في الزيارة الأخيرة التي قامت بها السيدة سوزان ثابت إلي الرئيس السابق حسني مبارك في محبسه بسجن طرة فإن مبارك بعد أن انتهي من وصلة عتاب وبكاء أملاها وصيته وفيها قال مبارك لسوزان إن عليها أن تغادر مصر وأن تنتظر في سويسرا علاء وجمال بعد الإفراج عنهما. وهناك قصر خاص بأحد الأمراء العرب سيكون موضوعاً تحت تصرفهم للإقامة. وأوصاها مبارك بألا تثق في أحد من الموجودين حولها وألا تمنح أرقام الحسابات السرية لجمال مبارك حتي لا يتهور في عمل طائش يقوم من خلاله بنشاط معاد للحكومة المصرية. ويزيد من حالة كراهية الشعب له ويؤدي إلي ملاحقته في الخارج. قال مبارك الذي كان يتحدث إلي سوزان وحدهما إن أسرار الذين خذلوه موجودة لدي أحد أصدقائه المقربين في الخارج وعليها ألا تستخدم هذه الأسرار إلا إذا حاولوا الزج بها في قضايا جديدة ومحاكمتها ايضا..! وما ذكرته نقلاً عن مبارك لم يحدث بالطبع ولم أكن موجوداً معهما ولكن عينة من خبر.. مفبرك يمكن أن يتصدر مانشيتات بعض الصحف هذه الأيام والتي يصدقها رجل الشارع العادي اعتقاداً منه بأن الصحف ما كانت لتجرؤ علي نشر مثل هذه الأخبار لو كانت كاذبة أو مفبركة..! ولكن الحقيقة هو أنها تجرؤ هذه الأيام علي نشر ما تريد وأن تختلق من الوقائع ما تشاء. فلن يكون هناك من هو قادر علي التكذيب واثبات عكس ذلك.. ولا يوجد ايضا من هو قادر علي الملاحقة القضائية إلي النهاية. فإن تنسب إلي مبارك أي تصريحات وأي حديث وأي واقعة هذه الأيام فإن ذلك سيمر مرور الكرام لأن مبارك غير قادر علي النفي أو التكذيب أو المتابعة. هو وعائلته ومن حوله. فالكل منهم لديه من المصائب ما لا يكترث معه بكل ما قد يكتب أو يذكر عنه..! ومن قبل فإن إحدي الصحف قامت بفبركة حديث كامل مع رجل الأعمال الهارب حسين سالم علي أنه انفراد. مع أن الأخير كان في وضع يستحيل معه الحديث أو أن يدلي بالآراء والتعليقات التي تدينه والتي نسبت إليه في الحديث..! ولكنها سمات مرحلة يرتكب فيها الإعلام ما يستحق ويستوجب المساءلة والمحاكمة..! فنحن أمام إعلام حاول النجاة بنفسه بعد سقوط النظام السابق. فانقلب عليه بشكل مبالغ فيه. وفي سبيل إثبات تحوله وإيمانه بالثورة. فإنه ساهم في تضليل الشعب والرأي العام بالبيانات والأخبار والتعليقات الكاذبة التي كانت سبباً في ضياع الحقيقة وزيادة مشاعر القلق والإحباط. ونعيد إلي الذاكرة ما قيل مثلاً في بدايات الثورة عن ثروة الرئيس السابق حيث قيل إنها 70 ملياراً من الدولارات. واشترك الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في ترديد هذه الأرقام مما أضفي عليها المصداقية والتأكيد. وعندما تم استدعاء هيكل لسؤاله عن مصدر معلوماته حول ثروة مبارك. قال إنها تعتمد علي ما يذكر في الصحف الغربية. أي أن كلام هيكل ايضا كان مبنياً علي تخمينات وإشاعات..! ولم يتوقف دور الإعلام عند ترديد الشائعات والمبالغات. بل انتقل إلي مرحلة التضليل والتخوين والتشويه. والانحياز السافر لتيار أو جماعات في لعبة فضائية تليفزيونية أصبحت تمثل مصدراً للكسب المادي الفاحش لعدد من الإعلاميين الذين لا يبحثون عن الحقيقة والمصلحة العامة قدر بحثهم عن البقاء في الأضواء وحصد الملايين التي هبطت عليهم من السماء..! ولأن الإعلام الفضائي أصبح "سبوبة" مجزية فإننا شاهدنا من يقود حزباً سياسياً ويقوم بالتدريس في الجامعة ويمثل الشعب في البرلمان ويظهر ضيفاً دائماً في كل البرامج واللقاءات يقوم ايضا بتقديم برنامج تليفزيوني. وكأنه لا يوجد في البلد إلا هذا الولد..! وكأن لديه الوقت ليقوم بكل هذه الأدوار..! والنتيجة بالطبع معروفة.. وهي أننا أصبحنا جميعاً نتكلم فقط.. وكل واحد منا يدعي أنه الأحق والأجدر وأنه وحده يقول الحقيقة أو يدعي ذلك.. ودخلنا في متاهة ما بعدها متاهة.. وأكاذيب تلو الأخري. وشائعات تتحول إلي حقائق. وشرفاء يفضلون أن يتواروا ويختفوا من علي خشبة المسرح. وأرزقية ومخادعون يعتلونه. وشعب يبحث عن الحقيقة في إعلام بلاده. فلا يجد إلا صورة من صور الفوضي التي يمر بها المجتمع كله.. ولا يجد إلا مرآة محطمة لا تظهر إلا أجزاءً من الحقيقة وتخفي الحقيقة كلها.. وكله في "الفبركة" هذه الأيام قد أصبح أستاذاً.. ولا تصدقوا ما جاء في مقدمة هذا المقال فهو ايضا "فبركة"..! ** ملحوظة أخيرة: هل تذكرون العالم الدكتور الأستاذ إبراهيم بدران. إن الكشف في عيادة هذا الطبيب الجليل عشرة جنيهات فقط. ولا يغادر عيادته إلا بعد الانتهاء من فحص كل الموجودين.. ادعوا له بالصحة وطول العمر.