحة المصرية في الغرب، وهناك طروحات عديدة (وأحاديث) في الداخل والخارج عن صفقات محددة: سواء لقاءات عمر سليمان وماقبل التنحي مباشرة، واتصالات خاصة بالإدارة الأمريكية مبكرًا قبل التنحي، وخصوصًا في المرحلة الأخيرة، وشبه توافق أن شرط تأهيل الإخوان أمريكيًا هو قبول الإخوان بترك الملفات السيادية للعسكر والانشغال بالملفات المدنية الأخرى.
وأنا أقول: إن هذه الصفقات لها شواهد عديدة، وقد يفعلها الإخوان ظنًا أنها (للمصلحة الوطنية)، خصوصًا إذا تماهت المصلحة الفئوية مع المصلحة الفئوية والدينية، وأنها هي الحد المتاح كما حدث في 2005، وهي لو نظرنا إليها أنها آتية من فريق له مسار إصلاحي تفاهمي غير ثوري فلا استنكار، و تبقى خيار سياسي؛ ولكن كونها سرية و فئوية(لا تمثل التوافق الوطني) فإنها مشكلة سياسية وأخلاقية.
غير أن الإنصاف كذلك يقتضي القول أن منطق التفاهم السياسي بين طرفين هو أوسع من الصفقات المباشرة وكتابة العهود، و لكنه قراءة متقاربة للمصالح المشتركة، ثم إرسال (إشارات) متبادلة على النوايا والتوجهات، والحقيقة أن الفضاء السياسي المصري أصبح (سنترالًا) بمثل هذه الإشارات، بدءًا من تعيين أ. صبحي صالح في لجنة التعديلات.
المسار المقبل والانتخابات:
المجلس العسكري يعتمد على تفكيك حالة الثورة بنقلها لمرحلة النسق الدستوري الذي يتحكم على مفاصله، و أن وصايته تلك يتم تكريسها عن طريق موازين القوى السياسية والمادية على الأرض، وتقنين جزء كبير من هذه السيادة (دستوريًا)، والنقطة الأولى أهم من الثانية. و لذلك فمن بديهيات انتقال السلطة من العسكر للمدنيين في أي تحول ديمقراطي ثوري أن هناك ثلاثة متطلبات لابد من حصولها: توافق سياسي (فلا يستغل العسكر حالة التحارب السياسي للتنقل من طرف لطرف)، و زخم ثوري داعم في الخلفية (كقوة ضاغطة)، ومنطق حكيم في التعامل مع المجلس يضمن إعفائه من خروقاته أيام النظام السابق في مقابل تسليم السلطة كاملة.
المسارات أمام المجلس لتحقيق مراده السياسي بالنسبة للانتخابات ومنتوجها:
أولا في حالة أغلبية إخوانية يكون أمام المجلس خياران - وفي الأغلب سيجمع بينهما: احتواء الإخوان في ظل نظام سياسي يتحكم العسكر في ملفاته السياسية ويتركون ملفات (ما يسمى بمحور الإعمار والتنمية للإخوان)وهذا مايحبذه الأمريكي. والثاني: محاولة قصقصة أجنحتهم ونفوذهم السياسي ومحاولة استمالة فصيل داخلهم دون فصيل، وأمامه مفاتيح ينفذ منها أو يصطنعها(قانونية التنظيم التمويل التنظيم الدولي والعلاقات الخارجية الحزب على أساس ديني أي فبركات أخرى)، و سيساعده على ذلك نفور القوى السياسية ورهبتها من الفوز الإخواني.
ثانيا في حالة (كوكتيل) سياسي لا أغلبي؛ فيكون فرض الوصاية وعقد الصفقات فيه أفضل وأيسر من حالة الأغلبية الإخوانية.
ثالثا بقاء الوضع العسكري المباشر كما هو؛ في حال تقدم إخواني واستعصاء على الوصاية أو تخريب الانتخابات بسبب الانفلات الأمني...وهذا احتمال ضعيف.
