محمد نعيم - أسماء حجاج - مروى حسن حسين - اسامة عجاج - محمد جمال الزهيري - سميحة شتا ظهر الأمر كما لو كانت خلايا سرطانية تنتشر بسرعة فى جسد منهك عانى طويلًا، ففقد قدرته على المقاومة بعد أن نجحت دول استعمارية ولأهداف خاصة فى خلق وزرع كيان لم يتجاوز عمره 77 عامًا بينما بعض أشجار الزيتون ومنازل القدس والخليل أقدم منه فهى أرض لها تاريخ منذ الآلاف التاريخ، مهبط كثير من الأنبياء والرسل وأصحاب الرسالات فى صراع خرج من السياسى على الأرض والحدود إلى صراع وجود فى سعى لإلغاء الآخر وخوض معركة صفرية واختلط فيها السياسى بالدين. نتحدث عن الصراع العربى الإسرائيلى وفى القلب منه القضية الفلسطينية والتى تفاقمت بصورة غير مسبوقة بزيادة معدلات الاستيطان وارتفاع نسبة أعداد المستوطنين ودخلنا مرحلة جديدة، حيث تسعى إلى خلق الحقائق على الأرض ومن الصعب الآن وإن لم يكن من المستحيل إزالتها. ومع صباح كل يوم يشهد العالم وقائع الجريمة مع ظهور مستوطنات جديدة وإعلان عن مخططات للاستيطان لم تكتف إسرائيل بقدرات جيشها الضخمة فى تنفيذها بل خلقت مجموعة من المجرمين انخرطوا فى تنظيمات وجماعات تحظى بكل الدعم والمساندة من الدولة استوطنوا أماكن ليست لهم، فعاثوا فيها فسادًا فقاموا باقتلاع الأشجار وتبوير الأراضى وحرق البيوت وطرد الأهالى فى ظل غياب لسلطة محاصرة ومقاومة مستهدفة يضاف إليها دعم أمريكى غير مسبوق، حيث لم نشهد رفضًا أو تنديدًا بسلوك المستوطنين إلا فى حالات محدودة عندما يزداد إجرام المجرمين وهو نفس الحال بالنسبة للمنظمات الدولية وفى القلب منها الأممالمتحدة التى خرج منها عشرات القرارات التى تدين الاستيطان دون أى آلية للعقاب أو تنفيذ القرارات على الأرض. وهذا الملف لدق جرس إنذار حقيقى حتى لا تضيع دولة ويتم تغييب شعب ولمزيد من التفاصيل. فيما تتواصل جهود إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أقر نتنياهو وحكومته المتطرفة خطة استيطانية استراتيجية لإحباط الحلم. تتضمن الخطة، حسب وثائق وخرائط سريَّة نشرتها صحيفة «يسرائيل هايوم»، بناء 5 مستوطنات جديدة فى الضفة الغربية، لتمزيق الواقع الجغرافى، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية. ويشير تقرير الصحيفة العبرية إلى مصادقة حكومة تل أبيب على الخطة، التى بادر إليها وزير المالية المتطرف بيتسلئيل سيموتريتش، رغم اعتراض الولاياتالمتحدة عليها، وهى تغاير نقاطًا استيطانية جرت المصادقة عليها العام الماضى 2024، وتهدف فى هذه المرة إلى وضع حجر عثرة أمام كافة الرؤى التى تنادى بحل الدولتين. فى حالتين استيطانيتين على الأقل فى الضفة الغربية، تؤكد الوثائق اعتزام إسرائيل إنشاء مستوطنات من الصفر، وعزت ذلك إلى أسباب وصفتها ب«الاستراتيجية»، تهدف إلى إبعاد الفلسطينيين عن الأراضى المصنفة B. وعلى بعد عشرات الكيلومترات من تلك المنطقة، وافقت إسرائيل على إعادة بناء مستوطنة «جفعات أساف»، لخلق رابط استراتيجى مع مستوطنة «بيت إيل». اقرأ أيضًا | ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 54772 منذ بدء العدوان وبين كتلتين سكنيتين فى المنطقة B، أقرت حكومة نتنياهو بناء مستوطنة كبيرة، يمكنها استيعاب 50 ألف نسمة من المستوطنين المتشددين (الحريديم). وترسيخًا لعزل القدس عن الضفة الغربية بالتجمعات الاستيطانية، تنص الخطة على إعادة بناء مستوطنة «حاليتس»، لتحوى فى أحشائها سلسلة من المستوطنات، وتربط مستوطنة «جوش عتسيون» بمدينة القدسالمحتلة. وتدخل التجمعات الاستيطانية المقترحة ضمن أراضٍ سبق وأقرت إسرائيل بخضوعها إداريًا وأمنيًا للسلطة الفلسطينية، ومنها نقاط استيطانية على تلال الخليل، وهى عبارة عن شريط ضيق للغاية يمر بكامل المناطق الفلسطينية المصنفة B. الخطة الاستيطانية لا تقتصر على إقرار بناء المستوطنات فقط، بل تشمل أيضًا خطواتٍ مُكمّلة، فعلى سبيل المثال، وخلال اجتماع ما يسمى بالمجلس الأعلى للتخطيط الاستيطانى، تمت الموافقة على خطة رئيسية لمستوطنة «جفاعوت»، ورغم أنها مصنفة بغير القانونية، إلا أن الهدف من إعادة بنائها وتوسيعها، يكمن فى منع أى حكم فلسطينى مستقبلى. وإلى جانب خطط استيطانية أخرى قيد الإعداد، وافقت حكومة تل أبيب على بناء حى يهودى كامل فى مستوطنة «نيجهوت»، للربط بين