قارئ الأدب العربي لم يعد بحاجة لأوهام وخيالات أصبحت ترهقه في ظل الواقع المرير الذي أصبحنا نعيشه.. لذا أصبح متعطشاً للأدب الواقعي. وربما مل أيضاً من تقنيات الابداع السيريالية أو الرمزية أو حتي الواقعية بشكلها التقليدي والتي أصبحت عاجزة عن التعبير بالقوة المطلوبة والعمق المنشود عن الأحداث الدراماتيكية المتلاحقة لمشكلات العصر كما قال جودت هوشيار في دراسة كبيرة كتبت عن الرواية بين الخيال والواقع. وقد يري العض أن ثمة اختلافاً وتناقضاً بين الرواية الخيالية والرواية الوثائقية.. ففي الأولي يتخفي المؤلف وراء الراوي العليم أو الضمير أو أي شكل من تقنيات الحكي مستخدما الحيل الفنية التقليدية من "فلاش باك" أو غيره مما يراه مناسباً لنسج أحداث روايته كما يراها متحكماً في لغة الحوار والسرد وحيل الشخصيات ليصل للقارئ.. ومؤلف الرواية الوثائقية لا يتدخل إلا بعبقرية الفكرة والتقاط خيط البداية حيث تكتب الرواية نفسها لأنها نقلاً عن الواقع وان كل ما يقدمه المؤلف عدة ملاحظات وتحليلات له وربما لغيره ممن عاصروا الأحداث. لكننا لو تأملنا نجد أنه لا فرق بين النوعين حيث ان الفكرة في العمل أولاً وأخيراً هي للمؤلف وتكون جودة العمل من عبقرية الفكرة واختلاف طرق تناولها حيث الأفكار علي قارعة الطريق كما قال الجاحظ.. المهم كيف يتناولها المؤلف ويعبر عنها.. وكذلك الذكاء في اختيار مستوي اللغة المعبرة عن الأحداث سرداً وحواراً.. وبناء علي ما سبق فهذا التناقض ظاهري. وفي أحدث روايات هشام فياض "الجورنيكا" يأتي السؤال: ماذا لو أصبحت الرواية الواقعية المعتمدة التوثيق التاريخ منهجاً لاحداثها.. حتيث يتناول تاريخ الثورات المصرية أو أهمها بداية من ثورة يوليو وتأثيرها علي المجتمع حتي اللحظة الآنية.. فماذا لو بني الواقع علي فكرة خيالية فأصبحت الرواية وثائقية تاريخية خيالية.. بل استشرافية أيضاً لعدة أحداث ربما تحقق بعضها حتي قبيل طباعة العمل بأسابيع قليلة كما حدث في الفصل الثاني والأربعين والثالث والأربعين في رواية هشام فياض "الجورنيكا" نحن أمام رواية لا تبحث عن كيفية اعادة انتاج الماضي.. بل الموضوع هو.. عودة الروح المسلوبة لوطن منزوع القومية والهوية.. ولكي يعودا لابد من إعادة انتاج الماضي بعودة عبد الناصر والسادات.. هو ينادي بقوة من خلال روايته بضرورة عودة حلم القومية العربية التي نادي بها وسعي اليها عبد الناصر.. وكذلك استدعاء عصر القوة من خلال عودة السادات الذي منح مصر قوتها وعزها بداية بنصر أكتوبر مروراً بخلقه كرامة شعبه ووطنه الذي أهين من بعده في عصور الانحطاط التي مررنا بها في عصر مبارك حيث التغييب للعقل والتجريف للوعي. المؤلف وهو يستعيد المجد القديم من خلال استنساخ عبد الناصر والسادات وإعادتهما للحياة.. كان لابد أن يغذي عقليهما بالمعلومات الجديدة والمستحدثة والتي جاء فيها استشراف المؤلف لعدة أحداث علي مستوي وطننا العربي وكذلك المجتمع الغربي. بل نجد توقعات بدت وكأنها حلم ورغبة أو لنقل أمنية للكاتب ولملايين الأحرار ممن مارست عليهم الولاياتالمتحدةالأمريكية عهرها السياسي يحلمون نفس الحلم وهو بداية السقوط والانقسامات للخلاص من هيمنة أمريكا ورغبة في تحقيق نبوءة جويل غارو والتي تنبأت بتفكيك الولاياتالمتحدةالأمريكية الي تسع دول.. ورغم أن الفكرة تنتمي لأدب الخيال العلمي وهي الاستنساخ للزعيمين الراحلين ناصر والسادات.. ومن الخيال انتقل للجانب التوثيقي لأحداث مرت بها مصر والوطن العربي.. مروراً بالكتابة أو التوقعات الاستشرافية وقراءة المستقبل من خلال تحليل الأحداث.. الرواية صدرت عن دار إيزيس للفنون والنشر.