بالمناسبة نطرح سؤالًا مهمًا...لماذا إذن رفض الإخوان صراحة المادتين 9 و 10 من وثيقة السلمي؟
لعدة أسباب: أولا: منطق الصفقة ليس هو المتسيد في النسق القيادي الإخواني، الذي يعاني إشكالًا حقيقيًا في القدرة السياسية، وهذا تجلى في عدم إدراك محركات المجلس العسكري منذ تسعة أشهر مع أنها بالفعل بديهة سياسية و لكن تبقى هناك مجموعة بعينها داخل هذا النسيج واعية بالأمر وتبعاته وخياراته- طبيعة الحال أنه لابد من تعريض الجماعة لحزم ترغيبية وترهيبية لحسم هذا الأمر عند الجميع؛ لأن الخيار حينها لايكون بحال ثوريًا.
السبب الثاني وهو الأهم- هو حالة الغليان الداخلي في حالة حدوث هذا، وهو لا شك أنه سيكون أشد كثيرًا من ذلك الذي حدث عند التوقيع على وثيقة عنان، ودفع الجماعة بعد أيام لإظهار بيان منتقد للوثيقة في حالة من الهزل السياسي- ولكنه يكفي لحد ما في تخفيف الاحتقان الشعبي.
هل من الممكن تأهيل الصف الإخواني ليقبل بخيار الوصاية العسكرية؟
للتنظيم الإخواني وبسبب طبيعة البيئات التربوية والتنظيمية قدرة معقولة وإن بدأت تقل مع الوقت- في استيعاب الصف الداخلي عبر أدوات متعددة، منها الحشد والتعبئة العاطفية ونسج حكايات تطمينية (كمثل تلك التي كانت تحكى عن المجلس وبيضاوية بعض أفراده)، أو تخويفية (الحديث عن المؤامرات حديثًا). ويأتي حينها الحديث أن هذا هو مصلحة دعوية وأنه في الإمكان استنساخ النصر الأردوغاني واحتياج الشعب للتربية والتنمية التي يتيحها وجود الإخوان في مؤسسة القرار، و أن الثورة هي خيار مرفوض لفداحة ثمنه، و يتم إسناد هذا ب(أدلة) تراثية على وجوب التعقل والتدرج وتغليب الحكمة على العاطفة، و يتم استدعاء كل الأمثلة التاريخية بشكل مشوه، بدءًا من رفض التحرك لإنقاذ سمية أو صلح الحديبية.
المشكلة الحقيقية أن خصائص البيئة التربوية والتنظيمية في التنظيمات الإخوانية المختلفة دفعت في أوقات عديدة في العراق والأردن ولبنان والجزائر واليمن والخليج الحركة الإخوانية لاتخاذ مسارات مناقضة للمقاصد الشرعية في الحرية السياسية والتحرر والعدل الاجتماعي، و لم تلقَ تذمرًا داخليًا كبيرًا.
الوضع في حالتنا مختلف لحد ما بسبب حالة التغير الكوني التي أسفرت عنها الثورة المصرية، والتي لا تجعل قدرة التنظيم في دفع قطاعات أفراده إلى خياراته ليست عملية محسومة وسهلة أبدًا.
بين النموذجين التركي والباكستاني:
والآن نعرض تحديدًا طبيعة النظام السياسي الناشئ كما يتوهمه صانعوه، و يدور حوله النقاش في دوائر غربية وقريبة من مؤسسات اتخاذ القرار في مصر. يكثر الحديث عن التردد بين النموذجين التركي والباكستاني.
النموذج التركي المقصود به اصطناع دور خاص للمؤسسة العسكرية؛ بحيث تكون قيّمة على مبادئ الدولة، فضلًا عن مساحة للنفوذ الذاتي في دوائر الأمن القومي والشئون العسكرية. و هذه تسمى(دولة بريتورية)نسبة للفصيل الروماني الشهير الذي كان لا يحكم الإمبراطورية القديمة ولكن يتحكم في (من وكيف)يحكم. والنموذج التركي بشقيه المقصود به الوصاية العسكرية من جهة(لتضمن المصالح الغربية ونفوذ المؤسسة العسكرية ومصالحها وتتفاهم معها) وتأهيل الإسلاميين من جهة أخرى(لتقبل الترتيب الإقليمي في المنطقة وسياسات رأس المال). و النموذج التركي يقود لامحالة إلى تغلغل المؤسسة العسكرية إلى ما بعد الملفات السيادية؛ كتدخله في الإعلام والتعليم والجهاز البيروقراطي والقضائي. وهو يستغل الرهاب الموجود بين القوى العلمانية ضد الإسلاميين لشرعنة وجوده.
