ازدهرت صحافة الجريمة في الآونة الآخيرة نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بداية من انهيار داخلية العدلي و محاكمات رموز النظام السابق وما يدور فيها من اسرار وحكايات وصولا الي الانتشار المنظم للبلطجية المدججين بالأسلحة البيضاء والسوداء وكذلك المولوتوف لخلق مناخ فوضوي داخل المجتمع، فالمشهد العام مربك ومحير ومثير للقلق ويحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام ولكنه يمثل مادة خصبة جدا لازدهار صحافة الحوادث التي لم تعد قاصرة علي الصفحات الداخلية بالصحيفة بل تحول الجورنال كله الي اخبار حوادث ولم يعد هناك صحفي محدد يعمل علي تغطية الجريمة فجميع فريق العمل داخل الصحيفة يعمل علي متابعة الحوادث بداية من رئيس التحرير وكتَّاب الأعمدة وكذلك صحفي الإعلانات، فلقد تراجع الاهتمام بالإعلانات في مقابل ازدهار الجرائم السياسية وأخبار الفتن والصراعات الدينية مما قد يؤدي الي تحول الصحف المعتدلة الي صفراء بسبب الإفراط في تناول قضايا الحوادث، فهناك وفرة في المعلومات بشكل غير مسبوق فهذا المشهد بما فيه من سلبيات وايجابيات نادرا ما يحدث، فغالبية رموز المجتمع إما عند مكتب النائب العام لتقديم بلاغات ضد رموز النظام السابق لتصفية حسابات قديمة او امام جهاز الكسب غير المشروع لتحقيق معهم نتيجة لتضخم ثرواتهم، وفي أجواء هذا التخبط نجد هناك العديد من اصابع الاتهام موجهة للصحف في تناولها لأخبار الحوادث الآن منها علي سبيل المثال التعمد الإثارة والمبالغات في عرض الجرائم سواء كانت الجرائم سياسية او جنائية نظرا لغياب الرقابة علي الصحف فهناك مبالغات رخيصة في استخدام صور وارقام مفبركة لزيادة معدلات التوزيع علي حساب البلد نظرا لآن الجريمة اصبحت رقم واحد في اهتمامات القارئ، وتعد شائعة العفو عن مبارك وزوجته من أخطر الشائعات التي انتشرت علي الصحف ومواقع الإنترنت وكادت تسبب أزمة سياسية لولا تدخل المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتأكيد نفيها والتحقيق مع الصحفي الذي روج لها. من هذا المنطلق نستطيع ان نقرأ كلمة المشير طنطاوي القائد الأعلي للقوات المسلحة والذي وجه فيها كلمة للإعلام اثناء تخريج دفعة جديدة من الضباط، حيث ناشد الإعلام ان يتقي الله فيما يعرض من معلومات وضرورة الابتعاد عن منهج التحريض والتشكيك ونشر الشائعات في معالجة القضايا المطروحة علي الساحة مما قد يضر بالمصلحة العامة للبلاد . يحذر الأستاذ جابر القرموطي مقدم برنامج «مانشيت» من خطورة الافراط في استخدام كلمة "بلطجي" في الصحف مما قد يثير حالة من الذعر لدي الناس، فالجورنال تحول من صفحة حوادث الي صحيفة حوادث فأخشي ان تتحول الصحف الي صفراء بسبب الإفراط في تتناول قضايا الحوادث ولا يوجد حقائق مؤكدة فصحافتنا الآن هي صحافة حوادث تلبية لرغبة القارئ وهذا يمثل خطورة علي المجتمع لذا يجب علي الصحف ان تعيد النظر في طريقة تعاملها مع القضايا نظرا للأوضاع التي تمر بها البلاد يشير القرموطي الي ان الحديث عن «حسني مبارك» ساعد علي زيادة توزيع الصحف فهناك