المؤتمر يقدم مجموعة من الرؤي والزوايا التي تنفق في حاجتنا الملحة إلي إعادة النظر لثقافتنا. وضرورة خلوها من سلبيات التطرف والعنف. وتهديد أمن وسلامة الوطن. وأمن وسلامة المجتمع الإنساني بعامة. نظمت المؤتمر لجنة الثقافة باتحاد الكتاب. شارك فيه بكلمات ومداخلات عدد من كبار المبدعين والمفكرين. عبروا عن قيم التسامح والمحبة والوعي المقاوم لكل أشكال التعصب. والقهر. وأهدوا مداخلاتهم لعملين كبيرين راحلين هما الروائي دوار الخراط والشاعر واللغوي حماسة عبد اللطيف. يري د.طلعت عبدالحميد أن هناك علاقة بين عدم تدريس الفلسفة في معظم مراحل التعليم. ونمو الاتجاهات التعصبية عند كثير من المتعلمين.. وفي تأصيله لظاهرة التعصب يرجع إلي آراء الفيلسوف العربي ابن رشد وامتداداتها في آراء الفلاسفة المعاصرين. ويتوقف عند مفهوم الدولة الحديثة العلمانية الذي يقوم علي مفهوم المواطنة بالحقوق والواجبات دون تمييز بين المواطنين. من خلال محاولة الإجابة عن السؤال: ما مدي التسامح وانفتاح العقل والوجدان علي مباديء المواطنة؟ ويذهب د.عبدالناصر حسن إلي أن ثقافة التساؤل تعنينا. لأنها هي الأداة الناجزة التي تستكشف لنا رؤية ثاقبة يزداد من خلالها وعينا. وتنمو معرفتنا بالأشياء. هذه الثقافة متجذرة في الوعي الإنساني وغير الإنساني.. أليست جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من المعرفة والثقافة. بل والطبيعة الإنسانية بشكل عام؟ فلسفة السؤال في ذاتها تجذير للفهم العميق الذي نريد أن يكون متطلباً أساسياً للوعي المعرفي الحديث. لكننا لكي نصل إلي هذا الوعي ثقافة التساؤل. نحتاج إلي تطوير أدواتنا اللغوية والمعرفية. بل والحضارية. دين الحياة أما عن تجديد الخطاب الديني. فيشير د.سعد أبوالرضا في البداية إلي أن الإسلام دين الحياة. ومن ثم لابد أن يواكب خطابنا الديني هذا المفهوم الشامل للدين. ليتسع لكل جوانب حياتنا المعاصرة. وهو ما يتطلب إعادة النظر في هذا الخطاب لتطويره. وتطوير أساليب الدعوة إليه. ويجب مخاطبة العقل وتوظيف العلم لتصحيح المفاهيم المغلوطة. وتقويم الأفكار الخاطئة. معتمداً علي أسس موضوعية. ليتجلي الجانب الإنساني في تعاليم الإنسان ومبادئه. وملائمته لحياة الإنسان في كل زمان ومكان. وتأكيد رفضه للإرهاب والتعصب. يجب ألا نشدد علي الناس في الخطاب الديني. ونحن في عصر يحتاج التخفيف والتيسير. ويجب ألا نغفل تغير الزمان والمكان والأحوال علي الفتاوي. وتقرير الأحكام. يؤكد د.أبوالرضا ضرورة تشجيع الحوار مع الآخر. حيث إن الحوار سمة إسلامية. إضافة إلي ترشيد الآراء والاجتهادات. الأمر الذي يؤدي إلي الاتفاق المجتمعي. عن تجديد الخطاب الديني. تري فريدة النقاش أن شروطاً مهمة يجب مراعاتها في عملية التجديد. فمن الواقع الذي نعيشه تنطلق فريدة النقاش قائلة: لو أننا نظرنا بعمق في آليات اشتغال خطاب التطرف الديني التكفيري. فسنجد أنها تتكر. كأنها تعيد إنتاج ذاتها وإن بلغة أخري في صلب الخطابين السياسي والثقافي. ويؤدي مبدأ السمع والطاعة تلقائياً إلي التكتم والغموض. مع الغياب الكامل للشفافية.. أنت هنا يا ولدي لتسمع وتتعلم ولست في مقام السؤال. والعالم لدي التكفيريين في تقدير فريدة النقاش يتقسم إلي خير وشر. الخير يمثلونه هم. والشر هو كل من لم يذعن لهم. وهي الثنائية الأبدية التي يسترشدون بها.. هذه فقط بعض الآليات الرئيسية في المنظومة المعرفية للتكفيريين الذين ينطلقون من قراءاتهم الخاصة للنصوص الدينية. وقد خرجت كل منظماتهم من عباءة جماعة الإخوان المسلمين. وإذا ما حللنا الخطابات السياسية الرئيسية في المنطقة العربية. وفي العالم الإسلامي. فسوف نجد أنها في الأغلب تستخدم نفس هذه الآليات. ولو بلغة مغايرة. بل إنها كثيراً ما تسعي لإكساب خطابها شرعية بنسبته إلي الدين. وإضفاء قداسة علي السياسة حتي يكون من السهل بعد ذلك إلي تأليه الدكتور أو الرئيس أو الزعيم الملهم. والحق أن