انتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان، انتشار ظاهرة التعذيب وسوء المعاملة مؤخرا في السجون ومراكز الاحتجاز والاعتقال ضد المصريين. وطالب المشاركون في ورشة عمل الحقوق الدنيا للمسجونين في ضوء المواثيق والتشريعات المحلية، التي نظمها المجلس أمس، بإنهاء حالة الطوارئ وتعديل اللائحة الداخلية للسجون، لتتماشي مع القواعد الدنيا لمعاملة السجناء مع إلغاء ظاهرة السجون المغلقة واحترام وزارة الداخلية الأحكام القضائية. وهاجم الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بشدة، حالة السجون المصرية في كلمته في افتتاح الورشة قائلا: هناك ما يسمي بالسجون 5 نجوم يتبع ويطبق فيها القوانين إلي حد كبير، ولكن هناك سجونا أخري بها حقوق عديدة منتقصة وأصبحت فيها العقوبة متعدية. وشدد علي أن السجن وسيلة لدرء مخاطر الشخص عن المجتمع وليس لانتهاك حقوقه. كما انتقد أبوالمجد دور النيابة العامة في الإشراف علي السجون وقال: عندما عملت لفترة قصيرة في النيابة العامة كان العمل فيها منتظماً ولكنني أحسست لفترة زمنية بأن النيابة العامة ترهلت إلي حد كبير، معرباً عن اعتقاده بأن المسجونين استبد بهم إلي يوم الدين من قبل القائمين علي تنفيذ الأحكام والعقوبة، مشيراً إلي أن المسجون ليس شخصا مُهدر المال والدم ولكنه شخص أذنب وله جزاء محدد في القانون، لا يجب أن يتجاوزه القائمون علي التنفيذ. وذكر أنه أطلع علي التقرير الذي أعدته النيابة العامة حول أوضاع 17 سجناً في مصر وإنه رصد إلي حد كبير العديد من الملاحظات التي تحتاج إلي إعادة نظر. ولفت أبوالمجد إلي أن المعاملة الكريمة واللائقة هي أحد المحاور الأساسية في السجون، مؤكداً أنها إما أن تهدف إلي إعادة تأهيله مرة أخري داخل السجن بشكل طبيعي، أو أن تعزله عن المجتمع. ووصف نائب رئيس المجلس في تصريحات صحفية علي هامش الورشة، انتشار حالات التعذيب وسوء المعاملة خلال الفترة الأخيرة بالسجون، بإنه أصبح ظاهرة، مشيراً إلي أن ذلك اقترن بشيء إيجابي وهو إحالة عدد من ضباط الشرطة إلي المحاكمة بتهمة التعذيب. وفسر أسباب انتشار ظاهرة التعذيب في مصر بغياب ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع المصري كله، وقال إنها محتاجة بقوة إلي فيتامينات أو حقنة لتقويتها، مشيراً إلي أن المواطن الخائف لا يستطيع أن يبني بلداً متقدما. وشدد أبوالمجد علي أن المشكلة ليست في النصوص والقوانين، موضحا أن هناك العديد من القوانين والمواد التي تحرم جريمة التعذيب، ولكنها لا تطبق علي أرض الواقع.