وبالطبع فالنموذج التركي لم يتم تعديله حديثًا في تركيا إلا بعد نضال استغرق عقودًا، و ساعد على هذا التعديل البنى السياسية والاجتماعية الناضجة في تركيا، وكذلك ملف الاتحاد الأوروبي وما يحوزه من دعم شعبي ساحق واشتراطات هذا الملف في جوانب الديمقراطية والعلاقات المدنية العسكرية-، والأهم أنه لم يكن ثمة خلاف بين المؤسسة العسكرية والمدنية حول طبيعة الترتيب الإقليمي والعلاقة مع أمريكا، بل استفادة أردوغان وانحيازه لهذا الشأن أكثر من العسكر.
أما النموذج الباكستاني فهو ترك الحالة السياسية الداخلية دون تدخل كبير ولكن احتفاظ المؤسسة العسكرية بالملفات السيادية وشئون الأمن القومي والملف النووي.
وما يساعد على هذا النموذج باكستانيًا ويعاكسه في مصر الوضع اللامركزي للدولة، والنسق القبلي، والتنوع الاجتماعي والأنثروبولوجي الواسع. في مصر كأي دولة مركزية حديثة- لابد من تدخل المؤسسة العسكرية في البيئة السياسية المدنية وأجهزة الإعلام والأمن الداخلي إذا أرادت أن تحافظ على مصالح (دولتها) الصغيرة، و إلا فبإمكان القوة المدنية أيًا تكن- حشد مساحات سياسية وإعلامية وأمنية واجتماعية ضد نفوذ المؤسسة. ثم إن عنصر (العازل) هو فاعل في الحالة المصرية استغلالًا للرهاب من الإسلاميين ومايحوزونه من قدرة تنظيمية وشعبية كبيرة.
و لهذا فالنموذج المرجح أمريكيًا وغربيًا هو نموذج ما بين الاثنين... تتم فيه ضمانة الملفات السيادية لصالح العسكر، و في نفس الوقت يجب إشرافه بشكل خلفي على المساحة السياسية التي يستوعب فيها جزء الحالة الإسلامية ولكن (بقدر).
الحل الثوري إلى أين؟
ذكرنا من قبل أن هذا لا يتم إلا بثلاثة متطلبات: التوافق الوطني - والزخم الثوري - تسوية مع المجلس والوعي بذلك.
و أود أن أوضح أن الذي ينقصنا الآن هو العمل لإنضاج هذه المتطلبات، و(تصفية العوائق).
التوافق الوطني (مشكلة المسار الإخواني: وهذا سيحل إما بانخراط الإخوان بوضوح في نظام الوصاية - أو بتعرضهم لتحجيم العسكري مما يدفعه للانحياز للخيار الثوري التوافقي)، أما المكونات الليبرالية التي تورطت مع العسكر فقد تم حرقها ثوريًا وستحرق سياسيًا.
الزخم الثوري (وصل لأفضل مما نتوقعه ولكن يحتاج لعمل على الحاضنة الشعبية، وسيكون فشل النظام المتشكل وعدم استيعابه للاحتقان الشعبي مهيئًا لما نصبو إليه) - وهذا واجب المجاميع الثورية أن تحتك بالجمهور أكثر، و تكون لجان للمتابعة الثورية لتمديد الحالة الثورية سياسيًا ومجتمعيًا.
وهناك مسألة أخرى، وهي الوعي بمنطق تسوية الأمر مع العسكر، و أي ملفات لابد أن تحسم وأيها لابد أن يخضع لتدرج، و لكن تحت القيادة السياسية والرقابة البرلمانية، وهذا وضح (بشكل عام) للنخب السياسية، ولكن ينقصه المزيد من الإيضاح.
وماذا بالنسبة للانتخابات؟ لست معنيّا بها اللحظة.
هذه الثورة منتصرة عاجلًا أم آجلًا بإذن الله .. في هذه الجولة أو في جولة قريبة مقبلة.
* باحث في الدراسات الاستراتيجية جامعة ريدينج
-----------------------------------------------------
عن صحيفة " البيان " الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.