المستوطنة وبقية نقاط تلال الخليل الاستيطانية، ليبتلع الحى منطقة ضخمة من المناطق B. ويحتل جبل الخليل رأس أولويات ابتلاع أراضى الضفة الغربية، إذ منحت حكومة نتنياهو ضوءً أخضر لتنفيذ الخطط الاستيطانية، كما حصلت المستوطنات فى عمق أراضى الضفة الغربية على كافة تراخيص البناء والتوسعة الاستيطانية. وتهدف تل أبيب، بموجب وثائق الصحيفة العبرية، إلى ضم 45 ألف دونم (الدونم 1000 متر مربع) من الأراضى الفلسطينية لحساب المصنع الاستيطانى بنهاية العام الجارى 2025. وتعانق الخطة الاستيطانية غير المسبوقة قرار وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الرامى إلى تدشين إدارة جديدة فى وزارته، وتكليفها بتنسيق العمل بين وزارات الحكومة لتهجير سكان قطاع غزة إلى دولة ثالثة. وتزامن ذلك أيضًا مع مصادقة كاتس على مقترح سموتريتش، الرامى إلى الاعتراف بثلاث عشرة منطقة فى الضفة الغربية واعتبارها أراضى إسرائيلية، بالإضافة إلى عزل 13 مستوطنة فى الضفة الغربية عن المستوطنات المجاورة لها، والاعتراف بها كمستوطنات مستقلة. ويأتى ذلك بعد مصادقة إسرائيل على بناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية فى الضفة الغربية. أما فى الجنوب الإسرائيلى، فشملت المخططات بناء 5 مستوطنات جديدة بين منطقتى ديمونا وبئر السبع، وترعى دائرة الاستيطان التابعة للمنظمة الصهيونية المشروعات المزمع تدشينها فى تلك المناطق، وتقدر تكلفتها الإجمالية ب2.2 مليار شيكل، بالإضافة إلى التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها. فى المرحلة الأولى، تستحوذ إسرائيل على 300 قطعة أرض فى كل منطقة (بإجمالى 1500 قطعة أرض) وبتكلفة تقديرية تبلغ حوالى 170 مليون شيكل، ليصل العدد الإجمالى فى نهاية المطاف إلى 4800 قطعة أرض. ويرتبط إنشاء المستوطنات الجديدة، التى تحمل أسماء مؤقتة هى: نيفاتيم داروم، وجفعات أداريم، وتليم- تلما، وتاليا، وتوسعة نيفاتيم، بقرار الحكومة الصادر فى أبريل 2022. هدف إسرائيل المعلن للمبادرة كان «تحديد مناطق لإقامة مستوطنات وتعزيز الاستيطان اليهودى جنوب شرق مدينة بئر السبع الكبرى، وتلبية الطلب على الاستيطان فى المستوطنات الريفية والبلدية فى مدينة بئر السبع الكبرى»، إلا أن الهدف غير المعلن يتضمن توسيع نطاق الكتل الاستيطانية فى كافة أنحاء إسرائيل، لإحباط أى فكرة لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية. ولضمان الجدوى الاقتصادية للمطورين، قررت الدوائر المعنية فى تل أبيب منحهم أراضى إضافية. وفى العفولة، وافقت إسرائيل مؤخرًا على المخطط الهيكلى الشامل، الذى يسمح بتطوير 70 ألف وحدة استيطانية جديدة. أمريكا.. دعم مستمر واستثناءات محدودة فى قلب الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، يبرز الاستيطان الإسرائيلى كواحد من أكثر القضايا تعقيدًا وإثارة للجدل. وعلى مدار عقود، لعب الدعم الأمريكى لإسرائيل دورًا محوريًا وإن كان غير مباشر فى كثير من الأحيان فى تمكين وتعزيز هذا المشروع الاستيطانى، سواء من خلال الحماية السياسية أو الموارد العسكرية والاقتصادية، ظل الدعم الأمريكى لإسرائيل أشبه بخيط سياسى لا ينقطع، مهما تبدلت الإدارات أو تغيرت أولويات البيت الأبيض. إنه تحالف يثير الكثير من التساؤلات: لماذا هذا التمسك الأمريكى المستمر؟ ونوضح فى هذا التحليل كيف ساهم هذا الدعم فى ترسيخ الاستيطان الإسرائيلى، وندرس العلاقة بين الموقف الأمريكى وتوسع المستوطنات فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية فى ظل الدعم الأمريكى المطلق والاستثناءات القليلة التى تكشف عن تعقيدات أعمق مما يبدو على السطح. منذ عام 1948، ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية الداعم الرئيسى لإسرائيل على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية. وقد تعزز هذا الدعم بمرور العقود، حتى أصبح يُنظر إليه كواحد من أكثر التحالفات الاستراتيجية رسوخًا فى السياسة الدولية. ومع ذلك، شهد هذا الدعم بعض الاستثناءات المحدودة، التى لم تمس بجوهر العلاقة ولكنها عكست أحيانًا تباينات ظرفية فى الرؤية أو المصالح. أولاً: الدعم العسكرى، تقدم الولاياتالمتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية سنوية