وقال إن دور المجلس ومنظمات حقوق الإنسان يمثل رقابة معنوية في رصد ظاهرة التعذيب وسوء المعاملة والعمل علي الحد منها. وحول دور المجلس في التحقق من شكاوي التعذيب وسوء المعاملة التي تصل إليه قال أبوالمجد، إن المجلس يخاطب الجهات المسؤولة بالدولة وعلي رأسها النائب العام، مشيراً إلي أن بعض الردود يكون مقنعاً والآخر غير مقنع، ولكن ليس من حق المجلس أن يصدر آراء أو بيانات في قضايا لم يتم الانتهاء من التحقيق فيها بعد. وحول دور المجلس القومي لحقوق الإنسان في قضية تعذيب مصريين بالكويت قال أبوالمجد، إن رئيس المجلس الدكتور بطرس غالي اتصل بوزير العدل الكويتي، وطالبه بالتحقيق في الواقعة وآخر تطوراتها. وحمل أبوالمجد وزارة الخارجية مسؤولية حماية المصريين بالخارج قائلا: إن الوزارة في مثل تلك الحالات يمكن أن تقوم باستخدام 3 وسائل، وهي: أنه يمكن للوزارة أن تستدعي سفير الدولة لديها وتحتج رسميا، أو أن تقوم السفارة المصرية باتصالاتها المباشرة مع المسؤولين في الخارج، أو أن يقوم وزير الخارجية بالاتصال رسميا مع نظيره في الدولة التي وقع فيها الاعتداء علي المصريين. وحول موقف المجلس من احتجاز المصريين المجني عليهما بالكويت بالرغم من تعذيبهما قال أبوالمجد، إن الشرطة في العالم كله تصور الأمور وفقا لرؤيتها وعكس الواقع، مشيراً إلي أن سيادة القانون ثقافة مثل ثقافة حقوق الإنسان. وحول أسباب حدوث تجاوزات من قبل أفراد وأمناء شرطة مؤخراً ضد المواطنين في أماكن الاحتجاز، قال أبوالمجد، إن صاحب السلطة من المفترض أن يخدم الأمة من خلال اختصاصاته، إلا أنه وللأسف يفعل ذلك حتي يشعر أنه «سيد». وأضاف أن أزمة العسكرية بشكل عام، أن صاحب السلطة العليا يأمر صاحب السلطة الدنيا مما يشعره بالقهر والذي يفعله هو ارتكابه تجاوزات ضد البسطاء من الناس، مشيراً إلي أن خلفية الظاهرة تستدعي المركز القومي للبحوث الجنائية أن يقوم بعمل دراسات لتلك الظاهرة للحد منها. وطالب أبوالمجد بضرورة تفعيل دور المجلس، وقال نتحرك في ظل صلاحيات للمجلس وقيود واقعية قانونية عليه، مشدداً علي أهمية أن يكون للمجلس دور في رفع دعاوي قضائية للمواطنين وليس إصدار توصيات للحكومة. أما المستشار عادل قورة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، مدير مشروع نشر ثقافة حقوق الإنسان، فقد أوضح أن أحد أهداف العقوبة هو أن تعيد تأهيل المسجون، بحيث يصبح شخصاً صالحاً ليعود إلي المجتمع مرة أخري ويؤدي مهنة أو حرفة ولا ينعزل أو ينحرف عن المجتمع مرة أخري. وأكد محمد زارع رئيس جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن غياب الحماية القانونية للسجناء والمحتجزين يكرس استمرار النظرة العقابية إلي مؤسسة السجن وغياب مفهوم التأهيل. وقال إن هذه النظرة تكشف استهانة متزايدة بحقوق السجناء والمعتقلين، وهو ما يؤكده تردي أوضاع السجناء الصحية والمعيشية والتصاعد المتزايد في الحالات التي تتعرض للتعذيب داخل مقار الاحتجار. ويندد زارع بفرض حالة الطوارئ منذ ما يقرب من ثلاثة عقود حتي الآن وحدوث تجاوزات وانتهاكات بحق السجناء يسود فيها مناخ عام من القهر والإحباط لدي المعتقلين الذين يظلون بالسجون لمدد تصل إلي 15 عاما تحت سيف ظاهرة الاعتقال المتكررة دون إحالة إلي محاكمة عادلة. وطالب أيمن عقيل مدير مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية ومنظمات المجتمع المدني بدور فاعل أكبر في الدفاع عن حقوق السجناء والمعتقلين والكشف عن كل صور الانتهاكات بحقهم والتي يتعرضون لها. وقال بالرغم من وجود العديد من المواثيق الدولية والقوانين المحلية التي تنص علي حقوق السجناء والمعتقلين فإن الواقع العملي يكشف عكس ذلك، حيث لا تطبق تلك النصوص علي أرض الواقع.