صحف تخصص صفحات عن حالته الصحية وأخري عن ثرواته ، فالقارئ لديه شغف لتعرف علي اي معلومة تخص مبارك لذا نجد عددا من الصحف تركز علي هذا الوتر بغض النظر عن ان المعلومة سليمة او مجرد اشاعة، فأي شيء يتعلق بمبارك هو مثير للقارئ ومكسب مادي للصحيفة، فاخبار الجريمة الآن لا تقف عند مصدر وزارة الداخلية بل اصبحت لدي جهاز الكسب غير المشروع فهناك سباق بين الصحف في فرد مساحات لإظهار مدي ضعف النظام السابق والحديث عن الفلوس المنهوبة، فجهاز الكسب غير المشروع يستمع الي كل من لديه معلومة موثقة عن ثروات الرئيس السابق ومنهم الكاتب الكبير هيكل الذي قد تحدث عن ان لديه معلومات تشير الي ان ثروات مبارك تتراوح بين (9-11مليار جنيه) فالكلمة الأخيرة متروكة للقضاء وهو لم يعلنها حتي الآن . جورنال أخبار الحوادث ومن التغييرات التي طرأت علي واقع صحافة الحوادث بعد الثورة هو عودة مجلة اخبار الحوادث الي شكلها القديم لتصبح جورنال وتخفيض سعره الي جنيه بدلا من جنيه ونصف الجنيه ولم يتوقف التغيير عند هذا الحد فلقد أعلنت الصحيفة علي صفحتها علي الفيس بوك انها قد غيرت من سياستها التحريرية بعد ان قامت بنفض تراب النظام السابق عنها لتعبر عن القارئ وليس النظام وعبرت عن هذا التوجه الجديد من خلال عبارة"نحن ننتظر آراءكم وملاحظاتكم علي كل عدد وليس ملاحظات النظام" للوقوف علي ملامح هذا التغيير تحدثنا مع الأستاذ وائل ابو السعود رئيس تحرير جريدة الحوادث، والذي قال "نحن نعيش الآن في أزهي عصورنا الصحفية فبعد الانهيار الذي لحق بوزارة الداخلية أثناء الثورة تغيرت طبيعة المهنة فلقد اختفي التعامل الرسمي مع الجريمة وهو ان يتصل الصحفي بالرتبة للتعرف علي وقائع الجريمة في مقابل ان يذكر اسمه في محتوي الخبر فالصحفي أصبح يعتمد علي نفسه في الوصول الي الحقيقة فلم يعد من الضرورة ان يحتوي الخبر عل أسماء الضباط، كما أن الظروف الآن منحت الصحفي تسهيلات في الدخول الي اي قسم بدون تصريح من وزارة الداخلية فالرقابة الآن تنبع من داخل الصحفي. ويؤكد ابو السعود ارتفاع معدلات التوزيع الجريدة بعد تخفيض سعرها وتحولها الي جورنال، ويضيف الي ذلك ان الجريدة طورت في فن الكتابة والإخراج لمواكبة الحدث فلا يوجد سقف في تناولنا لأي قضية فمن حق الجمهور علينا ان يعلم ما يحدث داخل المحاكمات من حكايات وأسرار. الجرائم السياسية ويشير الي ان الجريمة الآن أصبحت سياسية بعد دخول كل أفراد النظام السابق في السجن، فنحن نعمل عند الشعب وليس عند المسئولين وهذا من اهم مكتسبات الثورة . حول ما يدور من جدل حول محاكمات النظام السابق يقول لابد من الاسراع في هذا الأمر لأن اي تباطؤ يثير قلق الكثير فدورنا هو نقل الصورة واضحة عما يجري داخل هذه المحاكمات، فهناك قدر كبير من المنافسة والفاصل هو أرقام التوزيع ومدي مصداقية الخبر لذا فهو يحذر من ان هناك انواعا من الصحف (تحت السلم) تلجأ الي الإثارة والفبركة. وعن الانفرادات التي تميزت بها جريدة أخبار الحوداث في الآونة الأخيرة، يقول "انفرادنا بالحظات القبض علي عادل لبيب المتهم بإحداث