تقدر ب3.8 مليار دولار (بموجب مذكرة التفاهم الأخيرة التى بدأت فى 2018 ولمدة 10 سنوات). ثانياً: الدعم السياسى والدبلوماسى، استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض (الفيتو) أكثر من 40 مرة فى مجلس الأمن لحماية إسرائيل من قرارات تدين سياساتها تجاه الفلسطينيين. واستخدمته أكثر من مرة لإجهاض قرارات دولية تعتبر الاستيطان غير قانونى وتطالب بوقفه. هذا وفّر لإسرائيل حماية دبلوماسية حالت دون اتخاذ خطوات دولية فعالة لمحاسبتها. ورغم أن بعض الإدارات الأمريكية وصفت الاستيطان بأنه «عقبة أمام السلام»، إلا أن هذه التصريحات لم تتوافق مع ضغوط فعلية لوقفه. بل كانت تُستخدم أحيانًا لامتصاص الغضب الدولى دون تغيير حقيقى فى السياسة الأمريكية. ثالثًا: الدعم الاقتصادى والتجارى، تقدم واشنطن مليارات الدولارات سنويًا كمساعدات اقتصادية، وجزء من الدعم الأمريكى، خاصة فى مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا، تم استخدامه بشكل مباشر أو غير مباشر فى تطوير شبكات المياه والكهرباء، والطرقات التى تخدم المستوطنات. رابعًا: الدعم الأيديولوجى والرمزى: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (2018)، هذه الخطوة، التى اتخذتها إدارة ترامب، اعتُبرت بمثابة اعتراف ضمنى بسيادة إسرائيل على المدينة، وشجّعت تل أبيب على تسريع مشاريع استيطانية فى القدسالشرقية. كما أن خطة «صفقة القرن»، التى أعلنتها إدارة ترامب عام 2020 أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية، بما فيها كتل استيطانية ضخمة، مما أضفى نوعًا من الشرعية على مشروع الاستيطان. رغم الطابع الثابت للتحالف، شهدت العلاقة بعض اللحظات التى اتسمت بالتوتر أو التراجع المؤقت فى الدعم: فقد توترت العلاقة خلال فترة رئاسة باراك أوباما، خاصة بسبب الخلافات حول الاتفاق النووى مع إيران وسياسة الاستيطان. وامتنعت الولاياتالمتحدة فى نهاية 2016 عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذى أدان بناء المستوطنات الإسرائيلية. الانتقادات داخل الكونجرس الأمريكى، ظهرت أصوات ناقدة داخل الحزب الديمقراطى، تطالب بإعادة النظر فى الدعم غير المشروط لإسرائيل، خاصة فى ظل العمليات العسكرية فى غزة. وفى فترات معينة، تم التلويح بربط المساعدات العسكرية باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولى. رغم وجود لحظات توتر أو مراجعة محدودة، فإن الدعم الأمريكى لإسرائيل يظل ثابتًا واستراتيجيًا. وتُعد الاستثناءات التى ظهرت عبر السنوات مؤشراً على تباينات ظرفية أكثر من كونها تحولاً جذريًا فى العلاقة. تهويد المقدسات وجه آخر للجريمة الإسرائيلية يشكل تهويد المقدسات فى فلسطين أبرز أوجه المشروع الاستيطانى الإسرائيلى، حيث لا يقتصر الاحتلال على الاستيلاء على الأراضى وبناء مستوطنات، بل يمتد ليطال الهوية الدينية والثقافية والتاريخية للشعب الفلسطينى. وتسعى إسرائيل من خلال هذا التهويد إلى طمس المعالم الإسلامية والمسيحية، وتثبيت روايتها التوراتية عبر تحويل المقدسات إلى رموز يهودية، وبالتالى خلق واقع ديمغرافى ودينى يخدم أهدافها السياسية والرؤية الإسرائيلية لجعل القدس «عاصمة أبدية موحدة لليهود». بدأ التهويد المنهجى للمقدسات منذ عام 1967، ولكن جذوره الفكرية والسياسية تعود إلى المشروع الصهيونى منذ بدايات القرن العشرين. وتهدف عملية التهويد إلى تغيير الطابع الدينى والتاريخى للمقدسات الإسلامية والمسيحية وخاصة فى القدسالمحتلة وذلك من خلال فرض الطابع اليهودى على المعالم الأثرية والدينية وتغيير أسماء المواقع التاريخية ومنع أو تقييد دخول المسلمين والمسيحيين إلى أماكن عبادتهم وإدراج روايات دينية يهودية على المواقع الإسلامية. وقد خصصت سلطات الاحتلال ما يقرب من 11 مؤسسة إسرائيلية عملت وما زالت تعمل على التهام مزيد من الأراضى والعقارات بالقدس لخدمة مشروع التهويد. تعد القدسالمحتلة محورًا رئيسيًا فى عملية التهويد، لكونها تحوى العديد من المواقع الدينية المهمة، مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. ومن أبرز ملامح التهويد هو الحفريات الواسعة التى تقوم بها سلطات الاحتلال فى محيط وأسفل المسجد الأقصى بحجة البحث عن «الهيكل المزعوم» ما يهدد بنيانه ويضعف