سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عزل "المالكى" ودعم "السيسى" يؤكد موافقة أمريكا ورضا إسرائيل على الزعماء العرب بعد الثورات المضادة الحكام العرب هم "وكلاء" و"كرزيات" واشنطن وتل أبيب فى المنطقة للقضاء على الثورات الشعبية
ظل العرب يقولون فى كل مناسبة منذ ولادة النظام الرسمى العربى الحالى عقب الاستقلال عن الاستعمار الأجنبى أن "أمريكا تختار رؤساءنا وزعماءنا"، حتى اندلعت ثورات الربيع العربى، فبدأ الحديث عن انتهاء التدخل الأمريكى فى تعيين الزعماء العرب فى مناصبهم مع مجئ أول رئيس مدنى من الإخوان المسلمين فى مصر (محمد مرسى)، وتولى رئيس وزراء إسلامى أيضا لحكومة تونس بعد "ابن على" ولكن لم يمر عام على هذا الحلم الجديد، حتى أثمرت الثورات المضادة التى قادتها المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ الأكبر فى العالم العربى، ورموز "الدولة العميقة" فى إعادة الأمور لنصابها القديم بدعم واضح وقوى من الأمريكان حتى استغرب كثير من المفكرين والكتاب الغربيين من تخلى الغرب عن "قيمه الديمقراطية" وقبوله عزل قادة عرب جاءوا عبر صناديق الانتخابات بانقلاب عسكرى حتى، ولو جاء هؤلاء القادة على غير رغبة أمريكا للحكم. ومع أن الدعم الأمريكى لقادة عرب مثل عبد الفتاح السيسى، والدعم الأمريكى؛ لإضعاف وليس إبعاد بشار الأسد من الحكم، والسعى لدعم خليفة عبد الله صالح فى اليمن بدون تغيير حقيقى بعد الثورة، كافٍ لإظهار عودة هذا النفوذ الأمريكى للتأثير، أو إعطاء الضوء الأخضر؛ لتولى زعيم عربى السلطة، فقد جاء إبعاد أمريكا لرئيس الوزراء العراقى نور المالكى بالقوة وترتيب السلطة لخلفه حيدر العبادى، كأبرز مؤشر على هذا النفوذ الأمريكى المستمر فى إسباغ الشرعية على حاكم العراق، ونزعها عن الحاكم السابق المالكى. فقد ظل المالكى يرغى ويزبد ويهدد بإنزال قواته للشارع؛ للتصدى للمخطط الأمريكى لعزله بعدما ظل فى السلطة 8 أعوام تسبب فيها فى عزل السنة وحصارهم وتهميشهم، فقاموا بثورة مسلحة وصلت إلى أعتاب بغداد، وشاركهم فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما أقلق الغرب كله خشية أن يهدد التنظيم الإسلامى الاستقرار فى المنطقة، ويهدد القاعدة الأمريكية العسكرية فى الأراضى الكردية ويهدد استقرار دول الخليج. وبدأ المخطط الأمريكى لسحب البساط من تحت المالكى - بحسب موقع "ديلى بيست" الإخبارى – عبر نهج الضغط على الحكومة العراقية من أجل تغيير النظام، حيث أوعز أوباما إلى دبلوماسيين فى واشنطنوبغداد بإيجاد بديل للمالكى، فدعموا بدورهم عضوا مقربا منه شخصيا داخل حزب الدعوة الشيعى الذى ينتمى إليه، كما ألقى غالبية الساسة الشيعيين بثقلهم وراء حيدر العبادى، بينما انفضوا من حول المالكى. ولم تجد مساعى الإدارة الأمريكية الدبلوماسية مشاكل فى إقناع المكونات الشيعية بالانقلاب على المالكى، وتشكيل تكتل مؤيد لعضو حزب الدعوة الشيعى حيدر العبادى، والذى تغلب على منافسه عضو البرلمان العراقى أحمد الجلبى، بحصوله على 149 صوتا فى الجولة الأولى من التصويت مقابل 107 صوت للجلبى. وهكذا انفض الجميع من حول المالكى بمجرد أن تخلت أمريكا عنه، ومن جزيرة مارثاز فاينيارد، حيث يمضى إجازته فى "ماساتشوستس"، رحب أوباما بتعيين رئيس الوزراء العراقى الجديد خلفا للمالكى، متعهدا بتقديم الدعم له، فيما أجرى نائب الرئيس "جو بايدن"، اتصالاً هاتفيا ب"العبادى"، هنأه خلاله على تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وبدوره رحب وزير الخارجية "جون كيرى"، بتسمية العبادى؛ لتشكيل حكومة فى بغداد تضم جميع الطوائف العراقية فى البلاد، ولم يكن أمام المالكى سوى حفظ ماء وجهه، والظهور فى مؤتمر صحفى يعلن تخليه عن السلطة. تاريخ النفوذ الأمريكى: قبل ثورة 25 يناير 2011 بشهور، أثار الدكتور مصطفى الفقى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشعب المصرى، والسكرتير السابق للمخلوع مبارك، عاصفة من الجدل بإلقائه حجر من العيار الثقيل فى البركة المصرية عندما قال فى حديث صحافى ل"صحيفة المصرى اليوم" اليومية : "لا بد من موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل على رئيس مصر القادم". والتقط الكاتب محمد حسنين هيكل هذه العبارة، وعبّر عن ذهوله من قول "الفقى"، ذلك فى رسالة بعث بها إلى رئيس تحرير الصحيفة، يطلب فيها المزيد من التفسير والاستيضاح من قائلها، باعتباره لا يمكن أن ينطق عن هوى، بحكم موقعه السابق كسكرتير للمخلوع مبارك لشئون المعلومات، أى أنه يعرف الكثير من الأسرار، وموقعه - حينئذ - كشخصية مرموقة فى الحزب الوطنى الحاكم، ورئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشعب. وحاول الدكتور "الفقى" أن يستدرك الأمر، بتوضيح موقفه برسالة إلى الصحيفة نفسها، بالقول إنه ترك منصبه فى الرئاسة قبل ثمانية عشر عاما، وأن ما قصده، هو أن للولايات المتحدة مصالح فى المنطقة، ومن الطبيعى أن تكون مهتمة ومعنية بمسألة انتقال السلطة فى أكبر دولة عربية، مثل مصر، ومن الطبيعى أن تفعل إسرائيل، التى تستهدف مصر الشئ نفسه، ثم اتهم هيكل ب"الاجتزاء" من كلامه، ومحاولة تصفية حسابات قديمة معه. وبالرغم أن د.مصطفى الفقى تراجع عن مقولته الشهيرة هذه (إن رئيس مصر القادم يحتاج إلى تفاهم أمريكى إسرائيلى حوله) بعد ثورة 25 يناير، معترفا أن : "الأمور تغيرت بعد ثورة 52 يناير، حيث أصبحت الإرادة الوطنية هى الفيصل"، وأكد - فى حوار مع جريدة أخبار اليوم مارس 2012- أن "الرئيس القادم لابد أن ترضى عنه كل القوى السياسية، وليس التيار الإسلامى فقط "، فقد عادت نفس المقولة، لتترسخ الآن بعد فوز السيسى فى مصر برضا أمريكى وإسرائيلى كامل، ومباركة الانقلاب العسكرى على الرئيس المنتخب (الإخوانى) مرسى، ثم الانقلاب على رئيس الوزراء المالكى، وسحب بساط الحكم من تحت قدميه. الدعم الأمريكى للسيسى: ومع أن الأدلة على هذا الدور الأمريكى فى مباركة تولى السيسى السلطة فى مصر، ما يؤكد عودة مقولة "الفقى" للواجهة مرة أخرى، كثيرة، فقد كان أبرزها اعتراف السيسى نفسه فى حواره الذى أذيع على قناتى "سى بى سى" و"أون تى فى"، فى مايو الماضى بأن "الولاياتالمتحدة سعت لتأجيل استيلاء الجيش على السلطة من الرئيس المنتخب فى 3 يوليو الماضى"، وأنه كان على اتصال بالسفيرة الأمريكية السابقة (آن باترسون). وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فى تقرير بعنوان (U.S. Sought Delay of Morsi's Ouster, Egyptian Leader Says ) : "إن هذا التصريح من قبل السيسى : "يعد أول تأكيد صريح معلن منه على أنه نسق مسألة استيلاء الجيش على الحكم مع مسئولين أمريكيين قبل التنفيذ بأيام، وأنهم كانوا يعلمون". وقالت "نيويورك تايمز": "إن إدارة الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" كانت على علم بكل التطورات التى حدثت قبل الإطاحة بالرئيس "محمد مرسى" على عكس ما ادَّعى أنصار السيسى