الجمود الذهني هو أهم أسباب التعصب. حيث يعجز الإنسان عن تغيير وجهة نظرة. ثمة كيمياء للدين وكيمياء للتدين. تفاعلات الدين يمكن أن تكون نوعاً من من المتاجرة أو الرياء. أما لو زادت بالمصادفة شيئاً. فهي تتطور إلي مرحلة التدين. وتفاعلات التدين تتحقق أما باستنارة ووسطية وممارسة حياة طبيعية. أو بالتقوقع والهروب من المجتمع إلي داخل الروح. وهو منهج المتصوفة والدراويش. أو بالتشدد والتكفير والتعصب الأعمي والانغلاق. مما يؤدي إلي الخروج من الحياة الطبيعية للناس. وهو ما نسميه التطرف. وتتفاعل خلايا التدين في الإنسان مع حرصه علي أخذ نصيبه من الدنيا. فتنتج إنساناً وسطياً مسالماً. يتواءم ويتلاحم مع البشر والحجر. أما المتطرف فيتغلب عنده جانباً فقد التشدد علي فقه اليسر. فيبهر بفقهاء العلو والمبالغة. معارك أدبية ويسرد د.مدحت الجيار المعارك الأدبية ضد الانغلاق والإرهاب. كانت خلافات المفكرين والأدباء محكومة بهذه التربية الأخلاقية السائدة في مصر. مع ما استوعبوه من الثقافة الغربية. بنيما الهدف واضح لهم جميعاً وهو الحرية. والخلاص من المستعمر. والتخلص من التفكير المغلق الذي من أن يفضي إلي الإرهاب.. هناك معركة الشعر الجاهلي لطه حسين. والإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق. والديوان للمازني والعقاد وغيرها. وعن السينما المصرية والاستنارة يري د.أحمد فؤاد درويش أن الفن أساس لثقافة الوجدان ضد التعصب.. الجانب العلمي هو الهدف من الاستنارة. لأن الجماهير هي المستهدف الأول من أية عملية تنوير للجماهير. المبدع المزور هو الذي يغرس قيم التعصب في شكل فني. قوامه الحس المرهف. ولتقنية شديدة التقدم. والمضمون هنا يوظف الشكل الفني الحاذق للدعوة إلي قيم لا صلة لها بالإنسانية ولا بالتوحد الأممي بين البشر في كل الدنيا.. إذا اقتفينا أثر الابداع السينمائي علي المتلقي. سواء في الأفلام العربية والأمريكية. فسنجد نماذج كان لها دور في تنوير المشاهد. ونماذج أخري دعت إلي الخرافة والدجل والشعوذة. يؤكد د.أحمد أحمد فؤاد درويش علي جهود كبار المخرجين المصريين بداية من كمال سليم وكامل التلمساني وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح. حتي الأفلام الرومانسية أو التجارية كانت تضم رسالة هادفة تحمل رؤية تنويرية. والنص الإبداعي في رأي الفنان أحمد الجنايني محاولة جادة لمصالحة الذات. ورسم وجداناتها في لحظات صدق. تتلاشي عندها ملامح التعصب الفكري أو الذهني. وتصبح المسافة بين اللون علي المسطح وانفعالات الوجدان محض ارتباط للتصور الجمالي بشقيه الفلسفي والبصري. فما يقدمه الفن يدشن في النهاية لملامح إنسانيه. فهي رؤي بصرية ووجدانية أسمي. فكرة الإبداع تتعارض مع التعصب في كل حالاته. وتنسق بالضرورة مع ماهية الاستنارة التي تحمل اكتشافات متعددة. هي بمثابة مصابيح تجعل الطريق بين النص الابداعي وضمير المتلقي مسكوناً بجماليات لا تحدها الأفكار المسبقة. ولا تكبلها الحقائق الجامدة. فيصبح النص تشكيلياً كان أم أدبياً نسيجاً لنص غير مكتمل. وعن الفارق بين التسامح والتعصب يتناول د.حسين حمودة رواية نعيم صبري "شبرا" التي تناهض عالماً بعالم مستعاد.. شبرا الذاهبة. أو الآفلة. في مواجهة محيط زاحف ضاغط مطبق. مستبعد لقيم التقارب والتسامح والمحبة والتآلف. في هذا الابتعاث نشهد شبرا التي كانت المستدعاة من غياب وشيك. أشبه بجنة أرضية أو فردوس استطاع البشر المحددون بالأسماء أن يشيِّدوه. وأن يرسموا معالمه. وأن يقاوموا به ألواناً عدة من الجحيم. من التعصب وضيق الصدر والأفق. والتنفس إلي حد القتل. والرغبة في الإزاحة والفني.. ذلك ما يبين كذلك في روايات لا أحد ينام في الإسكندرية لإبراهيم عبدالمجيد. وخالتي صفية والدير لبهاء طاهر. وغيرها. التسامح والمحبة هي "التيمة" التي تجمع هذه الروايات. فهي تجارب العنف والتعصب ونفي الآخر. وتؤمن بالمحبة والتسامح وعيش الجميع في أمان وسلام.