أساساته، والاقتحامات اليومية لباحات المسجد الأقصى والتى تقوم بها جماعات استيطانية -تحت حماية الجيش الإسرائيلى- فى محاولة لفرض واقع تقسيمى مشابه لما حدث فى المسجد الإبراهيمى فى الخليل، وكذلك إغلاق سلطات الاحتلال لعدد من المؤسسات الإسلامية التعليمية والخيرية التى تديرها الأوقاف الإسلامية فى القدس. ومن الإجراءات التى اتبعتها السلطات الإسرائيلية لتهويد المقدسات الإسلامية الحملة الكبيرة على المساجد والمقابر الإسلامية فى داخل الخط الأخضر، وإضافة إلى سياسة هدم المقابر وجرفها، استمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 فى استهداف المساجد فى فلسطين، فقام الجيش الإسرائيلى تحت حجج أمنية وغيرها بتحويل المساجد المقامة التى لم يستطع هدمها داخل الخط الأخضر إلى معابد لليهود، وتشير الدراسات المتخصصة إلى أن الجيش الإسرائيلى قد حوّل 14 مسجدًا إلى معابد يهودية. والثابت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 ركزت سياساتها التهويدية فى مدينتى القدس والخليل، وهناك مخططات إسرائيلية لتهويد المقدسات فى المدينتين.و تعمل حكومة نتنياهو الحكومة الأكثر تطرفا- بوتيرة أسرع إلى تغيير المعالم الإسلامية والمسيحية وطمس الآثار العربية فى المدينة المقدسة عبر مشاريع ومسميات التحديث. ترتبط عملية التهويد ارتباطًا وثيقًا بالاستيطان، إذ تعتبر إسرائيل تغيير الطابع الدينى وسيلة لتعزيز الرواية التاريخية التوراتية التى تبرر وجود المستوطنات، خاصة فى المناطق المصنفة على أنها ذات «قيمة دينية» فى العقيدة اليهودية مثل القدس والخليل وبيت لحم. يهدف طمس الهوية الفلسطينية للقدس وتكريسها ك «عاصمة يهودية» إلى خلق واقع جديد على الأرض قبل أى حل سياسى نهائى. بن غفير - سموتريش.. من المستوطنات إلى الوزارة بكل المقاييس نحن أمام مرحلة جديدة فى تاريخ الاستيطان الاسرائيلى على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض، صحيح أن التاريخ يكشف أن التوجه إلى الاستيطان ليس وليد السنوات الأخيرة بل بدا منذ عقود طويلة وزادت معدلاته مع قيام الدولة فى مايو 1948 ولكننا أمام ظاهرة جديدة تكرست فى السنوات الأخيرة وزاد تأثيرها وهى تصدر أبناء المستوطنات الذين قضوا حياتهم فيها للمشهد السياسى فى إسرائيل وتوليهم مناصب قيادية وأصبحوا وزراء اختاروا مهام مرتبطة بملف الاستيطان وأهمهم على الإطلاق إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش وهذا واضح بعد انتخابات الكنسيت عام 2022، حيث فتحت الطريق أمام تشكيل ائتلاف وتحالف من عدة أحزاب دينية يهودية متطرفة وأحزاب يمنية ضم بالإضافة إلى الليكود وحزب ساش حزب القوة اليهودية بزعامة إيتمار بن غفير وحزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريش الذين دخلوا فى مفاوضات صعبة مع نتنياهو خرجوا منها فائزين بمناصبهم تحقق لهم أهدافهم فى خدمة قضية الاستيطان كالتالى: الأول: بن غفير وسع من صلاحيات وزارة الأمن التى تحولت إلى وزارة الأمن القومى لتضمن الإشراف على المستوطنات كما يخطط الائتلاف الحاكم لإخضاع حرس الحدود فى الضفة الغربية لوزارة الأمن القومى بإشراف بن غفير مما يعنى قطع الصلة بينها وبين قيادة الجيش والثانى: سموتريش تمسك بوزارة المالية وكان له ما طلب بهدف توفير كل الاعتمادات المالية اللازمة لتسريع عمليات الاستيطان وتم نقل السلطة على الإدارة المدنية من قيادة الجيش إلى وزارة المالية والذى أسند إدارة المستوطنات إلى مسئولين مدنيين من المتطرفين من سكانها وأنهى ذلك أيضًا فكرة التنسيق بين تلك الإدارة ونظيرتها فى السلطة الفلسطينية والأمر قد يحتاج إلى مزيد من التفاصيل عند نشأة كل منهما وتأثير الحياة فى المستوطنات على تكوينه الفكرى ورؤاه السياسية وتحركاته فى الفترة ما بعد المشاركة فى الائتلاف الحكومى. ولنبدأ بالأشهر والأكثر تطرفًا وشعوبية وغوغائية ونقصد بن غفير فكل المؤشرات عن أن تطرفه بدأ مبكرا حيث عاش طفولته فى مدينة القدس لم يغادرها ويمارس مهامه الوزارية من هناك عازفا عن التواجد فى المدن حيث نقل مكتبه لحى الشيخ جراح بالقدسالشرقية أما سكنه وحياته فيقضيها فى مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضى مدينة الخليل وهى أحد المستوطنات غير الشرعية وإن كان