من أنه لم يأخذ رأى أحد أو يطلع أحد على ما فعله، وعلقت الصحيفة قائلة، إن هذه هى المرة الأولى الذى يعترف فيها علنا بأنه ناقش التدخل العسكرى أى الانقلاب مع مسئولين أمريكيين، قبل أيام من تحرك الجيش المصرى. بل ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسئول أمريكى بارز - امتنع عن ذكر اسمه بسبب البروتوكول الدبلوماسى - أن "واشنطن أدارت نقاشات مكثفة مع الحكومة والجيش والمعارضة المصرية" فى الأيام التى سبقت تدخل الجيش، الذى أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسى فى 3 يوليو 2013، و "حاولت المساعدة فى التوصل لحل للأزمة، حتى لا تتطور وبدون عنف، لكن "أيا من الأطراف رفض التنازل" حسب المسئول. ونقلت الصحيفة تصريحَ السيسى للتلفزيون الأمريكى الذى قال فيه: "إن السفيرة الأمريكية بمصر وقتها آن باترسون طلبت منه تأجيلَ الانقلاب على مرسى، إلا أنه رفض هذا الطلب، ما ينفى الاتهامات التى وجهت من أنصار السيسى لواشنطن بأنها داعم لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر. ولم يكن الشق الثانى الذى تحدث عنه د. الفقى (دعم إسرائيل لقائد الانقلاب فى مصر) يحتاج إلى دليل فى ظل الدعم الإسرائيلى غير المحدود للانقلاب على الرئيس مرسى، وتأييد السيسى لحد وصفه بأنه أكثر من كنز استراتيجى لإسرائيل، واحتفاء تل أبيب رسميًّا وشعبيًّا بتوليه رئاسة مصر، والحديث المتواتر عن التنسيق معه فى كل ما يخص حصار حماس أو التيارات الجهادية فى سيناء. وكلاء أمريكا فى المنطقة: ويقول خبراء استراتيجيون: "إن ما طرحه الدكتور الفقى منذ عام 2011 خطير، ويفسر بلغة واضحة وصريحة، الكثير من المواقف، والسياسات التى تتبناها الأنظمة العربية فى معظمها من حيث الانخراط فى مشاريع الهيمنة الأمريكية، وحروبها دون نقاش، وتجنب أى خطوات يمكن أن تغضب البيت الأبيض أو إسرائيل، وكان موقف الكثير من هؤلاء الحكام من العدوان الأخير على غزة خير دليل على ذلك. ويرون أن اعتراف الدكتور الفقى، وهو خبير بدهاليز السياسة المصرية، يعنى أن الغالبية الساحقة من الحكام العرب، والجدد منهم على وجه التحديد، معيّنون من قبل الإدارة الأمريكية أو بمباركتها، فى أكثر من دولة عربية، وليس مصر فقط. بل إن المواقف المرصودة لبعض هؤلاء الحكام العرب، وسيرهم فى الركاب الأمريكى تظهر – بحسب خبراء سياسيين - أنهم "وكلاء" أمريكا فى المنطقة، أو "كرزايات أمريكا" – مفردها "كرزاى" أفغانستان – سواء فى العراق أو مصر أو الأردن أو السلطة الفلسطينية أو سوريا أو اليمن، وتكفى مواقفهم من العدوان الحالى على غزة؛ لتوضح الصورة الفعلية، حيث الضغط على المقاومة لتوقف إطلاق الصواريخ، وغلق المعابر، ودعم المقولة الأمريكية التى تزعم "حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها". ولهذا قيل عقب الثورات الشعبية التى اندلعت فى بعض من الدول العربية، وقبرت أنظمة قمعية أنها ثورات ضد الاستعمار الغربى؛ لأن الحكام الذين تم خلعهم هم امتداد للاستعمار، وأن الدول العربية تحررت من الاستعمار العسكرى الخارجى، ليحتلها استعمار أسوأ من الحكام العرب أما الثورات الحالية، فهى ثورات كرامة وحرية المواطن العربى الحقيقية، وقيل مرة أخرى عقب انتصار الثورات المضادة: "إن الثوار أخطأوا؛ لأنهم قطعوا رأس الأنظمة (الحاكم) وتركوا بقية الجسد (النظام) الذى ظل ينموا حتى عاد برأس جديد، ووكيل جديد لأمريكا والغرب، رغم أنف ثورات الربيع العربى التى كانت.