يومًا تلو الآخر، تتأزم الأوضاع في الضفة الغربية، في ظل ما دأبت عليه حكومة نتنياهو، بالاستمرار في بناء المستوطنات، وممارسة القمع ضد المواطنين في مدن وقرى الضفة، بهدف «التهويد» وفرض الأمر الواقع، ونصف أي محاولات قد تؤدي غلى حل الدولتين. ويأتي قرار المصادقة على إقامة 19 مستوطنة جديدة، ليضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني حاسم، لأن هذه التحركات لا تمثل مجرد توسع عمراني، بل هي إعادة صياغة قسرية للجغرافيا السياسية تهدف إلى فرض واقع «الدولة الواحدة»، وهو ما يصطدم مباشرة بالإجماع العربي والغربي الذي يرى في حل الدولتين المسار الوحيد القابل للحياة لإنهاء الصراع وضمان التعايش السلمي. التوسع الاستيطاني لا يُعد مجرد إجراء إداري أو عمراني، بل يمثل فعلًا سياسيًا مقصودًا يهدف إلى فرض وقائع جغرافية على الأرض، لتقويض أي مسارات للتسوية، بل يعد رسالة ضمنية، بإجهاض كافة المحاولات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. الإجماع العربي والغربي المتجدد، على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للتعايش، لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى قناعة راسخة بأن هذا الحل، رغم ما يواجهه من عراقيل، إذ تبذل عدة أطراف مساعي حقيقة لمحاولة فتح مسار للحل السياسي للقضية الفلسطينية، ولكن كيف يحدث ذلك في ظل ما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم استيطانية، تخالف المواثيق والأعراف الدولية؟ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدسالشرقية، ليست مطلبًا سياسيًا فقط، بل استحقاقًا قانونيًا أقرته قرارات الشرعية الدولية، بدءًا من قرارات مجلس الأمن مرورًا بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصولًا إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. خطورة الاستيطان لا تكمن فقط في مصادرة الأراضي، بل في تفكيك الجغرافيا الفلسطينية، بما يجعل فكرة الدولة الفلسطينية قابلة للتآكل التدريجي، ومع كل وحدة استيطانية جديدة، تتراجع إمكانية إقامة الدولة، وتتبدد فكرة حل الدولتين، لذلك فإن رفض الاستيطان ليس موقفًا سياسيًا، بل ضرورة لحماية أي مسار تفاوضي جاد. اقرأ ايضا| أحمد عبد الوهاب يكتب: تسريب «مشعل» بين خطاب المقاومة وحسابات الأنظمة الموقف العربي في هذا السياق، ظل ثابتًا قائمًا على دعم الحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وقيام الدولة المستقلة، ورغم تعقيدات المشهد الإقليمي وتعدد الأزمات، لا يتغير الموقف، بل يُعزز بإدراك جماعي بأن استمرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي دون حل عادل يظل مصدرًا دائمًا لعدم الاستقرار في المنطقة. من هنا، تعكس التحركات الدبلوماسية العربية، محاولة لإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي، بعد سنوات من التهميش والانشغال بقضايا أخرى، لذلك فإن العمليات التي يقوم بها الاحتلال وعلى رأسها الاستيطان، جعلت العديد من الدول الغربية، يدرك أن التغاضي عن هذه السياسات لا يضر فقط بالفلسطينيين، بل يقوض أيضًا مصداقية النظام الدولي القائم على احترام القانون الدولي ورفض الاستيلاء على الأراضي بالقوة، لذلك الدفاع عن حل الدولتين أصبح دفاعًا عن فكرة القانون الدولي نفسها، لا عن طرف بعينه. الرد على خطط الاستيطان، يجب أن يكون جزءًا من رؤية شاملة تعيد الاعتبار لحل الدولتين كخيار استراتيجي لا بديل عنه، لأن حماية الحقوق الفلسطينية ليست فقط واجبًا إنسانيًا، بل شرطًا أساسيًا لتحقيق سلام عادل ودائم، يضمن الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة، ويعيد الثقة في قدرة المجتمع الدولي على إنفاذ القواعد التي وضعها بنفسه. ووفقًا للقانون الدولي، تعتبر الحقوق الفلسطينية ليست محل تفاوض أو مقايضة، بل حقوق ثابتة تتعلق بالأرض والهوية والسيادة، ولا يمكن إلغاؤها عبر فرض الأمر الواقع، ومع كل إجراء استيطاني جديد يمثل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف ولقرارات مجلس الأمن، ويضعف منطق عملية السلام، الذي يستخدم لتبرير التأجيل والمماطلة. وفي ظل هذا المشهد المعقد، لابد من ترجمة الإجماع العربي والغربي إلى خطوات عملية تتجاوز بيانات الإدانة والشجب، لأن الااستمرار في الاكتفاء بالمواقف اللفظية، دون موقف قوي، يمنح غطاءً ضمنيًا لمواصلة السياسات الاستيطانية، لذلك لابد من تفعيل أدوات الضغط السياسية والقانونية، وربط أي تعاون أو شراكة باحترام القانون الدولي، ووقف الإجراءات الأحادية، التي تقوض حل الدولتين. [email protected]