الكنيست فى مايو العام الماضى قد أقر مشروعًا يقضى بضم أراض فى جنوب الضفة بما فيها كريات أربع المقامة على أرض الخليل منذ عام 1968 وكان له الفضل فى تمرير قانون إلغاء فض الارتباط وهو يتبنى المطالبة بإعادة احتلال قطاع غزة وإنشاء المستوطنات فيه وقام برعاية تجمع أقيم تحت شعار تحضير العودة كما يضع بن غفير على جدار منزله صورة لمنفذ مجزرة المسجد الإبراهيمى باروح غولدشتاين التى راح ضحيتها 29 من الفلسطينيين أثناء صلاة الفجر فى 25 فبراير 1994 ويصفه بالبطل وبن غفير يمثل المستوطنين المارقين كما يصفهم الإعلام الإسرائيلى مثل جماعة شباب التلال ويعتبرهم (ملح الأرض) بينما يدينهم غالبية الإسرائيليين. وسيكتب التاريخ عنه أنه من شرعن مسألة تسليح المستوطنين والتى حصلت على دفعة قوية مع تولى غلعاد اوردن منصب وزير الأمن الداخلى عام 2015 ولكنها أخذت دعمًا غير مسبوق ومسارًا خطرًا مع حكومة نتنياهو الأخيرة عام 2023 والسبب ترؤس بن غفير لوزارة الأمن القومى وقبل السابع من أكتوبر كان هناك 150 ألف مستوطن يملكون رخصة سلاح بين كل سكان إسرائيل ارتفعت النسبة بشكل كبير فى الآونة الأخير بين المستوطنين بعد أن وفرت الحكومة ميادين ومراكز للتدريب عليها واستخدامها وبن غفير هو من يقود خلق إطار قانونى لتسليح المستوطنين وتخفيف القيود عليها فى إطار حملة أطلق عليها (السلاح ينقذ الحياة) ويكفى أن نعرف أنه منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى نهاية نفس العام تقدم 250 ألف مستوطن للحصول على رخصة وسط تخفيف الشروط وأصبح من حق الجنود السابقين وموظفى الإسعاف والإطفاء والإنقاذ والمتطوعين والمهاجرين الجدد وأصبحت الرخص دائمة ويمكن الحصول عليها بمجرد اتصال هاتفى دون أى تحريات. ولا يخالف وزير المالية يسرائيل سموتريش كثيرا بل قد يكون هناك تطابق بينهما، فقد ولد فى مستوطنة حسبين فى الجولان عام 1980 حيث كان والده يعمل حاخام للمستوطنة فى جنوب الهضبة لينتقل مع والده ليعيش ومنذ عام 2007 فى مستوطنة بيت يتير فى جبل الخليل وهى أشد مستوطنات الضفة تطرفاً أما الآن فيعيش مع زوجته من وأولاده السبعة فى مستوطنة كودميم المقامة على أراضى نابلس شمال الضفة خارج تنظيم المستوطنة فهو يؤمن بعدم محدودية الاستيطان ولم يعرف طوال حياته حياة المدن ويعتقد فى مظلومية المستوطنين ويعتبرهم مجاهدين يكافحون للحفاظ على أرض إسرائيل بينما يتمتع العلمانيون داخل المدن الساحلية فى إسرائيل بكافة المزايا فمنذ عام 2017 تقدم بمقترح تحت عنوان (خطة الحسم) تستهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر المراحل الأولى بإشاعة الفوضى ثم إسقاط السلطة الفلسطينية وتصفية الحركة القومية الفلسطينية بجميع فصائلها وطرح خيار أمامهم إما القبول بأن يكونوا جزءًا من دولة إسرائيل والخدمة فى جيشها أو الترحيل بالطرد والتهجير القسرى ونجح بعد توليه وزارة المالية فى توفير الاعتمادات اللازمة لترسيخ الاستيطان والتوسع فيه ويرى أن حل الأزمة فى التوسع فى الاستيطان لإجبار أصحاب الأرض من الفلسطينيين على المغادرة أو الموت. وبعد فإن زيادة معدلات الاستيطان مرتبطة بعوامل عديدة منها ماهو سياسى فى محاولة لإنهاء أى أمل فى قيام دولة فلسطينية ومنها ماهو متعلق بانحياز المجتمع الإسرائيلى إلى اليمين والربط بين الاستيطان والمعتقدات الدينية والتوراتية وكثيرا منها ماهو اقتصادى من خلال الامتيازات التى تقدمها الحكومة للراغبين فى السكن بالمستوطنات والتى تتضمن دعماً بقيمة 50 ألف دولار سنويا وامتيازات أخرى وإعفاءات ضربيبة وتسهيلات ائتمانية للأسر محدودة الدخل لدفعهم إلى امتلاك منازل هناك عبر قروض بدون فوائد وهبات نقدية وسط الارتفاع الكبير فى أسعار الشقق فى تل أبيب ومدن إسرائيل الأخرى. الأممالمتحدة.. عشرات القرارات الدولية.. بلا فاعلية كعادته يواصل الكيان الصهيونى نكثه بالعهود والمواثيق ومخالفته الأحكام وعدم احترامه القرارات الدولية، فضلًا عن انتهاكه الصارخ لشتى القوانين الدولية وقرارات الأممالمتحدة، فبالرغم من صدور العديد من القرارات الدولية التى تدين الاستيطان وتطالب بوقفه وتجميده الفورى إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلى مازالت مستمرة فى توسعة مستوطناتها ضاربة بجميع القرارات