كنت واحداً من الذين قالت النيابة العامة أنه عذب في قضية الجهاد الكبري المعروفة بالقضية رقم 462 أمن دولة عليا والتي كان علي رأس المتهمين فيها الشيخ عمر عبد الرحمن ( فك الله أسره من السجون الأمريكية ) – وكان القاضي المستشار عبد الغفار محمد أودع حكمه في القضية مبيناً أن غالب المتهمين في القضية قد تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيقات معهم ، وطالب بالتحقيق مع الضباط الذين مارسوا التعذيب وكانت هذه هي المرة الأولي في التاريخ السياسي المصري الذي يلاحق فيه عدد من الضباط في الداخلية بتهمة التعذيب . وكان علي رأس قائمة الضباط المتهمين بالتعذيب اللواء محمد عبد الفتاح عمر الذي ظهر معي في برنامج العاشرة مساء ً ودافع عن التعذيب وثقافة التعذيب ( وهو الآن نائبا في البرلمان عن الحزب الوطني ) ، أذكر أن عدد هؤلاء الضباط وقتها كان يربو علي الخمس وأربعين ضابطاً ، وشاهدت بعيني أباطرة التعذيب وهم يقفون في الأقفاص الحديدية متهمين وهم يرتجفون خائفين مذعورين والتقط لهم صور وهم يبكون في حالة انهيار ، وكانت لحظة نادرة في تاريخ مصر . بدا لي وقتها – عام 1985 أن النظام المصري يريد أن يظهر لنفسه وجها إنسانيا وديموقراطيا ، ولكن هذا الوجه سرعان ما أجهض عندما جاء زكي بدر وزيرا للداخلية وتحدث عن الضرب في سويداء ا لقلب وأشاع المرجفون في المدينة أن خطر الإرهاب قادم ، ومن هنا تحول إدراك النظام المصري لحماية المتهمين بالتعذيب من الضباط في معركة الإرهاب التي لم تكن قد جاءت بعد – ففترة الثمانينيات من أهدأ الفترات التي عرفتها مصر . ومن ساعتها استعاد القائمون علي التعذيب الثقة في أن النظام سيحميهم فاندفعوا إليه غير آبهين بشئ ، وللحق فإن الفترة التي كان المتهمون بالتعذيب تحت طائلة القانون والتحقيق شهدت السجون المصرية احتراماً للإنسان والقانون وفتحت لأول مرة لكي يدخلها الصحفيون حين تواترت شائعة اختفاء " عبود الزمر " الذي لا يزال مسجوناً حتي اليوم رغم قضائه أكثر من خمسة وعشرين عاما في السجن . وللأسف لم يستطع المحامون أن يديروا معركة " الاتهام بالتعذيب " لهؤلاء الضباط بشكل جيد فردوا المحكمة الأولي وجاءت محكمة بعض أعضائهم اليوم محافظين برأت المتهمين من قضية التعذيب ، وأذكر وكنت وقتها في سجن الليمان أن مدير منطقة طره وكان اللواء " صفوت جمال الدين " أحد المتهمين بالتعذيب أطلق الرصاص ابتهاجاً بحكم البراءة وأرسل لنا في العنابر الأسمنتية التي كنا نقيم بها صناديق من الكوكاكولا لكي يحرق دمنا ويقول لنا أن العبرة لمن ينتصر في النهاية وأن النظام يحمي المتهمين بالتعذيب . أقول هذا بمناسبة محاكمة ضابط أمن دولة بتعذيبه مواطن مصري حتي القتل في منطقة حدائق القبة ، واختفاء أسرة الضحية ووالده أثناء المحاكمة ، فمن الواجب أن لا يفلت المتهمون بالتعذيب بجريمتهم البشعة وأن القضاء هنا هو المسئول عن القصاص من هؤلاء المجرمين وتأكيد أنهم لن يفلتوا أبدا بجريمتهم حتي لو اختفت أسرة الضحية أو مورست عليها ضغوط فلا يجب أن يفلت المتهم بجريمته . عندنا تقارير حقوقية تحدثت عن أهوال يشيب لها الولدان حدثت في السجون المصرية في فترة التسعينيات وحدثت في مقار التحقيقات السرية لمباحث أمن الدولة وكنا شهوداً علي بعضها في المرات التي تعرضنا فيها للاعتفال ، وكتبت عنها وقتها في جريدة الشعب ( الموقوفة بقرار إداري ) . وهناك أسماء تعرضت للموت تحت التعذيب مثل " كمال السنانيري ) و( مسعد قطب ) و ( حسن الحيوان ) وهناك أسماء اختفت قسريا أو ماتت بسبب الإهمال الطبي ، ولا بد من كشف هذه الأسماء وتعريتها ولا نقول " عفا الله عما سلف " لأن جريمة التعذيب تغري من يمارسها بالاستمرار في ارتكابها ، المتهمون بالتعذيب يجب أن لا يفروا بجرائمهم أبداً ، ولا بد من توثيق أسماء من قاموا بذلك للحظة قادمة سيحين فيها وقت الحساب . [email protected]