ليس جديداً، ولا غريباً، أن تتسابق بعض أجهزة الإعلام مقروءة، أو مرئية لنشر وبث »قصة إخبارية« استمدت معلوماتها من مجهولين، أو من مصادر غير مطلعة علي أي شيء! عندما يحدث هذا.. كنا نتندر علي الصحيفة، أو الفضائية، التي تنشر أخباراً خيالية من أولها لآخرها، أو تلك التي عثرت علي خبر لا يستحق أكثر من سطور، وكلمات معدودة.. لكنها أضافت إليه وقائع وأحداثا لم تحدث أصلاً، لتخلق »من الحبة قبة« .. كما يقولون. حسنو النية.. أرجعوا هذه »الفبركة الإعلامية« إلي رغبة المسئولين عنها إلي زيادة توزيع الصحيفة، أو كسب مستمعين ومشاهدين جدد للفضائية أو لمحطة الإذاعة، وهو تصرّف غير مهني، يمكن التغاضي عنه مادام ليس في »الخبر الخيالي« ما يمس كرامة شخص، ولا يضر بمصداقية حكومة، ولا يسيء لسمعة وصيت شعب بأكمله! لكن الأمر اختلف كثيراً عندما تورطت بعض الصحف والفضائيات خلال الأيام القليلة الماضية في نشر، وبث، وعرض شائعة مفرطة من خيالها، وخطيرة في افتراءاتها، و تتعارض مع ألف باء المهنية الإعلامية منذ نشأتها وإلي اليوم! أقصد بذلك شائعة »الوعكة الصحية« التي قيل إنها ألمت بالرئيس حسني مبارك، واضطرته إلي السفر سراً إلي ألمانيا للعلاج! قبل اختلاق الشائعة.. كانت كل أجهزة الإعلام مشغولة بتغطية جولات الرئيس مبارك في مواقع الإنتاج، وبمقابلاته مع شخصيات مسئولة عربية، وأوروبية، وأفريقية، وباجتماعات عقدها مع رئيس الحكومة والعديد من الوزراء المعنيين بقضية أو بقضايا حيوية تشغل بال الرأي العام المحلي. صورالرئيس حسني مبارك، وتعليقاته، وتوجيهاته في كل هذه الزيارات واللقاءات كانت متألقة، طبيعية، ومعتادة.. متعه الله سبحانه وتعالي بموفور الصحة والعافية. هذا كله تناساه مروجو الشائعة الخيالية لا لشيء إلاّ لأن زيارة خاطفة لشرم الشيخ كان رئيس الحكومة الإسرائيلية سيقوم بها، وتأجلت لليوم التالي، ثم تأجلت للأسبوع التالي. وقتها كان العالم كله مشغولاً بسفينة المعونات التي قررت ليبيا إبحارها إلي ميناء غزة، وإصرار إسرائيل علي منع اقترابها حتي لو اضطرت لاستخدام القوة! كثيرون أنا من بينهم ربطوا بين تأجيل زيارة »نتانياهو« لشرم الشيخ، وبين أزمة السفينة الليبية وخطر التعرض الإسرائيلي لها بوحداتها البحرية.. ولم يكن من المعقول ولا المقبول أن تتم زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية لمصر قبل حل هذه الأزمة سلمياً. وللأسف فاجأتنا صحيفة إسرائيلية واسعة الانتشار بنشر شائعة »وعكة الرئيس الصحية«، والتأكيد علي وصوله إلي ألمانيا لتلقي العلاج(..). الأغرب من »فبركة« الصحيفة الإسرائيلية، أن بعض الفضائيات علي رأسها القناة القطرية »الجزيرة« تلقفت هذا الخبر، وتعاملت معه كحدث جلل: بثاً، وعرضاً، وتكراراً علي مدار الساعة! وفي غياب تكذيب رسمي مصري، التقطت بعض أجهزتنا الإعلامية »الشائعة« وأعيد نشرها، وبثها، وإن اكتفوا بنسبها إلي الصحيفة الإسرائيلية، أو إلي »الجزيرة«.. رغم معرفتنا جميعاً ب »هول« المحبة التي تكنّها هذه وتلك.. لمصر، وشعبها، وزعامتها! وبتصعيد لا سقف له.. انتقلت الشائعة إلي نشرات أجهزة إعلامية عربية، وأوروبية، وأمريكية، مع إضافات وتحليلات وتوقعات وسيناريوهات لا أول لها ولا آخر! ويمكن تفهم ما فعلته أجهزة الإعلام الخارجية ربما لثقة المسئولين عنها في إلتزام الصحيفة الإسرائيلية والفضائية القطرية بألف باء المهنية، ولا تتخيل أن هذه أو تلك تجرؤ علي نشر أو بث خبر بمثل هذه الأهمية دون التأكد من حدوثه فعلاً! ويمكن لأي مسئول عن صحيفة أو فضائية خارجية أن يدافع عن نفسه متسائلاً: »ماذا في استطاعتنا أن نفعل مادامت بعض الفضائيات والصحف المصرية المصرية، وعشرات المواقع والمدونات الألكترونية المصرية، نشرت وبثت خبر »الوعكة الصحية« نقلاً عن المصدرين المعنيين المفبركين في حين لم تكلف السلطات المصرية نفسها بتكذيب الشائعة جملة وتفصيلاً؟!«. التساؤل لا اعتراض عليه.. وإن كنت أتمني لو أن الإعلام الخارجي فعل مع »الخبر« ما فعلته بعض الصحف العربية مثل: »الشرق الأوسط« السعودية، و»المصري اليوم« المصرية وسألت مصادرها لدي السلطات المصرية ونقلت عنها تكذيباً رسمياً وقاطعاً لكل ما قيل ويقال عن »الوعكة المزعومة«. وبعدها.. تنبهت رئاسة مجلس الوزراء أخيراً جداً إلي »الحبة التي أصبحت قبة« وتلا المتحدث الرسمي باسمها »بيان التكذيب« الذي للأسف لم يقنع كثيرين خاصة زملاء المهنة في العديد من أجهزة الإعلام التي تورطت في تأكيداتها المفبركة.. علي مدي الأيام العديدة السابقة! لقد حرصت من جانبي علي متابعة ما كتبه، وبثه، هؤلاء بعد أن تبين عدم صحة »الخبر«، وظهور الرئيس حسني مبارك في كامل صحته وعافيته وقدراته في الاحتفال بتخريج دفعة جديدة في كلية الطيران. المؤسف أكثر منه طرافة أن بعض هؤلاء ما يزال مصرّاً علي أن »الوعكة« صحيحة، وأن الرئيس مبارك سافر فعلاً إلي ألمانياً سراً.. وعاد منها أكثر سرية(..) إبراهيم سعده [email protected]