عرض الحائط، وهو ما يقوض فرص السلام ويعرقل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وذلك دون رادع وأمام أعين ومرأى المجتمع الدولى الذى لطالما وقف عاجزًا عن اتخاذ قرار حاسم يعيد الحقوق لأصحابها. ويُعدّ الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة هو أحد أبرز مظاهر الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، والاستيطان هو عملية بناء مستوطنات سكنية فى أراض تحتلها دولة أجنبية، وفى القضية الفلسطينية، يشير الاستيطان إلى قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلى ببناء تجمعات سكنية لليهود فى الضفة الغربية، بما فيها القدسالشرقية، وهى أراضٍ اغتصبتها إسرائيل فى عام 1967. ومن وجهة نظر القانون الدولى، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، فإن الاستيطان يعد غير قانونى حيث تنص المادة 49 من الاتفاقية على أنه «لا يجوز لدولة الاحتلال أن تنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها»، وبالتالى فإن وجود المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية يُعتبر خرقًا لهذه المادة، وهو ما تم على أساسه إصدار العديد من القرارات التى تقضى بضرورة وقف الاستيطان ولكن بلا جدوى. وفى أعقاب حرب 1967 صدر قرار من مجلس الأمن، ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها خلال الحرب، ومنها الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وبالرغم من أن هذا القرار لا يذكر الاستيطان صراحة، إلا أنه يؤسس لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضى بالقوة. ومن أوائل القرارات التى تناولت الاستيطان بشكل مباشر كان قرار مجلس الأمن رقم 446 (1979) وينص على أن سياسة إسرائيل فى إقامة المستوطنات فى الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة «ليست لها شرعية قانونية» وتشكل «عائقًا خطيرًا أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم فى الشرق الأوسط». وأصدر مجلس الأمن على مر السنين العديد من القرارات لمكافحة وتجريم بناء المستوطنات ومنها قرار مجلس الأمن رقم 452 (1979) الذى يدعو إسرائيل إلى وقف بناء المستوطنات فورًا، ويكرر التأكيد على عدم شرعية الاستيطان كما يناشد الدول الأعضاء عدم تقديم أى دعم من شأنه أن يساعد إسرائيل على الاستمرار فى أنشطتها الاستيطانية، كما أصدر مجلس الأمن قراره رقم 465 (1980) والذى يعد من أكثر القرارات وضوحًا فى رفض الاستيطان. ويؤكد أن «جميع التدابير التى اتخذتها إسرائيل لتغيير الطابع المادى والتركيبة السكانية ووضع الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، بما فى ذلك القدس، لا تمتلك أى شرعية قانونية».. وفى عام 1980 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 478 ويركز هذا القرار على الوضع القانونى للقدس، حيث يدين محاولة إسرائيل «ضم» المدينة واعتبارها عاصمة موحدة، ويعتبر هذا الإجراء باطلًا ولاغيًا، ويدعو الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من القدس.. ومن أبرز القرارات الحديثة وأقواها من حيث اللغة والمضمون نجد قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016) الذى يؤكد بشكل قاطع على أن إنشاء المستوطنات فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدسالشرقية، «لا يحمل أى شرعية قانونية»، ويشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى، كما يدعو القرار إلى الوقف الفورى والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية. ولم تكن قرارات مجلس الأمن فقط هى ما لا تحترمه إسرائيل، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان عشرات بل مئات التقارير التى تدين الاستيطان وتصفه بأنه غير قانونى، وتطالب إسرائيل بوقفه فورًا، ولكن بلا جدوى أيضا. وفى رأيها الاستشارى عام 2004 بشأن الجدار العازل، اعتبرت محكمة العدل الدولية أن إنشاء المستوطنات فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة، بما فيها القدسالشرقية، ينتهك القانون الدولى، وأنه يجب على إسرائيل إيقاف أنشطتها الاستيطانية وهدم ما بُنى منها، أما عن الاتحاد الأوروبى فقد أكد رفضه مرارًا للاستيطان وأكد فى مواقفه الرسمية أن المستوطنات