امبابة، وكذلك تفاصيل التحقيقات التي اجريت مع حبيب العادلي ورجاله، فهناك وفرة في الأخبار ولكن طبيعة المرحلة تفرض علينا ضرورة الفرز، فنحن نرفض التعامل مع المصادر المجهولة. وفرة في الأخبار لكن محاولة منا السرعة في مواكبة الحدث تم عمل باب جديد في الجورنال تحت اسم"انت محرر الحوادث" من خلال هذا الباب نستعين بالفيديوهات الموجودة لدي اي قارئ تعبر عن حادثة في مكان ما ومن خلال هذا الباب حققنا مجموعة من الانفرادات منها صور حريق كبير في الشرابية وكان من خلال فيديو لأحد سكان المنطقة، ولقد ادي تلاحق الجرائم الي حدوث ارتباك في صورة الغلاف، فكل يوم جريمة جديدة تفرض نفسها علي الساحة فنلجأ الي تغيير الغلاف في آخر لحظة، ولقد انفردنا بمعلومات عن الهيكل الجديد لجهاز الأمن الوطني " يعلق السيد نعيم نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية علي هذا المشهد الصحفي المرتبك قائلا"بالتأكيد تغيرت نوعية الجريمة بعد الثورة نظرا للغياب الأمني وانتشار الأسلحة مع البلطجية واقتحام السجون لذا كان علي الصحف ملاحقة الأحداث ولكن التغطية شابها الكثير من الإثارة والمبالغات وذلك علي حساب المحتوي المهني وهذا النوع من الجرائم يثير الخوف والقلق في نفوس الناس، فعرض مساحات كبيرة للجريمة يوصل رسالة خاطئة وهو خلق نوع من الجرأة والوقاحة عند من لديهم ميول اجرامية. غياب الرقابة ويشير الي ان جريدة الوفد بالغت في عرض الصور الخاصة في حادثة امبابة، فأنا أرفض أستخدام المانشيتات المثيرة في الصفحات الأولي فهي مبالغات رخيصة وتخلق جوا ملتهبا يضر بالمجتمع ولاسيما في ضوء غياب الرقابة من جانب نقابة الصحفيين فهناك حرية مطلقة في ظل الحديث عن الغاء المجلس الأعلي للصحافة، لذا فهو يحذر من استخدام الأرقام المفبركة وركوب موجة التشكيك في كل شيء و90% من القصص والصور عن كبار المسئوليين مبالغا فيها لخلق نوع من الإثارة لخلخلة المجتمع ولكن مع الوقت يعي القارئ الحقيقة، ويشير الي ان ملحق دموع الندم سيطرأ عليه تغيير علي المحتوي والإخراج لمواكبة الثورة. الصحفي المواطن ويعبر الأستاذ محمد شمروخ الصحفي بالأهرام، عن أسفه لسيطرة مدرسة الإثارة علي أغلب الصحف وتراجع دور الصحف في نشر الوعي، ويرفض انتشار ظاهرة الصحفي المواطن المنتشرة علي الإنترنت لأنه غير متخصص ويفقد معيار المهنية ولكن يمكن استخدامها كعامل مساعد، فصورة «كاميليا شحاتة» التي خلقت فتنة طائفية هي صورة مفبركة، وكذلك الأرقام المفبركة التي نشرت علي مواقع الإنترنت واستعانت بها الصحف حول جرائم الأموال العامة ولم تعتمد علي مصادر موثوق فيها وانما مجرد محاولة لتصفية حسابات وتشويش الرأي العام، ففبركة الأخبار تمثل خطرا كبيرا علي الأمن القومي فلقد انتشرت شائعة في الأونة الأخيرة حول العفو عن مبارك أحدثت بلبلة كبيرة في الشارع المصري مما دفع المجلس الأعلي للقوات المسلحة التحقيق مع الصحفي المسئول عنها، فلابد من الامتناع عن التعامل مع المصدر المجهول لأنه يخلق جوا من الشك والإثارة، فالرسالة الصحفية هي رسالة تنويرية وليست تضليلية.