تقوّض حل الدولتين. وبالرغم من وضوح المواقف القانونية والإجماع الدولى الواسع بشأن عدم شرعية الاستيطان، فإن فعالية هذه القرارات ما تزال محدودة، فإسرائيل لم تلتزم بأى من هذه القرارات، بل إنها واصلت التوسع الاستيطانى بوتيرة متسارعة، مدعومة غالبية الوقت بغطاء سياسى ودبلوماسى من بعض القوى الدولية الكبرى. ويرى المحللون أن من أهم أسباب ضعف تطبيق هذه القرارات هو غياب آليات التنفيذ القوية فى النظام الدولى، فضلًا عن استخدام الولاياتالمتحدة حق «الفيتو» بشكل متكرر فى مجلس الأمن لحماية إسرائيل، كما أن هناك تراخى بشكل عام فى فرض عقوبات رادعة تجعل الكيان الصهيونى يعانى اقتصاديا وبالتالى قد يرضخ للأحكام الدولية العديدة. فى نهاية الأمر يمكن القول إن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان يتطلب إرادة دولية حقيقية، ومحاسبة دولة الاحتلال على انتهاكاتها المتواصلة، من أجل إرساء العدالة وتحقيق الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطينى والأمة الإسلامية. السلطة الفلسطينية.. قدرات محدودة على المواجهة يمثل الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية واحدًا من أخطر التحديات التى تواجه القضية الفلسطينية، ليس فقط بسبب مخالفته للقانون الدولى، بل لما له من تبعات استراتيجية على الأرض والوجود الفلسطينى. فمنذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذى كان يفترض أن يمهّد لقيام دولة فلسطينية مستقلة، لم يتوقف الاستيطان بل تسارع بشكل كبير. وفى المقابل، تبرز السلطة الفلسطينية، التى تشكلت كنتاج لهذا الاتفاق، كجسم محدود القدرة، وتقول صحيفة «الجارديان» البريطانية إن إسرائيل احتلت الضفة الغربية، واستولت عليها من الأردن، فى حرب الأيام الستة عام 1967. ومنذ ذلك الحين، حاولت الحكومات المتعاقبة ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأرض بشكل دائم، جزئيًا من خلال إعلان مساحات من الأرض «أراضى دولة»، وهو ما يمنع الملكية الفلسطينية الخاصة. إن الاستيطان الإسرائيلى ليس مجرد تجمعات سكانية لليهود فى الأرض المحتلة، بل هو مشروع سياسى منظم يهدف إلى فرض وقائع ديمغرافية وجغرافية تعيق أى إمكانية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، رغم أن السلطة الفلسطينية تمتلك شكليًا بعض مقومات الدولة من مؤسسات وأجهزة أمنية، إلا أن واقعها الميدانى والسياسى يكشف عن محدودية عميقة فى قدرتها على مواجهة الاستيطان. تعود هذه المحدودية إلى عدة أسباب متداخلة: الاتفاقيات المقيدة فمنذ اتفاق أوسلو، الذى أنشأ السلطة، قسّم الضفة إلى ثلاث مناطق (A، B، C)، وترك لإسرائيل السيطرة الكاملة على المنطقة C، حيث تُبنى معظم المستوطنات. وبهذا، لا تملك السلطة أى سلطة فعلية فى المناطق المهددة بالاستيطان، ولا يمكنها منع البناء أو حتى حماية السكان الفلسطينيين فيها. كما أدى الانقسام السياسى بين فتح وحماس عام 2007، إلى فشل القيادة الفلسطينية فى توحيد الصف الوطنى، ما أضعف خطابها فى الساحة الدولية وقلّص من قدرتها على قيادة مواجهة موحدة للمخاطر الكبرى، وعلى رأسها الاستيطان. وبما أن السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجى وعلى أموال المقاصة التى تجبيها إسرائيل نيابة عنها، فقد استخدمت إسرائيل هذا العامل مرارًا كأداة ابتزاز، وقد أثبتت تجربة السنوات الماضية أن السلطة عاجزة عن تأمين رد فعّال على الأرض، فالتنسيق الأمنى مع إسرائيل يجعلها مكبلة أمنيًا، بينما المقاومة الشعبية تفتقر إلى التنظيم والدعم السياسى الحقيقى، أما على الصعيد القانونى، فرغم انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، لم يتم حتى الآن تحقيق اختراق حقيقى فى ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم الاستيطان. الضفة تحت مقصلة الضم الزاحف «لن تكون هناك دولة فلسطينية دون القدس، ولن تكون هناك فلسطين دون الضفة الغربية».. بهذه العبارة الحاسمة، لخص الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات جوهر المشروع الوطنى الفلسطينى، وأكد على مركزية الضفة الغربية فى أى تسوية عادلة للقضية. إلا أن هذه الرؤية تتعرض اليوم لتهديد غير مسبوق. ففى خطوة وصفها مراقبون بأنها «أكبر توسع استيطانى منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993»، صادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلى نهاية مايو الماضى على خطة لإنشاء 22 مستوطنة جديدة فى الضفة الغربيةالمحتلة، من بينها: 12 بؤرة استيطانية كانت قد أُنشئت سابقًا دون ترخيص رسمى وتم تقنينها بأثر رجعى، بحسب تقارير نشرتها شبكة «سى إن إن الأمريكية» ومجلة «فورين بوليسى». ويأتى هذا القرار فى خضم تصعيد عسكرى إسرائيلى فى الضفة الغربية، شمل: نشر دبابات لأول مرة منذ عقود.. وتنفيذ حملات مداهمة واعتقال واسعة فى مخيمات اللاجئين، مما أدى إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين. وأعلن كل من وزير الدفاع الإسرائيلى إسرائيل كاتس ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش فى بيان مشترك أن المستوطنات الجديدة تأتى ضمن «رؤية استراتيجية طويلة المدى لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأرض، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وتأمين احتياطى تطويرى للأجيال القادمة». ووفقًا لتقرير الفورين بوليسى، فإن المستوطنات تهدف إلى منع أى إمكانية لتقسيم الأرض وإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا، وهو ما يتماشى مع استراتيجية «الضم الزاحف» التى تطبقها إسرائيل بحكم الأمر الواقع، وتستخدم فيها البؤر الاستيطانية كأداة لفرض سيادتها دون إعلان رسمى. وتشير بيانات «منظمة السلام الآن» إلى أن ما يزيد على 500.000 مستوطن يعيشون اليوم فى الضفة الغربية، ويُعد وجودهم مخالفًا للقانون الدولى، خاصة بعد أن قضت محكمة العدل الدولية فى يوليو 2023 بعدم شرعية الوجود الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة، وطالبت بوقف فورى للبناء الاستيطانى. فى هذا السياق، تحذر دراسة صادرة عن شبكة «الشفاكة: الشبكة الفلسطينية للسياسات» ضمن مشروع «مصفوفة السيناريوهات»، من أن استمرار الوضع القائم أو تصعيده عبر ضم فعلى للضفة الغربية سيؤدى إلى مزيد من تفكك السلطة الفلسطينية، ويقلص من فرص حل الدولتين، مما قد يدفع باتجاه أحد السيناريوهات التالية. وهى: استمرار الوضع القائم؛ تفكيك السلطة الفلسطينية أو انهيارها أو إعادة تشكيلها؛ إحياء منظمة التحرير الفلسطينية؛ تصاعد المواجهة الشعبية مع الاحتلال الإسرائيلى أو اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة؛ وحدث مفاجئ، مثل: شغور منصب الرئاسة أو تشكيل مجلس تشريعى جديد. ووفقًا لمصفوفة الشفاكة، فإن السيناريو الأكثر خطورة يتمثل فى «الضم الزاحف» المترافق مع انهيار مؤسسات الحكم الفلسطينية، مما يفتح الباب أمام فوضى سياسية وأمنية، ويزيد من احتمالات العنف المُمنهج والاستيطان الإحلالى. وتأتى هذه التحركات الإسرائيلية فى لحظة حرجة تمر بها المنطقة، مع استمرار الحرب فى غزة وتزايد الاحتقان فى الضفة. ويبدو أن حكومة نتنياهو تستغل الانشغال العالمى بالحرب لتكريس مشروع الضم دون تكلفة سياسية تُذكر، فى ظل عجز المجتمع الدولى عن وقف الانتهاكات. وبينما تتسع رقعة الاستيطان، تتقلص فرص السلام العادل، وتُدفن آمال الفلسطينيين فى دولة مستقلة يوماً بعد يوم تحت جدران أسمنتية وطرق استعمارية. وبحسب تقرير تحليلى نشرته شبكة «جيويش نيوز» المهتمة بشأن الجاليات اليهودية حول العالم، فإن هذه الخطوة تعتبر بمثابة «نقطة اللاعودة» بالنسبة لحل الدولتين، حيث إن مواقع المستوطنات الجديدة مُوزعة على كامل الضفة، مما يعمق الانقسام ويهدد ما تبقى من إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلية. ويحذر التقرير من أن هذه السياسات قد تؤدى إلى انقسام متزايد داخل الشتات اليهودى، وتؤجج المواجهة الشعبية الفلسطينية، وتُضعف موقف إسرائيل الدبلوماسى فى وقت يشهد عزلة متنامية على الساحة الدولية.» ولا يمكن لأى شخص مطلع على السياسة الإسرائيلية أن يدعى أنه تفاجأ بنوايا سياسيين متطرفين مثل سموتريتش فقد كانوا دائمًا واضحين تمامًا بشأن رغبتهم، ليس فقط فى الاستيطان، بل فى ضم الضفة الغربية. فهم يرون فى الاستيطان ليس مجرد واجب سياسى أو دفاعى، بل دينى أيضًا. ويجادل العديد من المراقبين للسياسة الإسرائيلية بأن هذا كان نتيجة حتمية لإدخال نتنياهو لحزب «الصهيونية الدينية» الموحد فى ائتلافه الحاكم.